الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حليف السام للعم سام

كمال الدين

2013 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بعد البلبلة التى أثيرت، عندما أدان البيت الأبيض تصريحات رئيس الجمهورية -محمد مرسى- بشأن محتلى الأراضى الفلسطينية، ووضفه لهم بأحفاد القردة والخنازير فى العام ٢٠١٠، فقد ثارت البلبلة حول إذا ما كان الرئيس الذى لم يكن حينها رئيسا يقصد اليهود -الذين ينتمون إلى الديانة اليهودية- أم أنه قصد الدولة الإسرائيلية التى يعتبرها معظم العرب احتلال غاشم فاقد لشرعية تواجده على هذه الأرض.

هذه البلبلة إنما بزغت من التخوف الظاهر فى حال توجيه تهمة معاداة السامية إلى رئيس الجمهورية المصرية فى وقتنا الحالى، والكل يعرف ما هذه التهمة وإن لم يكن البعض على دراية بتاريخيتها. من أبرز من وجهت لهم هذه التهمة الفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى، الذى تحول إلى الإسلام وأطلق على نفسه اسم رجاء، وصاحب نظرية الهرطقة فى السياسة؛ ولقد عنى بها: جعل الدين أداة للسياسة، عن طريق إضفاء القداسة إليها بقراءة حرفية وانتقائية للنص المقدس.

ولقد تم إعدام جارودى إعلاميا، ونفيه أدبيا، وأمسى عاجزا عن نشر كتبه التى قام بنشرها على نفقته الخاصة، بعد حملات من التشويه لم يسلم منها فانتهى فى موقف غير محسود، وانتهى جارودى إلى الأبد.

لكن الأمر يختلف قليلا فى حال مقارنة جارودى بمرسى، فموقفهما يتفاوتان من حيث الصبغة الأمريكية التى ترعى العمليات من هذا النوع. فجارودى كان عدوا حقيقيا للسياسة الإسرائيلية، وكان يكره أكثر ما يكره كسو السياسة بعباءة الدين، ووجه الانتقاد ضد الأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، فقال عن الأخير أن التطرف الدينى هو مرضه، وقال إن المسيح يسوع ليس مسيح بولس فى إشارة منه إلى البابا، وفى النهاية نشر كتاب حمل عنوان: الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ولقد لاقى هذا الكتاب إقبالا لا بأس به من شباب العرب، وتعنف المترجمين فى تقديمه ضد الصهاينة، وغالوا فيما حدث مع جارودى وما تلقاه من تلفيقات.

لكن المفارقة العجيبة كانت من الناشر الذى أبدى أسبابا لاضطهاد جارودى لم يذكرها فى كتابه.

فى حال مرسى يختلف الأمر كما ذكر، لأن الأمور جذرية سياسية، فأين كان تذمر البيت الأبيض منذ تولى مرسى السلطة، ولماذا تم السكوت ما يقرب من ثلاثة أعوام على فعل يعده البيت الأبيض عدوانى يحمل كبير خطر؟

رؤيتى الخاصة قد لا تتسق ورؤا آخرين، فإنى أرى أن السبب الرئيسى هو بحث الإدارة الأمريكية عن حليف آخر غير الإخوان المسلمين؛ من المعروف عالميا أن الولايات المتحدة هى أكبر ممول للحركات الأصولية الإسلامية فى جميع أنحاء العالم، ولقد أسست طالبان ودعمتها فى بادئ الأمر إبان حربهم ضد السوفيت، كذلك تنظيم القاعدة، لكن بعد أن تنتهى أدوار هاته الحركات وجب التخلص منها لئلا تسبب عقبة فى طريق أخذت فى رسمه الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية.

لكن كل الجماعات تقع فى نفس الخطأ؛ موالاة الولايات ظنا منها أنها قادرة على الوقوف أمامها وتحديها بل محاربتها والانتصار عليها، وهذا بالتأكيد يتنافى مع التاريخ الأمريكى فى تدعيمه/حربه الأصولية.

لا شك أن الذكرى الثانية للثورة المصرية تحمل الكثير من التوقعات كما تحتمل كثير من الأحداث الغير متوقعة، علاوة على ذلك لقد تآكلت شعبية الإسلاميين فى دول الربيع العربى، وإن لم تتآكل فلقد ساهمت الصحف الأمريكية فى الترويج لهذا التآكل. كما أن جماعة الإخوان باعتبارها المتسلط الحالى الحليف الذى يقع على عاتقه عبء حمل الاقتصاد الأمريكى قد أبدى فشلا ذريعا فى السيطرة على الغضب فى الشارع المصرى، وفى حال تصديه للغضب لن يتوانى العم سام وسيقوم بتسديد أشد الضربات اللائمة ضسوة باسم حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التظاهر والتعبير… إلخ، هذا غير أن الاقتصاد الأمريكى معظمه يصب فى شركات أجنبية -غيرأمريكية- كالصين وتركيا اللتان تعتمد عليهما السوق المصرية بشكل ملحوظ، فإن تعطلت الشركات تعطل على الفور الاقتصاد الأمريكيى فى ظل السياسة الغير المستقرة التى تحكم مصر، وهذا كاف لإدارة البيت الأبيض فى إعادة فتح ملف الإخوان وإعادة النظر فى الحليف الشرق أوسطى.

