الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهر قويق لم يستر عورتهم هذه المرة

عادل أسعد

2013 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد يخشى السوريون أمراً بقدر خشيتهم من تخصيص جلسة في مجلس الأمن لدراسة وضع بلدهم و الاستماع إلى هذا المبعوث أو إلى ذاك المندوب . ففي سوريا علمتنا العادة ، و ليس التجربة ، كون العادة هي أكثر كثافة و تواتر من التجربة بمراحل وتتشكل كنتيجة لتكرار التجربة ، علمتنا أن قاعة الاجتماعات في مبنى هيئة الأمم لن تفتح بواباتها لتنطق أمراً عن سوريا و لن تسمح للزوار بوطئ سجادها الأحمر ما لم تسبقها الأرض السورية و تفتح شرايين قلبها لاستقبال دفقة جديدة من دماء أبناءها القانية . كل جلسة في مجلس الأمن تسبقها تضرعات أمهات المخطوفين في سورية التي تصدح صعوداً و ابتهالاً إلى السماء لعل و عسى تسلم الجرة هذه المرة و تمر المرافعات و القرارات هناك مرور الكرام و لا نضطر هنا إلى غسل دماء أبنائنا و اخوتنا من على اسفلت الوطن بدموعنا و بكبت ألمنا وبالعض على نواجذنا لأن شكوتنا هي فقط لله و هكذا شبينا و هكذا ترعرعنا و ان كانت للعربان و للانكشاريين حكمة اخرى "مودرن" تقول الشكوى لغير أميركا هزيمة و دماء و دمار و خراب بيوت و سرقة معامل و قصف مراكز بحوث إلا أن السوري يبقى ابن تراث و أصالة و هو ميال إلى أن يشيب على ما شب عليه .
البازار كان في مدينة حلب هذه المرة و البيعة كانت هي نفسها التي شاهدناها من قبل في حمص و حماة و دمشق و هي عبارة عن خبطة اعلامية دموية قبيل انعقاد مجلس الأمن بساعات تستطيع قلب الأوراق في المجلس كما و تشكل نقطة ارتكاز لحرف مسار المباحثات باتجاهات بعيدة عن قصدها و لادارة رؤوس المجتمعين باتجاه مشهد يرسم صورة لدولة هي أقرب للصومال و لرواندا منه لدولة مازالت قائمة و لها مؤسساتها و موظفيها على امتداد الأرض السورية و لها شعبها الذي مازال يصبر كالجبال و ينفث ألمه من بين نواجذه أمام مشهد لثمانين جثة من أبناءه رميوا في النهر كفاتحة للمزايدة على بيعة رخيصة تعمل على ترخيص كل نفس سورية ، و ليشيح من ثم بنظره إلى أفق أبعد و أوسع من مشهد لبازار عصملي غريب و مزدحم يعرض بضاعته المكدسة من غلمان انكشاريين و يموج بعروض لجماعات مرتزقة و بهلوانيين و لاعبي خفة و لراقصين مع النار و يضج بصرخات الباعة الجوالين الذين أتوا من بعيد ليسوقوا بضاعتهم من الابل و النعاج .
ان تجهيز بضاعة "مدمني الخطف" كانت بسيطاً و سهل الاعداد هذه المرة فهو عبارة عن طلقة واحدة لكل رأس على أن تكون اليدين مقيدتين إلى الخلف برباط خفيف و فعال بدرجة كافية كي تموت الضحية بهدوء و دون ازعاج من تلويح بالأيادي الخائفة أو من محاولة حماية الرأس بهم ، أو محاولة اعاقة تنفيذ ما قد شُرع و أصبح في خانة المحتوم و المقدر بتحريكهم بشكل "ممل" لمساعدة الكلمات المتدفقة على ايصال توسلات من قبيل توقف قليلاً لأشرح لك ، أو أنا لا دخل لي ، أو أنا منكم و سأظل مخلص لكم إلى الأبد لكن لا تقتلوني أرجوكم ، أو اعتقوني لوجه الله فأنا عندي أطفال و الظروف قاسية جداً و لا يوجد غيري لأعالتهم .لكن و بالرغم من بساطة و فاعلية اسلوب الاعدام الذي يدل على حرفية متأصلة و خبرة ميدانية عالية إلا أن عرض البضاعة هذه المرة كان مكرر و بعيد عن الابتكار و هنا يقع خطأ "مدمني الخطف" الأكبر فنحن السوريون ، و لحسن الحظ ، مميزون بذاكرتنا القوية و لسنا كغيرنا ممن يقيس الأخرين على مقاسه و يعتقد بأن تكرار الاسلوب سوف يمر مرور الكرام دون أن ينتبه إليه أحد ، و ما نستطيع أن نتذكره و نسبره من أخطاء و آثام قاتلي أبنائنا و اخوتنا لهو كثير و كاف ليكشف ألاعيب مرتزقة البازارات السوقيين و راقصي النيران و البهلوانيين و غلمان الانكشاريين .
تقول الذاكرة السورية أن مشهد رمي القتلى السوريين باستهتار و تلذذ إلى النهر هو مشهد مكرر و معروف ، بل هو قد عرض سابقاً في جلسة مجلس الأمن نفسها و استحق الاستهجان من الأمين العام بان كيمون دون الاعتراف منه أو من رايس المندوبة الأميركية بهوية القاتل أو توجيه الاتهام له بالرغم من اثبات الدولة السورية وبالدليل القاطع أن الضحايا هم من المخطوفين من رجال الأمن و الشرطة و تقديمها لبعض المنفذين المقبوض عليهم و بحوزتهم فيلم للمذبحة يظهرون هم فيه ، لكن الوقاحة الغربية قالت لا و لن نعترف بالقاتل و كل ما لكم عندنا هو استنكار العنف بالمجمل . و كانت تكلفة هذا الموقف من الغرب علينا كبيرة فلو أنه وقف مع ضميره وقتها و ليس مع البراغماتية و دراسات المكاتب الجامدة لتجنبت سورية الكثير من تكبيل الأيادي و الضحايا . و هذه الصلافة في عدم اعطاء كلمة حق واحدة ضد القتلة قد طالت أغلب العالم الغربي في وقتها و كان الاصرار على عدم ادانة المعارضة السورية المسلحة ينتشر كنوع من التيار العام ، فعندما استضاف التلفيزيون البلجيكي في تلك الأيام شاباً سورياً ممن قضوا أوقاتهم ما بين سورية و اروربا طالب الضيف السوري من معد البرنامج عرض فيلم القاء جثث عناصر حفظ السلام في النهر و بعد عرض سريع للفيلم هاجم المذيع المحترف ضيفه بطلب سوريالي و تعجيزي يفتح كل الاحتمالات و يسقط كل القياسات حيث سأله ان كان يستطيع أن يثبت أن القتلة هم ليسوا من عناصر الأمن السوري و قد ألبسوا ثيابهم إلى ضحاياهم المدنيين قبل رميهم في مياه نهر العاصي !!؟
و تعود الذاكرة السورية إلى صورة أبناءها من الأسرى و المخطوفين في مدينة حلب نفسها و هم راكعين على الأرض بلباسهم العسكري على شكل صف طويل و رؤوسهم محنية للأسفل في انتظار تطبيق شرع الجلاد و أيديهم موثقة خلف ظهرهم برباط بسيط مع وجود جلاد قد أطلق لحيته الشعثاء و أمسك مسدسه و يقوم بأسقاط أسراه و مخطوفيه واحداً تلو الأخر كل بطلقة خاطفة في الرأس . و هذه الصورة قد باتت مألوفة لكل العالم بعدما استخدمت من قبل التنظيمات الشبابية الأميركية المناهضة للعولمة كبوستر لحركاتهم التي تندد بالادارة الأميركية التي تدعم هذه التنظيمات في سورية . و بالرغم من اصرارنا على تجاوز ألمنا بعد كل مجزرة تقع و محاولتنا نسيان صور أخوتنا المنكل بهم ما زالوا مرتزقة البازارات يصرون على نكأ جراحنا بعنفهم و غباءهم و مازالوا يستحضرون الصور القديمة و يحورون فيها قليلاً أو يدمجون صورتين مع بعضهم كي يكسبوا موقف اعلامي جديد في بازارهم العصملي .
أما المسبر السوري فقد أدى دوره هذه المرة بدقة و سهولة و قدم أدلة إلى الرأي العام مستخلصة من المشاهد التي صورتها جبهة النصرة نفسها لعملية استخراج الضحايا من نهر قويق و هي مشاهد تدين المعارضة دون شك و تسلبها القدرة على التشكيك و تلبسها التهمة من رأسها لساسها دون أن يستطيع أي بهلوان منها القفز على الحبال أو فهلوي على المراوغة أو التنصل . فقد نشرت المواقع السورية و بعض مواقع المعارضة أدلتها على الفاعل في مذبحة حي بستان القصر في حلب و هي تتمثل بما يلي : أولاً ان المنطقة التي اكتشفت فيها الجثث و انتشلت تحت عدسات التصوير تقع بالكامل و منذ شهور عدة تحت سيطرة المعارضة الأصولية المسلحة . ثانياً ان نهر قويق الذي استقبل الجثث هو ليس بنهر و لا يصل حتى إلى مستوى الساقية و هو أقرب إلى أن يكون مجروراً و ذلك حسب الفيديوهات التي بثتها المعارضة نفسها لعملية نشل الجثث أي أن مياه قويق غير قادر على جرف شنطة صغيرة فما بالنا في جثث لرجال بالغين ؟! مما يعني أن مكان الانتشال هو نفسه مكان القاء الجثث . ثالثاً عند التدقيق في صور الجثث المنتشلة نرى في آثار جرها على الطين آثاراً لدماء الضحايا مما يدل على أن الاعدام قد تم منذ فترة قصيرة غير كافية لرمي الجثة من مكان بعيد و جرفها إلى حيث تنتظر المعارضة مع كاميراتها لتصورها بينما دماءها ما زالت تنزف و لم تجف بعد . وللعلم فأن السلطات السورية قد صرحت منذ عدة أسابيع مضت بأن جبهة النصرة قد اختطفت عدداً من الرجال في الأحياء التي تسيطر عليها بتهمة عدم الترحيب بها و التعاطف مع الجيش السوري و نشرت المواقع السورية على الفيسبوك وقتها قائمة بما تيسر لها من أسماء المخطوفين و ذكرت حسب معلوماتها الاستخباراتية بأنهم في صدد المثول أمام محاكم شرعية ميدانية . و بعد المجزرة ذكرت نفس المواقع مكان المحكمة الشرعية بالأسم و هو حديقة الطلائع و نوهت إلى عائلات حلبية كانت تساوم الجبهة لأطلاق أبناءها الذين قتلوا لاحقاً في المجزرة و رميوا في قويق .
في مقالي المعنون ب "تأملات في دقيقتين و ثانية سورية" تناولت بالتفصيل لفيديو قد بثته المعارضة المسلحة في حلب لعملية خطف رجل مدني في حلب بتهمة الترحيب بالجيش السوري ، و الفيلم متوفر على اليوتوب و يكفي المرء أن يطبع اسم المخطوف خالد عتيق ليحصل عليه . و بالعودة إلى الفيلم نرى بعد مرحلة استجواب و اذلال المخطوف و بالتحديد في التوقيت ما بين الدقيقة الأولى و الثانية الواحدة و الخمسين و السابعة و الخمسين نرى بأن الخاطف يردد بأن مصير المخطوف هو نهر قويق و يطلب من المخطوف المرتعب أن يردد نفس الحكم . و لمفارقة الأحداث فأن كلمة قويق ظلت تتردد طوال الثواني الستة بالحاح و كأنها انذار مبكر موجه إلى الشعب السوري يعلمه بقرب افتتاح بازار جديد قادم عبرعنه الخاطف في الفيلم بالكشف عن نظرته إلى نهر قويق و إلى أفضل طريقة في رأيه للاستفادة منه ، و للأسف فأن كثافة الأحداث قد شغلت المسبر السوري عن التنبؤ بقساوة و عهر غلمان البازارات .
و لكن ما سر هذا الغباء الاعلامي من قبل جبهة النصرة و كيف كان لهم ألا ينتبهوا إلى منسوب مياه نهر قويق و إلى سكون مياهه عندما قذفوا ببضاعتهم فيه ؟؟ قد تكون الأوامر التي صدرت بفتح البازار قد جاءت من مالكه البعيد الذي لم يرى بنفسه منسوب نهر قويق و ما كان على الغلمان إلا أن يطيعوا دون سؤال أو تساؤل . أو قد يكون أمر العملية يتقصد العجلة لفتح سوق مزايدات سياسية كاسدة أمام تهدئة و تسويات حديثة تطل برأسها و حملت معها ما تيسر لها و من ضمنه حصيلة اليوم من تصريح لمعاذ الخطيب المفاحئ بموافقته على اجراء حوار مع النظام السوري و من خبر عن غارة نفذتها الطائرات الاسرائيلية التي احترفت اللعب في الوقت الضائع على موقع بين الحدود السورية اللبنانية . و قد تكون كل الحكاية مختصرة بغباء المنفذين كتطبيق عملي لقانون الحضارة الانسانية الذي يربط العنف بالغباء . و لكن مهما كانت أسباب سقوط القتلة بهذا الخطأ الجنائي البسيط متنوعة يبقى هناك سبب أقوى لاستهتارهم بعقول السوريين و استخفافهم برأي الشارع و بعواطفه و هو نفس السبب الذي دعم بقائهم حتى الأن و يتلخص بتلك الفئة من السوريين التي تقاتل كي تصدق كل ما يقال لها من كل صغير و كبير يعارض النظام السوري و تجاهد لاهثة ضد عقلها و ضد العلم و المنطق فقط لتحقق عملية توفيق ما بين قيم انسانية عامة تنهي عن قتل الأخ و بين نزعة سوقية عند أبطالهم المفترضين إلى القصاص من كل ما هو سوري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال