الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة أربعين اغتيال الرئيس الحريري : انطباعات مواطن سوري

إبراهيم إستنبولي

2005 / 3 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تقترب الذكرى الأربعون لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري . و بهذه المناسبة الأليمة أريد أن أغتنم فرصة لأعبر عن عزائي بهذه الفاجعة ، شأني في ذلك - كما أعتقد ( بل أنا واثق ) - شأن ملايين المواطنين السوريين من مختلف الشرائح و من شتى المذاهب ، الذين كانوا يتمنون و يرغبون مخلصين مشاركة عائلة الشهيد و الشعب اللبناني في مراسم العزاء و الحزن على فقدان هكذا شخصية وطنية و عربية كبيرة كالشهيد الحريري .. و لكن السياسة و ملحقاتها قد حالت دون أن يعبر السوريون عن تضامنهم و عن عزائهم . و هذا أحد جوانب المشكلة التي أنا بصددها و التي كانت السبب وراء " هذا التلكؤ و ذلك التقصير " .
لكن قبل كل شيء لا بد من التأكيد على أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن الشهيد رفيق الحريري ، ومهما اختلف المرء معه في شؤون السياسة أو الاقتصاد ، إنما كان ( رحمة الله عليه ) شخصية وطنية تؤمن بالحوار سبيلاً لحل المشاكل السياسية و قد فرض احترامه على الجميع بمن فيهم خصومه .. و ربما كان الشهيد الحريري أكثر السياسيين قدرة على لعب دور الوسيط الذي يجيد لعبة نسج خيوط الحوار مع جميع الأطراف و مع جميع القوى اللبنانية ، وهو يذكرنا بالإمام المغيب الصدر من حيث قدرته على مد الجسور و المحافظة على لغة الحوار ( و ربما لذلك كان قدر الاثنين أن تتم إزاحتهما ( و لو بطرق مختلفة ) من على الساحة اللبنانية بالضبط لتلك الميزات التي ذكرناها ) .. كما إن الشهيد الحريري كان يمتلك ميزة أخرى غير متوفرة لدى كثيرين من الزعماء اللبنانيين ألا و هي انه لم يكن ممن اشتركوا في الحرب الأهلية و بالتالي هذا ما يجعله خارج نطاق التصنيفات " الميليشاوية " لأغلب الزعامات اللبنانية ، التي " أثْرت " سياسياً و اقتصادياً على حساب مآسي الحرب الأهلية تلك .
و قد كنت رصدت مجموعة من الملاحظات حول التعاطي السوري و على مختلف المستويات تجاه الحدث الجلل و ذلك من خلال متابعتي لردود الأفعال الرسمية و الإعلامية مع الزلزال الذي أحدثته عملية الاغتيال في المنطقة و العالم . منها :
1 - كشفت عملية الاغتيال عن ارتباك و ضعف أداء واضح لدى القيادة السورية عند التعاطي مع الأزمات و الهزّات السياسية . إذ لوحظ تضارب بين تصريحات المسؤولين بخصوص الموقف من القرار 1559 و من موضوع الانسحاب من لبنان ( لنتذكر التضارب بين تصريحات كل من عمرو موسى و القدومي بعد لقائهما المسؤولين السوريين و النفي أو " التوضيح " السوري عقب ذلك .. ) ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، لوحظ تأخر شديد في الاستجابة لمتطلبات اللحظة الحرجة في التعاطي السياسي و الإعلامي مع حادثة الاغتيال و مع نتائجها ( لم يبادر أي مسؤول سوري – بدءاً بوزير الإعلام ، مروراً بوزراء الداخلية و الخارجية و انتهاء بالناطق الرئاسي و رئيس الحكومة - إلى عقد مؤتمر صحفي يتم فيه توضيح الموقف الرسمي السوري مما جرى و لكي يرد على الاتهامات و الشائعات التي راحت تكبر و تكبر مثل كرة الثلج دون أن يجد المواطنون اللبنانيون أو السوريون من يلقي إضاءة على جوانبها المظلمة الكثيرة . بل يمكن القول أن التعليقات التي صدرت عن وزير الإعلام السوري و نظيره وزير الخارجية ( في القاهرة ) – قد تركت أثرا سلبياً على صورة الموقف السوري ) أو أنها سمحت لوسائل الإعلام غير الصديقة أن تحاول التصيد من تلك التصريحات و ما عكست من ارتباك و أحيانا عدم كفاءة أو لباقة ديبلوماسية ( تصريح وزير الإعلام بالتحديد ) .
2 - مهما يكن سبب ذلك الغياب الإعلامي الجاد و المكثف – سواء أكان الارتباك بحد ذاته أو عدم تقدير خطورة الوضع ! – فإن ذلك ، ربما ، قد ساعد في توسيع دائرة الشك حول سوريا و زاد من أعداد اللبنانيين " المقتنعين " بمسؤولية و لو معنوية لسوريا عما حدث ، خصوصاً و انه تمت عملية " غسل دماغ " هائلة لجميع المتابعين للحدث - الزلزال خلال الساعات و الأيام الأولى ( و لازالت الهجمة الإعلامية و الحرب النفسية ضد سوريا مستمرة ) من قبل وسائل إعلام لا تخفي رغبتها بـ " شَيطنة " سوريا . ذلك أن الصمت الرسمي شبه الكامل أو التعليقات و الردود الخجولة في وسائل الإعلام السورية قد سمحت " لأعداء " سوريا باستغلال " المسافة الزمنية البدئية " لانطلاق الحملة المنظمة محلياً و عالمياً ضد سوريا . و هذا يؤكد مرة أخرى على عقم الإعلام الرسمي في الأنظمة الشمولية و يثبت عجزه عن مجاراة الإعلام المحترف و الحر بشكل عام ، و يبرهن على عجز الإعلام المعلّب عن أداء دوره في الفترات الحرجة و في مواجهة الأزمات بشكل خاص ، عكس ما لمسناه و نلمسه عند الإعلام اللبناني الحر . و يمكنني التأكيد على أن السوريين يتابعون الإعلام اللبناني حصراً و لا توجد أية حظوة للإعلام السوري لديهم . و بهذا الخصوص أقترح على الحكومة السورية تعيين السيدة شدا عمر من LBC وزيرة للإعلام ! في سوريا أو مديرة للتلفزيون السوري .. طالما لا توجد لدينا الكفاءات اللازمة ( و كما كان الأمر في أيام سابقة .. )
2 – كشفت عملية الاغتيال عن عجز ليس فقط السياسة السورية الرسمية ، بل و كذلك عن قصور و عجز و ترهل و غياب الفاعلية لدى المؤسسات الشعبية و الجماهيرية و الأهلية ( برلمان ، منظمات أهلية و دينية و مختلف مؤسسات المجتمع المدني و غير ذلك ... ) – إذ لو كانت توجد في سوريا مؤسسات مجتمع مدني حقيقية أو حتى منظمات و جمعيات أهلية مستقلة ، لكانت بادرت إلى تنظيم تظاهرات و تجمعات مدنية للتضامن مع الشعب اللبناني و ذلك بمعزل عن الموقف الرسمي المرتبك و المُحرَج ، و لكانت المنظمات الأهلية قامت بتنظيم مجالس لتقبل العزاء و لكان المواطنون السوريون جاءوا حشوداً للمشاركة في العزاء تعبيراً عن حزنهم الصادق و عن استنكارهم للجريمة . و أنا أزعم أنه لو تم ذلك لكان ترك أثراً إيجابيا كبيراً في نفوس ليس فقط أفراد عائلة الشهيد الحريري بل و لدى جميع المواطنين اللبنانيين ، و لكان ساعد هذا في التخفيف من الهياج و ردود الأفعال القاسية تجاه سوريا كدولة و كشعب و تجاه المواطنين السوريين العاملين في لبنان ، و لكان لعب ذلك دوراً طيباً في دعم الموقف الرسمي السوري .. و لكن زواريب السياسة و قصور الهيئات المدنية ( بما فيها النقابات و غرف التجارة و الخ . ) أو الأهلية ( و من ضمنها جمعيات دينية و خيرية و رجال دين .. ) في سورية عن القيام بدورها سمح للعواطف الملتهبة عند المواطنين اللبنانيين " المحقونين بتراكمات و تجاوزات الأجهزة الأمنية السورية " الكثيرة من الانفلات .. فكان ما كان من كلام عنصري بحق سوريا و السوريين و من تصرفات عدائية تجاه العمال السوريين المدفوعين من الفقر و الحاجة للذهاب للعمل في لبنان .
3 – لقد تبين بعد حادثة اغتيال الحريري أنه لا وجود جدي للمعارضة السياسية الناضجة في سوريا .. لذلك أقترح على القيادة السورية " ضخ دماء " ضرورية في التنظيمات السورية المعارضة داخل الوطن السوري .. لقطع الطريق على سيناريو غير مرغوب قبل أن يفوت الأوان .
4 – لقد كشفت حادثة الاغتيال عن غياب أي دور لما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية في سوريا ... لذلك اقترح التخلي عن تعليق أية آمال جدية على الأحزاب المنتمية لهذه الهيئة في أن تتمكن من لعب الدور الوطني المأمول .. و كفى على القيادة السورية ممارسة لعبة " دفن الرأس في الرمال " و اعتبار أن " التمثيلية الجبهوية " لا زالت منطلية على الشعب السوري في الداخل و على القوى الخارجية المتربصة بسوريا ..
استنتاج شخصي : لا أعتقد أن للقيادة السياسية في سوريا علاقة مباشرة باغتيال رفيق الحريري .. إذ لو أن الأمر كان كذلك لكان يفترض بردود أفعالها أن تكون أكثر دهاء و اكثر مرونة و أكثر استعدادا لمواجهة استحقاقات هكذا حادثة مدوية تطال الأمن الوطني و القومي ، و تشكل تهديداً حقيقياً للنظام نفسه في سوريا . وهذا أقل الأيمان ، إذ طبقاً لأبسط مبادئ العلوم الجنائية ، يجب على المرتكب أو المخطط لفعل إجرامي أن يدرس مختلف السيناريوهات و يكون مستعداً لخوض معركة نفسية و سياسية متوقعة على أثر الفعل ، فكيف و الأمر يتعلق بحدث هائل كاغتيال هكذا شخصية كالحريري . و إذا ثبت العكس .. فسيكون الأمر توريطاً من قبل جهاز أمن سوري ( و هذا غير مألوف في بلد مثل سوريا ) أو ربما لبناني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30