الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع المناضل الوطني نمر مرقص - كلمات قليلة في رجل شامخ

وليد ياسين

2013 / 2 / 4
الحركة العمالية والنقابية


مساء الثلاثاء 29/1/2013، هزني نبأ رحيل رجل هو بالنسبة لي احد اعمدة النضال الوطني لجماهيرنا العربية الفلسطينية، التي تتقلص تباعا، برحيل اعمدتها واحدا تلو الآخر، مخلفين فراغا كبيرا على المستوى القيادي والسياسي لجماهيرنا العربية.
نمر مرقص، كان ابناً لشجرة باسقة، جاءت بأسماء ستبقى ابد الدهر محفورة في ذاكرتنا.. وبرحيله تفقد هذه الشجرة فرعا آخر من فروعها الصلبة التي رسخت جذورنا على هذه الأرض.
تاريخه الوطني المشرف، والتزامه الأممي الثابت كان بوصلة استفاد منها الكثير ممن عرفوه ورافقوه على مدار سنوات عمره، وافتخر انني عرفت وعشت أيام نمر مرقص، وتعلمت منه الكثير، وكان بالنسبة لي ليس رفيقا فحسب، بل صديقا.
كانت معرفتي به في فترة مبكرة من حياتي، حين كنت ناشطا في صفوف الشبيبة الشيوعية، ومن ثم تعمقت العلاقة، والصداقة، خلال فترة عملي في صحيفة الاتحاد ثم مجلة الغد، ولجنة الأربعين، وكنت وسأبقى اعتبره احد قلة صدقوا القول والعمل وتركوا تأثيرهم الكبير على الكثير من امثالي الذين تعلموا منهم وساروا على دربهم ردحا طويلا من الزمن.
لم انسه يوما حتى في غيابه عن ساحة العمل النضالي، وكنت دائما احرص على الاطمئنان على صحته كلما التقيت احدى بناته، اللواتي اعتز بصداقتهن، خاصة امل وروضة ونسرين، وكم يؤلمني انني لم اتمكن من زيارته والاطمئنان عليه منذ سنوات، بسبب مشاغل الحياة وهمومها التي جعلت اللقاء به مستحيلا، واشد ايلاماً الآن بالذات، مع نبأ رحيله.
بالنسبة لي، سيبقى نمر مرقص، معلما، ورفيقا، وصديقا، فهو بإنسانيته، لم يفرق بين صغير وكبير، ورغم فارق العمر الكبير بيننا، كان صديقا وسيبقى كذلك ما حييت.
نمر مرقص كان من صناع يوم الأرض، وكان من الداعمين والمساندين للجنة الاربعين في دفاعها عن القرى غير المعترف بها، وكما كان معلماً في بداية حياته، فقد كان معلماً في توجيه نضال اللجان الشعبية والوطنية التي نشط فيها، وهو يستحق منا تخليد ذكراه، ليس بتسمية مؤسسات ثقافية وشوارع في مدننا وقرانا العربية فحسب، بل بتوثيق مسيرته التي وثق بنفسه جزءا هاما منها في كتاب "أقوى من النسيان". لقد كان صاحب تجربة غنية ويستحق ان تتعرف الاجيال التي لم تعرفه على تاريخه وتجربته.
نمر مرقص كان مثقفا ومبدعاً ومن هنا كان سنداً لكل المبدعين، متواضعاً في حديثه، انساناً في تعامله مع الآخرين.. بل كان تواضعه بلا حدود. فعندما انتخب لرئاسة المجلس المحلي في بلدته كفر ياسيف، لم يتغير نمر مرقص، ولم يتعامل باستعلاء مع اهل بلدته، كحال بعض القياديين اليوم، الذين ما أن يصل الواحد منهم إلى منصب حتى يخال نفسه طاووساً وحاكماً بأمره.
وعن تواضعه هذا، لا بد لي أن أذكر كلماته التي دونها في محضر الزوار يوم أقمت مع زميلي الفنان زاهد حرش معرضاً مشتركاً للرسم في كفر ياسيف، في شهر اكتوبر 1980. كان نمر مرقص قد انتخب لرئاسة المجلس المحلي، والقى كلمة في افتتاح المعرض، وحين توجه لتدوين انطباعاته في دفتر الزوار، كان هاجسه الأول دور الفن في المعارك النضالية، وفي خدمة شعبنا. فكتب: "اتمنى للرسامين أن يتطورا ويطورا فنهما سلاحاً بيد الطبقة العاملة وجماهير الشعب. معرضهما هذا دليل على أن بإمكانهما ذلك، فهو يدل على مواهب لا بد أن تنمو وتتأصل".
وأنا اقتبس ما كتبه الراحل في حينه فقط لأصل الى بيت القصيد، الى تواضع هذا الانسان، وعدم نسيانه ولو للحظة انه في منصبه ليس حاكماً بأمره، وليس دكتاتورا يحكم بسطوة الجلاد، ولا طاووساً ينظر الى الناس من برج عال، بل اعتبر نفسه خادما للحزب الذي رشحه لقيادة المجلس المحلي في بلدته. ففي توقيعه وقبل ان يكتب صفته كرئيس للمجلس المحلي، كتب ابو نرجس: "المهنة: شغيل الحزب الشيوعي". وكلمة "شغيل" هذه ما زالت عالقة في ذاكرتي حتى اليوم، وان دلت على شيء فإنما على تواضع نمر مرقص، وعلى أن امميته كانت تسبقه في كل خطوة في حياته، لا بل رسخها في بيته، ففي دفتر الزوار ذاته، عثرت على الملاحظة التي دونتها رفيقة دربه، أيضًا، ام نرجس، فوجدتها قد عرفت نفسها كأبي نرجس بأنها "شغيلة في الحزب الشيوعي".
نمر مرقص، يعتبر بالنسبة لي استثناء، فهو لم يكن مجرد مناضل وثوري بالمعنى الاممي والقومي فحسب، بل كان السباق، في ترسيخ مفاهيم اجتماعية مميزة. وعلى سبيل المثال، فقد اشتهر الراحل بلقب أبي نرجس، نسبة الى ابنته الكبرى، وهي صفة تميز بها عن كثير من الناس الذين كان مولودهم البكر انثى، فلم يرضوا بمناداتهم باسمها، وانما كانوا يكنون انفسهم باسم مولود ذكر لم يأت بعد. أما هو فلم ينتظر قدوم الابن الذكر، بل كنى نفسه باسم مولودته الأولى، نرجس. فبالنسبة له لا فرق بين ذكر وأنثى، بل كان يعتز ببناته، كلهن بلا استثناء، ويفاخر بكل ما حققته كل واحدة منهن في مجال عملها وابداعها ..
فنم قرير العين يا أبا نرجس، لأنك انجبت من هن أعظم من كثير من الرجال، في سيرهن على دربك وما تقدمهن من عطاء غير محدود، مثلك، لمجتمعنا، وفي تحقيق احلامك، واحاطتك بأحفاد غمروك حبا وحياة..
لقد غرست فينا حب الأرض والدفاع عن الكرامة والشرف والأمانة والاخلاص، وهي صفات كانت تميزك وستبقى محفورة باسمك في ذاكرتنا.
رحمك الله، والهم الرفيقة الغالية، رفيقة دربك ورفيقتنا، ام نرجس، وبناتك واحفادك وكل من عرفك، طول الصبر وحسن العزاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون


.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا




.. الحق قدم.. 3408 فرصة عمل جديدة في 16 محافظة.. اعرف التفاصيل


.. ألمانيا.. متضامنون مع فلسطين يعتصمون أمام جامعة هومبولت في ب




.. كل يوم - -حكايات الحما- .. اتيكيت وقواعد التعامل بين الخصوصي