الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2013 / 2 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في مؤتمر صحفي عُقد يوم الثلاثاء 5 فبراير 2013 بمقر وزارة التنمية الإدارية تحت عنوان "مشروع منظومة دعم البوتاجاز والبنزين والخبز"، أكد الدكتور أحمد سمير القائم بأعمال الوزير أن الوزارة طرحت الكوبونات الخاصة بأنابيب البوتاجاز على بطاقة التموين بجميع المحافظات؛ بحيث يتم صرفها بداية مارس المقبل، بعد أن تم التعاقد مع الشركات ليتم صرف 3 أنابيب صيفًا و4 أنابيب شتاءً كل شهرين، على أن يُصْرف لكل فرد 3 أرغفة للفرد الواحد و5 لتر بنزين للسيارة يوميا.
كان هذا مضمون الخبر الذي نقلته وسائل الإعلام المصرية، وهو الخبر الذي يتضمن تصريحات رسمية جاءت في مؤتمر صحفي علني عقد في مقر الوزارة بما ينفي عنها شبهة التزوير والتقول على مصدر هذه التصريحات وهو القائم بأعمال الوزير، وهو منصب ذو حيثية (ماذا بعد ذلك في الوزارة؟!) بما يعني أن التصريحات ليست صادرة عن شخص غير مسئول ولا عن شخص غير مصرح له بالحديث إلى وسائل الإعلام. إذن، هي تصريحات صحيحة وحقيقية، وبالتالي يتعين النظر إليها باعتبارها تعبر عن الفكر العام لتعامل الحكومة والقيادة السياسية الإخوانية الجديدة في مصر مع الواقع العام في البلاد.
وفي الأسطر التالية، سنحاول إلقاء الضوء على بعض التداعيات السلبية التي من الممكن أن تؤدي إليها هذه الإستراتيجية الجديدة في جزئها الخاص بتوزيع رغيف الخبز، وكذلك بعض دلالات هذه الإستراتيجية، إلى جانب البدائل التي كان من الممكن أن تلجأ إليها الحكومة في التعامل مع ملفي إيصال الدعم لمستحقيه، والحصول على موارد جديدة للدولة.

3 أرغفة يوميا؟!
إن من حدد عدد الأرغفة التي يتناولها المصريون يوميا بثلاثة أرغفة هو شخص لا يفقه شيئا في الواقع الاجتماعي المصري، وهذا أقل ما يمكن أن يقال. ولكن هناك اقتراح آخر وهو أنه يتعامى عن هذا الواقع، وتلك مشكلة حقيقية، لأن هذا التعامي يعني أن هذه الحكومة لا تراعي مصلحة المواطن، وهو الهدف الأساسي المكلفة به أية حكومة؛ رعاية مصلحة مواطني الدولة التي تحكمها.
لماذا هذه الاتهامات الواردة في الفقرة الأولى من هذا القسم؟! الاتهامات ترجع إلى أن رغيف الخبز يمثل محور النظام الغذائي الذي تتبعه غالبية المصريين، لأن الشعب المصري شعب غالبيته من الفقراء، وهذا يقودنا إلى نقطتين. النقطة الأولى هي أن هذا الفقر يجعل مكونات وجبة المصريين غير كافية لتقديم ما يحتاجه الإنسان من عناصر غذائية متكاملة، وبالتالي يكمل المصريون هذه العناصر بتناول رغيف الخبز الأسمر، الذي يشكل بالفعل العمود الفقري للوجبة المصرية، مما يجعل حرمان المصريين من كفايتهم من هذا الرغيف حرمانا من جزء أساسي من نظامهم الغذائي الهزيل بالأساس.
قد يتساءل أحدهم: "لماذا الحرمان؟! فهذا النظام لن يمنع المصري من شراء الخبز بسعره الحقيقي غير المدعوم، إن أراد الزيادة عن الأرغفة الثلاثة". هذا ينقلنا إلى النقطة الثانية وهي أن الفقر وصل بالمصري لدرجة أصبح معها عاجز عن الوفاء بالاحتياجات الأساسية، وهو ما يرجع إلى عجز الدولة عن إدارة المنظومة الاقتصادية بالشكل المثالي الذي يكفل حياة كريمة للمواطن، بغض النظر عن المستوى المعيشي الذي يمكن أن يعبر عنه مصطلح "الحياة الكريمة". ولما كانت الدولة هي التي عجزت عن توفير هذه الحياة الكريمة، جاء نظام الدعم لكي يسد فراغا تسبب فيه هذا العجز. لكن حكومة الدكتور هشام قنديل تأتي اليوم لكي تحرم المواطن من هذا الدعم، وتجعله يدفع ثمن عجز الدولة عن إدارة الأحوال الاقتصادية، بدلا من أن تقوم بتحسين أساليب الإدارة، وهو الأمر الذي سنتطرق إليه في جزء قادم من هذا الحديث.
إذن، سيتعين على المواطن شراء ما يزيد عن احتياجاته من الخبز بسعر أعلى من سعر الدعم، وهو السعر الذي لم يتم تحديد سقف له في الفترة الحالية، فهل سيكون أغلى بعشرة قروش مما يعني أن سعر الرغيف قد تضاعف؟ أم أعلى أم أن الرغيفين سيكونان بخمسة عشر قرشا؟! كلها أسئلة لم يجب عنها القائم بأعمال الوزير في المؤتمر الصحفي.
وإلى جانب المشكلة الخاصة بنظام التغذية في المجتمع المصري، هناك مشكلة أخرى قد يتسبب فيها هذا القرار، وهو إحساس المواطن العادي بالقهر نظرا إلى أنه لا يجد إجراءات مماثلة تتم بحق رموز النظام السابق من الفاسدين والقتلة، لأنه حتى الآن لا زالت الأموال التي نهبوها من المواطن المصري وتم تهريبها للخارج محمية بسبب الإجراءات المطولة التي يتطلبها استرداد هذه الأموال، هذا إلى جانب أنه حتى الأحكام القضائية الصادرة بإلزام رموز النظام المخلوع بإعادة أموال ما أخذوها بما يخالف القانون لا زالت قيد النقض والاستئناف وغيرها من الإجراءات القضائية. بينما "لقمة عيش" المواطن يتم سلبها منه بقرار مباشر مفاجئ يقال إنه "يستهدف مصلحة المواطن"، وهو في الواقع استهدفها بصاروخ فتاك، يذكرنا بصواريخ الاحتلال الصهيوني ضد عناصر المقاومة الفلسطينية!

ارتعاش اليد...؟! أو ربما المصالح!
من الدلالات التي يمكن استقراؤها لهذا القرار الخاص برغيف الخبز أن القيادة السياسية الجديدة في مصر — والممثلة في جماعة الإخوان المسلمين — لا تريد الدخول في صدامات مع طبقة الأثرياء التي ينتمي إليها الكثيرون من رجال الأعمال في الجماعة. لماذا نقول هذا؟! وبالتالي يعبر عن هذا القرار عن رغبة في الحفاظ على مصالح الأثرياء في مصر لا عن ارتعاش يد الدولة وتخبط القيادة السياسية في البلاد. ربما كان يعبر عن الأمرين معا، ولكنه يعبر في المقام الأول عن حماية المصالح. هذا رأيي، والأسانيد ستلي ذلك.
إذا أخذنا عامل البناء كنموذج على المواطن الذي يعتمد على رغيف الخبز كعنصر أساسي في وجبته الغذائية، سنجد أن هذا العامل يتناول في الوجبة الواحدة هذه الأرغفة الثلاثة التي تحددها له الحكومة. فإذا قلنا إنه يتناول وجبتين يوميا على أقل تقدير، فهذا يعني أنه سيتناول ما لا يقل عن 6 أرغفة يوميا لكي يستطيع الوفاء بمهامه كعامل بناء. هذا العامل يقوم ببناء وحدات سكنية لا يحلم هو بالسكن فيها، ولكنه يبنيها لكي يسكن فيها الأثرياء الذين يشترونها من مالكي هذه العقارات، وهم أثرياء أيضا!
الحكومة المصرية للآن لم تتخذ أية إجراءات للحد من ظاهرة عدم استغلال الملكيات العقارية المغلقة، وكذلك لم تسع لتنظيم قطاع العقارات في مصر، والذي يجنح في الفترة الحالية إلى الإسكان الفاخر في مجتمع غالبيته من الفقراء أو حتى الذين يعيشون تحت خط الفقر. هذا الجنوح إلى الإسكان الفاخر يظهر في إعلان لإحدى شركات السياحة والمقاولات في مصر يقول إن الشركة أدركت ما تحتاجه مصر الآن، وبالتالي تعمل حاليا على بناء 7 منتجعات سياحية في مناطق مختلفة من البلاد! لا تعليق على هذا الإعلان؛ فالشركة تسعى لاستغلال مناخ قائم في البلاد، والمشكلة ليست في الشركة، ولكنها في الحكومة التي تتسر حاليا على هذا المناخ، ولا تسعى إلى تغييره.
إذن، بدلا من أن تسعى الحكومة إلى تحسين أوضاع العامل البسيط، تأخذ من قوت يومه. بدلا من أن تقول له إنها ستعطيه رغيفين إضافيين ولكن في شكل غطاء معاشات وتأمين يستفيد منهما عندما يصل إلى سن التقاعد، وهو سن مبكرة بسبب المشكلات الصحية التي تترتب على الأوضاع السيئة لهذه الفئة من المواطنين، نجدها تأخذ منه بداعي التوفير من ميزانية الدولة.

الكثير والكثير من الوسائل إلا الخبز!
يقودنا هذا إلى الكيفية التي كان من الممكن أن تتعامل بها الدولة مع المشكلات التي زعمت أن هذا القرار سيؤدي إلى حلها. من المشكلات إيصال الدعم إلى مستحقيه، وهي المشكلة الناجمة بالدرجة الأولى عن انتشار الفساد لا عن نقص الإجراءات اللازمة لإيصال الدعم إلى مستحقيه. فهناك شبكة رقابية وإجراءات كفيلة بحماية الدعم. بدلا من أن تقوم الحكومة بمحاربة الفساد، نجدها تأخذ من أموال العامل المسكين، وكذلك النساء العاملات في إشارات المرور في بيع المناديل الورقية، وربما بيع أنفسهن في سبيل الحصول على لقمة العيش لهن ولأولادهن الذين من غير المتوقع لهم في ظل هذه الأجواء أن يشبوا سوى من أطفال الشوارع.
حقا هناك ثغرات في هذه القوانين، إلا أنها ليست الثغرات التي يمكن لها أن تهدر الحصص الكبيرة من المال العام، والتي يتم إهدارها بسبب الفساد. الحل إذن في الضرب بيد من حديد على الفاسدين، واقتلاعه من جذوره في هذا الجانب الحيوي من حياة المواطنين وهو إيصال الدعم لمستحقيه. ولنا سؤال: هل التنظيم القانوني في مصر الذي أنجز الدستور في لمح البصر يعجز عن إصلاح الثغرات في تلك القوانين؟!!
الوسائل الأخرى التي كان من الممكن لحكومة قنديل أن تلجأ إليها هي تحديد العدد المصرح به من العقارات أي بتعبير واضح تأميم العقارات غير المستغلة بعد إعطاء فترة تسوية أوضاع لأصحابها، وذلك بدلا من "تأميم رغيف خبز" المصريين. أن تضع الدولة يدها على العقارات غير المستغلة وتبيعها لحسابها وتنفق مما جمعته على الشعب — الذي تبنى هذه العقارات على أرضه باستغلال الكثير من الثغرات العديدة في القوانين المنظمة لأحوال العقارات — خير لها من أن تضع يدها في فمه وتنتزع منه اللقمة.
وكما قلنا من قبل، ليس من المنطق أن تستدير الدولة على المواطنين العاديين لعجزها عن التصدي للأثرياء في البلد. وهذا يدل على أن الحكومة مرتعشة اليد وتخشى مراكز القوى. ولكنه يدل بشكل أكبر على أنها تمالئ هؤلاء الأثرياء حفاظا على مصالح أعضاء الجماعة من رجال الأعمال مع طبقة الأثرياء والشركات الأجنبية التي قد يمثل هؤلاء الأثرياء واجهة لها في مصر.

كلمة أخيرة، ما يحدث في مصر الآن انقلاب صريح على مبادئ ثورة يناير من "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"؛ لأن هذه القرارات الأخيرة تلمس بشكل مباشر لقمة العيش وهو المطلب الأول للثورة. كما أن هذا المساس يأتي في سياق ترتيبات اقتصادية تخل بأبسط مفاهيم العدالة الاجتماعية. فإذا أضفنا لذلك ما يحدث من قمع للمتظاهرين يشبه تماما أساليب النظام السابق بإثارة الفوضى في المظاهرات لاتهام أصحابها بأنهم "محرضون" و"أعداء النظام"، سنجد أن الانقلاب بات صريحا ويحتاج إلى تدخل عاجل من الشارع قبل أن نجد القرارات الصادرة بتحديد أفراد كل أسرة بثلاثة ووضع العدد الزائد في المعتقلات، التي يدفع تكلفة إقامتها أفراد الأسرة المتبقين خارجها!
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يمين فرنسا يراهن على الحصول على الأغلبية في الدور الثاني وال


.. زعيم حزب التجمع الوطني: الفرنسيون الذين صوتوا لماكرون قلقون




.. لماذا يقلق فوز اليمين المتطرف سكان أحياء المهاجرين في فرنسا؟


.. هتافات ضد تركيا ومشادات بين متظاهرين سوريين وحراس مكتب الوال




.. اليمين المتطرف على أبواب السلطة في فرنسا: أي ردود فعل في الد