الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكري بالعيد ... في وقفة احتجاجية تنديدا باغتيال رجل الأمن لطفي الزار

المختار بن جديان

2013 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


-لطفي الزار- مواطن تونسي، ضابط بالشرطة توفي صباح الخميس 07/02/2013 أثناء تأديته لعمله -الوطني بامتياز- خلَّف وراءه بيتا يبكيه ألما وحسرة، حتى صغيرته ابنة التسعة اشهر والتي لا تعرف معنى الألم سالت دموعها نهرا على خديها وكانها تبكي ولادتها من جديد.
قبله بيوم واحد، -شكري بالعيد- المنسق العام للجبهة الشعبية اليسارية في تونس، توفي هو الآخر في حادثة مفجعة وأليمة، أمام منزله بالمنزه السادس ووسط سيارته الشخصية وأمام أعين سائقه الخاص، ليُخلف هو الآخر وراءه بيتا ببكائه بكَّى الشارع التونسي بمختلف أطيافه، وأعلنت الهياكل السياسية والنقابية حدادا وطنيا على روحه التي فُُقدت.
الاثنان معا الآن، مواطنان تونسيان، باسم حقوق الانسان يتساوون انسانيا، باسم القانون يتساوون قانونيا، باسم المجتمع يتساوون اجتماعيا وباسم الخلق يتساوون آدميا.
لكن الفرق بينهما او في وفاتهما كان واضحا للعيان بخاصة في كيفية تناول كل من خبرهما; فمن العار ان تسوق الثقافة التونسية اليوم على ألسن مثقفيها مقاربات فكرية تقول بان الموت تركيب اجتماعي يفرض علينا التفريق بين الاموات، فكيف يكون ذلك خاصة إذا ما كانت حقوق الانسان هاجس لا طالما راود شكري بالعيد -رحمه الله- وغيره من المناضلين وهم أحياء، فكيف نتمرد على مكسب كوني مثل الموت وان نطعن في حقوق الأنسان والرجلين أموات.
فان كان الله سبحانه وتعالى قد ساواهما في الموت فكيف للانسان أن يفرقا بينهما فيه، أسيلبس شكري تحت الثراء لباسا من ذهب و لطفي كفنا أبيض فقط، ام ان شكري سيدفن في ثرى من مسك وسيُغطى لطفي بثرى من طين.
الاثنان معا سيعودان من حيث ما اتوا، الاثنان معا سيكفنان بنفس الكفن، خرقة بيضاء نرجو أن يُذهب عنها الله الدنس لكليهما وان يرحمهما وان يغفر لهما.
الوسائل الاعلامية باختلاف انماطها واتجاهاتها واشكالها وقنواتها، فشلت في أن تساوي بين الرجلين، فقد اعلنت موت السياسي فقدان واعطته كل الولاء الاعلامي اللازم لذلك وجيشت الشوارع وفجرت براكين غضب الشعب لاجله ونسيت او تناست أن الرجل كل نضاله كان موجها لأمثال لطفي الذي مات من بعده.
ألم يدافع بالعيد عن الفقراء والكادحين ألم ينبجس نضاله من ايديولوجيات الاشتراكية الماركسية وحق الشعب في تقرير المصير والدعوة لان يعيش المواطن بحقه كاملا حيا كان ام ميتا ؟ ألم يسخر الرجل حياته للدعوة لاقامة حقوق الانسان ؟ ورفاقه الذين يبكون فقدانه اليوم ألم يشعروا بأنين بنات لطفي الذي مات أثناء تأديته لواجبه الوطني بامتياز.
الم يقارع بالعيد النظامين -السابق واللاحق- وجعل من نفسه فداء للوطن والمواطنين، هكذا أرادوا منا ان نفهم أو هكذا أراد البعض منهم ... منا ان نفهم.
ان كان للإغتيال نصيب فيما حصل للرجلين، فإن اغتيال ضابط الشرطة هو الاحق بان يؤخذ بالاعتبار، لا ان يكون آخر اهتمامات وسائل الإعلام والساسة والمثقفين .
فقضية اغتيال لطفي لم تحضى بمثل ما حضيت به قضية بالعيد، ألا يتشابهون في الاغتيال أم أن الرصاصات اليوم أصبحت أقسى من الحجارة و أشد قسوة ؟
أين هم اولائك الذين يجوبون الشوارع سكارى وما هم بسكارى يتخبطون فزعا لموت رفيقهم، ليُدبروا بعدئذ الى بيوتهم في آخر هزيع لليل، يُنشيهم حمام دافىء وينسيهم تعب الهتاف الذي لاقوه.
نعم بامتياز أقول ان اغتيال شكري بالعيد يُعد اختراقا دنيئا ورخيصا لسيادة تونس، فقط لان ما مارس فعل القتل ليسوا من التونسيين في شيء والدليل يكمن في اسم هذه البلاد، ذلك ان كلمة تونس جاءت في حديث على لسان عرب قدامى بعد ان استقروا في جنوب البلاد هموا بالرحيل قائلين -ان هذه البلاد تُؤنس العباد - فكيف لعباد سمتهم الأم -الونيسة- ان يقتلوا ابنهم وواحدا منهم.
اذن فاصابع الاتهام يا سادتي الكرام -ان كانت القضية إغتيال بالفعل- موجهةالى الخارج وهو ما يعد اختراقا صريحا ومباشرا لسيادة الوطن وضربا موجعا لهويته.
انطلاقا من ان الهوية مفهوم شامل وجامع وهي بمثابة الروح التي تجمع شتى الأرواح، فليست هي -اي الهوية الوطنية- منوطة بشخص -بالعيد- او اي شخص آخر مهما علا شأنه في البلاد، بل هي مرتبطة بطفل صغير لم يتجاوز عمره الدقيقة الآن وهو ينزل من أحشاء أم تونسية، وجب علينا إذن ان نعي حجم القضية وان لا نؤولها لغايات أخرى بدات تخرج ملامحها بكل وضوح اليوم.
رسالتي هذه أوجهها بامتياز الى كل الهياكل المسؤولة عن هذه التفرقة الانسانية التي حصلت، وعلى رأسها الإعلام -العمومي- الذي لم يرخص سوى لآلة تصوير واحدة يحملونها رويدا رويدا لمنزل المناضل الحقيقي الفقيد الأكبر لتونس -لطفي الزار- ولم ترخص له أي برنامج او اي عرض تقديمي أو اي ضيف يتحدث في شأنه، بل اكتفت القناة الوطنية بقذف خبر موته في آخر الأخبار وأطلقت عليه اسم -الفقيد -اُُسوة بالفقيد الذي مات من اجله، ولم تكن مقتنعة أبدا بهذه التسمية.
الاعلام العمومي تجاوز حدود عمله ونسي صحافيوه ومسؤولوه بأن لطفي وأمثاله من الشعب هم من يصرفون لهم رواتبهم وجعلوا من الوسيلة مخدعا لمآربهم السياسية ومركزا للتجارة بالاحداث الوطنية.
اذن العيب كل العيب ان لا نحزن لفقدان رجل مات وهو يلبس بدلة الوطن -الشرطة- وهو ايضا في كامل مداركه الوطنية اي اثناء تأديته لعمل يخص اغتيال من حزنت لاجله تونس، وان ما حرك اناملي واشعل مداد قلمي ما رايته من لا مبالاة بموت المواطن -لطفي الزار- من لدن الاعلام العمومي، ومن الواجب على الصحفي ان يعرف هنا أن مهنته ليست تجارة مربحة بقدر ما تحمل بين ثناياها مهمة انسانية صرفة تلزم علينا نبذ التفرقة الانسانية.
الساسة هم الآخرون هرعوا لحساباتهم السياسية الضيقة، بدءً بالحكومة التي سارعت لنكس رأسها تندب حالها بدموع كذب لموت الرفيق، خوفا من ان تُزحزح من مكانها، اما المعارضة فحدث ولا حرج فقد وجدت في موت رفيقها طعما سائغا وملمسا رطبا به تؤثث لسقطة رائعة مع قليل من -ديقاج- امام وزارة الداخلية لن يكلفها سوى علبة دواء ثمنه ديناران لازاله التهاب الحلق، وهو ما ثبت اليوم عند تشييع جنازة -شكري بالعيد - حين نست الحشود مهمة الدفن وأصبحت تصيح -الشعب يريد اسقاط النظام-
اما الشعب فهو الى اليوم كثيره ملَّ الحال واعتزل السياسية وقليله ممن يسارون الركب، في قليلهم من يريد ان يظفر بغنيمة من الحدث، وآخرين يبحثون عن معنى حقيقي لوجوهدم بعد ان خسروه بين ثنايا الوعود الكاذبة من الطرفين حكومة ومعارضة.
سؤال يلخص كل ما جرى ; لماذا ينادي الاعلام والساسة والمثقفين والفنانين بضرورة تطبيق حقوق الانسان على المواطنين وهم احياء ويتناسون حقوق هؤلاء الناس وهم اموات؟
كلي خوف من ان تخرج نتائج التحقيق وان نكتشف ان موت -شكري بالعيد- كان مجرد حادثة قتل عادية ولم ترقى لحادثة الإغتيال -فملك الموت- لا تهمه نوع الحادثة في شيء، مأمور فقط بأن ينفذ.
أخيرا اريد ان اقول فقط أنه، يجب ان يخجل كل من شارك في جريمة التفرقة التي تعد أفضع وأبشع من جريمة الاغتيال، فقط لان امام صرح المواطنة تشرئب كل النواميس وتُطأطأ كل الرؤوس ... أفلا تعتبرون أم لكم في الحياة عجبا عجاب يا اولي الألباب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم