الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرق اوسط جديد؟

يعقوب بن افرات

2005 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لسنا امام "ذوبان" الانظمة العربية ازاء حكمة امريكا، بل ذوبان ناجم عن فقدان هذه الانظمة مصداقيتها في نظر شعوبها في العراق، مصر، السعودية، سورية، لبنان وفلسطين، منذ فسدت وابتعدت عن هموم الفقراء. نعم، نحن بامس الحاجة لتغيير هذه الانظمة، ولكن ليس من خلال التحالف مع امريكا، بل بالتحالف ضدها.

يعقوب بن افرات

"اسلحة االدمار الشامل" كان شعار عام 2002 عشية غزو العراق، وكان على الرئيس بوش ان يكرره في كل مناسبة، واذا امكن يوميا. فالكذب اذا تكرر باستمرار يتحول الى حقيقة، بل ذريعة لشن هجوم على دولة وتدميرها. ومع توليه الحكم لولاية ثانية، غيّر بوش الشعار. ومحلّ الاسلحة التي لم يعثر عليها في العراق، حل شعار لبنان الذي اصبح محورا اساسيا في الدعاية الامريكية، وكذبة جديدة لا بد من تكرارها الى ان تصبح حقيقة. حقيقة بالنسبة لمن؟ للشعب الامريكي بالطبع الذي لا يعرف اين تقع لبنان ولا من يقطنها.

هناك من يعتقد باكتشاف حقل ضخم للنفط في لبنان، والا فما سر اهتمام امريكا المفاجئ بلبنان؟ صحيح ان النفط مهم، ولكن ليس النفط اللبناني غير الموجود هو ما يحرك بوش، بل النفط العراقي. وقد حاول الرئيس الامريكي ركوب مظاهرات "المعارضة" اللبنانية لتحرير لبنان من الاحتلال السوري، لتبرير احتلاله للعراق بهدف "تحريره". ولكن ليس نفط العراق وحده المبرر لاحتلاله، بل الرغبة الامريكية في الهيمنة على العالم من بوابة بغداد.

وقد بدأ بوش الحديث عن "حالة ذوبان" في الشرق الاوسط، ولبنان هي ذروتها. فما الذي يذوب يا ترى في نظر بوش؟ انه النظام السياسي القديم الذي بدأ ينهار بفعل سياسته "الحكيمة" في العراق. انها ثورة ديموقراطية تقترب منا ببطء، مثل تسونامي، تنتشر بهدوء وتمتد وفقط مع وصولها الشاطئ تتفجر بقوة وتجرف كل ما في طريقها.

وكان سقوط صدام حسين علامة اولى على التحول الكبير، ثم جاءت وفاة عرفات اسيرا في المقاطعة، وتاليا كان اضطرار حسني مبارك تصحيح قانون الانتخاب المصري، وحتى المملكة العربية السعودية سمحت باجراء انتخابات بلدية لاول مرة في تاريخها، وانتخبت السلطة الفلسطينية ابو مازن بانتخابات "حرة ديموقراطية"، شهدها العراق ايضا. واليوم آن اوان الانتفاضة: عشرات آلاف اللبنانيين يرتدون الشالات مقلّدين النموذج الاوكراني، ويحتشدون في الساحة المركزية ببيروت مطالبين بالتحرر من الاحتلال السوري. أول انتفاضة امريكية في الشرق الاوسط، ليست انتحارية ولا دموية مثل تلك الفلسطينية، بل نظيفة، سلمية تتقدمها جميلات لبنان.

واذا دقّقنا النظر وجدنا ان رموز النظام القديم الذي تسعى امريكا لاسقاطهم، هم انفسهم حلفاء الامس: حسني مبارك المسؤول عن مطبخ التسويات في الشرق الاوسط، العاهل السعودي منجم النفط الاول، حتى المرحوم عرفات الذي كان ضيفا عزيزا على البيت الابيض، صدام المخلوع الذي حارب ايران بدعم امريكي، وحافظ الاسد المرحوم الذي ما كان ليدخل لبنان لولا اذن واشنطن. ان النظام الشرق اوسطي الذي لم يعد يعجب امريكا اليوم، واصبح عرضة للنقد والوعيد، هو نفس النظام الذي اسسته بنفسها وبمساعدة اسرائيلية.

واذا دققنا النظر اكثر، وجدنا ان رموز الثورة الديموقراطية التي ستؤسس الشرق الاوسط الامريكي الجديد، نجد بالفعل شخصيات "شابة"، مثل وليد جنبلاط قائد الطائفة الدرزية، امين جميّل رئيس الكتائب المارونية السابق، او ابو مازن، وكلهم موجودون في الساحة السياسية الرسمية لا في "المعارضة"، منذ ثلاثين واربعين عاما. فهل يتمتع هؤلاء بالمصداقية وبثقة الجماهير في قدرتهم على قيادة تحول ديموقراطي حقيقي؟ كفى جوابا استقالة نشيطي فتح في الضفة الغربية مؤخرا احتجاجا على سلوك ابو مازن السياسي، ومعرفة الجماهير الغفيرة بان الفساد صفة اساسية في قيادتها "الشابة الجديدة".

ولكن دعونا ولو للحظة نتخيل، ماذا ستكون نتائج نجاح الثورة الامريكية الجديدة. لنأخذ العراق مثلا، حيث اتضح ان المستفيد الرئيسي من الانتخابات ليس الشعب العراقي، بل الطائفة الشيعية والكردية. فهل كان من مصلحة امريكا ان تفوز كتلة لها علاقة قوية بايران خامنئي؟ هل الفوضى والانقسام الداخلي هو ما تطمح اليه امريكا؟

هل يكون هذا مصير لبنان حيث الاغلبية شيعية؟ فمما لا شك فيه انه لو اجريت الانتخابات بشكل حر على اساس قاعدة الاغلبية والاقلية، وليس على اساس الدستور الطائفي، لحصد الشيعة الحكم، ولاصبح نصر الله زعيم لبنان وامتد النفوذ الايراني في العالم العربي. وما لنا ان نتوقع لو اجريت انتخابات حرة في مصر والسعودية؟ امرا واحدا مؤكدا: تولي الاسلام الاصولي عرش الخلافة.

يصعب التصديق ان هذا هو اقصى الطموح الامريكي، فما الذي تريده امريكا اذن؟ انها تريد اقناع العالم بان كل ما فعلته في العراق، حتى ولو على اساس كاذب، كان لاجل هدف نبيل هو نشر الحرية في المنطقة. ولكن تبين ان اللعبة كانت خطيرة لدرجة افقدت امريكا السيطرة، اذ ان عواقبها هي الفوضى والدمار وليس الديموقراطية والحرية.

في العراق حرب اهلية بين شيعة، سنة واكراد، فهل يبتعد هذا السيناريو عن لبنان بعد ان أخرجت المعارضة انصارها الى الشارع وردت الموالاة الصاع صاعين؟ أليس هذا ما ايضا ما يريده بوش واسرائيل من ابو مازن، عندما يصران على نزع سلاح المقاومة؟

لا، لسنا امام "ذوبان" الانظمة الاستبدادية ازاء حكمة السياسة الامريكية. بل هو ذوبان من نوع آخر ناجم عن فقدان هذه الانظمة مصداقيتها في نظر شعوبها في العراق، مصر، السعودية، سورية، لبنان وفلسطين، وذلك منذ فسدت وابتعدت عن هموم العمال والفلاحين الفقراء. نعم، نحن بامس الحاجة لتغيير هذا النظام، ولكن ليس من خلال التحالف مع امريكا، بل بالتحالف ضدها. نحن لسنا بحاجة لسقوط صدام حسين كي يستبدله علاوي، ولا لسقوط طالبان كي يأتي كرزاي، ولا لسقوط عرفات ليأتي ابو مازن.

ان كل تغيير اذ لم يأت من الداخل، من العمال والفلاحين، من القوى الداخلية الحقيقية القريبة من الشعب والتي تريد الديموقراطية كوسيلة لتحسين وضع الشعب، فلن يكون تغييرا حقيقيا. ان على الثورة ان تكون شعبية عمالية اذا ارادت ان تكون حقيقية، ولكنها اذا كانت امريكية فانها ستديم الاستعمار وستعمق المعاناة والفوضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام