الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم الشرف

مهند عبد الحميد

2005 / 3 / 30
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


لأول مرة تحدث ردود ايجابية وبناءة على جريمتي قتل فتاتين فلسطينيتين في بيت لحم وطولكرم على خلفية الشرف. عشرات من المحتجين وقعوا عرائض الاستنكار، واعلاميون عبروا عن رفضهم الصريح للجريمة. وكان حضور وزارة شؤون المرأة مميزاً في تنظيم الاعتراض والاحتراز.
ردود الفعل هذه مهمة، لانها تعطي بصيص امل نحو امكانية التغيير للاحسن، وخاصة في مرحلة الترميم واعادة البناء الداخلي. وبعد أن ثبت بالدليل ان مجابهة المخاطر والتهديدات الخارجية تكون عديمة الجدوى وفاشلة اذا لم ترتبط بمجتمع متماسك حر وديمقراطي. ولا يكون المجتمع حراً وديمقراطياً طالما بقي نصفه مضطهداً ومكبلاً بالقيود وبإرث ثقيل من العادات المتخلفة.
جريمتا قتل الفتاتين نكأتا الجراح العميقة في جسد المجتمع. فقد جاء في تقرير وزارة المرأة الذي عرض على جمع من المنظمات النسائية والقانونية ومن الاعلاميين، ان العام الفائت سجل 17 جريمة قتل للنساء والفتيات على خلفية الشرف. واذا اضيف لهذا العدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار التي تجاوزت المئة حالة، وحالات التهديد بالقتل والاغتصاب التي تجاوزت الخمسين حالة، وحالات التكتم والسرية التي تضم حالات مقهورة لا تقوى على مجرد الشكوى او الاشهار عن مصابها، هذه الحالات التي قد تكون اضعاف الاعداد المعلنة، فاننا نكون أمام ظاهرة خطيرة تعمل على اضعاف وتفتيت بنية المجتمع الداخلية.
لا تقتصر ظاهرة قتل النساء على خلفية الشرف على المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية، بل تنتشر في عشرات من دول العالم الثالث وخصوصاً الدول الاسلامية والافريقية والآسيوية وتصل الى جاليات هذه البلدان في اوروبا. وتودي جرائم الشرف بحياة خمسة آلاف فتاة وسيدة في العام الواحد. ففي الباكستان تقتل مئات النساء، وفي العراق ازدادت "جرائم الشرف" لتشمل اللواتي اغتصبن في السجون الاميركية - العراقية فهؤلاء عندما يخرجن من السجن، يعاقبن مرة اخرى بالقتل "انتصاراً لشرف عائلاتهن"!! وفي الاردن قتل في العام 2004 :30 امرأة وفتاة على خلفية الشرف ويتكرر قتل مثل هذا العدد سنوياً.
ماذا تعني "سيادة الذكور" و"خضوع الاناث"، وتحول الاطفال الى ملكية خاصة، وتحول المرأة الى ملك لرجال اسرتها، والاسرة ملك للأب، ومجموعة الاسر ملك للعشيرة وزعيمها. انه المجتمع الرعوي الزراعي القائم على تمييز الرجل وعلى التبعية الاجتماعية للمرأة.
المجتمع الذي تحكمه قوانين عرفية تشرّع الختان وجرائم الشرف وتتواطأ على اغتصاب المحارم وسفاح القربى الذي يحاط بستار من الكتمان والسرية. وتصبح الدولة في زمن الدول الحديثة صورة مصغرة عن نموذج العشيرة. لماذا تتراجع الدولة عن قوانينها من خلال تحويل جريمة الشرف الى قضية عائلية.ومن خلال العودة الى علاقات ما قبل رأسمالية، الى علاقات القبيلة.
غير ان المفارقة الاكبر هي تناقض هذه الافعال - الجرائم- مع ثوابت الاحكام الشرعية في الفقه الاسلامي. وسكوت الدولة والمجتمع والاسرة على هذا التجاوز الخطير. فالاحكام الشرعية لم تفرق بين زنا الرجل وزنا المرأة. ورغم ذلك يتم النكوص الى عهد وأد البنات. الذي ينتمي لجاهلية ما قبل الاسلام. فالقتل الان يتم بمجرد الظن، تقول احصائية مصرية ان 79% من جرائم قتل النساء تتم بناءً على الشك في سلوك المرأة و9% من الجرائم تتم بعد اكتشاف الخيانة او الممارسة غير الشرعية، والوأد في الجاهلية كان يتم لتفادي حدوث العار وبناءً على التشكك المسبق في سلوك الفتاة. ولا يختلف الشك المسبق عن الشك اللاحق في شيء طالما كان القتل هو القاسم المشترك الملازم لهما. وطالما كان تهديد هيمنة الرجل وسلطته الذكورية وملكيته الكلية على يد المرأة هو السبب، حتى لو كان ذلك من باب الافتراض والتوجس.

ولا تتم حماية هذا الطقس التدميري بالعرف والعادة، وتوريث القيم البالية فقط، بل تتم حمايته بالقانون ايضاً. ومن خلال حكم القضاء على القتلة بأقل عقوبة، وبحرمان ضحايا جرائم الشرف من العدالة، ووسط تعاطف وتفهم المجتمع والشرطة والقضاء لهذا النوع من الجرائم. وتقدم العقوبات المخففة بحق القتلة باعتبارها وسيلة للحد من الانحلال الاخلاقي، ولردع النساء. ويتعمق الغبن في العديد من الحالات عندما تعاقب المرأة او الفتاة مرتين، وعندما يعتدى عليها مرتين، المرة الاولى عندما يتم اغتصابها وخاصة من قبل محرمين كالأب أو الأخ، والمرة الثانية عندما تقتل لغسل عار العائلة. اما مرتكب جريمة الاغتصاب الذي ينتهك التحريم الديني بالاعتداء البشع على محرّمة، وينتهك حق انسانة في الحياة بالقتل هذا الذي جلب العار قولاً وفعلاً وانتهك الدين وأبسط الحقوق الانسانية يكافأ بعقوبة رمزية وبإطراء المجتمع والدولة، لتكون النتيجة تشجيع هذه الجرائم.

كيف نواجه هذه الظاهرة الخطيرة المهددة لتماسك المجتمع ووحدته؟
تقدمت وزارة شؤون المرأة بمجموعة من التوصيات كان أهمها :
* سن القوانين التي تكفل الحماية العادلة للنساء وللقضاء على هذه الظاهرة،. وإلغاء
كل انواع الحماية القانونية لمرتكبي هذا النوع من الجرائم. ووضع نص قانوني
يحرم أفعال القتلة، كما فعلت الحكومة والبرلمان الباكستاني الذي وضع عقوبة
صارمة ضد كل من يرتكب جرائم الشرف.
· الالتزام الرسمي باتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة واعطائها مكانة مساوية لمكانة الرجل في المجتمع.
· حماية القانون وتطبيقاته، فاذا لم تتوفر قوة الحماية –الشرطة- التي تضع القانون في حيز الفعل وتدافع عنه تبقى القوانين حبراً على ورق.
· توفير البيانات والمعلومات والدراسات اللازمة لرفع الوعي المجتمعي، وتنظيم حملات توعية اعلامية ضمن استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الظاهرة.
· تشكيل جماعات ضغط للتأثير على صياغة القوانين، وللتأثير الايجابي في مراكز صنع القرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير


.. العربية ويكند | استطلاع أميركي: الرجال أكثر سعادة بوظائفهم م




.. عضو نقابة الصحفيين أميرة محمد


.. توقيف سنية الدهماني يوحد صوت المحامينات في البلاد




.. فتحية السعيدي ناشطة نسوية وأخصائية في علم الاجتماع