الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية المصرية ولاهوت التحرير

مهدي بندق

2013 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


السلفية المصرية ولاهوت التحرير
مهدي بندق
لم يفاجئني خروج حزب النور السلفي من القلعة الإخوانية إلى فضاء الوطن الرحب ، فبإعلانه عن توافقه مع مطالب جبهة الإنقاذ الوطني ، يكون قد اقترب كثيراً من الانفتاح على الرؤى المعاصرة في عالم السياسة . أقول لم يفاجئني ذلك الخروج فلقد كنت أول من تنبه إلى إمكانية هذا التغيير استنادا إلى القول المشهور " أنت تنزل النهر ولا تنزله " أي أنك حين تنزل موضعاً في النهر لا بد ملاقٍ مياها جديدة في نفس الموضع . ذلك هو قانون التغير الشامل الذي اكتشفه الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس في مواجهة المتلفعين بوهم الثبات .
عن ذلك التصور كتبتُ على هذه الصفحة بتاريخ 29/11/201 ما يلي " برهنتْ معظمُ التيارات السلفية في مصر على براءتها من مرضين سياسيين خطيرين : الازدواجية والبرجماتية ، فالسلفيون بعامة قوم واضحون لا يلجئون إلى الكيل بمكيالين ولا يؤمنون بممارسة المناورات الفظة والمساومات الرخيصة ، إضافة إلى أنهم ليسوا ممن يبنون مواقفهم على مقياس المنفعة يغيرونها حال تبينهم لمنافع أكبر أو استشرافهم لخسارة قادمة ، بل يتمسكون بمبادئهم حتى وإن كبدتهم وأرهقتهم . وتلك سجايا جديرة بالإشادة ، بينما – على صعيد الممارسة - ثمة متطرفون بينهم يستحقون النقد لمحاولاتهم الدءوب إجبار مواطنيهم على قبول أفكارهم والخضوع لرؤاهم حتى ولو كانت مستحيلة مثل فرض الجزية على الأقباط ، وهدم أبي الهول والأهرامات والمعابد الفرعونية باعتبارها أوثاناً ! مع إباحة الرق وتزويج البنات في سن الطفولة ! "
ورغم حرصي على تسجيل انتقادي للمتطرفين منهم – كما ورد بالفقرة السابقة – فلقد حرصت أيضاً على تأكيد إمكانية أن يتجاوز السلفيون الجمود الفكري ليسلّموا بالتطور، وبهذا يبلغون النضج السياسي في الدائرة الأوسع للحركات الاجتماعية المصرية . وقلت إن هذا التطور ليس خليقاً بأن يجرى بطريق المناجزات الفكرية حيث الفكر لا يتغير بالفكر وحده ، بل يتغير عن طريق التشابكات السياسية والاجتماعية على أرض الواقع .. وضربت لذلك مثلاً بأفراد ينتج كل منهم سلعته على حِدة ( فالواحد منهم بهذا الوصف صاحب عمل ولو كان صغيراً ) وقلت إنك سوف ترى كلا ً منهم ذا فكر فرديّ مكتفٍ بوعي صاحبه المحدود ، مشغول بمشاكله دون غيرها من مشاكل الجماعة الاجتماعية. لكن إذا حدث وأفلس هؤلاء، واضطروا للعمل في مصنع كبير، لرأيتهم يتحدثون عن ضرورة العمل النقابي، والتأمينات العامة ، والأجور الموحدة، ورويدا ً ينشأ عندهم ما يعرف بالوعي المشترك .
هذا الوعي المشترك هو كلمة الفصل فيما يجرى الآن على الساحة السياسية والحزبية ، فلما كانت جماهير السلفيين في مصر أغلبهم من الكادحين المنتمين للطبقات الدنيا ، فمن الطبيعي أن تحاول قيادات الاتجاه السلفي – خاصة حزب النور الأكثر تقدماً - التعبير عن مصالح جماهيرهم هؤلاء ، وما من شك أنهم حين فعلوا قد تبين لهم أن القضايا الدينية ليست الشغل الشاغل والأوحد لمن يتبعونهم . هاهو ذا الواقع الفعلي يبدأ في تثقيف القيادات والأتباع معا . ومع الوقت فغير مستبعد تحالف السلفيين – لا موضوعياً فحسب بل وسياسياً أيضاً – مع الأحزاب القومية والليبرالية واليسارية .
ولا يعني هذا أن السلفيين ماضون إلى تغيير أيديولوجيتهم ، فالأيديولوجيا أعز عند أصحابها من أن ُتنبذ أو ُيتخلى عنها ، لكن المواقف السياسية والاجتماعية قد تقرب بين المختلفين حول المنطلقات فيما لو تقاربت الغايات ، وهو عين ما جرى في أمريكا اللاتينية القرن الماضي بداية من عام 1968 فيما عرف بلاهوت التحرير.
في ذلك العام اندلعت ثورة الطلاب في فرنسا في مواجهة هيمنة البورجوازية واستعلائها ، وسرعان ما انتقلت الشرارات إلى بلدان أوربية وجنوب أمريكية حتى وصلت إلى كولومبيا . وهنا حدث ما يدهش ، فقد انعقد في هذا البلد البائس شبه المحتل مؤتمر للمقاومة ضم قساوسة من بيرو والبرازيل والسلفادور ، وانتهى المؤتمر بإصدار وثيقة تتبنى مطالب وحقوق الفقراء والمحرومين ، وتكشف عما ارتكبته الدول الصناعية الكبرى من جرائم كي تثرى شعوبها على حساب دول العالم الثالث .
وغير عابئين بغضب بابا الفاتيكان وكرادلة الكاثوليكية انضم عدد كبير من رجال الدين إلى القوى الثورية في كل مكان بالقارة المضطهدة ضداً على الامبريالية الأمريكية وعملائها الكمبرادور، حيث كان السؤال الأساسي الذي طرح على تلك الحركة هو : هل يمكن للإيمان أن يدفعنا نحو التحرر؟
وسرعان ما جاءت الإجابة على لسان أستاذ الفلسفة البروفسيير د. جورج الفار في محاضرة له في منتدى الفكر الاشتراكي مفضياً بمناقشته لمسألة “لاهوت التحرير”، إلى الدعوة لتجربة تقوم على التصالح بين الفكر الماركسي والفكر المسيحي على أرض أمريكا الجنوبية بغية تحقيق قيم التحرر، لافتا إلى أنه ولأول مرة ينتبه رجال دين مخلصون في المسيحية من خلال هذا الفكر اللاهوتي نفسه إلى ما يسمى بالخطيئة المؤسسية ( وليست الخطيئة الأولي ) وتعني الخطيئة المؤسسية خطيئة الدولة في إصدارها لقوانين مجحفة بحق الفقراء والمساكين. كما أن الكاثوليكية - يقول الفار- ينبغي أن تدرك أنها ليست ديانة النخبة من الأكليروس الذي شكلوا كنيسة المؤسسة، إنما هي كنيسة الشعب . وهو ما يذكرنا بمقولة مفكرنا الفرنسي المسلم محمد أركون عن ضرورة التفرقة بين دين النبوة ودين الدولة .
من جانبي أقول إن مفهوم دين الدولة قد بدأ مع نهاية الخلافة الراشدة وتولية معاوية بن أبي سفيان إمارة المسلمين ليحيلها إلى قيصرية وملك عضوض ، وقد ُذكر عن أبيه أبي سفيان أنه قال في مجلس لعثمان بن عفان : جاءت إليكم يا بني أمية بعد تيم وعديّ ( يقصد قبيلتي أبي بكر وعمر ) فعضوا عليها بالنواجذ وتداولوها بينكم تداولكم للكرة فأنا لا أعرف جنة من نار ! فكان أن عنفه الخليفة وطرده من المجلس . بيد أن هذا المفهوم عن الدولة الاستحوازية الإقصائية هو ما آمن به بنو أمية فالعباسيون فالفاطميون إلى الدولة العثمانية .
الدولة الدينية إذن هي دولة " دنيوية " بالمعني الردئ للكلمة ، بمعنى التكالب على الدنايا والشهوات إلى حد القتل في سبيلها تحت شعار دين الدولة ، بينما ترى العكس تماما في مفهوم دين النبوة حيث المثل العليا وممارسة الوظيفة الاجتماعية للدين المتعلقة بمحاربة الفقر والبؤس المادي والروحي الناجم عن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
فهل آن للسلفية المصرية المعاصرة أن تنطلق من هذا المفهوم الرائع - دين النبوة - فتعيد إنتاجه بصورة مبدعة مهتدية بتذكارات الخلفاء الراشدين وبالتجارب المعاصرة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا خوفي يا بدران
محمد البدري ( 2013 / 2 / 6 - 20:08 )
شكرا للمقال الممكن تلخيص فحواه انه تحليل ثم ربط لمفردات طالما كانت من النقائض في معارفنا الفلسفية والفكرية علي قاعدة من إعمال العقل. لاهوت التحرير ظهر في امريكا اللاتينية. ولانها امريكا ولاتينية فانها كانت مستوعبة للتراث الاوروبي بكل عطاؤه فلسفيا ولا هوتيا (كاثوليكيا). وهنا تتجدد المشكلة عندنا حتي ولو حلق اعضاء حزب النور لحاهم فاللاهوت الاسلامي خالي من الفكر والفلسفة حتي ولو بذل د. حسن حنفي كل ما يملك لاثباته إضافة لضعف الفلسفة عموما في حياتنا وخاصة لمن في السلطة أو المعارضة. فالبربرية الوهابية هي مصدر المعرفة الفكرية والسياسة لحزب النور حتي ولو تصرف برجماتيا مؤقتا ضد باقي حلفاؤه لاسباب، أهمها، ان القاعدة الشعبية في مدن مصر افاقت الي حد كبير من اكذوبة الحل الاسلامي اخوانيا كان او اصوليا الذي هو تذكارات الخلفاء الراشدين.

اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