الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رائحة الفم الكريهة

ممدوح رزق

2013 / 2 / 6
الادب والفن


مساء الخير يا عزيزتي .. اليوم فتحت شباك حجرتي عصرا .. كانت هناك غيوم كثيفة وهواء بارد لكنني كنت أعرف أنها لن تمطر .. الشتائيون المخضرمون يدركون ذلك أو بالأحرى لا يخيب الشتاء توقعهم بسقوط المطر أو الاكتفاء بالغيوم الكثيفة والهواء البارد .. كان وقتا مناسبا جدا يا عزيزتي لتحقيق الحلم الذي عشت عمري كله دون أن أنفذه .. أن أخرج في هذا الجو إلى حديقة عامة ومعي ساندوتش ( سوبر سي فود مشوي كومبو )، وكانز ( بربيكان )، ورواية فرنسية كتبتها امرأة كـ ( ملكة الصمت ) لـ ( ماري نيمييه ) مثلا .. الفرنسيات كاتبات رائعات يا عزيزتي؛ هكذا عرفت من أعمالهن، كما عرفت من السينما أن حياتهن شكلها جميل جدا أيضا .. كنت سأرتدي ملابس ثقيلة وغامقة، وأجلس على كنبة وسط الأشجار والورود لآكل وأشرب وأقرأ بينما سماعتي الموبايل تمرران لروحي أغاني ( إديث بياف )، و( ميراي ماتيو ) .. كالعادة لم أخرج يا عزيزتي لنفس السبب الذي منعني طوال عمري كله .. خفت أن يحدث لي شيء .. أن أدوخ فجأة أو أشعر بهبوط حاد أو بتسارع عنيف في دقات قلبي فأضطر لطلب المساعدة من غريب .. دائما لدي تأكد من أن هذا ما سيحدث لي لو حاولت تحقيق ذلك الحلم .. انتظري .. نسيت أن أخبرك عن سبب آخر دفعني لعدم الخروج: حتى لو ذهبت إلى الحديقة وفعلت كل ما أتمناه ثم مشيت خارجا منها دون أذى؛ لن تحدث أبدا معجزة، ويوقفني شخص مبتسم بطيبة شديدة ليخبرني بأنه صوّر بموبايله فيلما لي دون أن أشعر منذ اللحظة الأولى لجلوسي وحتى الآن ، وأنه يسعده كثيرا أن يعطيني الفيلم بالبلوتوث.

واربت الشباك منكسرا ويائسا يا عزيزتي، وأسدلت الستارة ثم بدأت في تحميل كتاب ( نقد استجابة القاريء ) مستمعا إلى ( محمود الليثي ) وهو يغني ( انت يا انت )، وكالعادة لعنت ملة الموزع الذي أفسد إيقاع الأغنية القديمة .. وضعت الكتاب في فولدر المصادر التي أنوي مناقشتها في كتاب أقوم بكتابته عن ( المؤلف ) و( النص ) و( القاريء ) .. هكذا يبدو الأمر ظاهريا لكنه في حقيقته محاولة للحصول على يقين ثابت ونهائي بأن كتاباتي تفعل شيئا ما في الحياة .. ربما تشعرين الآن أن ( شيئا ما ) هو أخف ما يمكنني قوله في لحظة كهذه، وأقرب نقطة حماية استطعت بلوغها بعيدا عن الابتذال الكامن في ( شيء جميل ) .. ثقة في دماغك التي أعرف أن خدعة كهذه لن تنطلي عليها سأقولها لكِ صراحة: محاولة للحصول على يقين ثابت ونهائي بأن كتابتي تفعل شيئا جميلا في الحياة .. هل أنتِ سعيدة الآن؟ .. لكن انتبهي جيدا يا عزيزتي فأنا أقول جميلا وليس نافعا أو إيجابيا .. لن يمكنني أن أشرح لك ما أقصده من هذا بالضبط الآن، ولكن يكفي أن تعرفي باختصار أن الجمال أو ( الشيء ما ) الذي أفكر فيه هنا هو الحصول على دلائل تشير إلى محاولة اقتراب ـ عبر أي زاوية ـ من تجربة أمكنها التحول للحظات على الأقل إلى احتمال أو واقع مؤقت لدى كائن آخر تحت أي انحياز أو رغبة .. لست راضيا بالتأكيد عن هذا الاختزال المشوّه لما أريد التعبير عنه لكنني بالأمانة متعوّد عليه كلما حاولت شرح أفكاري لأصدقائي لذا أوعدك أن أرسل لك نسخة من الكتاب فور صدوره.

دخلت على الفيس بوك لاكتشف أن صديقا قديما قد حذفني من قائمة أصدقائه .. حينما أقول صديقا قديما يا عزيزتي فإنني لا أعني أنني أعرفه منذ زمن طويل فحسب، ولكنني أقصد أيضا كما يقولون كان بيننا ( عِشرة عمر ) و( عيش وملح )، وكان واضحا أن موقفي مما يسمى بالثورة المصرية والإسلاميين والفلول إلى آخر هذه الهيستيريا هو ما دفعه لحذفي .. بصدق تام لم أشعر بالحزن، وإنما بالغضب .. أتدرين لماذا؟! .. لأنني أعرف عن ماضيه ما يتنافى مع هذا الفعل .. لدي ذاكرة موثق فيها تاريخ مضحك لمهانته يفترض ـ لو امتلك شجاعة وضعه أمام عينيه دائما ـ أن يمنعه من ادعاء أي ثقة في شخصيته .. كان ينبغي عليه أن يشعر بالخجل فقط، ويعيش وفقا لذلك الشعور خاصة مع من يعرفه جيدا .. لا أعرف ولكنني شعرت بالغضب أيضا لأنني أدركت بأن الفرصة صارت ضعيفة جدا الآن لتحقيق أمنية أخرى .. رغبة قديمة ليست تجاه هذا الصديق فقط وإنما تجاه كل الأصدقاء الذين عرفتهم: أن أواجه كل واحد منهم بتاريخه المضحك، وأن أعطيه نصيحة ختامية بألا يكذب على نفسه وعلى العالم بحياة متبرأة من هذا التاريخ تفاديا لاستمراره .. لا يقتصر الأمر عند ذلك الحد بل تمتد أمنيتي أيضا إلى حرص الصديق بعدما يسمع مني هذا الكلام على أن يستمر حتى موته في إخبار كل من يقابله بأنني مثله الأعلى .. أعرف السؤال التلقائي الذي في ذهنك الآن يا عزيزتي وهذه هي الإجابة: ليس لي تاريخ مخجل يمكن لأحد أن يواجهني به، وإذا كان هناك من سيتخيل أو سيكذب أو سيفسر معرفة ما بشهوة انتقامية فلديه كل الحق لأنني متأكد من أنني تسببت للآخرين ـ رغما عني ـ في آلام كثيرة .. ( ضحكة شريرة مرتعشة ).

قرأت شهادتكِ عن الاعتداء الجنسي الجماعي الذي تعرضتِ له في التحرير يا عزيزتي .. مهما قلت لكِ فلن يمكنكِ تخيل مدى الألم والغضب بداخلي الآن، ومدى الرغبة في الانتقام من كل من تسبب في هذه المعاناة البشعة التي عشتيها .. حتى أكثر البشر تبلدا يكفي أن يتخيل أحدهم للحظة واحدة حدوث تلك التجربة القاسية لأمه أو لأخته أو لزوجته حتى يشعر بكِ .. لكنني من جهة أخرى يجب أن أحذرك من أن هناك من سيذهب إلى صفحتكِ بعدما ينتهي من قراءة هذه الشهادة أملا في أن تعطيه صوركِ شعورا أقوى بالمشاهد التي حكيتِ عنها، ولكنه حينما يكتشف أن هذه الصور متاحة فقط لأصدقاءك سيرسل لكِ على الفور طلب إضافة .. أرجو قبول الصداقة يا عزيزتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا