الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب السوري الذي لم يُسمّ بعد

محمد زهير الخطيب

2013 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الحزب السوري الذي لم يُسمّ بعد

في حوار عن الاحزاب قال لي صديقي: "أنْ تكون عضواً عاديا في حزب كبير خير لك من أن تكون مسؤولا في حزب صغير".

إنّ تعطّل الحياة السياسية في سورية لنصف قرن جعل من الصعب على معارضة المهجر تصور إنشاء حزب كبير قوي، ومالَ سياسيو المعارضة إلى إنشاء دكاكين سياسية صغيرة يملكون مفاتيحها، ويعدّون غلتها آخر اليوم، وأحياناً لا يعدونها حتى لا تذهب البركة!!!

الاخوان فكروا بالمساهمة في إنشاء حزب وطني مستقل عنهم وبمرجعية إسلامية قبل الثورة ببضع سنين ولكنهم لم يُقدِموا على هذه الخطوة لأنهم رأوا أن الحزب يجب أن يبدأ من الداخل، ولم يكن ذلك ممكناً.

اليوم بعد الثورة عادت الرغبة لانشاء الحزب الموعود ليكون أداة في إرساء الحياة الديمقراطية في سورية الحرة المنتصرة قريباً باذن الله، وكوني من المساهمين في الاعداد لهذا الحزب أجد أن من أصعب الامور اليوم إقناع شرائح كبيرة من أطياف الوطن أن ينتسبوا إلى حزب كبير قوي ويكونون فيه أعضاء عاديين غير قياديين، ويصبروا على هذه العضوية العادية سنوات طويلة دون أمل واضح في أن يكونوا قادة أومسؤولين، ليس لأن هذا ممنوعاً بل لأن فرصة القيادة عادة محدودة جداً في الحزب الكبير.

سألت أحد أعضاء البرلمان الكندي السابقين عن عدد أعضاء الاحزاب السياسية الرئيسية في كندا، فذكر لي أن العضوية تتغير باستمرار، حيث أن طلب العضوية تكون مدته عادة سنة وأن أغلب الاعضاء يهملون تجديد العضوية حتى يأتي موعد الانتخابات التالية الذي يأتي كل أربع سنوات في الحالات العادية فيجددوا عضويتهم بتذكير وحث من السياسيين والنشطاء، ولذلك يتراوح عدد الاعضاء بين عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف حسب أجواء الانتخابات. وعدد السكان في كندا حوالي 33 مليون نسمة ليس فيهم أكثر من نصف مليون حزبي يتوزع أغلبهم على الاحزاب الكبيرة الثلاث، المحافظون والليبراليون والديمقراطيون الجدد، لذا فان الذي يُنجّحُ الاحزاب ليس أعضاء الحزب فقط بل الناس العاديون غير الحزبيين الذين ينتخبون من الحزبيين من يرونه يتبنى مطالبهم ويدافع عن حقوقهم، وهم قد يغيروا تأييدهم من حزب لآخر من دورة انتخابية إلى أخرى بحسب أداء الاحزاب وبرامجها وسمعتها...

إذن الحزب الكبير الناجح ليس مطلوباً منه كثرة في الاعضاء فقط بل مطلوب منه سمعة طيبة وشخصيات قيادية موثوقة كاريزمية، وتمثيل واسع لأطياف المجتمع.

حزب الاخوان في مصر وتونس، نجح في الانتخابات الاولى بعد الثورة ليس لأسباب سحرية ولا لأنه زور الانتخابات، بل لانه ضحى لفترة طويلة أيام الاستبداد وربى افراداً على الصلاح والعطاء، وبنى شبكة واسعة من الخدمات والرعاية الاجتماعية رغم التضييق الشديد.
العضو في جماعة الاخوان يتلقى الكثير من التربية والتوجيه ويلتزم بكثير من الالتزامات من ماله ووقته وجهده، الفرد في الاخوان يحضر حلقة تربوية اسبوعية تسمى (اسرة) عددها من خمسة إلى سبعة أفراد، يقرؤون القرآن ويتادرسون مواضيع منوعة ويتكلمون في السياسية ويتفقدون أحوال بعضهم ويدفعون اشتراكاً شهرياً ويواسون الفقير ويدفعون له ما يحتاجته عندما يحتاج، ويحرصون على لقاء شهري تحضره عادة عدة اسر يكون فيه قيام ليل ومبيت لمن يستطيع المبيت... وقد تدرب كثير من شباب الجماعة المثقف في المهجر فكانوا مؤسسين وقادة لمنظمات كبيرة في اوروبا وأميركا في أجواء الحرية والديمقراطية التي سهلت لهم الحركة وأعطتهم الخبرة في التنظيم والانتاج الاجتماعي، ثم اصبحوا قادة في بلادهم عندما عادوا إليها بعد انتهاء دراستهم في الغرب.

نجاح الجماعات الاسلامية بالانتخابات أول مرة ليس بالضرورة بطاقة خضراء للاستمرار، إنها ثقة وُضعت فيهم تحت الفحص والاختبار، وسيقيّم الشعب أداءهم ويضعهم في مكانهم الصححيح في الانتخابات القادمة، وهكذا تُصحح الديمقراطية نفسها إذا غاب الاستبداد والفساد.

ماذا أعِدُ أصدقائي من أطياف المجتمع غير المسلمين أو غير المتدينين عندما أدعوهم إلى حزب وطني مستقل ذو مرجعية إسلامية؟ إنني أعدهم بأن يكون الحزب قائماً على الصدق والوفاء والمساواة والتعاون، أعدهم بالنجاح المشترك، أعدهم بأن الديمقراطية ستُحترم، وأن المرجعية الاسلامية ستكون تديناً لمن أراد وثقافة وحضارة لمن أراد. وأن الحزب الجديد الذي لم يسمَّ بعد سيحترم النهج الديمقراطي ولن يستخدم اسلوب الفرض والاجبار على أحد بل سيعمل على أن يقول كل ممثل عن الشعب كلمته في البرلمان ويشهد شهادته، ثم يلتزم الجميع بالقرارات المشتركة للبرلمان.

إن هناك نبضاً للثورة السورية ووقعاً للشارع السوري يجب أن نسمعه وأن نتناغم معه، فهو حادينا في مسيرة التقدم والازدهار، ولن تستطيع فئة أو طيف واحد النهوض بهذه المهمة لوحده، إنها عمل جماعي كبير وتنازل عن الانا الصغيرة، لمصلحة جماعية تشمل الوطن وتستوعب الاطياف.

كان هناك نقاش طويل حول المرجعية الاسلامية، وأنها قد تكون سبباً لعزوف الاطياف الليبرالية عن المشاركة في الحزب، ولكن حذف المرجعية الاسلامية قد يؤدي أيضاً إلى خسارة شريحة أكبر من المجتمع ترغب في هذا اللون المحافظ وترى أنه يمثلها، لذا كان الرأي بأن تسمية الحزب حزباً وطنياً مستقلا ذو مرجعية إسلامية هو الاقرب إلى نبض الشارع والاقدر على استيعاب أكبر طيف من الشعب السوري الذي سيشابه باقي ثورات الربيع العربي في خياراته كما يمكن أن يُستشف من المشهد العام، مع الاعتراف لسورية بكثرة التنوع وثراء الثقافات.
وآمل أن يكون هناك تواصل مع الاصدقاء الذين تثير هذه الافكار اهتمامهم ويمكن تبادل الرأي على الايميل: [email protected]
والبقاء للأصلح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بلا مساعدات خارجية ودون وقود.. هل مازالت المعابر مغلقة؟


.. تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل وغالانت يحذر من -صيف ساخن-




.. المرصد السوري: غارات إسرائيلية استهدفت مقرا لحركة النجباء ال


.. تواصل مفاوضات التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة في العاصمة المص




.. لماذا علقت أمريكا إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل؟