الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة بورسعيد

اسلام احمد

2013 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


طلب مني بعض الأصدقاء أن أكتب مقالا يحمل رأيي فيما يحدث ببورسعيد منذ اندلاع أعمال العنف بصفتي من مواطني بورسعيد وكنت شاهد عيان على الأحداث , الحقيقة أن بورسعيد تمر بمأساة حقيقية بكل معنى الكلمة وقبل أن أتناول الموضوع الأساسي أود توضيح بعض الحقائق عن تلك المدينة الباسلة , بورسعيد هي بلد سياحي في الأساس ومنذ أن قام الرئيس الراحل السادات بجعلها منطقة حرة تحولت الى بلد تجاري بالدرجة الأولى حيث يعمل معظم سكانها بالتجارة وتعد مصدر رزقهم الأساسي وعندما قام الرئيس المخلوع مبارك بإلغاء المنطقة الحرة لأسباب تخصه كان من الطبيعي أن يفقد سكان بورسعيد مصدر أساسي للدخل وفي ظل عدم وجود بديل يتمثل في الوظائف فمن ثم تحول كثير من الشباب الى البطالة , الأمر الذي أدى الى انتشار السرقة والبلطجة بشكل كبير في المدينة وهو ما أثبتته أحداث ثورة 25 يناير أثناء الانفلات الأمني وما بعدها

في سياق هذه المقدمة ربما يكون مفهوما لماذا تم اختيار بورسعيد بالذات لتدبير المؤامرة التي يدرك الجميع أن أهالي بورسعيد الشرفاء براء منها فقد شاهد الجميع عبر الشاشات التواطؤ الأمني المخزي الذي وصل إلى حد أن ضباط الشرطة يأمرون جماهير بورسعيد بالنزول الى الملعب لتأديب جماهير الأهلي! , صحيح أن تنفيذ الجريمة كان بأيدي بعض البلطجية ولكن بتواطؤ وتحريض من جانب الأمن لذا فقد جاء حكم المحكمة صادما وقاسيا لأهالي بورسعيد حين حكم القاضي باعدام 21 متهما بعضهم بلطجية يستحقون الإعدام وبعضهم كبش فداء لآخرين!

وفي تقديري أن الحكم به جانب كبير سياسي فقد أريد به تهدئة الثوار وعلى رأسهم ألتراس الأهلي على حساب المتهمين البورسعيدية فضلا عن صرف الأنظار بعيدا عن القضية الأساسية المتمثلة في الثورة ضد حكم الإخوان بتحويل المعركة من ثوار/إخوان الى أهلي/مصري , كما أنه يفتقد الى الحس السياسي فقد كان أمام القاضي بدائل كثيرة بما لا يخل بالنواحي القانونية كأن يقوم بتأجيل القضية مثلا لبحث أدلة جديدة أو يحكم بالمؤبد بدلا من الإعدام , وأكبر دليل على أن الحكم سياسي هو توقيته إذ هل من الطبيعي أن تتزامن القضية مع يوم 26 يناير في الذكرى الثانية للثورة؟!

والحاصل أن الحكم أحدث حالة من الغضب العارم عند أهالي بورسعيد فعقب صدور الحكم مباشر أندفع الجميع بلا اتفاق في الشوارع متجهين نحو سجن بورسعيد الذي كان محل الاعتصام , بعضهم نزل للتعبير عن غضبه بشكل سلمي والبعض الآخر قام بعمليات تخريب بينما أندس بعض المجرمين وسط الناس وقاموا بمهاجمة سجن بورسعيد بالأسلحة النارية , مما دفع قوات الأمن المكلفة بحماية السجن للرد عليهم بالرصاص الحي , فيما قام البعض بالهجوم على أقسام الشرطة بالمدينة وعلى رأسها قسم العرب , الأمر الذي أسفر عن سقوط ثلاثين قتيلا ومئات الجرحى في اليوم الأول بينهم ضابط وأمين شرطة , وهو ما دفع القيادة السياسية الى إرسال قوات الجيش الثاني الميداني لتأمين المدينة

وفي اليوم الثاني نزل أهالي بورسعيد في جنازة حاشدة لتشييع جثامين الضحايا وعند وصولهم الى الجبانة التي تقع أمام نادي الشرطة مباشرة فوجئوا بأناس يطلقون عليهم النار من فوق أسطح المنازل فحدث هرج ومرج كبير وقام بعض المتظاهرين بمهاجمة نادي الشرطة بالحجارة والمولوتوف فأحرقوا جزء منه ومن جانبها ردت الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع , ولا أحد يعرف حتى الآن من الذي بدأ بمهاجمة من؟! , والحاصل أن تلك الأحداث أسفرت عن سقوط سبعة قتلى آخرين وعشرات الجرحى
وبدلا من أن يعالج الرئيس الأزمة في مصر ويستجيب لمطالب الثورة فقد قدم حلولا أمنية تتمثل في إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول في مدن القناة بورسعيد والإسماعيلية والسويس!, ورغم اقتناعي بأهمية حالة الطوارئ في الوقت الحالي لاستعادة الأمن في مدن القناة إلا أنني كنت أتمنى أن يقدم الرئيس حلولا سياسية للقضية الأساسية ,وعلى أي حال فقد أثار إعلان حالة الطوارئ غضب أهالي مدن القناة الذين نزلوا في مظاهرات حاشدة بالآلاف لكسر حظر التجول تحديا للرئيس وقد شاركت فيها ليس عندا مع الرئيس كما فعل الناس ولكن للتأكيد على مطالب الثورة الأساسية ولإعلان رفضي لأسلوب حكم الإخوان

وبشكل عام يمكنني استخلاص دلالات وحقائق مهمة تتمثل فيما يلي :
1_أن أهالي بورسعيد باتوا يشعرون بالظلم والغبن لإحساسهم أن القيادة السياسية قد اختارت التضحية ببورسعيد في سبيل تهدئة الثوار , وهو امتداد لمسلسل التهميش الذي عانت منه المدينة لسنوات طويلة رغم أهميتها الكبرى لاقتصاد مصر!

2_أن شعبية الرئيس وجماعة الإخوان في بورسعيد قد انعدمت تقريبا بل لقد فقد الرئيس مرسي كثير من أنصاره السلفيين بالمدينة

3_أن الغضب الشعبي ببورسعيد موجه ضد الرئيس والشرطة بينما يختلف الحال تجاه رجال الجيش وهو ما بدا في مظاهرة كسر الحظر إذ عانق المتظاهرون ضباط وجنود الجيش الذين يحمون المنشات في مشهد ذكرنا بثورة 25 يناير

4_ولا أبالغ إن قلت أن الرئيس محمد مرسي قد سقطت شرعيته تماما في بورسعيد

أكثر ما أخشاه هو تلك الدعوات التي تطالب بإعلان بورسعيد دولة مستقلة عن مصر وهو في اعتقادي مخطط خارجي لتقسيم مصر وللأسف فان البعض يساهم بوعي أو بدون وعي على تنفيذه! , ولا سبيل لحل أزمة بورسعيد ما لم تبادر القيادة السياسية بالحوار مع أهالي بورسعيد والاستماع إلى مطالبهم وتنفيذها بما لا يضيع حق شهداء إستاد بورسعيد , هذا إن أراد الرئيس أن يحافظ على ما تبقى من شرعيته!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن