الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباطُ الأسودُ، نصفُ قرنٍ، ذكرياتُ الزمنِ المُرّ

مديح الصادق

2013 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن الثامن من شباط عام 1963 هو البداية؛ فالبداية تكورت في رحم ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، منذ الأيام التي سبقت انبثاقها، فجبهة الاتحاد الوطني - التي فجرت الثورة - قد ضمت أحزابا وطنية لها تأريخها النضالي، وتضحياتها المشهودة على الساحة العراقية؛ وقد دخل إلى جانبها نسيج غير متآلف مع نزاهتها، ووضوح أهدافها، وقد بدأ ذلك النسيج يخطط من اللحظة الأولى للثورة باتجاه حرفها عن مسارها الوطني الديمقراطي، والانقضاض على المكاسب العظيمة التي حققتها لجماهير الفقراء والكادحين خصوصاً، وللشعب العراقي بكل فئاته عموماً؛ قانون الإصلاح الزراعي الذي انتزع من الإقطاع سلطاته الاقتصادية والاجتماعية، قانون رقم 80 الذي ضرب مصالح شركات النفط الأجنبية، مشاريع البناء والإعمار، بناء قاعدة للصناعات الوطنية للقضاء على الاحتكار وتشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة مع استغلال الثروات المحلية أحسن استغلال، إطلاق الحريات العامة بدعم النقابات والجمعيات والأحزاب التقدمية، وتمكينها من أداء دورها المنسجم مع توجهات الثورة وأهدافها الوطنية، لقد فتحت ثورة الرابع عشر من تموز آفاقا رحبة لم يعهدها العراقيون الذين لم يجنوا من حكومات النظام الملكي التابع للاستعمار البريطاني؛ سوى الفقر، والجهل، والتخلف، وسوء الخدمات، وتكبيل الحريات، وازدراء كرامة الإنسان، ومسخ الشخصية بتحويلها تابعا لمن هو أقوى، مادياً أو سياسياً؛ وكان المستفيد الأول منها هم الطبقات المسحوقة من العمال، والفلاحين، والكسبة الذين نعموا ببعض المكاسب على حساب انهيار نظام الإقطاع، والبرجوازية المرتبطة بمصالح المستعمر الأجنبي


لم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم - وهو المخطط للثورة وقائدها - شيوعياً؛ بل كان حاله حال كل من لا يرتدي من الأثواب إلا أنظفها، ولا يفعل من الأفعال سوى أنزهها؛ وعند ذاك لا يمتلك الطالحون له وصفا غير الشيوعية، ولعل قاسم لم يسلم من هذا الوصف؛ تمهيداً لتحقيق أهداف خبيثة لمؤامرة شنيعة وخبيثة، اجتمعت عليها أطراف الباطل، البعثيون وهم الحلفاء ناقضو العهد، القوميون العرب بدعم من حكومتي مصر وسوريا، أذناب الإقطاع والرجعية، المرجعية الدينية أنذاك التي ما فتئت تصدر فتاواها بأن الشيوعية كفر وإلحاد، بقايا النظام البائد ورموزه السياسية والعسكرية؛ يحركها من بعيد الدول الاستعمارية التي تلقت ضربات موجعة ومباشرة من الثورة؛ تلك كانت قوى وأطرافا اختلفت في مسمياتها وتوجهاتها، واتفقت في أهدافها المشتركة؛ بضرب مكتسبات ثورة تموز، والقضاء على منجزاتها نهائياً، وإقامة نظام عميل يعيد العراق إلى ما قبل الثورة؛ بل أكثر تعاسة وتخلفاً، عملت تلك القوى بشتى الأساليب على خلق الحواجز بين الزعيم عبد الكريم وحلفائه الحقيقيين الذين مع أهدافه يتفقون، مع اتباع خطط نتج عنها أن سلك سياسة سلبية مع القوى السياسية على الساحة، وكان الحزب الشيوعي من تلك السياسة أول المتضررين

على الكفة الأخرى كان يصارع الحزب الشيوعي العراقي محتمياً ومدعوماً من القاعدة الجماهيرية الواسعة التي وجدت في شعاراته، وتضحيات رفاقه ومناصريه، وتمسكه بحماية أهداف الثورة والدفاع عنها بكل ما يمتلك من إمكانيات، وصدق نواياه؛ منقذها الوحيد من شبح الخطر الذي بات واضحا للعيان أنه يداهم فرحة الفقراء، فقد ساهم الحزب بكل فاعلية في إرساء بناء تجربة الديمقراطية من خلال العمل في الجمعيات الفلاحية، ونقابات العمال، واتحاد الطلبة والشبيبة، ومنظمات المرأة، ونشاط كوادره العاملة في كل القطاعات كنماذج يقتدى بها في الإخلاص بالواجب، والتفاني في سبيله، وما تقوم به قيادته من نشاط سياسي في التصدي لمحاولات التخريب الاقتصادي، ورسم صورة مشرقة لما يجب أن يقوم عليها بناء الدولة؛ على مختلف الاتجاهات، مع الحرص على دعم الاستقلال السياسي، والمحافظة على الوحدة الوطنية من خلال شعارات الحزب حول السلم في كردستان في الوقت الذي زُجَّ الجيش العراقي بحرب غير عادلة ضد أبناء شعبنا الكردي؛ بهدف إضعاف الجيش والدولة تمهيداً للسيطرة على مقاليد الأمور؛ لذلك فقد استهدفت قوى الشر والعمالة بالدرجة الأولى الحزب الشيوعي، بكوادره وقواعده، وتسللت إلى المراكز الحساسة في الدولة التي من خلالها تمكنت من تحجيم دور الحزب، وافتعال الأزمات المفبركة بغية زج كوادره في السجون، وملاحقتها من قبل قوى الأمن المسخرة لخدمة برنامج قوى الردة والتآمر، وقد دبرت تلك القوى عدة محاولات اغتيال الزعيم عبد الكريم؛ لكنها باءت بالفشل، وقابلها هو بالتسامح والصفح عن المتآمرين؛ ما منحهم مزيدا من القوة والإصرار على الإطاحة بالثورة ابتداء بشخص الزعيم، ثم تنفيذ الصفحات الباقية من المؤامرة الخسيسة

استفاق العراقيون مذعورين على بيان انقلاب الثامن من شباط عام 1963، غير مصدقين ما يسمعون، ومن كان منهم قريبا على مركز الأحداث لم يتمالك نفسه في الانضمام إلى صفوف المقاومة العفوية التي ينقصها السلاح الذي طالبوا به وما من مجيب، كان رفاق الحزب وقيادته على رأس المقاومين أمام وزارة الدفاع والطرق المؤدية إليها، وفي المناطق الشعبية، وبعض المحافظات؛ لكن كفة المتآمرين كانت هي الراجحة من خلال سيطرتهم على بعض القطعات العسكرية، والمدرعات، والطائرات؛ وتمت تصفية الزعيم مع مجموعة من القادة رميا بالرصاص بصورة بشعة، وزاد الطين بلة بيان الحاكم العسكري، رشيد مصلح ذي الرقم 13 الذي ينص على إبادة الشيوعيين، فكان ذلك البيان المشؤوم كارثة لحقت بالعراقيين ممن كانوا شيوعيين فعلا، ومن كانوا معهم متعاطفين، وأعدم المئات ومنهم قادة الحزب، وهناك من جرت بحقهم تصفيات حسابات ولم يكونوا شيوعيين، وسالت الدماء في الشوارع، وامتلأت السجون ومراكز الشرطة وبعض الدوائر بالناس الشرفاء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا مخلصين لوطنيتهم، حريصين على حماية مكاسب الثورة، يرفضون التآمر والعمالة للأجنبي، وتبديد الثروات، وتخريب الاقتصاد، ومصادرة الحريات، لقد لعب منتسبو الحرس القومي دوراً إجرامياً وقحاً في تلك المذابح، والاعتداء على أعراض الناس، وترهيب المساكين؛ لقد كانت سوداء تلك الصفحة التي خطها البعثيون ومن معهم تحالف من قوى الخديعة والشر؛ ستذكرها الأجيال، ويلعنهم التأريخ



الثامن من شباط 2013










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جريمة الثامن من شباط الاسود 1963 لاتغتفر!!؟
الدكتور جبار ياسر الحيدر ( 2013 / 2 / 8 - 21:01 )



احسنت استاذ مديح الصادق ابا سولاف .. صح لسانك وسلمت فكرا وقلما

انه موضوع رصين ، وقد اصاب كبد الحقيقة بحذافيرها ، وباسلوب شيق يصلح ان يكون درسا لمن عميت عيونهم وبصيرتهم حقدا ولؤما وتشويها لتوثيق التاريخ المنصف

الخزي والعار لجريمة الثامن من شباط الاسود 63 وتحية للابطال والشهداء الخالدين

اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا