الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُتَّاب الشيخ عبد الواحد

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 2 / 4
الادب والفن


كُتَّاب الشيخ عبد الواحد


على عتبات الزجر المألوف لأمهاتنا كلما حلَّ العصرُ... مضغنا أعذارنا الشريرة المختلَقَة... كنا نُخرجُها من "سَيَّالاتنا" كقِطَع من بلحٍ مُجَفَّف لم يبرحها قطَّ... بعد أنْ علمنا الكذبُ طيَّها بحجورنا لوقت الحاجة... بمهارةٍ اكتسبناها مع احتراف ربطِ أطراف الجلابيب حول خواصرنا كي لا نتعثر عند الجري بعد كل كارثة طفولية... وقبيلَ أن يستحيلَ طين الكذب الطريَّ جملاً أو حصانًا بأجران الكرَّ والفرِّ هربًا مِن الكُتَّاب، يُغرقُ هدَّار التهديد أركان البيوت وما بين جدران الحواري والأزقة... يزيح سدود الكسل الغض أو الخوف من عصا الشيخ بحنكةِ فلاحٍ خبيرٍ بطقوس الريِّ... ثم يتكرر كل شيء بهيئته ذاتها مع الأيام... ونظلُّ نمضي مرغمين إلى كتاتيبنا حتى يصبح الإرغام اعتيادًا بطعم "جيلاتي" كان لحظة دخول العربة التي تبيعه على فترات غير منتظمة أول دروس الانتظار اللذيذ التي تلقيناها بإخلاص شديد آنذاك... ونروح نصحبُ الألواح وتصاحبنا الحروفَ وكأنها المرة الأولى كل مرة...

هناك... على ألوحِ الصفيحِ تلك بصحبة فُرشِ الجريد في حُجرةِ الشيخِ عبد الواحد عاينا الحروف بلون زهرة الغسيل... راوغناها وراوغنا الشيخ بشقاوة وخبث مألوفين... كان يجلسُ فوق مصطبته الصغيرة الخاصة تحت الشباك البحري ونلتف حوله باتساعِ الحجرة ثم يتكفلُ خرير ماء الترعة المجاورة بترديد صدى الآيات متماوجًا كظهورنا للأمام والخلف على أول ما داعب أجسادنا مِن إيقاعات الحياة... تُطبعُ الآياتُ بألواحنا تباعًا بيد الشيخ... ثم يعبرُ الشارع ليدخل بيته لبعض استراحةٍ تاركًا أكثرنا حفظًا يرد إلينا الإيقاعات من جديد... نكررها وتمعنُ أجسادنا في إتقانِها حتى ننصرف بوعدٍ للتسميع واللقاء في الغدِ... وبين متباهٍ بحلاوة الصوت أو بكلمات الثناء، ومحاولٍ إخفاء راحتيه أو دسِّ خجله لحظة تعنيف الشيخ بأقربِ كومٍ سباخٍ يصادفه... نمضي عائدين إلى بيوتنا... نختلط بكل شيء في طرقاتنا ويختلط بنا ضجيجنا قصير القامة والصدى... وبتلقائية مدهشة نعود إلى كلماتٍ حببها إلينا الشيخ... نحفرها في أذهاننا الصافية أصوات مشكَّلة بخيالٍ ما... نحاكيها بأصابعنا الصغيرة ونشبهها ساخرين بــ"نبش" الفراخ... ثم نمسحها في اليوم التالي لنهدي مساحة جديدة بأزرقِ الحروف التي لم تتعهدها ألواحنا بالنقش بعد.

محمود عبد الغفار غيضان
5 فبراير 2013
مجموعة "زمن المصاطب"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس