الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهند وباكستان.. هدوء ما بعد العاصفة

محمود عبد الرحيم

2013 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



عاد الهدوء الحذر يخيم على أجواء العلاقات الباكستانية الهندية، بعد أسابيع من تعرض علاقة البلدين لأزمة سياسية عنيفة، وتوترات ذات أبعاد عسكرية وتاريخية، على خلفية الصراع التقليدي حول منطقة كشمير المتنازع عليها بين كل من باكستان والهند، وتبادل الاتهامات بين الجانبين حول اختراق الهدنة، وإطلاق نار، والقيام بقتل جنود تابعين لكل منهما، وأعمال استفزازية وبربرية كالتمثيل بالجثث وجز الرؤوس، حسبما وصفت الهند القوات الباكستانية .

ربما تكون هذه الأزمة الأخيرة هي الأكثر حدة بين إسلام آباد ونيودلهي، منذ تفجيرات مومباي الشهيرة في العام ،2008 التي حمّلت فيها الهند باكستان المسؤولية عن وقوعها، ودعم متطرفين إسلاميين تورطوا فيها من جماعة “عسكر طيبة” .

مكمن الخطورة في التصعيد الأخير، في التلويح بحرب نووية بين الجارتين التي تمتلك كل منهما ترسانة نووية، ورسائل التخويف التي بثتها الشرطة الهندية بدعوتها الكشميريين إلى بناء مخابئ للاحتماء من الخطر النووي .

وبحسب التقديرات، فقد تراجعت بدرجة كبيرة احتمالات اندلاع حرب جديدة بين الجارتين اللتين خاضتا من قبل ثلاث حروب متتالية، حتى توصلتا إلى هدنة في العام 2003 .

وربما يكون توازن القوى النسبي بين البلدين الذي بات كل منهما يمتلك ترسانة نووية، وما تمثله الحرب في ظل هذا السلاح من تداعيات كارثية على الطرفين، وربما الصراعات السياسية الداخلية بباكستان التي لا تسمح باتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية حالياً، قد أوقفت الانجراف إلى ساحة حرب شاملة في هذا التوقيت، فضلا عن الرسائل الآتية من القوى الدولية المعنية بهذه المنطقة، وذات النفوذ على طرفي الصراع، كواشنطن وبكين بضرورة التهدئة، ووقف التصعيد الخطير .

لكن من غير المستبعد اشتعال الصراع من جديد، حيث لا يلبث أن يتفجر بسهولة، التصعيد المزمن والمتبادل منذ استقلال الهند عن بريطانيا وتقسيمها إلى دولتي الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية الإسلامية، وبقاء كشمير منطقة متنازع عليها، رغم انشطارها إلى جزأين يتبع كل منهما إحدى الدولتين، إما لأسباب داخلية خاصة بأى من البلدين، ترتبط بأجواء انتخابية أو أزمات سياسية، أو استثارة لمشاعر شعبوية، أو لاختراقات لخط المراقبة بين الجانبين، وعمليات التسلل الحدودية، أو إطلاق نار بشكل مبرر أو عمدي واستفزازي، أو حديث عن مخاطر إرهابية من قوى متطرفة دينيا، أو حتى أعمال تجسس .

وكل هذه العوامل متحققة في الحالة الباكستانية الهندية في الوقت الراهن، حيث إن كلتا الدولتين مقبلة على استحقاقات انتخابية، فالانتخابات الباكستانية ستُجرى مثلا في مايو/أيار المقبل، والانتخابات الهندية ستُجرى عام 2014 .

وقد وجدنا على سبيل المثال رئيس الوزراء الهندي حين أراد أن يرسل برسالة تهديد ووعيد مؤخراً لباكستان كان عبر مؤتمر حزبي، فيما استغل مسؤولون في حزب المؤتمر الهندي الحاكم هذه المناسبة للحديث بلهجة قاسية وصعبة من أن باكستان إذا لم تتوقف عن انتهاك هدنة وقف إطلاق النار عبر خط التماس، فإن الهند ستفكر في اتخاذ إجراءات قوية تظهر قوتها وسيطرتها .

وترافق ذلك مع نشر معلومات تتحدث عن تسلل متطرفين إسلاميين يتم دفعهم من باكستان إلى داخل الجزء الهندي من كشمير للقيام بأعمال تخريبية، وإصدار أوامر بتعبئة مكثفة للقوات والمعدات، ورصد للتحركات والاختراقات على خط التماس، بناء على تقديرات استخباراتية .

فيما على الجانب الآخر، نرى إسلام آباد تعلن عن قيامها بإلقاء القبض على خلية تجسس متورط فيها هنود، في الوقت الذي تمر فيه بأزمة سياسية طاحنة، ويقع رئيس وزرائها تحت ضغوط شديدة الوطأة قد تطيح به، خاصة بعد قرار المحكمة العليا استدعاءه على خلفية قضية فساد ورشوة، الأمر الذي لا يمكن معه استبعاد إمكانية الهروب للأمام عبر مغامرة عسكرية كنوع من تخفيف الضغط الداخلي، إن استطاع إقناع المؤسسة العسكرية التي ليست على وفاق معه، بهذه الخطوة، أو ربما إذا حدث انقلاب عسكري، أو أتى حتى رئيس حكومة مدني جديد، أن تقوم القيادة الجديدة بتلك المغامرة كنوع من إثبات الذات، وحشد التأييد الشعبي حولها .

ولم تكن هذه الموجة التصعيدية بين كل من الهند وباكستان الأولى، ولن تكون الأخيرة، خاصة أن الصراع بين إسلام آباد ونيودلهي من الصراعات المعقدة والمزمنة التي يحلو للبعض تشبيهها بالصراع العربي الصهيوني، نظراً للتشابه الكبير بين الظروف الموضوعية والتاريخية والعناصر الجيوسياسية في كلتا الحالتين، من حيث المدى الزمني المفتوح للصراع، ونشوبه عقب زوال الحقبة الاستعمارية “البريطانية”، المتهمة بأنها خلّفت وراءها عن عمد هذه البؤرة الصراعية، إضافة إلى أن الصراع ليس فقط صراع حدود، وإنما في جانب منه أيضاً صراع هويات حضارية .

وكالعادة يبدأ الخلاف، بمناوشات حدودية، ثم حرب كلامية، ورسائل شديدة اللهجة دبلوماسيا، إلى أن يصل الطرفان عند مستوى “حافة الهاوية”، فتحدث الضغوط السياسية الإقليمية والدولية التي تسعى لتوازن دقيق للقوى في القارة الآسيوية، خاصة في ظل بقاء أفغانستان بؤرة مشتعلة، ومستنقع تورطت فيه عديد من الدول بقيادة واشنطن، التي تبحث عن مخرج آمن، ونوع من استتباب الأوضاع، لتفتح ساحة صراع جديدة، في تلك المنطقة التي أي خلل فيها من السهل أن يحفز الجماعات الإرهابية وينشطها أكثر، خاصة في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان أو داخل كشمير نفسها، أو يصعد من الحرب الباردة من جديد بين القوى العظمى، وصراع النفوذ، ليس فقط بين موسكو وواشنطن، لكن بين بكين والولايات المتحدة أيضا، خاصة في ظل العلاقات المتنامية بين كل من الصين وروسيا من ناحية والهند من ناحية أخرى، سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري .

ومن الملاحظ في تلك الأزمة الأخيرة، أن الهند بدت في موضع الهجوم، فيما كانت باكستان في موضع الدفاع، ففي الوقت الذي كانت نيودلهي تواصل التصعيد، وترسل برسائل شديدة اللهجة، سواء عبر تصريحات العسكريين أو السياسيين، كانت إسلام آباد تميل إلى احتواء الموقف، والردود الهادئة وطرح مبادرات الحوار، وإدانة الحادث الذي تمت نسبته إلى قواتها المسلحة، ما جعل الهند تظهر في موقف الفعل والقوة، وباكستان في موقف رد الفعل والضعف . وهذا يمكن فهمه في سياق اضطراب الوضع الداخلي الباكستاني والأزمة السياسية التي تعصف به، واستجابة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج، بحسب الزعيم الكشميري مفتي محمد سعيد، لدعوات الصقور في الهند .

ففي حين دعا المسؤولون الباكستانيون إلى تحقيق دولي في التهم التي تسوقها الهند للقوات الباكستانية حول ارتكاب فظائع بحق جنودها، رفضت الهند تدويل القضية، بل ذهبت الهند إلى اقتراح تصفية أي تدخل خارجي، ولو بالمراقبة بين الجانبين لفرض شروطها على الجانب الباكستاني من قبيل اقتراح عدم وجود فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في كل من الهند وباكستان، مشيرة إلى أنه ليس هناك حاجة إلى وجود المراقبين العسكريين الأمميين بموجب اتفاق شيملا الذي تم توقيعه عام 1972 بين الهند وباكستان .

الأمر الذي، أزعج الجانب الباكستاني بشدة، وجعل المندوب الباكستاني لدى الأمم المتحدة يرد عليه بالقول إنه ليس هناك اتفاق ثنائي بين الهند وباكستان من شأنه أن يوقف دور أو شرعية فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين، وفي حين استمع الطرفان إلى النصائح الأمريكية والصينية بتغليب لغة العقل والحوار وتفادي التصعيد، فإن الهند وافقت على اتصال فقط بين مسؤولين عسكريين لتخفيف حدة التوتر في بؤرة الصراع، في حين رفضت قبول عرض وزيرة الخارجية الباكستانية حنا رباني خار لإجراء محادثات سياسية ثنائية، كما تم إلغاء اجتماع مشترك بين مسؤولي البلدين لبحث الخلافات القائمة بينهما على خلفية تقاسم مياه الأنهار المشتركة .

ولا يخلو تصريح لأي مسؤول هندي رفيع، سواء رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء، أو حتى وزير الخارجية أو الدفاع، إلا ويضع شروطاً لقبول الحوار مع الجانب الباكستاني، على النحو الذي يبدو كما لو كان نوعاً من استثمار أجواء التوتر العسكري الأخيرة، والمشاكل الداخلية الباكستانية، لممارسة ضغوط على إسلام آباد لانتزاع مكاسب سياسية تبدو متاحة، فضلا عن استعراض القوة، وإظهار ضعف الخصم اللدود .

وهذه الآلية المتمثلة في الضغوط الدبلوماسية المكثفة لا تقل قيمة عن استخدام القوة المسلحة، بل ربما تنتج، إذا تم توظيفها باحتراف، أثرا أقوى، ومن دون خسائر، أو تكلفة باهظة كتلك التي تتطلبها الحروب المباشرة .

فثمة مواقف هندية رسمية منسجمة وموحدة الخطاب، وحديث دائم على جميع المستويات منذ تفجر الصراع في موجته الأخيرة على أن “تطبيع العلاقات سابق لأوانه”، أو أن “الموقف من السلام مع باكستان يحتاج إلى مراجعة دقيقة وتقييم شامل”، أو انه “لا يمكن تغيير المواقف الهندية بناء على تصريح ايجابي واحد من جانب الحكومة الباكستانية” .

وبهذا تكون الأزمة الأخيرة حتى الآن لم تخرج عن نطاق السيطرة المعتاد، والعودة لمرحلة اللا سلم واللا حرب المصحوبة بتوترات من وقت لآخر يتم استيعابها سريعاً، ومن دون مضاعفات كبيرة، إلا أن هذه الجولة التصعيدية أثرت بشكل كبير على عملية السلام الهشة بين الجانبين، وأصابتها بنكسة كبيرة، رغم التقدم الذي تم إحرازه مؤخراً في مباحثات الجانبين، والذي تجاوز البعد السياسي، إلى الاقتصادي ومشاريع تنموية ذات طابع إقليمي، وهذه التداعيات على عملية السلام بلا شك ستحتاج إلى بعض الوقت إلى كثير من الجهد، خاصة من الجانب الباكستاني لمعالجتها، بل وتقديم تنازلات صعبة يفضل أن يسميها الجانب الهندي “إجراءات بناء الثقة”، وإبداء الاستعداد لحوار جدي وعملية سلام حقيقية، وقد بدأت بالفعل بوادر ذلك، ففي حين قال الرئيس الهندي براناب موخرجي إن “بلاده على استعداد لتقديم يد الصداقة لباكستان، لكن عليها ألا تعتبر ذلك أمراً مفروغاً منه”، مؤكداً أن: رعاية الإرهاب من الجهات غير الحكومية تعد مثيرة للقلق”، استغل رئيس وزراء باكستان مناسبة العيد الوطني للهند في إرسال برقية تهنئة لنظيره الهندي جدد خلالها التزام بلاده بالعمل عن كثب مع الهند لإقامة علاقات ثنائية أساسها الود والتعاون وحل جميع القضايا بالحوار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور