الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياد في مواقع العمل جريمة

عدنان هواش

2005 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تساؤل مطبوع بالتشكك كان يطرح نفسه منذ زمن وأنا أستمع إلى نشرات الأخبار تردد تلك العبارات الطنانة مثل الحياد الإيجابي أو منظومة عدم الانحياز كنت أتساءل أيمكن لصاحب فكر حر واع و إرادة حرة أن يقف على الحياد حيال مسألة تقع تحت سمعه وبصره في هذا الكون الذي حولته وسائل الاتصالات إلى قرية صغيرة وأصبح بإمكان أي متخصص في مسألة أو موضوع ما أن يلاحظ ويستنتج الأثر الحاصل عن واقعة في مكان ما من مشرق الأرض على مكان آخر في مغربها تقريبا و بالبساطة التي يستطيع بها الإنسان العادي أن يلحظ الدوائر الناتجة عن سقوط حجر في بركة ماء صغيرة وهي تتلاشى عند أطرافها
ومنذ زمن تلاشى التساؤل و تحول الشك إلى قناعة ولم تعد الحيادية في نظري من الأمور السلبية أو المستحيلة وحسب بل أنظر إليها على أنها جريمة تتراوح درجتها بين المخالفة البسيطة و الجناية وما رأي القارئ باللامبالاة بأمور تقع في محرق كياننا الإنساني كما يحدث في ساحاتنا العربية الآن ولا أقصد ما تعود الناس على سماعه من تعابير مثل الإمبريالية – الاستعمار – العولمة – سيطرة القطب الواحد أو غيرها فهذه على عّلاتها ليست سوى أمراض اقتصادية الطابع و معروفة التشخيص و خطورتها الحالية تكمن فيما تمد بمساوئها ذلك المرض الخطير أي ( الأصولية ) بذرائع وحجج تتلاعب بواسطتها بعواطف الناس وقناعاتهم من خلال عزف منّظروا هذا التيار على وتر تلك المساوئ فالأصولية مرض إنساني – أخلاقي – اقتصادي – جسدي فتك بقناعات وإرادات أبناء هذه الأمة واتى على أهليتها لا ليلقيها جثة على قارعة العصر فقط بل يحولها إلى كائنات تفتك ببني جنسها فمنظروه شخصوا العلة على أنها الدواء فتفاقم المرض واستحال الشفاء وذلك من خلال محاولتهم إقناع الذين لم يتجاوزوا بتفكيرهم عقلية من عاشوا في القرون الأولى للهجرة بصحة مواقفهم و إجبار من تمردت عقليته على ذلك الواقع بالعودة إلى دائرته. أصلوا وثبتوا عند الطرف الأول تلك الحجج و الأقاويل التي تراكمت عبر قرون وقرون وأخذت شكل الرسوبيات الفكرية بل ومناجم تاريخية تمدنا بالقناعات و الأعراف و المسلمات والتي لم تكن في حقيقتها سوى وسائل لتبرير رغبات الحاكمين وشرعنتها . الحاكمون الذين تربعوا باسم الدين على رقاب البشر ومن الغريب أنه ما تبدل أحدهم إلا و أطاح بمواقع ومكاسب من كانوا في خدمة سلفه وأحيانا برؤوسهم غير أن تلك المبررات بقيت على حجيتها لم تتغير لأن مصلحة من خرجت لخدمتهم واحدة هذا من جهة ومن جهة ثانية أي منظروا الأصولية فإنهم أنذروا المتمردين على تلك العقلية بالعودة إليها أو الموت بالطرق المروعة التي نشهدها اليوم و التي ليست سوى صورة عن سوابقها التاريخية بل وهي خامات سوداء من ذلك المنجم الذي ذكرناه فأفراد هذا التيار السلفي لم يغمضوا أعين ضمائرهم عن الصفات الرحمانية لخالق البشر و خاصة المهدي التواب الرحيم شديد العقاب بل انتحلوها لأنفسهم و مارسوا ما وافق هواهم باسم ذلك الدين الرحيم و بسادية مفرطة باسمه قطعت أطراف أحد مفكري الشرق وأحرقت في تنور مشتعل, وسلخ جلد مفكر آخر وهو حي, باسمه قام أحد السلاطين بقتل عشرين ألف أسير من ملة أخرى على لغة السلفيين حتى أجبرت رائحة الدم حاشية القصر على الابتعاد عن القصر وقام في نهاية اليوم يعمل وليم شكر نال بنهايتها لقب قاتل الكفار من أصحاب العمائم في عصره, و آخر أجبر أن يأكل لحما من جسده المشوي ,و..... ,وما أكثر واءات المعطوف عليهم و في كل مرة كانت ألاف و ألاف من العامة من وراء أصحاب العمائم يشيدون بحمية الحاكم و شدته في الحدود و الحرمات هذه صورة مختصرة عن الخلفية النفسية و الوجدانية لهذا التيار المعاصر .
و لقد أصاب و أية إصابة ذلك المفكر الذي خاطب أحد كبار منظري الأصولية في الخمسينيات ( يريدنا أن ننظر إلى الدين نظرتنا إلى رجل يمشي على قائمتين وأن ننظر إليه على أنه هو ذلك الرجل ) و أنا أخاطب ذلك المفكر قائلا : يا صاحبي إن المصيبة قد تعاظمت وإن ذلك الرجل الافتراضي المرعب قد توالد بسرعة و تفرقت ذريته في أنحاء المعمورة و كما تحمل رياح السموم بذور الخشخاش فقد حملت ذرية ذلك الرجل أفكارها القاتلة وإن كانت الفكرة القاتلة ( درهم وقاية خير من قنطار علاج ) قد أثبتت صحتها في علاج الأجساد فما رأيكم في إهمال هذه الوقاية أي اللامبالاة وعدم الاكتراث بمرض يفعل بنا فعل السرطان و فقدان المناعة خاصة وإن المصابين بهذا الفيروس قد أثبتوا بأفعالهم أنهم عاجزون عن التعايش السلمي مع بني البشر و أنه ما سمح لهم أن يتنفسوا الصعداء في مكان ما إلا و خرج تنفسهم حقدا بنار و دم و أفغانستان و باريس و باكستان و نيويورك و اندونيسيا و المدن العربية شواهد على ما نقول .
ومن المؤسف أن أفراد قليلون منا هم الذين تجرؤوا على مصارحة أنفسهم و الاعتراف أمامها بالطبيعة الجرمية لهذا المرض لينبروا بالتالي للتصدي لهذه المسؤولية الإنسانية و الوقوف في وجه تلك النظريات و التي أرى إن تلك العبارة التاريخية التي جاءت على لسان أحد كبار أعلام التاريخ البشري منذ أربعة عشر قرنا و هي ( كلمة حق أريد بها باطل ) تعبر و أيما تعبير عن خلفية تلك الأفكار و تعري نوايا أصحابها و من سبقوهم ومن سيأتي بعدهم ممن اتخذوا الدين وسيلة لإخضاع البشر و تحقيق المصالح ومن الغريب أيضا أن أحد لم يعتبر من تجارب غيره مع هؤلاء الذين لم يوفر إخطبوطهم حتى من تعاطف أو جامل تلك الحركات سواء أكان ذلك التعاطف لأصولية كامنة أو لاستخدامهم مطايا سياسية بل إنهم ما شعروا بالدفء في أحضان أولياء نعمتهم حتى ارتدوا إليهم قتلا و تخريبا و ما اغتيال الرئيس المصري السابق و ما نشاهده اليوم في الجزيرة العربية من نتف بالذقون من قبل من كانوا يجلسون لأمس قريب في الحضون سوى شواهد على ما نقول .
وعلى ما أتصور فإن فساد الأنظمة العربية يكمن أكثر ما يكمن في أنه يمد هذه الحركات و الأفكار المتزمتة بمبررات و جودها و تناميها حيث يدفع العامة إلى طلب الخلاص و التغيير لا وبل العمل له بغض النظر عن البديل و بالتالي فعندما يرتد أفراد هذا التيار السلفي على أولياء نعمتهم حينا و حينا عندما توحي لهم أوهامهم بأن سمائهم ستمدهم بقوى سحرية, عند ذلك نرى أغلبية المتضررين من فساد تلك الأنظمة و حتى الذين لم يكونوا قد حقنوا بذلك الوباء يقفون على الحياد و تكون رغبة الخلاص عندهم مما هو قائم طاغية على رؤية ذلك الخطر المحدق و تحاشيه ومن جهة أخرى فإن إقدام تلك الأنظمة على خنق كل الأصوات التي لا تهلل بنعمتها تكون قد قطعت السبيل و قضت على كل مقاومة لذلك المرض المذكور و منعت الأفكار الحضارية من الانتشار و أخذ دورها كلقاح واقي و خلت الساحة لأرباب ذلك الفكر و منظروه لملئ هذا الفراغ من خلال اقتناص الضحايا و تحويلها إلى أداة جرميه بعد حقنها بتلك المغالطات .
و ما الهزيمة الساحقة لحزب جبهة التحرير في الجزائر صاحب الأربعين عام في الحكم و الانتصار الساحق لتلك الحركات في تلك الانتخابات إلا مثال ناطق لما أوردناه و ما مئات الآلاف من الضحايا و الخراب الحاصل إلا نتيجة لهذه العلاقة المتناسبة طردا بين مساوئ الأنظمة و تنامي الأصولية وقد أثبت الواقع أن الظواهر الاجتماعية كالظواهر الطبيعية تقع بتكرار شروط وقوعها و أنها قوى عمياء مثلها إن حصلت تطحن الجميع و لا تفرق بين مذنب و بريء حيادي أو متعاطف أو فريق و قد وقعت فعلا و لم تفرق و كانت النتائج واحدة و هذا يملي على كل فرد أن يأخذ دوره في الدفاع عن نفسه و إنسانيته وعن إنتاج الحضارة الإنسانية و كلّ من موقعه الذي يقف به .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جودي سكيت.. يكشف عن أشياء مستحيل أن يفعلها ومفاجأة عن علاقته


.. تساؤلات حول تقرير واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في غ




.. بعد الوصول إلى -طريق مسدود- الهدنة لا تزال ممكنة في غزة.. «ج


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش.. جهود متواصلة لدعم الجر




.. تحرك دولي لإطلاق تحقيق مستقل بشأن مقابر جماعية في قطاع غزة