الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعما للحركة ولجميع الحركات الاحتجاجية المناضلة

وديع السرغيني

2013 / 2 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي




مع اقتراب الذكرى الثالثة لانطلاقة حركة العشرين من فبراير المغربية، تلك الحركة الشعبية الاحتجاجية التي ساهمت في تغيير العديد من المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، دون أن تغيّر شيئا في جوهر أحوال الناس البسطاء من عموم الكادحين، والعاطلين المعطلين، وسائر ساكنة الأحياء والمناطق المهمّشة والهشـّة، في البوادي والمدن، وفي الجبال والواحات المنسية، وداخل أحزمة البؤس على هوامش المدينة.. حيث البؤس الذي لم يزد إلاّ استفحالا، وحيث القمع والمطاردات في حق الباعة المتجولين، وحيث التوظيف السياسي البئيس لفقر المواطنين من طرف جميع القوى السياسية الرجعية والظلامية، بشكل لم يسبق مثيل.
وإذا كان النظام وخدامه الأوفياء، حكومة ومعارضة شكلية، يخططون لما هو أسوء، عبر بسطهم الأرضية اللازمة لإعلان سياسة التقشف الحتمية، سيرا والتزاما بالتوجيهات الرهيبة، الصادرة عن المراكز المالية الإمبريالية.. في محاولة للخروج من الأزمة الرأسمالية، عبر تصريف نتائجها الكارثية على بسطاء المواطنين، العمال والشغيلة وسائر الكادحين والمعطلين..الخ فما هو وضع الحركات الاحتجاجية التقدمية في المرحلة؟ وما هي خططها العملية تجاه موجة القمع الرهيبة التي تتصدى لكل الحركات الاحتجاجية والمطلبية، بالمنع والضرب والتقتيل والاعتقال؟ ما هو برنامج هذه الحركات أو القوى التقدمية اليسارية التي تؤطر هذه الحركات، برنامجها فيما يخص الغلاء المستفحل، وفيما يخص التسريحات العمالية والإغلاق الكلي للعديد من المصانع والمعامل والشركات، وفيما يتعلق بتشغيل الشباب من حاملي الشهادات، وفيما ينتظر صندوق المقاصة، وفيما تلوح به الحكومة تجاه قانون التقاعد، وقانون الإضراب والتظاهر والاحتجاج..الخ؟
في ظل هذه المعطيات، وعلى ضوءها، يلزم جميع القوى السياسية التقدمية المناصرة لمطالب وقضايا الكادحين، أحزاب وتيارات ومجموعات ونشطاء.. بأن تفتح النقاش الجدي والواسع، حول مصير الحركات الاحتجاجية المناضلة، وضمنها هذه الحركة العشرينية التي كان لها دور كبير في تنشيط الحركة ببلادنا لمدة سنتين بدون انقطاع، بالرغم من الخفوت الذي عرفته أنشطتها خلال السنة الفارطة، واقتصار حضورها في بعض المدن الرئيسية البيضاء، الرباط، طنجة، أكادير.. وغيابها المطلق عن غالبية المدن الأخرى الصغيرة والمتوسطة الحجم.
فالحركة ككل الحركات، يلزمها تقييم لتجربتها، يلزمها إحصاء وضبط إنجازاتها وإخفاقاتها، لتقدير الإنجازات الإيجابية وتطويرها، ولحصر الإخفاقات وحصار أضرارها في اتجاه تجاوزها كأخطاء وكمنزلقات..
وحين تكون الحركة عبارة عن حضن يتسع لكل التصورات المتناقضة والمتعارضة، الملتفة حول شعار "محاربة الفساد والاستبداد".. يصعب حينها التوصل لتقييم يحظى برضى الجميع، أي جميع مكونات الحركة، أو على الأقل أغلبها، لأن الحركة ومنذ بداية تشكلها، ضمّت في صفوفها الثوريين والإصلاحيين، الاشتراكيين واللبراليين، الحداثيين والظلاميين، الماركسيين والشعبويين.. وبالتالي لا بد من انتظار التقاييم المختلفة والمتعارضة، مع العلم أن ثقافة التقييم كمهمة ملازمة لأي عمل نضالي، لا تحظى هي نفسها بإجماع جميع المكونات بل هناك من دأب وتشبع بشعار "الحركة هي كل شيء والهدف لا شيء"!
انطلقت الحركة كما هو معروف، بفعل حوافز عدة، أهمها الحافز الموضوعي، نظرا للأزمة العميقة التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي ككل، وبما لهذه الأزمة من انعكاساتها خطيرة على الواقع المعيشي للجماهير الشعبية الكادحة داخل المنظومة الرأسمالية ككل، مركز ومحيط، داخل البلدان الإمبريالية عالية التقدم، وداخل البلدان الرأسمالية التابعة عميقة التخلف.. حيث عمّ الغلاء، والتهبت أسعار المواد الغذائية والخدمات، وانتشرت البطالة محطمة الأرقام القياسية، بفعل التسريحات العمالية وإغلاق المعامل والمصانع والشركات، وبفعل انسداد آفاق التعليم والتكوين المهني.. وزاد الطين بلـّة، ارتفاع أسعار الطاقة وتلاعب الرأسمال المضارباتي بأثمنة عدة مواد إستراتيجية أخرى.. الحافز الثاني الذي كان له تأثير بالغ على حماسة الجماهير والمناضلين اليساريين وجميع النشطاء الرادكاليين، هو ثورات شعوب تونس ومصر واليمن وليبيا.. وانتفاضة العمال والطلبة وجماهير الشغيلة في كل من اليونان وإسبانيا وإيطاليا وأمريكا والأرجنتين..الخ حيث لم تعد العصيانات والاعتصامات والثورات، حكرا على شعب دون غيره من الشعوب.
الحافز الثالث، وهو حافز ذاتي متعلق بأوضاع وحالة قوى اليسار، بشقيه الإصلاحي والثوري، وهو وضع متردي لا يقبل التلميع، حيث قررت جميع مكونات الحركة التقدمية، الالتحاق بالموجة الاحتجاجية تحت شعار "مناهضة الفساد والاستبداد"، حيث كانت الفرصة سانحة لمد جسور التواصل مع الشباب، وللانغراس وسط الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة..الخ وبالرغم من الإشعاع والتعاطف الذي حظيت به هذه القوى، توقف بعضها في بداية الطريق، أي مباشر بعد الإعلان عن "الإصلاحات" الدستورية وانطلاق الحملة الانتخابية، فيما استمر البعض الآخر في نشدان الملكية البرلمانية بصيغة "ملك يسود ولا يحكم" منافسة للتيار الجمهوري، بشقيه الماركسي والشعبوي، الذي ظل متشبثا بالنضال من أجل التغيير الجذري تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
لم تتشكل الحركة من فراغ، بل انطلقت وفي رصيدها سنوات وعقود من النضال الاحتجاجي الصدامي ضد دولة القمع، وضد الدكتاتورية الدموية التي تحكم البلد خدمة لمصالح البرجوازية والملاكين الكبار، مخلـّفة وراءها، أي هذه النضالات، العشرات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعطوبين، والمعتقلين والمسجونين الذين قضوا السنوات داخل المخافر السرية، حيث لقي العديد منهم حتفه من جراء التعذيب أو الإهمال أو جراء الإضرابات عن الطعام التي يخوضها المعتقلون السياسيون مطالبة بحقوقهم وتنديدا بالأحكام الصادرة في حقهم، بحيث نجحوا بفعل صمودهم وثباتهم المبدئي، في تحويل فضاء السجن إلى فضاء دائم للفضح والتشهير بديمقراطية النظام المزعومة ودولته الاستبدادية القمعية، التي لا يتوانى خطباؤهم وأذنابه، عن نعتها بدولة "الحق والقانون" حيث ينفون وبكل وقاحة أي وجود للاعتقال السياسي أو الاعتقال بسبب الرأي!
سنوات من النضال والكفاح عبر الاحتجاجات والمظاهرات والعصيانات والمسيرات والإضرابات.. داخل الثانويات والجامعات، أمام بوابات المعامل ومقرات النقابات والوزارات، في الشارع العمومي وداخل الأسواق، وأمام بنايات المؤسسات ومقرات السلطات، داخل الأحياء السكنية الشعبية بالمدن والقرى، ومن عمق المغرب المنسي والمهمش، من قلب الواحات ومن أعلى قمم الجبال.. راكمت خلالها الحركة الاحتجاجية تجربة طويلة ومتنوعة، ناهضت خلالها الجماهير التهميش والقمع والبطالة والغلاء، والحرمان من التعليم والصحة والسكن اللائق والطرق ووسائل المواصلات لفك الحصار عن المرضى والمنكوبين والعجزة..الخ
هي ذي التربة الأصيلة التي أنتجت مختلف الحركات المناضلة الحالية، وضمنها حركة العشرين، التي انطلقت بداية باسم الشباب، في محاولة منها لاستنساخ التجربتين التونسية والمصرية، لكن سرعان ما تحولت إلى جبهة سياسية من المعارضين للنظام، جبهة سياسية ضمت في صفوفها اليمين واليسار، اصطفـّت وراء لافتة "مناهضة الفساد والاستبداد"، ليتم بعدها تهميش الشباب عبر ترهيبهم والتشكيك في هويتهم ونسب انتماءاتهم لأحزاب النظام وأجهزته المخابراتية، وليحل محلهم "العقلاء" في إطار مجلس الدعم، وهو في الحقيقة مجلس للارشاد والتوجيه والتقرير في كل شيء.. إلى أن وصلت الحركة إلى ما وصلت إليه، من انسحابات وتشظي نتيجة غياب الديمقراطية وسيادة الهيمنة والبيروقراطية الحزبية، والعنف، والتخوين، والتكفير.. تردي خطير أثر بشكل قاس وملموس على مسار الحركة ومصداقيتها في العديد من المدن والمواقع، للحدّ الذي دفع ببعض فروع الحركة الالتجاء لسدّ الخصاص وتعويض المنسحبين بمن هبّ ودبّ، عبر فتح الأبواب على مصراعيها في وجه جميع العناصر المشبوهة وعناصر التيارات المعادية للديمقراطية والتنوير وجميع القيم الحداثية.. كما لجئت الحركة إلى تعويض الشعارات السياسية المطالبة بإسقاط النظام، بشعارات مطلبية اجتماعية ناهضتها لحظة انطلاق الحركة باعتبارها شعارات "متجاوزة وخبزية"، ليتم التذبذب ويعم الارتباك في جسم الحركة الواهن، بفعل التعامل الانتهازي المصلحي مع مطالب وقضايا الجماهير الكادحة والمحرومة.
أمام هذه المعطيات التي لا يمكن أن تساهم في إجراء تقييم أكثر موضوعية وأكثر تدقيق، كان لا بد من تدارك الأمور لهزم مناورات النظام وحلفاءه في الحكومة وداخل المعارضة الرسمية، يرد الاعتبار للحركات الاحتجاجية المناضلة، ذات المطالب الديمقراطية والاجتماعية الواضحة، وذات الرصيد التاريخي المحترم، كالحركة الطلابية وحركة مناهضة الغلاء وحركة مناهضة العولمة الرأسمالية.. عوض التركيز لحدّ التقديس، على حركة 20 فبراير ومجالسها.
صحيح أن للحركة إيجابياتها البيّنة وإنجازاتها التاريخية التي لا يشكك فيها سوى الجاحدون، المحبطون، المناهضون لأي مشروع يمكن أن يغيّر أو يصلح في أحوال الناس البسطاء المغاربة لما هو أفضل وأحسن، في مجال الحريات والمعيشة والشغل والتعليم والصحة والسكن..الخ وإذا كان لا بد من التذكير ببعض الإيجابيات التي تهم تطوير عمل اليسار التقدمي، فيمكن أن نشيد بتجربة الحركة، وبقدرتها على إقحام العديد من مكونات اليسار في تجربة وحدوية جبهوية أخرجت البعض من عزلته وإنعزاليته السلبية، جبهات ضمت في صفوفها الإصلاحيين والثوريين، المَلكيين والجمهوريين، الماركسيين والشعبويين، الستالينيين والتروتسكيين..الخ وهي تجربة حققت ما عجز عن تحقيقه ممثلو اليسار في قطاعات وحركات كثيرة، كالقطاع الطلابي والقطاع النقابي والقطاع الشبيبي..الخ
فالمطلوب في نظرنا هو الانتباه لهذه القيمة الوحدوية، وتعميمها في مجالات اجتماعية أخرى، حيث يتطلب الصراع ضد النظام ودولته، تقوية الجبهات التقدمية خدمة لنضالات الحركات الاجتماعية، وتطويرا لبرامجها النضالية، في اتجاه تحقيق التغيير والقضاء على نظام الاستبداد القائم ببلادنا.. حيث لم تكن في تصورنا نية التجريح أو التقزيم لحركة قدّمت الكثير للحركة الاحتجاجية ببلادنا، وحيث لا يمكن أن ننسب جميع كوارث الردّة والتراجع لحركة 20 فبراير، فالحركة كجميع الحركات تعرف المد والجزر، التقدم والتراجع، الصعود والتقهقر..الخ
متأثرة في ذلك بمعطيات الواقع الموضوعي وبواقع الحركات المكونة والحليفة، التي ما زالت متحفظة في الدخول لمعمعان المعركة الطبقية الشاملة، نقصد أساسا الحركة النقابية المرهونة بيد أحزاب وجهات إصلاحية ورجعية مَلكية لا ترغب في التغيير الذي يطالب به الشارع.
فضد تقديس الحركة العشرينية من جهة، وضد العداء الصريح أو المبطن للحركة ولكافة الحركات الاحتجاجية المناضلة من جهة أخرى.. يبقى المطلوب في نظرنا، بعد هذه التجربة التي أغنتها بقوة، تجارب أخرى، أن تعمم تجربة التنسيق الوحدوي اليساري التقدمي، في جميع المجالات والقطاعات.. وأن يعاد إحياء تنسيقيات المناهضة للغلاء، وتنسيقيات الدفاع عن الحريات والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين لأسباب سياسية ونقابية ونضالية..الخ
المطلوب أن نستعد لكل الاحتمالات أمام استفحال الأزمة الرأسمالية العالمية، والاستفادة من تجارب الشعوب المنتفضة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. حيث انفضحت أوضاع اليسار وكل الحركات التقدمية والديمقراطية أمام التقدم لأنصار المشروع الظلامي الاستبدادي، الذي استفاد من هذه الهبّات الثورية الشعبية، ليستحوذ على مقاليد السلطة ويهيمن على المجتمعات الثائرة الباحثة عن أي بديل منقذ، محولا المعركة إلى معركة أخلاقية دينية ضد السياحة وضد الغرب، وضد الأديان والفرق الدينية الإسلامية الأخرى، وضد المرأة، وضد الفكر التقدمي الحداثي وضد الفن والثقافة..الخ

وديع السرغيني
فبراير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال