الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض ذكريات من انقلاب الثامن من شباط المشئوم عام 1963

حميد غني جعفر

2013 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يحدثنا التاريخ عن هجوم التتار المغول على بغداد بقيادة هولاكو وكيف أن نهر دجلة الخالد تحول لونه إلى الزرقة بفعل ما رمى في قعره – التتار أعداء الحضارة والإنسانية – كل ما وقع بين أيديهم من كتب قيمة ثمينة أو مخطوطات تخص حضارة وادي الرافدين ، وفي هذا اليوم من شباط عام 1963 كان هجوم البعث الفاشي قد حول نهر دجلة إلى لون أحمر بفعل ما رمى فيه من ضحايا حقده الأسود المسموم على كل ما هو شريف من خيرة رجالات العراق وبناته من العسكريين في مقدمتهم الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ورفاقه من الضباط الشرفاء ومن المدنيين خيرة مناضلي وقادة الحركة الوطنية من الشيوعيين والديمقراطيين والمئات من الوطنيين الشرفاء شيوعيين وديمقراطيين تقدميين ومواطنين أبرياء ... وكان هجوم البعث أكثر وحشية وهمجية ودموية من المغول ولا زالت آثار وتداعيات هذه الكارثة إلى يومنا هذا دمار ودماء وخراب وحروب ولا زال نهر الدم جاريا ، وهذا ما ينبغي ويجب إطلاع شبيبتنا الواعية عليه من الأجيال الجديدة لتتبصر طريق بناء مستقبلها ولتعرف حقيقة وفكر البعث ونهجه وارتباطه بالغرب والمخبرات الأمريكية ولتعي أيضا أن كل ما تعانيه اليوم وما يعانيه شعبنا وبلادنا إن هو إلا بفعل خيانة وغدر البعث ومن لف لفه بثورة 14 تموز التحررية المجيدة .
نستذكر هذا اليوم المشئوم لما ينطوي عليه من العبر والدروس لكل الوطنيين الشرفاء والغيارى الذين تعز عليهم قضية شعبهم ووطنهم ، ولعل أول الدروس هو الفرقة والتشتت بين الحركة الوطنية التي كانت هي العامل الأساس في نجاح انقلاب شباط الدموي عام 1963 .
كان الحزب الشيوعي العراقي لوحده في ساحة النضال الوطني – حينذاك – بعد أن أعلن الحزبان الوطني الديمقراطي – والوطني التقدمي عن تجميد نشاط حزبيهما وغلق صحيفتيهما على أنه احتجاج على سياسة القمع وتصفية الحريات السياسية التي مارسها الزعيم قاسم ضد القوى الوطنية والديمقراطية ، أما الحزب الشيوعي العراقي ظل يواصل نضاله بلا هوادة وانتقل إلى العمل السري وبات الحزب بين نارين ، نار ديكتاتورية قاسم وقمعه وزج مناضلوه في السجون ونار القوى الرجعية بكل شراستها وعصابات الاغتيالات والاعتداءات لتصفية مناضليه ، وكان تجميد نشاط الحزبين – المذكورين – في الواقع قد شجع الزعيم قاسم على التفرد في الحكم بمواصلة نهجه الديكتاتوري و أضعف قدرات شعبنا وحركته الوطنية على مواجهة الانقلاب الدموي خصوصا وأنه في ساعات الانقلاب الأولى كان الشهيد الخالد سلام عادل قد اتصل هاتفيا بقادة الحزبين – المشار إليهما – لمعرفة موقفيهما من الانقلاب ... وإبلاغهما بموقف الحزب الشيوعي وهو مقاومة الانقلاب ... فكان جوابهما على أنهما ضد الانقلاب لكنهما غير مستعدين للمقاومة ومثل هذا الموقف لا يعبر عن شعور بالمسئولية الوطنية وكان عاملا مهما ساعد على نجاح الانقلاب الكارثة ، فلو أن الزعيم قاسم كان يعي خطورة الوضع و اتخذ الإجراءات الرادعة والحازمة ضد المتآمرين ، ولو توحدت إرادة الوطنيين المخلصين و الحزبين الوطنيين – أعلاه - مع إرادة الشعب الذي خرج إلى الشوارع عن بكرة أباه – منددا بالمؤامرة ومطالبا بالسلاح نقول لو توحدت هذه الإرادة مع موقف الحزب الشيوعي في مقاومته للانقلابيين ، لما كان قد نجح المتآمرون في تمرير انقلابهم الفاشي .
ومن ذكريات هذا اليوم المشئوم وبعد استجابة جماهير الشعب لنداء الحزب الشيوعي بالخروج إلى الشوارع احتشدت الجماهير الغاضبة في ساحة قريش في الكاظمية فكانت تظاهرة كبرى ، ونحن في التظاهرة شاهدت رجلا رفعته الجماهير الساخطة على أكتافها وهو يخاطب الجماهير معرفا إياها بنفسه قائلا : أخوان أنا هادي هاشم ألأعظمي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ... وإذا بالجماهير تتوقد حماسة وتهتف بحياة الحزب والثورة هتافا لم ينقطع ... إلا بالرجاء الذي توجه به ألأعظمي إلى الجماهير طالبا الإصغاء له ... فقال أدعوكم باسم الحزب الشيوعي التوجه إلى مراكز الشرطة والاستيلاء على السلاح ودون إيذاء الأفراد وتوجهت الجماهير إلى مركز شرطة الكاظمية ، وتوجهنا نحن ثلاثة رفاق – بإيعاز من الحزب – إلى مسجد يقع على بعد خطوات من مركز الشرطة وفتحنا باب المسجد – الأمير – واستخدمنا جهاز الماكر يفون لقراءة بيانات الحزب وتوجيه النداءات إلى الجماهير المحتشدة وكنا نحن الثلاثة – الكاتب وعبد الوهاب ألمنذري وسامي أحمد السلطان – نتناوب على قراءة البيانات والنداءات لاستنهاض همم الجماهير في مواجهة المتآمرين ، ونحن في غمرة حماستنا في توجيه النداءات جاءنا الإيعاز من الحزب بالتوجه إلى مركز الشرطة فاتجهت مع ألمنذري – تاركين سامي بمفرده لإذاعة بيانات الحزب – إلى المركز فكان يتصدر التظاهرة الشهيد سعيد متروك ومحمد أمين ألأسدي ورسول محمد أمين فالتحقنا معهم ، وكان الشهيد سعيد متروك الوحيد – في التظاهرة – يحمل رشاشة بور سعيد ، وطالب سعيد ضابط المركز بالاستسلام ، وحاول ضابط المركز التهرب بذريعة أنهم مع الزعيم قاسم وهنا اتخذ الشهيد سعيد وضع الانبطاح أرضا مصوبا رشاشته إلى صدر الضابط ومن معه من الشرطة فذعر الضابط وأصابه الرعب فالرشاشة مصوبة إلى صدره والجماهير الغاضبة تهتف بسقوط المؤامرة فاستسلم الضابط ومن معه ، ثم قمنا باحتجازهم بعد تجريدهم من السلاح في غرف داخل المركز ، ثم توجه الشهيد سعيد بالتظاهرة إلى مركز شرطة النجدة في ساحة الزهراء أما أنا وألمنذري طلبنا من الضابط تسليمنا مفتاح المشجب فادعى بأن المفتاح ليس لديه مما اضطرنا لكسر باب المشجب فكان السلاح ضئيل ومن طراز قديم – بضعة بنادق إنكليزية كسرية – وبعد أن تمت السيطرة على المركز واتجهت الجماهير الساخطة يتصدرها الشيوعيون إلى النجدة اتخذت قيادة المقاومة من إعدادية الكاظمية مقرا لها باعتباره المكان المناسب ويشتمل على عدة منافذ وفيه ساحة كبيرة لتدريب المقاومين على السلاح وكان في مقر القيادة – حمدي أيوب – ومحمد أمين ألأسدي وقاسم الو احدي والملازم خزعل السعدي والشاعر مظفر النواب ، كما قامت قيادة المقاومة بإرسال عدد من الرفاق أعضاء فرقة الطوارئ إلى رأس جسر الأئمة تحسبا لأي طارئ يمكن أن يحدث بتسلل عناصر معادية من الأعظمية ، وهم سعيد متروك علي عبد الله ومحسن مهدي وآخرين .
كان الموقف في مركز شرطة النجدة يختلف تماما عن الموقف في مركز الشرطة المحلية ، حيث رفض مدير شرطة النجدة الاستسلام فكانت معركة ضارية خاضتها الجماهير البطلة مع الشرطة بقيادة المقدم المتقاعد خزعل السعدي ومعه هادي ألأعظمي وحمدي أيوب والشاعر مظفر النواب ومحمد الوردي وآخرون ، وخلال واجبي – الحزبي – في الشرطة المحلية بلغني خبر عن إصابة أحد الرفاق من تنظيمنا – سعيد علي حسن – فاستأذنت من الرفيق آمر الموقع – جواد أحمد السلطان بالذهاب إلى مستشفى الكاظمية – قبالة المركز – لتفقد حالة رفيقنا ... دخلت المستشفى فذهلت أشد الذهول إذ كانت خالية تماما من أي مسئول فلا دكتور ولا موظف صحي ولا حتى حارس إلا من حركة المواطنين التي تتسم بالفوضى فقد استخدم هؤلاء المواطنين سيارات الشرطة التي استولوا عليها في نقل القتلى والجرحى في معركة – النجدة – إلى المستشفى ومواطنون يبحثون عن أبناءهم ... كان مشهدا رهيبا ومرعبا ... حيث أكداس من البشر بعضها فوق بعض مطروحون على الأرض كيف ما اتفق ... ولا يعرف من القتيل ومن الجريح أصوات أنين ينبعث من الجرحى ولكن لا يعرف أين موقعه بين هذه الأكداس من البشر وكان المشهد مهولا ومفزعا وغير مألوف خصوصا لشاب دون العشرين من العمر أنه أمر مرعب عشرات من الأكداس البشرية وحولها الدماء النازفة ، واستمرت هذه المعركة لأكثر من أربعة ساعات متتالية بين الجماهير الباسلة وبين الشرطة المدججة بالسلاح ... حتى حسمت المعركة لصالح المقاومة الباسلة للشيوعيين وجماهير الشعب بعملية مباغتة بطولية قام بها اثنين من رفاقنا – رسول محمد أمين وسامي أحمد السلطان – بصعودهما إلى سطح أحد الدور المجاورة للمركز ورميا بنفسيهما على سطح المركز الذي كان يقف فيه معاون شرطة النجدة وهو يعطي الإيعاز إلى الشرطة بضرب الجماهير وهبط عليه الرفيقان وأسروه ، ولما رأى الشرطة أن المعاون وقع أسيرا بيد الثوار توقف إطلاق النار ، أما الفرقة التي أرسلتها قيادة المقاومة إلى جسر الأئمة فقد حصلت هناك أيضا مع زمرة قادمة من الأعظمية حاولت التسلل إلى الكاظمية فتصدى لهم رفاقنا وقتلوهم .
حتى الساعة الخامسة من ذالك اليوم الأسود لم يبقى في المركز سوى – الكاتب وألمنذري – ومعنا مواطنين من الطيبين أصدقاء للحزب ومحبين للزعيم قاسم ، وحاولنا إقناعهما بانسحابهما إلا أنهما قد أصرا بشجاعة على البقاء معنا حتى نموت سوية لن نترككم عاشور جدوع ومحمد مهدي ، هكذا كانت شجاعة الجماهير البطلة ومعنوياتها العالية ، مع أنهم كانوا يشعرون بالخطر حتى تم القبض علينا فعلا داخل المركز ، بعد قدوم جيش الأوباش والخديعة التي قاموا بها برفع صور الزعيم قاسم .
هذه بعض من ذكريات يوم شباط الأسود وغيرها الكثير شاركنا فيها ولا زالت راسخة في ذهني ولن تنسى أبدا .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا