الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يرسم خرائط حديدان..؟

كريم كطافة

2013 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


شخصياً، كرهت كما كره غيري وهم كثر مصطلح (المكونات) الشائع استخدامه هذه الأيام. أجده مصطلحاً عفناً تزكم عفونته أنوف العراقيين. وهو إلى ذلك نتاج ذهنية غبية. لكن رغم غباءه الواضح نرى سياسيي الصدفة هذه الأيام يعلكون به كما تعلك عاهرة علكة لا تدري شيئاً عن محتواها. يردده بعضهم بخجل ظاهر وبنية مبيتة وبعضهم يردده بفرح وكأنه يهدد خصومه. مباراة تجري فصولها على جسد خارطة البلد بين مكون سني ومكون شيعي ومكون كوردي ولكل مكون واجهات سياسية وشركات تلفزيونية داعمة ودول راعية ترعى الواجهات وتسهر عليها كما تسهر شركات الإعلان على برامجها الترويجية. بسبب كل هذا القبح البيّن اخترت توصيفاً آخر للكارثة قلت (خرائط فرعية).
هذه الخرائط الفرعية كنت أجهلها كما كنت وما زلت أجهل أموراً كثيرة. ربما لعدم اهتمامي أو حاجتي لتلك المعرفة، لم تكن تعنيني كثيراً أو قليلاً معرفة أصل وفصل الذي يلاعبني في أزقة وساحات الطفولة، ليكن ما يكون. الذي كان يعنيني وقتها أكثر من معرفة أصله وفصله هو صداقته التي فضلتها على صداقة غيره. ولما كبرت كبر معي الجهل وتلك اللاإبالية بالتدقيق في أصل وفصل أصدقائي على يد الشيوعيين هذه المرة. وهؤلاء (الشيوعيون) فصيلة من البشر لا تعرف لهم لوناً عرقياً أو قومياً أو طائفيا، يداهمك الواحد منهم بحضوره الشخصي الفاعل والمؤثر إلى حد عدم الحاجة إلى أسئلة زائدة حول الأصل والفصل. ثم تكتشف لاحقاً والاكتشاف سيكون متأخراً، بعد استشهاد أو موت الصديق، أو بعد عشرين سنة صداقة، أن ذلك الرفيق والصديق كان كوردياً أو مسيحياً أو تركمانياً أو صابئيا أو سنيا أو شيعياً.. حينها لن تكون للمعرفة الجديدة أية قيمة أو معنى خاص. لذلك كله لم يكن غريباً جهلي بشؤون وشجون الخرائط الفرعية.
تظهر على الواجهة هذه الأيام وبشكل قبيح أربعة خرائط داخل الخارطة الأم، أكبرها الخارطة الشيعية الممتدة بشكل طولي متصل من الفاو جنوباً إلى تخوم الخارطة الكوردية شمالاً ومن أقصى الشرق إلى عمق الخارطة السنية غرباً، خارطة بانحناءات ونتوءات وتعرجات ستشكل منها أغرب لوحة سريالية في عالم الخرائط. الخارطة الثانية التي تأتي بعدها مباشرة من حيث الحجم وأقل منها سريالية من حيث الالتواءات والتعرجات والنتوءات هي الخارطة الكوردية، الممتدة من آخر قمة كوردية لا تطالب بها تركيا شرعاً من الشمال إلى داخل صرة بغداد جنوباً ومن أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الشمال الغربي. وبمناسبة ذكر (بغداد) وللعلم دون غيره؛ أن عدد نفوس هذه المدينة من الكورد بألوانهم المختلفة هو أكبر من عددهم في أي مدينة كوردية، بمعنى أن بغداد هي أكبر مدينة كوردية، كما هي أكبر مدينة شيعية، كما هي أكبر مدينة سنية وهذه مأساة بغداد. الخارطة الثالثة هي الخارطة السنّية التي أرادوا تثليثها، لكنها تأبى على التثليث.. وهذه تمتد من أقصى الغرب حيث الرمال الممتدة مع تمدد السراب العربي إلى أقصى الشرق من الخارطة الأم، ومن جنوب الخارطة الكوردية شمالاً حتى دواخل بغداد جنوباً، مع وجود تمددات داخل الجسد الشيعي المجاور لها جنوباً.. بمعنى أنها تشق جسد الخارطة الأم عرضياً. ثم أخيراً ولعله ليس آخراً، تأتي الخارطة التركمانية وهذه سيكون حظها في التوحد يشبه حض الدولة الفلسطينية الحديثة، لأنها مكونة من كتلتين متباعدتين لا تواصل أرضي بينهما إحداهما غرب الموصل والثانية في كركوك ونواحيها. أذكر ما قاله مرةً أحد صحفيي اليمين الإسرائيلي (وهذا استدراك قد يبدو خارج الموضوع، لكني أصر على صلته بالموضوع) قال ذلك الصحفي: يا فلسطينين، يا عرب، يا أمريكا، يا إسرائيل، يا عالم.. يا هووو.. كل من يقول لكم ستكون هناك دولة فلسطينية قولوا له: أنك كاذب!! والسبب يا سادة بسيط ويأتي من خارج كوني إسرائيلي أو يميني، السبب هو الواقع الجغرافي.. انظروا بأعينكم وأحكموا هل توجد دولة في العالم تتوزع أشلائها بالأقساط داخل دولة أخرى.. هل توجد دولة تحيطها دولة أخرى بشكل دائري.. وهل توجد أخيراً دولة مكونة من كتل متباعدة تربط بينها جسور معلقة. لهذا أقول: مساكين التركمان ستكون دولتهم مستحيلة هذه المرة استحالة حل القضية الفلسطينية وفق وصفة (حل الدولتين).
سوف لن تخلو كل خارطة من هذه الخرائط الفرعية الكبيرة من تشكلات خريطية أخرى، ستكون فرعية كذلك إنما داخل الفرعية الأولى، مثلاً داخل الخارطة الكوردية هناك ثلاثة خرائط معروفة لحد الآن السورانية والبادينية والأيزيدية.. تفصل هذه التشكلات حدود كانت حتى الأمس القريب سبباً لحرب طاحنة طحنت الجسد الكوردي. وداخل الخارطة السنية ثمة جزر شيعية وتركمانية وكوردية.. مثلما ضمن الخارطة الشيعية كذلك ثمة جزر سنية وكوردية ومسيحية وصابئية. هذه النتوءات أو الجزر يمكن وصفها بـ(مخلب القط العائد للجيران). لكن يبقى الأكثر سريالية في رسم هذه الخرائط هي خارطة الصابئة المندائيين، وجدت شكلها يشبه تمدد النهرين وهذا متأت من خاصية تعلق هؤلاء القوم بالأنهر تعلقاً عجيباً وكأنه سيقضى عليهم تماماً فيما لو فارقوا تلك الضفاف التي غارت في طينها عروق أسلافهم الأباعد. وهناك خارطة أكثر عجباً وتعجيزاً حتى من خارطة الدولة الفلسطينية الحديثة، أنها خارطة المسيحيين من الكلدان والآشوريين والأرمن، هذه الخارطة وعن حق يمكن وصفها بـ(شذر مذر) موزعة في داخل كل الخرائط الفرعية، لا تخلو خارطة فرعية من جزرة مسيحية. لا أقول بحق هؤلاء القوم غير الله يعينهم على بلواهم لأن شياطين الأرض وملائكتها سيعجزون عن توحيد مزق هذه الخارطة.
أخيراً، سيكون للجميع مشاكل حدودية مع جيرانهم القدامى – الجدد وسيكون تقديس الحدود أكثر من تقديس حياة البشر. وستكون لكل خارطة فرعية دولة مجاورة أو غير مجاورة ترعاها، وبسب من خلافات الدول الخارجية فيما بينها سيشتد الطلب على مخالب القط داخل الخرائط الفرعية. سنجد في جسد كل خارطة فرعية مخلب صغير أو كبير لذلك القط العائد للجيران. وستزدهر في الخرائط الجديدة أناشيد صد المؤامرات الخارجية الدنيئة وسينتعش سوق متعهدي المسيرات الجماهيرية المليونية و(بالروح بالدم نفديك يا حديدان).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من