الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سحل مواطن ونطاعة سلطة وهموم نائب عام

هانى جرجس عياد

2013 / 2 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


فى المشهد جريمة متكاملة الأركان يرتكبها رجال شرطة بملابسهم الميرى حين يتكالبون على «مواطن»، يعرونه، يضربونه، يسحلونه، فتسارع وزارة الداخلية بالاعتذار، والإعلان عن إحالة ملف الجريمة (أو الواقعة كما تسميها الداخلية) إلى التحقيق.
ساعات قليلة ويطل علينا المواطن المجنى عليه مؤكدا أن المتظاهرين، وليس رجال الداخلية هم الذين عروه وسحلوه، ثم تتصل زوجة المواطن بقناة (أون تى فى) لتؤكد أن الشرطة ناس محترمين وأن زوجها بخير وإصاباته طفيفة، بينما ابنة المواطن تفضح على الهواء مباشرة تعرض أبيها لضغوط من الداخلية، وتستنكر خوفه ورضوخه للتهديد، وتناشده «قول الحقيقة يابا ومتخفش، الناس كلها معانا يابا»، ثم تتفاعل المصادفات وتتلاحق، لتكتشف المذيعة اللامعة منى الشاذلى أن زوجة المواطن اتصلت بقناة (أون تى فى) لتبرئة المجرمين من تليفون أحد ضباط العلاقات العامة بوزارة الداخلية، ولعل هذا دليل أخر على أن رجال الشرطة «ناس محترمين».
وكذلك تتحول الجريمة إلى جريمتين، الأولى هى تعرية وضرب وسحل مواطن، والثانية هى الضغط على مواطن لتغيير أقواله لإدانة برئ وتبرئة مجرم، وكلاهما مسجل بالصوت والصورة ومنتشر فى أركان عالم الانترنت الواسع.
فى خلفية المشهد وعلى هامش الجريمتين، يطل علينا المتحدث الرسمى باسم حزب الحرية والعدالة ليتحفنا بما يسميه «الجانب الإيجابى» فى جريمة سحل «مواطن» وهو اعتذار وزارة الداخلية لأول مرة وذلك بفضل وجود «الرئيس» محمد مرسى فى السلطة، دون أن يعرف أحد لماذا يتحمل محمد مرسى فضل «الجانب الإيجابى» فى الجريمة، دون أن يتحمل وزر الجريمة ذاتها؟ ثم تكتمل مقومات النطاعة عندما تلحس وزارة الداخلية اعتذارها وتتراجع عن إحالة «الواقعة» إلى التحقيق، وتعلن أن المتظاهرين هم من عرى المواطن وسحله فى الشارع، رغم أن «الواقعة» مسجلة بالصوت والصورة وفيها جريمة وزارة. فإن لم تكن تلك النطاعة هى بعض تجليات العصابات إذا حكمت، فماذا تكون؟
بين المشهد المروع بما يتضمنه من جريمتين كاملتى الأركان، وخلفيته بما فيها من نطاعة غير مسبوقة، يواصل النائب العام جهوده الحثيثة من أجل «تظبيط» جريمة على مقاس أعضاء «بلاك بلوك»، فيصدر أمر ضبط وإحضار البلاك بلوك، هكذا دون أى تحديد، رغم أن قانون الإجراءات الجنائية يشترط فى أمر الضبط والإحضار أن يتضمن اسم المطلوب ضبطه وإحضاره كاملا، وعمله وعنوان سكنه وعنوان عمله إن وجد، لكن النائب العام لا يكتفى بهذه المخالفة الصارخة للقانون بل يمنح المواطنين جميعا صفة الضبطية القضائية ويناشدهم إلقاء القبض على كل من يشتبه فى انتمائهم لجماعة البلاك بلوك.
يمضى النائب العام جُل نهاره وليله باحثا عن تهمة يلصقها بجماعة موهومة، بينما يغض البصر عن جماعة الإخوان الحاضرة بقوة فى المشهد بكل ما حولها وبشأنها من جرائم مكتملة الأركان، فيتجاوز عن حقيقة أن وجود الجماعة الخارجة عن القانون هو فى ذاته هو جريمة، ثم يحتفظ فى أدراج مكتبه بملف التحقيق مع حارس خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة، وبملف التحقيق فى الجرائم التى ارتكبتها مليشيات الجماعة أمام قصر الاتحادية، والراجح أنه سيحتفظ أيضا بملف التحقيق فى جريمة رجال الداخلية الأشاوس بتعرية وضرب وسحل مواطن، وجريمة الضغط عليه وعلى زوجته لتبرئة المجرمين، حيث أنه مشغول جدا فى مطاردة البلاك بلوك وغير مقتنع أنهم لا يتلقون تمويلا من أحد.
هكذا تتجمع أمامنا المفردات، جريمتان متكاملتان فى المشهد، نطاعة سلطة حاكمة فى خلفية الشهد، وبين المشهد وخلفيته نائب عام يحتفظ فى درج مكتبه بملفات قضايا تدين الجماعة، ويبذل الجهد فى ملاحقة قضايا وهمية، أقول تتجمع المفردات فتكتمل ملامح صورة من يحكم مصر الآن ومن يدير شئونها، والصورة تستدعى العودة إلى الوراء قليلا لنتذكر أنه فى عهد جنرال مبارك (حسين طنطاوى) عرى رجاله امرأة، وفى عهد رديف مبارك (محمد مرسى) عرى رجاله رجلا، زرع مبارك البذرة فراحت تثمر بعد رحيله طغاة يتناوبون على حكم مصر، مرة بالتكليف وأخرى بالتوريث فى معناه الواسع (أنا أو الفوضى) فشل مشروع توريث جمال مبارك، لكن مخطط توريث الفوضى نجح بامتياز. لا تتوقفوا كثيرا عند اسماء المجنى عليهم، رجالا كانوا او نساء، يكفى أن الضحية هو مواطن، فالمواطن (رجلا كان أو امرأة) هو رمز البلد وشرفها، وليس رئيس الدولة، الذى هو مجرد موظف عند الشعب، حتى وإن كان «موظف رفيع المستوى»، إهانة مواطن وتعريته (تعريتها) هى إهانة لمصر وللمصريين جميعا. والمصريون مازالوا يتعرضون للإهانة والتجويع، والحكام يرون فى الجريمة «جانب إيجابى»، قبل أن يعودوا لينكرونها، وحماة القانون مشغولون عن محاسبة الجناة بالجرى وراء قضايا وهمية. وبعضنا لم يزل يحدثك عن حوار وطنى وشروط ضرورية، ويدعو بأدب جم (لا يليق بالثورات) إلى «نبذ العنف» متغاضيا عن جرائم سلطة.
لقد خرج الناس فى 25 يناير 2011 يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» ويطالبون «عيش حرية كرامة إنسانية»، لكن النظام مازال قائما لم يسقط، حتى وإن كانت بعض الوجوه قد تغيرت (بعضها لم يزل موجودا وبقوة)، فلطالما غير مبارك من وجوه، ومازال الناس يعانون من التجويع ويفتقدون الحرية ويتعرضون لإهدار كرامتهم الإنسانية فى الشوارع، وبما يعنى أنه من حق الناس أن تعود إلى الشوارع والميادين من جديد (وقد عادت بالفعل) رافعة نفس الشعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وذات المطالبها «عيش حرية كرامة إنسانية»، ومثلما كان الحوار مع عمر سليمان هو بعينه طريق وئد الثورة والتنكيل بالشعب، فالحوار مع مرسى يؤدى بالضرورة إلى النتيجة ذاتها. الصورة التى تعكسها مفردات سحل مواطن ونطاعة سلطة وهموم نائب عام، لا تشى بغير ذلك، ومن لا يريد أن يرى الشمس عليه أن يتحمل نتيجة ما أصابه من عمى.
لا بديل عن إسقاط سلطة أهانت المصريين، ومحاكمة كل رموزها، الظاهرين أمامنا فى قصر الاتحادية أو المتخفين هناك فى جبل المقطم. الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ومن يجرؤ على إهانة مواطن، مكانه الصحيح فى السجن وليس قصر الحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو