الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النار بغير لظاها

بتول قاسم ناصر

2013 / 2 / 9
الادب والفن


النار بغير لظاها ..
كتبت عند عودة الشاعر الكبير مظفر النواب ..
عاد زعيم الفقراء والغرباء متعبا من خرقة الدنيا على أكتافه , قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا ، خريف تساقطت أوراقه ، شمعة منطفئة لا تبدد الوحشة .. عاد كالمخلص بغير خلاص ، أبو ذر لا يرفع قبضة الثورة ، نوح لا يبشر بالطوفان ولا يدعو أتباعه إلى بناء سفينة الخلاص .. المنقذ يأتي بلا لغة ، بيان الثورة بلا عبارات الثورة .. انتظرنا إعصار الثورة ، قلنا سيجيء يحمل رايته الحمراء معبأ بالثورة والغضب ولكنه انساب بكل هدوء ، خفت صوت الثورة ..عرفناه ينتمي للهيب الدهور وها هو نار بغير لظاها ..
سيهتز الأعداء من النشوة .. ظنوا أن قد توقف نبض الثورة .. قلنا : جاء ليبحث في وجوه الناس عن الثورة .. فالثائر لا ينتهي ولا ييأس ، أمضى حياته وهو ينفخ نار الرماد ، يثبت حق الشعب بالحياة ، يشهر صوته ضد الصمت ، يشعل غضبه وأوار روحه ويتوعد الظالمين بغضب ، ولم يخف العواقب فيما يقول ، يقض مضاجع الطغاة ، من صوته تهرب حيات وحكومات وعقارب .. سيجتمع الشعب للإنصات إليه ، فالشعب بلا صديق وهو يحب جرأته .. جاء يعلمنا فصاحة ( المحبة والحقد) ويقول : متى الوثبة ؟ سنرفع قبضاتنا ، ألوف ستسير وراءه تنتظر في الدروب ..
لمقدمه فاح عطر البنفسج ، فتحت الأبواب ، هو قضية الوطن ، يسقي بكلماته يباب روحه ، أمين لمعدنه معدن الفقراء ، يعرفه الأيتام والجياع ، يبحث في الجنوب وبيوت الصفيح عن الجوع أكبر آبائنا الثائرين ، يطوف في خرائب المدينة يقول : الناس سواء .. لا تتركنا فالناس هنا في غربة ، وكل شيء طعمه طعم الفراق ، والحزن وجه جميع الناس ..
ماسة العراق تعود إلى العقد ، لم ينس قط ، العراق دموع عينيه ، احترق بحزن العراق ، صاحب غربة كالنار ، جسمه ما وسع جروح الهجر ، مشفق ألا يرى نخيل العراق .. كان العراق لطول المجافاة حلما ، منعوه يرى جسر الكرخ الخشبي .. حلمه أن يضع أقدامه على عتبات العراق ، أن يحط على كل باب خده ويلثمها ، يريد تقبيل بغداد ، صار شوقا مخيفا لفرط ما اشتاق ..
جاء من رحلته القصية يتزود القوة لقلب جريح ، لعمر بين الفنادق لا يستريح ، يسأل أهل الحي : هل لعشقه ترياق ، هل خليل لوحشته ، أما سنحت فرصة للقاء ، أما يقترب النأي ؟ .. تشرد وما سلا وما فارق الأمل ، ما ارتاب قلبه وما تعبت روحه وما أخطأت بوصلة حكمته ، تقدم به العمر وما انثنى وما أطاع السلطان : ( كل الأشياء رضيت سوى الذل ، وان يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان ) .. كان شارة في طريق الجماهير ضد النظام ..
أسرف في الهوى ، أحب بلادا تقتل العاشقين ، تقصيهم إلى المنافي ، وما هزم عشقه للعراق ، يلهث عمره ليلقى العراق وهو سراب .. له أمنية أن يعود والمنفيون الى أهل ووطن ، لم يعدل بنخلة أهله الدنيا وما ارتوى بغير مائهم ، أفناه عشقه ، عراقي هواه وميزة فيه الهوى خبل وفناء ، بلاد ما بها توسط في الهوى ، و لذا لم نجده إلا في ذروة الانتماء ..
سافر وله أمل وما وصل ، من بعد يستقريء أخبار البلاد ، لا يعرف طعما للرقاد ، يدور قلبه مع الأيام والثوار والعشاق ، ما تعب ينتظر أن يقوم العراق من رماده ، يبشر أن سيقوم العراق بجراحاته النازفة أكثر عافية ، سيهزم زمان المهزومين ..
يعلمنا من لا تراب له لا سماء له ، كثيرون باعوا ورقصوا كلما جاء بغداد وال جديد لكنه ارتفع قمرا عربيا في زمان الاختباء والانحناء ، قرأ على أبواب بلاده خيانات ذوي القربى وشراكتهم للأعداء ، سألوه أن يشارك في الحل السلمي قليلا ، قال : ( كل على قدر الزيت الذي فيه يضاء ) ..

يا مغني المحطات والعربات التي لا مصابيح فيها ، يا غريب الدار : كفاك تطرق الأبواب ، تنطوي على جمر الغضا ، فلك وطن كما للناس وأحباب ، تعال الى العراق انزع فيه تعبك .. ولكن زمن العراق الجديد لا ينتمي اليك ، العراق ليس معافى ، تحيط الكلاب بقلبه ، والذئاب غرست مخالبها في روحه ، قاحل ليس فيه سوى الحزن ، يهيلون رماد الموت عليه ، أضحى حصصا ، يحتفل فيه الأعداء ، أعلنوا عنه في المزادات ، يقدمونه لمغتصب ، نزلوا به الى الهوة ، خيانات ذوي القربى وشراكتهم للأعداء جعلته بلد الفوضى والخراب الطائفي ..
مر بنا سيدي نستمد الشجاعة فحين ( يمر الشجاع بشيء يصبح شيئا شجاع ) .. انشد آخر أغنية للثورة .. فالعراق ينوح ، ورأس الحسين ما زال فوق رمح لا يستريح ..


د. بتول قاسم ناصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل