الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين تظاهرات شباط 2011 – وتظاهرات الرمادي اليوم

حميد غني جعفر

2013 / 2 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس هناك من وجه للمقارنة بين التظاهرتين ، لا من حيث حجمها وضخامتها ولا من حيث قواها المحركة وقياداتها وتوجهاتها ولا من حيث المنطلقات والأهداف والنوايا ، فالأولى التي انطلقت من ساحة التحرير – ببغداد - وأطلقتها الشبيبة الواعية ومنظمات المجتمع المدني والتيار الديمقراطي بكل قواه وأحزابه وشخصياته التقدمية الحريصة على الديمقراطية وعلى مسار العملية السياسية ومن منطلق الهوية الوطنية الحقيقية الأصيلة – بعيدا عن الطائفية أو الحزبية الضيقة – ولذا سرت التظاهرات كالنار في الهشيم إلى كل محافظات العراق والأقضية والنواحي والقصبات ، فكانت تعبيرا عن وحدة وإرادة الشعب تجسدت بشعاراتها ومطالبها العادلة المشروعة ابتدءا من نبذ المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد والمفسدين وتوفير الخدمات الأساسية والقضاء على البطالة وإصلاح العملية السياسية إلى طرح فكرة الانتخابات المبكرة وكل هذه الشعارات والمطالب العادلة – حقا وصدقا – باعتراف الحكومة والبرلمان - كانت تشكل الحلول الجذرية لكل ما تعانيه البلاد من أزمات ، نقول أن هذه المطالب ورغم شرعيتها ، واجهتها الحكومة بالقمع والرصاص فاستشهد من استشهد من خيرة شبابنا وجرح من جرح واعتقل من اعتقل بتهم ملفقة مزورة كما لم تكن التظاهرة مخترقة من البعثيين والإرهابيين ولا مدعومة من دول إقليمية ... لكنها اخترقت فقط من أتباع الحكومة والكتل المتنفذة الأخرى كل منهم أرسل أتباعه إلى ساحة التحرير ، فالمالكي أرسل أتباعه من البلطجية للاعتداء على المتظاهرين بالعصي والسكاكين ، وعلاوي والمطلك أرسلوا أتباعهم أيضا بطرح شعارات ومطالب معادية للحكومة تهدف أساسا إلى التشويش على التظاهرة وحرفها عن مسارها السلمي والديمقراطي وأيضا كانت هناك كتلة برلمانية كبيرة أعلنت عن مبادرة بإمهال الحكومة ستة أشهر لتنفيذ المطالب ولم تكن هذه المبادرة إلا خدمة للحكومة وتخدير يقظة الشعب ، فاستحسنها المالكي ومنح نفسه وحكومته مائة يوم ، ولم يقف أي من هؤلاء – المتصارعين – موقفا وطنيا شريفا في دعم تظاهرات الشعب أو الاستجابة لمطالبه – التي أقروا شرعيتها – بل عمدوا إلى التشويش على التظاهرة وتمييع مطالبها بالأساليب الماكرة التي ذكرناها ، وحولوا ساحة التحرير إلى ساحة للمزايدات الرخيصة – بين المتصارعين على المغانم – لأنها هددت مصالحهم وامتيازاتهم و كانت من منطلق الهوية الوطنية الأصيلة ومن حاجات الشعب الأساسية ولأنها كانت أيضا – وهو الأهم- ليس لها من ارتباطات خارجية - لا إقليمية ولا أجنبية – بل كانت وطنية خالصة ، هكذا جرى الالتفاف على تظاهرات الشعب وقواه الوطنية الديمقراطية ، في حين أنهم يقفون اليوم وبكل قوة لدعم تظاهرات الرمادي وبعض المحافظات الأخرى ذات الأجندات والارتباطات الخارجية الإقليمية الداعمة والممولة لهذه الفتنة التي أشعل فتيلها العيساوي والمطلك ومن لف لفهما من قيادات القائمة العراقية التي تضم الكثير من البعثيين والإرهابيين القتلة ، ولا نقول هذا من باب الطعن والتشكيك أو إنكارا لحق هؤلاء الأخوة المتظاهرين في التظاهر السلمي فهو حق مشروع لكل الشعب وكفله الدستور العراقي ، لكننا نقول أن توقيتاتها ما كانت من منطلقات وطنية ، بل طائفية وعشائرية ودفاعا عن حمايات العيساوي واتسعت فيما بعد لتشمل مطالب أخرى كإلغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب ، مع أن هذين القانونين هما صمام أمان للعملية السياسية رغم عدم تطبيقهما بصورة صحيحة وسليمة ، ثم اتسعت لتشمل محافظات أخرى ولا ننكر – بطبيعة الحال - وجود الكثير من الوطنيين الطيبين من ذوي النوايا الحسنة في التظاهرة ، لكن الطابع الغالب الذي طغى على قيادة التظاهرة وتوجهاتها هو وجود البعثيين والإرهابيين وهذا واضح من الشعارات برفع العلم العراقي – السابق – وصورة الطاغية المقبور وتصريحات العلواني وظهور عزت الدوري على الشاشات هذا إلى جانب أن اثنين من القتلى – في مواجهات الفلوجة – هما من تنظيم القاعدة ، وهذا مؤشر واضح على دور القاعدة ، إضافة إلى ما تتناقله الصحافة من أخبار عن الدعم الإقليمي ، وللحقيقة أقول وكمواطن عراقي أني لم أسمع ولم أرى أي مطالب شرعية سوى قول الحكومة بأن بعضها شرعية ... لكن ما هي المطالب الشرعية لا أدري ... هل طالبوا بتحسين الخدمات هل طالبوا بمحاربة الفساد والمفسدين هل طالبوا بالقضاء على البطالة هل طالبوا بإصلاح العملية السياسية هل طالبوا بالحريات السياسية والتزام جانب الدستور وهل طالبوا بإجراء انتخابات مبكرة وهل ... وهل ... كثيرة هي معاناة ومشاكل شعبنا وتلك هي مطالبه المشروعة ، ومع ذالك نقول إذا كانت هناك مطالب مشروعة فعلا ، فلماذا قاطعوا الوفد البرلماني المفاوض وخرجوا من القاعة ، ثم لماذا قاطعت القائمة العراقية جلسات مجلس الوزراء وعلقت عضويتها في مجلس النواب ، بذريعة مساندتهم للمتظاهرين
هل هذا الموقف هو الحل ، كلا أنه تعقيد وإرباك في استمرارية هذه الحالة من الفوضى لأهداف وغايات مصلحيه أنانية ، ولا نقول هذا انحيازا للحكومة ولا لطائفة معينة ، إلا انحيازا نعم وانحيازا تاما لشعبنا ووطننا الجريح الذي يفترض منا جميعا كعراقيين – قبل أي هوية جانبية ثانوية - رص الصفوف ووحدة الإرادة والموقف في مواجهة المحاصصة الطائفية والاستبداد فهي أساس البلاء في تفتيت وحدة شعبنا لتفويت الفرصة على أعداء وطننا الغالي ، من خلال الإسراع بعقد المؤتمر الوطني الشامل لكل القوى السياسية ، أو بإجراء انتخابات مبكرة بعد تهيئة مستلزماتها وهذا هو الحل المطلوب لما يعانيه شعبنا وبلادنا والخروج بالبلاد من أزمتها وليس غيره ... إن صدقت الوطنية وخلصت النوايا .
خلاصة القول : لو كانت قد توحدت إرادة الوطنيين الشرفاء من هؤلاء المتظاهرين اليوم مع إرادة الشعب وقواه المناضلة -منذ عامين – لكانت قد أجبرت هؤلاء – الحاكمين – الطائفيين منهم والليبراليين – دعاة العلمانية – على الرضوخ لإرادة الشعب في نبذ المحاصصة الطائفية وإصلاح العملية السياسية أو بإجراء انتخابات مبكرة ،و لما وصلت الحال إلى ما هو عليه اليوم من سوء وتدهور مجمل أوضاع البلاد وبكل مفاصلها ولما واجهت بلادنا وشعبنا كل هذه المخاطر والتحديات الكبيرة ، فوحدة الإرادة والموقف لكل الوطنيين الشرفاء هي القادرة على تحقيق الانتصارات لشعبنا وتاريخ شعبنا زاخر بالتجارب الغنية التي تؤكد ذالك ، لكن وللأسف فإن هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا اليوم ، هو واقع تعيشه كل مجتمعاتنا العربية بفضل ما يسمى – الإسلام السياسي – الذي أثبت فشله وعدم قدرته بل وعدم جدارته في قيادة الدولة والمجتمع وبناء دولة المواطنة ،وخصوصا بلدان ما يسمى الربيع العربي والذي قلنا عنه منذ بدايته – في مقالة سابقة – أنه ربيع الغرب – وما يجري في هذه البلدان ومنها بلادنا من فوضى واحتراب وصراعات ومواجهات مسلحة وسفك للدماء وخلق هذه الصراعات بين أبناء الوطن الواحد – دينية وطائفية وقومية وعشائرية يؤكد هذه الحقيقة ، إذ بدون هذه الحالة من الفوضى والاحتراب والصراعات وتمزيق وحدة الشعب لا يمكن للغرب أن يفرض هيمنته على هذه الشعوب المقهورة والمغلوب على أمرها ، تلك هي حقيقة ما يسمى بالربيع العربي – كذبا وتضليلا – أنه ربيع الغرب الذي ركب موجة الإسلاميين أو ما يسمى بالإسلام السياسي – بكل أصنافه وألوانه لتوجيهها وفق مصالحه ، كما ركب موجة القومية والعروبة في منتصف القرن الماضي وبعد أن كشفت الأقنعة عن تلك الوجوه العميلة والمشبوهة ، وجد في الإسلام السياسي حليفا له لتنفيذ مخططاته ومصالحه باسم الديمقراطية ، فلقد فشل كل هؤلاء الإسلاميون في بناء نظام المواطنة الذي يخدم مصالح شعوبهم وبلدانهم ، ومن هذه التجربة المرّة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية عموما وبصفة خاصة شعبنا تؤكد بأن الإسلام ليس هو الحل كما يزعم الإسلاميون إطلاقا ، الحل في بناء دولة المواطنة الحقيقية الديمقراطية الدستورية المدنية فهي لوحدها القادرة على احتضان كل مكونات شعبنا بأديانه ومذاهبه المتعددة وبكل قومياته وأقلياته المتعددة أيضا وبنشر العدالة والمساواة وروح المحبة والتآخي بين جميع مكوناته بلا استثناء ، وليس لدين أو مذهب أو قومية أو عشيرة من أفضلية على الآخر مهما كان حجمها .
ولابد لشعبنا أن يعي هذه الحقيقة يوما ، ويستعيد وحدته وتلاحمه وتأريخه العريق ، فيصرخ بوجه الطائفيين الذين مزقوا وحدة شعبنا أن ... كلا ... كلا ... للطائفية ... نعم ... نعم للوحدة الوطنية ... نعم للنظام الديمقراطي الدستوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |