الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطياف التعبيرية: غواية الحركة ورنين اللون لعدنان حسين أحمد ـ قراءة نقدية في المخيال البصري التعبيري للتشكيلي ستار كاووش

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2005 / 3 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر مؤخراً للناقد العراقي عدنان حسين أحمد كتاب جديد بعنوان (أطياف التعبيرية.. غواية الحركة، ورنين اللون)، وهو قراءة نقدية في المخيال البصري التعبيري، ونزعة الإمساك بالانفعالات المُستَفزة والصور غير المرئية. والكتاب دراسة (تحليليمعرفية) مفصّلة عن تجربة الفنان التشكيلي العراقي ستار كاووش المقيم حالياً في هولندا.
ويقسّم الناقد الكتاب إلى 12 فصلاً وتوطئة، وملحق إضافي يضمّ رسائل أخوانية وصوراً للّوحات الفنية. يبدأ الفصل الأول بدراسة معمّقة عن الفنان بعنوان (أطياف التعبيرية، ومشاكسة الذائقة العامة). ثم يناقش في الفصل الثاني أسلوب البوب آرت والحدود الفاصلة بين الفن واللافن. وأفرد للفصل الثالث موضوعاً بعنوان (حديث الوجوه الزرق). أما الفصل الرابع فقد كرّس له دراسة أسماها (جسد المدينة بين الشكل المرئي المألوف والمعطى البصري غير المألوف). وسمّى الفصل الخامس (ثنائية الرجل والمرأة). وفي الفصلين السادس والسابع كتب دراستين مفصّلتين تخص تجربة الفنان وهما: (الاستدلال الحسي للقيمة الجمالية في تجربة كاووش الفنية، وآلية التأويل عبر منظور نفسي- إستيطيقي). و (فن البورتريه واقتناص اللحظة التعبيرية). ثم يناقش موضوعتين أُخريين في الفصل الثامن والتاسع واضعاً لهما العنوانين الآتيين: (عين المخيلة التعبيرية وترحيل الدلالة). و (الومضة الأسطورية في أعمال كاووش الفنية).. والتي ينبه إليها الكاتب في إحدى المقاربات.. مثل أسطورة (مادونا) و (علاء الدين والمصباح السحري).. حيث يقول: ((إنّ ستاراً يسعى للإفادة من الأساطير القديمة والحديثة على حدّ سواء مستنطقاً عناصر بنيتها الأساسية بلغة خاصة به، ربّما لا تحمل أحياناً إلاّ اسم الأسطورة، غير أنه في أغلب الأحوال لا يفرّط بالشحنة الداخلية لها)).
يعالج في الفصل العاشر موضوعة (التلاقح بين الفنون القولية وغير القولية). وفي الفصل الحادي عشر يناقش موضوعة طريفة بعنوان (مساقط ضوئية تعرّي الوجوه المشتعلة بالرغبات السرية). أما الفصل الأخير فقد كان مكرّساً لموضوعة (التأرجح بين التعبيرية والتكعيبية... فنتزة وإيروتيك وتداعيات حرّة).
وقد صرف الكاتب جهداً كبيراً في سبيل إخراج الكتاب بمضمونه الفكري والمعرفي الذي لا يبتعد كثيراً عن أسلوب المناهج النقدية المعاصرة، إذا سلّمنا بأنّ النقد هو التأويل، وأنّ المقوّمات الأساسية للنقد المعياري، هي كونها لا تستقرّ على مبدأ، واحد وفكرة جدلية واحدة.
تكشف الدراسة من البداية وحتى الفصل الأخير تطوّراً إستراتيجياً في أبنيتها، وفي أشكال التعبير، ومعالجة اللوحة، مما تقود المتلقي إلى فهم واضح، ومعرفة كاملة بالفنان في آن واحد. فلقد حاول الكاتب إظهار جلّ مهاراته النقدية في التحليل والبحث بشكل لافت للانتباه، مما قد يثير أسئلة إشكالية لدى القارئ النموذجي، ولكن ليست بالمعنى السلبي كما هو معروف، وإنما بالمعنى الذي يصنّف كاووشاً كمبدع، ويضعه غالباً في موقع مختلف ومغاير، بالنظر إلى غيره من الفنانين التشكيليين، والنماذج والأشكال النمطية السائدة، بوصفها تجليّات شكلية للفن المعاصر.. لذلك فما نجده في الكتاب هو (وصف دقيق) وشامل لمجمل البنى الفنية والفكرية التي تتضمّنها اللوحات كما تظهر الدراسة ذلك، ولكي يصنع الكاتب لغة جديدة متماسكة في التحليل النقدي، فإنه اعتمد في تفسيره أُسلوباً نقدياً مغايراً أيضاً، وتأويلاً علمياً وجوهرياً.
إنّ أصالة الفنان كاووش وإخلاصه لمشروعه الفني، والثيمة التي يشتغل عليها، هي من أهم الأسباب الموضوعية التي دعت الكاتب إلى تناوله بهذا الشكل المعياري، لأنه يعتقد ضمناً أنّ الفنان كاووش ليس سهلاً غالباً، ولذلك فلا بدّ من إستكناه المناطق السريّة والمجهولة في أعماله التي لم يصل إليها المتلقي أحياناً، تلك الثيمات المتراصّة بأبنيتها المعقّدة، وبأشكالها ومعانيها الدلالية، ولكنها عموماً تبقى أشكالاً مرنة ومتجانسة فكرياً وجوهرياً، وذلك بفضل الرؤية العميقة التي تفصح عنها اللوحات بمختلف تقنياتها، وانزياحاتها اللونية، وهي نتاج تفكير مرن ومطواع، كرّس لها الفنان كاووش وقتاً طويلاً لإنتاجها.
وفي مقدمة له بعنوان (توطئة) يخلص الكاتب إلى القول: إنّ ((الفنان ستار كاووش ينتمي إلى نمط من الشخصيات العصية، المراوغة، التي لا تمنحك أسرارها دفعة واحدة، بل إنه يراهن على الإيغال في هذه اللعبة المستحبة التي يكشف منها العُشر العائم من جبل الجليد، ويترك لك حرية سبر التسعة أعشار الغاطسة التي تثير شهية الفضول، وحب الاستطلاع، والرغبة في الاكتشاف، أو فض المناطق المجهولة، أو المحتفية بعزلتها. ولا أكتم القارئ سراً أنني حاولتُ غير مرة أن أقوم برحلة إسترجاعية علّني أتلمّسُ عبر المرور بهذه الأنفاق المعتمة بعض أطياف طفولته، أو أصل إلى مشارف البراءة الأولى، إذا صحَّ التعبير، بحيث ظل ستار كاووش ممعناً في تملصه من الإجابات المباشرة التي تحاول أن تستنطق المكان الأول الذي احتوى صرخته الاحتجاجية الأولى التي تلتها ملايين الصرخات، وهو يرى النور أول مرة. هكذا تركنا نقع في الحيرة متسائلين: هل ولد كاووش في الثورة أم في كرادة مريم أم في الرحمانية أم في الشعب أم في حي أور؟ لا يهم، فلينشغل المَعني بتاريخ الفن التشكيلي بهذه المقتربات الخمسة، لأننا موقنون تماماً أنه ولد في بغداد، وليس في مدينة أخرى. في هذه الأحياء الشعبية النابضة بالحياة لم يسقط الطفل ذو المخيلة المشتعلة في فخ الغوايات العابرة التي تستدرج الأطفال إلى الُلعب التي كانت شائعة حينذاك، فلقد كان يتملص من ملاعب كرة القدم، وإغراءات أقرانه الصبيان، ليجد ضالته في الخربشة على الجدران المطلية بالإسمنت، أو تفريغ بعض الأشكال التي تكتظ بها المخيلة اللجوجة على إسفلت الشارع الساخن في أشهر الصيف اللاهبة التي لا تُحتمل في بغداد أو سواها من مدن الوسط أو الجنوب في العراق. إذاً، ثمة هاجس غامض يمكننا الركون إليه وهو الانقطاع المبكر إلى الخربشة والاستمتاع بالأشكال الفنية التي كانت تفيض بها قريحته الفطرية لتوقظ الرغبات والأحلام الراكسة في طيّات الذاكرة وأعماق المخيلة المتأججة التي كانت تؤرّقه ليل نهار. إن الجهود الفردية لستار كاووش هي التي صنعت مكوناته الثقافية والفنية الأولى، وهي التي أسستْ لخبرته البصرية، وطوّعتها منذ زمن مبكر، غير أن المعلّم الكبير الذي أوقد عود الثقاب الأول، ليضرم في تلميذه نار الإبداع المقدسة فيما بعد، هو الفنان والروائي العراقي المعروف عبد الخالق الركابي الذي أحاط موهبة ستار كاووش بالكثير من العناية والاهتمام مع ما كان هذا الطفل المشاكس يتخذ من وجه أستاذه مادة كاريكاتيرية ساخرة تثير الضحك لدى أقرانه من التلاميذ الصغار. وبالرغم من اشتراكه في بعض المعارض المدرسية التي احتوت جزءاً من قلقه الفني الدائم، إلاّ أنه كان يرضي شراهته البصرية خلال انكبابه على زيارة الكثير من المعارض الفنية التي كانت تكتظ بها صالات الفن التشكيلي في بغداد، وهذا ما أمدّه بعناصر ثقافة تشكيلية متنوعة، مشفوعة منذ البداية بقراءات معمقة ورصينة لتاريخ الفن التشكيلي العالمي. إن هذا الحماس المتفرد، والانقطاع شبه التام لهاجس الرسم الذي تحوّل إلى رغبة يومية محمومة هو الذي دفعة إلى الاشتراك في معارض جماعية، أو إقامة معارض شخصية في المراحل الأولى من دراسته الجامعية في أكادمية الفنون الجميلة في بغداد، ولعل أبرزها معارضه الشخصية في قاعة أكادمية الفنون الجميلة، وقاعة التحرير، والرشيد، وكذلك اشتراكه في المعارض الجماعية لمهرجان الواسطي لخمس سنوات متتالية)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-