الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنياب البعثفاشية

صادق إطيمش

2013 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


أنيــــــــــــــــــاب البعثفــــــــــاشـــــــــــــية
في يوم جمعة أيضاً من شباط عام 1963 ، كما في هذا العام 2013 ، اي قبل خمسين عاماً ، وفي يوم رمضاني آنذاك يوصف بالقداسة لدى بعض المسلمين أو مَن يدَّعون الإسلام على الأقل . إذ تبلورت قداسته هذه من خلال كونه يوماً من أيام رمضان اولاً وجمعة ثانياً . في يوم الجمعة ذاك الذي إرتبط وصفه بالسواد الذي كلكل بغيومه الداكنة على صدر وطن بدأ لتوه ينعم بما تحقق له في سنينه الخمس الأخيرة. غيوم ذلك اليوم الشباطي الأسود جرى تحت ظلامها القاتم تنفيذ مجازر نحر لرقاب إشرأبت باحثة في ثنايا تموزها البابلي الذي عاش معها طويلاً بين الأحزان والآهات والحروب لتحتفل بعرسه حديثاً . العرس التموزي الذي إكتسب فيه هذا الشهر ملامح فرحة شعب وكسى الوطن بثوب العريس الذي ظل يعاني في كل امسه من جور وعسف وظلم وقهر وحرمان . رقاب فرشت نفسها لمسيرة أفراح تموز التي لم يرد لها يوم الجمعة الرمضاني ذاك من ذاك الشباط الأسود ان تواصل مسيرة أغانيها الشجية بين احياءها التي لم يجف طين بناءها بعد في مدينة الثورة . ولا ان تتمدد على الحقول التي تتراقص بين ايادي مالكيها الجدد من فلاحي العراق الذين لم يتوقفوا عن اهازيجهم لتموز العريس . ولا لتتزاحم بين منظمات النساء والشباب والعمال والطلاب التي ظلت ترفع رايات تموز وتسعى في غير تلك الوجهة التي اراد الثامن من شباط الأسود السعي إليها ليلفها بالجريمة في كل ما حمله من فكر وفي كل ما قام به من فعل وفي كل ما ظل متواصلاً لديه في الغدر والإرتداد على الخُلق الإجتماعية والمبادئ الإنسانية والتطلعات الوطنية لوطن كالعراق ولشعب كشعب العراق .
الثامن من شباط الأسود ، يوم الجمعة ذاك من عام 1963 لا يمكن لأحد أن يعي جريمته على حقيقتها ، كما النازية والفاشية ، غير الذي عاشها بوقائعها وارتطم بغياهب أحداثها والذي تناوبت عليه وحوش كاسرة بانياب يقطر منها الدم الذي لم تشبع منه كلما إزداد إمتلاء جوفها به ، فشيهتها هذه لدم ولحم فريستها ، لحم ودم الشعب العراقي ، قد إنفتحت على أشدها في ذلك اليوم الرمضاني . لقد غرست انيابها المسمومة هذه ، انياب الحقد والجهل والتخلف ، في قلب لم يزل ينبض بحرارة تموز ، بأمل الحياة الحرة الكريمة لشعب عاش ويلات وملاحقات ومشانق وسجون نظام ملكي ارادت انياب البعثفاشية هذه ان تواصل مسيرته بسفك الدماء التي إرتطمت بدماء جسر الشهداء وساحات بغداد في إنتفاضاتها وعلى اعواد المشانق ومجازر السجنون وعذاباتها ، في الصحراء كانت هذه المعتقلات والسجون الكئيبة ام في المدينة .
لقد جاء الثامن من شباط الأسود في رمضان عام 1963 حاملاً معه كل وصايا قواعد الجيوش البريطانية في العراق التي قذف بها تموز الشعب العراقي خارج الوطن , ومستقلاً قطار الحليف الجديد في البنتاغون والبيت الأبيض لتفريغ ما حملَّته إياه شركات النفط التي هيأ لها تموز كل وسائل الرحيل عن الوطن ومنابع نفطه ، هذا الرحيل الذي بات لا شك فيه ، وضعه الثامن من شباط الأسود في مهب الريح وكان سبيله إلى ذلك ان ينتهك ما ينتهك ويقتل ما يقتل ويُنفذ ما يُنفذ كل ما اوكله إليه سائق قطاره الذي جاء به إلى ارض العراق .
لم تترك انياب البعثفاشية حتى ذلك السفرطاس المعدني الذي حمل إفطار رجل صائم في ذلك اليوم الرمضاني ليظل متواصلاً مع صيامه يلقى به ربه الذي صام من أجله ، ولا نعلم إن عدَّه مَن أفتوا لزمر البعث ، من فقهاء السلاطين ، ان تقتل وتنهب وتسفك الدماء ، ان قتله أيضاً هو من أجل هذا الرب الذي صام له عبد الكريم قاسم .
أنياب البعثفاشية في ذلك اليوم الثامن الأسود الداكن من شباط عام 1963 وللأيام التي تلته في الأشهر التسعة من نفس العام أبدت قدرة عجيبة على سفك الدم البشري ونهش لحم ضحاياها من نساء ورجال ، شابات وشباب ، كبار وصغار العراق الذين لم يريدوا لوطنهم الوقوع في مستنقع الفكر الشوفيني المتخلف الذي نصب العداء ومارس القتل حتى مع أولئك الذين باركوا له سفك الدماء من الذين تعانقوا معه " عناق الثوار " حينما " تعانقت الثورتان " ليشعروا بعدئذ كيف غرس البعث سكينه في ظهورهم في ذلك العناق الأهوج الذي إرتضوه لثورة الشعب الكوردي التي لا لقاء لها مع فكر شوفيني متخلف . فكر نشأ على الحقد والغدر، وهذا هو ديدنه الذي اثبته دوماً ، دون ان يجعل لهذه القاعدة الفكرية التي سار عليها حتى ولو شذوذاً واحداً عنها ، طيلة تعامله مع الآخرين .
وهكذا وقعت البعثفاشية في مستنقع الدماء التي هدرتها فضاقت بها السبل التي لم تجد بينها ما يعينها على سلوك طريق آخر غير طريق الجريمة الذي إعتادت عليها وعاشت لها وتخصصت بها .
انياب البعثفاشية تبرز اليوم مجدداً وهي عطشى لدم اهل العراق مرة اخرى . تبرز اليوم وقد إرتدت غير تلك الثياب التي ما زالت تقطر من دم العراقيين ، لبست اليوم ثياب التوابين المبسملين في كل حديث المحوقلين بعد كل رزية جاءوا بها هم انفسهم يداً بيد مع رواد الجريمة المختفين وراء العمائم واللحى ، ووراء الحدود ايضاً ، ليظل هذا البلد الذي اراد له تموز ان يكون آمناً خال من رحمة الأمان ، ملوثاً بادران الجريمة ، خانعاً امام اولياءهم الذين يمدونهم اليوم بكل اسباب ممارستها في وطننا العراق وبين اهله . فهل سيفلحون مرة أخرى ؟
لا اعتقد ، حتى بعد مرور خمسين عاماً على جرائم البعثفاشية ، بوجود ما يبرر تناسي هذه الجرائم ومن ثم التغاضي عن محاولات ذويها الذين يرفعون أعلام نظامهم الأسود اليوم ليرددوا من تحته نفس ذلك النشيد الذي دأبوا على النعيق به : بالروح ...بالدم نفديك يا ....بعد ان وضعوا ما يتسترون به على إسم جرذهم المقبور ذلك الستار الذي اصبح اليوم مبتذلاً في اسواق التزييف والركوب عليه والتستستر خلفه ، شعار الإسلام السياسي وخطابه. فأصبح الشعار الجديد تحت علم البعث القديم : بالروح ...بالدم نفديك يا إسلام .
فأحذروا يا اهل العراق من هذه الأنياب التي تكشف عن نفسها اليوم وكأنها تراهن على نسيان جرائمها وتعتقد بجفاف دماء ضحاياها وتنطلق من غباء سياسيي الصدفة في العراق الجديد ممَن يُفترض بهم الوقوف بوجه محاولاتها . فليس بقادر على كسر انياب الجريمة هذه غير إرادة ووحدة الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه وفي مختلف مناطقه .
الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على