الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف إلى متى...

عبد الصمد مرون

2013 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


العنف إلى متى...
القتل لا يولد غير القتل، ومن ثم دوامة طويلة من الدماء والأرواح مهدورة، حتى يضيع خيط الحقيقة بين الجلاد والضحية، مناسبة هذا الكلام ليس فيلما من مصانع الهليود، ولا سلسلة جديدة لهيتشكوك، وإنما حكم المحكمة المصرية بدفع واحد وعشرين شخصا نحو حبال المشنقة، وما خلفه ذلك من رفع درجة الاحتقان ،المتوهجة أصلا، داخل المجتمع المصري، على طرفي الصورة فرحة جمعية الح بين بالحكم الأهلاويين، وغضب أبناء مدينة بور سعيد، ربما ينطبق علي في هذا السياق؛ المثل المغربي المأثور، "ما كيحس بالطبل.." لكن مع ذلك، تكشف الحادثة مستوى الدموية الذي أصبح يعيش عليه مجتمعنا، حيث يتراجع صوت العقل والتفكير الهادئ في المستقبل، لتنطلق في المقابل رغبة عارمة في القتل والانتقام.
الأكيد أننا لن ندعو أو نشجع ،بأي طريقة كانت، على الإفلات من العقاب، فالمنطق السليم يقر مبدأ العقاب، لكن بقى السؤال الحقيقي هنا، هو تجاوز، الأحداث السطحية إلى التوغل في عمق الإشكال، وهو هنا مجزرة بور سعيد، كيف يصل الأمر بالإنسان أن يمارس القتل بهذه الصورة البشعة؟، خاصة في زمن يفترض التفات جميع أطياف المجتمع في سبيل واحد، هو الخروج بهذا الوطن من عنق زجاجة الفساد، الذي عشش طويلا في كيان الدولة لدرجة التماهي، نحو أفاق الحرية والانعتاق، كيف لأبناء الوطن الواحد، أن يستبيحوا دماء بعضهم البعض بهذه الصورة، كيف للعبة مهما كانت أهميتها، أن تثير هذا الكم الهائل من الحقد والضغينة، ألا يكشف هذا الفصل المأسوي عن خلل ما، ومن ثم من المسئول؟ هل هي سنوات الكبت التي عاشها المجتمع أم الاضطهاد والفقر؟ هنا لا ولن نستثني أحدا ففرحة حكم الإعدام، تكشف بدورها هذه الرغبة الدموية. كيف يصبح خبر الموت نبأ سارا مهما كان السياق؟ وبما أن الكرة تجلب كل هذا الدمار، أليس من حقنا أن نتبرأ منها، ونقلع على لعبة تخلق طائفية جديدة؟ مع استفادة رأس المال من هذه اللعبة، كما عودنا على تحويل كل فعالية إنسانية إلى رصيد في إحدى المؤسسات البنكية.
للموضوع وجوه كثيرة من بينها الإعلام أو تسويق الصورة، فقد ساهم لسنوات طويلة في زراعة العنف، حتى حصدنا المجزرة، وهنا يجب أن نتحدث عن المؤسسة الإعلامية لا بوصفها صوت وطني، ولكن بوصفها مؤسسة رأسمالية تسعى إلى الربح بكل الطرق وأحقرها، ولن تجد أبلغ ولا أنسب طريقة من تأجيج العواطف، وإخراج مارد العنف من قمقمه، حتى تجلب جماهيرا لا حدود لها، نحو الشاشة الصغيرة والكبيرة والمتوسطة مستهلكتا للصورة، ومتورطة فيها، مستهلكتا عبر تعاطي كل المنتجات التي تسوق بين ثنايا الصورة، ومتورطتا من خلال صناعتها لهذه الصورة، بكشف عقدها الدفينة أمام من يجتهد في الكشف وتكبير وخلق صورة العنف وتضخيمها حتى تصبح منتجا قابلا للتسويق، والربح بعد ذلك، نتذكر مباراة مصر والجزائر، وما واكبها من مسلسل تهييج غير مسبوق للرأي العام، لدرجة تصورنا معها، أننا على أعتاب حرب حقيقية. تمت تعبئة كل الأصوات والرموز، وانقسم في هذا الصراع، الشريط الجغرافي الممتد من المغرب إلى العراق، قسمين كل واحد يناصر طرفا، ولنحكم ربط الخيوط بشكل أدق لكي تكتمل الصورة أكثر، فقد عرفت هذه المنطقة واحدة من أكبر معدلات، نمو القنوات الفضائية عبر العالم، على هذا الأساس فتجارة العنف تجارة رائجة. يقودنا هذا كذلك إلى القول أن ترويج الحرب والدمار كذلك ليس حدثا بريئا، بل يخفي وراء طياته رغبة في تحقيق الربح ولو على حساب تدمير العالم، لدرجة تجعلنا نتنبأ بتسويق الحرب، كما تسوق المقابلات، فنشاهد مثلا الحرب الأهلية السورية مثلا حصريا على قناة كذا، اشترك الآن، أو مثلا شارك في المسابقة "حروب" السؤال كم قتل الفصيل فلان: أ – ألفين ب- ثلاث ألاف. وقس على ذلك. كما قودنا هذا إلى طرح سؤال أهم: من يصنع الحرب؟
إن معالجة موضوع العنف لم يكن الهدف منها، تحليل الحالة المصرية بصفة خاصة، بل الهدف هو كشف بذور الحقد التي تغذيها رأسمالية متوحشة لا تؤمن بغير الربح دينا، سالكة في ذلك كل الطرق، والتي قد تمر في كثير من الأحيان على جماجم كثيرة، المتأمل في المشهد الإعلامي سيجد بدورا كثيرة للعنف في إعلامنا، والأمثلة عديدة، "مسرح الجريمة وأخطر المجرمين" وغيرهما، والنتيجة شاهدنها ونشاهدها في مؤسساتنا التعليمية، في ملاعبنا، في شوارعنا، فالكارثة قريبة ما لم نتحرك مثقفين ومؤسسات مدنية، نحو هدف واحد هو تكريس المدنية ونبذ العنف بكل الأشكال، وكذلك والأهم فضح المتاجرين بآلام الإنسان في كل مكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تبدو كالقطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أدهشت


.. أصوات من غزة| سكان مخيم جباليا يعانون بسبب تكرار النزوح إلى




.. يحيى سريع: نجحنا حتى الآن في إسقاط 5 مسيرات أمريكية من نوع ط


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني في مدينة تبريز عاصمة محافظة




.. تحذير من حقن التخسيس لأصحاب هذا المرض