يرى كثر أن الجيش المصرى هو المرشح والمحتمل الأول، لكن بغض النظر عن الانزعاج الشعبى لإعادة عسكرة الدولة من الجهة التنفيذية… إلخ، سيتجه البيت الأبيض إلى استدراج حليف مدنى؛ المرشح الأقوى: حمدين صباحى. لأن فى حال اللجوء إلى حليف عسكرى كان الأولى أن يكون المشير طنطاوى أو الفريق عنان أو الفريق شفيق نظرا لتمتع ثلاثتهم بشعبية لا بأس بها تضمن لهم النجاح الانتخابى بتزوير طفيف، كما أن حمدين قد يتفوق على المرشح الثانى وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى فى تملقه وإيجاده حسن الخطابة؛ فحمدين صباحى ديماغوجى من الدرجة الأولى، التى تضمن ولاء الشعب له، أيضا يمتلك صفة لا يمتلكها موسى: شهدت له مصر كلها بمعارضته النظام السابق.

بطريقة او بأخرى البرادعى مستبعد لسبب أو لآخر، فمن كان يمد النظام السابق ولا يزال يمد الإسلاميين بما يتسق مع أيدولوجية كل نظام على حدته بالمعلومات اللازمة لتشويه صورته وتحويله إلى بطة عرجاء غير العم سام؟ فبأى حال من الأحوال ليسوا بعض النشطاء الإلكترونيين الذين يغارون على دينهم.

الانقلاب العسكرى ضئيل الاحتمال لسببن: أولا، غياب مبرر قاطع لانقلاب الجيش؛ ثانيا، جل ما يهم الجيش هو استقرار استحواذه على الأربعين بالمائة من اقتصاد الدولة، فإن بقى هذا الاستحواذ بمأمن فلا حاجة للجيش للانقلاب، على الأقل فى الوقت الحالى. لكن فى حال سيل مزيد من الدماء تتسبب فيه مجموعات من الشعب ضد بعضها البعض، ويشترط اتمرار سيل الدماء بضعة أيام مشكلة نموذجا طفوليا للحرب الأهلية، ففى هذه الحال يتدخل الجيش واضعا حدود، ولن يتهاون فى تمزيق الإسلاميين.
الجيش بصورة أو بأخرى يتدخل فى السياسات العامة للدولة من وراء الستار، ولقد ضمن مكانته من الدستور الجديد، ويظل النشطاء يتساءلون عن سر التخبط الصريح فيما يتعلق بإمكانية خضوع المدنيين للمحاكمات العسكرية دستوريا؛ لأن الجيش يمتلك فى قبضته أكثر من أربعين بالمائة من الاقتصاد -وهذا وحده الرسمى المعلن- وإن يتأثر الاقتصاد المصرى بمؤثرات السياسة ويتدهور لا يمس اقتصاد الجيش ولا الجيش ذاته بسوء، يظل محافظا على هيبته ورونقه المعهودين، كذلك له معونة الولايات المتحدة وشروطها بالتأكيد، فيجب تفعيل محاكمة المدنيين إذن بالقضاء العسكرى، إذ المحامى والسياسى والنشطاء ليسوا من العسكريين، فتلجيمهم واجب قبل أن يعقل الغافل ويرى العوام أن الفساد ليس فى شخص موظفى الدولة كما يزعم النظام، وإنما قد طالت يده حامى الدود؛ جيش يصنع المكرونة للمدنيين، أفلا يعتقلهم؟

تبقى ثورة الجياع؛ لقد ثار حولها جدل لا يزال يثور، لكنى أجد احتمالها ضئيلا، لأنها إن كانت حقيقة واقعة لاستحال العالم أجمع إلى شيوعية صرفة، لكن بالرغم من تمتع حجج قيام ثورة الجياع بمنطقية عالية، إلا أن المنطق لا وجود له فى العالم المادى.

تتلخص الفكرة كلها فى تساؤل واحد: من الذى سيقف إلى جانب الولايات المتحدة التى لن تتخلى عن اقتصادها، ولن تسمح باهتزازه أو تزعزع أحد أسسه لأجل أى مبدأ كان؟ هل يقدر الإسلاميين؟ أم جاء دور حمدين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. -سترافا-...ما هو تطبيق اللياقة البدنية الذي أتاح تعقب تحركات