الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص

هاشم مطر

2013 / 2 / 10
الادب والفن


تمهيد
كنت ابحث عن الموائل التي تقيني الانجرار وراء بريق الجمال، الذي يفصح النص عنه في الأثر الابداعي في نصوص الشاعرة الاديبة فاطمة الفلاحي. فقبل حالة الاسترخاء تلك كان علي ان اتفحص اشياء اخرى استدل من خلالها على ثبات تجربة الشاعرة ومستوياتها الابداعية التي تضع النصوص في مصاف تفردها من حيث عناصر كثيرة يكون الجمالي واحدا منها. وفي الوقت نفسه كنت انوي النأي عن الاستدلال الكلاسيكي-الاكاديمي كون النشاط الجمالي نوعا من اللعب الحر للخيال العبقري. ورغم صفة الملازمة المطلقة للجمالي هنا اي الحالة الابداعية من حيث المظهر الحسي ودوره في «تحرير العقل»، لكنني آثرت اختيار منهج آخر في رصد الحالة الشعرية، وهي اقرب بواقعيتها ومسئوليتها من قيمة العطاء الذي تضخه القطعة الادبية، اقصد هنا القصيدة ذاتها كاملة او مجتزئة.
وبهذا السعي الذي ابعدني عن لغة الافصاح ذات اللمعان ورشاقة التعبير، اوصلتني تلك المؤل الى مآل من بيئة النقد ذاته هو اختيار المقطع العرضي للحالة. وهو ما ستفضي به قراءتي هذه لنصوص الشاعرة لاربعة مجاميع شعرية انيقة. من جهة اخرى ان الدخول الى شعر الفلاحي وعالمها ليس بالسهل، يحتاج الى فسحة من التأمل، فكما يبدوا بسيطا وواضحا كذلك هو عصي، من حيث الترابط وملاحقة الفكرة التي تنفتح على عالم الشاعرة الافتراضي فيظهر سحر القول والقصائد على نحو فيض روحي وجمالي موشى بعناصر كثيرة سنأتي عليها.

البيئة التي تطبق على المبدع من ستة جهات -على هيئة مكعب- تجعله في حصار مع النص الابداعي واشغاله المكان قبل ان يتمكن من كسر احد جدرانه الستة ليلتقط نفسا، وهو ما نطلق عليه تجاوز الحالة الى خارجها بمدلولات اكثر حرية. وهذا النمط الذي استعانت به مدارس ابداعية كثيرة جعل من الخلق حالة تضخ بمكنوناتها الحسية فتختار جنسا مصنفاً في كثير من الاحيان. وطالما نحن بصدد الشعر الذي نطلق على مصادره بالالهام، وهو ليس مكونا نفسيا بقدر ما هو صفة لشغل المكان فينطلق الشاعر الى الاوسع والأكبر والأهم.
من جهة اخرى تنطوي حالة الكسر تلك للمكعب على وظيفة ادائية لابد من معاينتها عن قرب، بمعنى آخر مدى نجاحها. وهنا يكمن سر الشاعر في خلق صورته وصوته وتوجيه (ثورته)، بمعنى الغضب والإحالة وجعل المتلقي راضيا، كمن اكل وشرب، مارس الحياة من حب وحرمان، شغف وتودد، عتاب ورضى. ويبقى الشيء الأهم وهو جنوح الشاعر نفسه الى عدم الرضى بمعنى الرفض وعناده الحر مع المنجز ذاته، وهو القيمة الابداعية التي تجعل النص يبدأ وينتهي مع دوام الحالة واستمرارها، التي تبقى معلقة في فضاء يتأمله قاريء النص أو متلقيه.

في معاينتي لنصوص الشاعرة الفلاحي اكتشفت ان ادواتي النقدية مرصوفة في رف اجهد كثيرا في تناولها للدرجة التي تستدعيني حاجة ملحة للمسك باحداها كأداة مساعدة. ذلك ان النصوص تأخذ شكل الكشف المثير غير الممتنع، بعيدة عن غموض الفكرة، وهي القصة الشعرية التي تعرب عن نفسها بأي شكل من الأشكال.

(التيه بين تنهيدتين)
في مجموعتها (التيه بين تنهيدتين)، كتبت سجلها الزمني سنوات الغربة كما الاخريات، والغربة هنا ليست جغرافيا انما باقة من الحزن الشفيف الذي يشمل العاشق بشحوبه الأليف، وكأنها تبدأ الحكاية التي ستستمر فيها على الرغم من تنقلاتها الملفتة فتعود لها «في ذاكرة الحكايا واسرارها كعطر محرم»، بهذه القوة تبدأ عملها كما في منجم تحت الأرض «..ارتسمتك ضوءا، بريقه يصفع عتمتي..»، فتأتي الصورة الشعرية مطابقة للجهد النفسي وبنفس الوقت لا يسعها المكان «..فينوء القلب بك حلما سرمديا..» وهي مزاوجة رائعة للغياب الذي لم تقل عنه حبيب او وطن انما وضعته «خلف اقاصي العشق». وهذا النوع من القول هو ركن مهم بأدب الفلاحي الذي يظهر فيه عنصر المزاوجة بين الحالة العرفانية والذات والعكس كذلك.

بهذه القطعة تبدأ رحلتها الشعرية عن الضوء والمكان / الحلم الذي بمجمله يقع بين خافقي الهوى، الوجد والشوق حتى «..شغفي بك يراودني عن نفسه..» وهي الجملة الأثيرة التي تلقي العبء على الذات من حيث المعنى والجرأة في الاستخدام اللغوي بعكس فكرة «المراودة» ذاتها، فمن يراود من!؟ وهنا ما قصدته في فتح الصندوق المكعب لضيقه على الفكرة. ومن نفس البيئة تتفتق محمولات فنية يجعلها المقطع العرضي المُتأمل تتعشق بنسيج لا لبس في صناعته مع المعنى الذاهب الى نهاية النص فيرفق بتاليه او تابعه، وهذا بحد ذاته يجعل الحالة الشعرية لدى الفلاحي دائمة التلاقح والحضور والتنوع ومن ثم انتاج خطوط اخرى تتبع نفس المسار الشعري مع قدرة فائقة بالموازنة. لاحظ هنا هذا التواصل «... أوصدت خلفك ابواب قلبي وتواريت، خلف أقاصي العشق ونزق النزوات» وهو (نهاية) المقطع الشعري الأول في مجموعة (التيه بين تنهيدتين) والذي ينطبق عليه نفس المقاس (المراودة) فتدعمه بخلف الابواب وخلف الاقاصي، حتى تستهل تابعه بـ «ما أبشع المنافي والمسافات في نصفها الأول...يتهادى سحر نداك في سمائي الثامنة». فالشاعرة تعرف ما تريد من النص من حيث كمال المعنى وتكامل (القصة الشعرية) بصيغتها غير المنتهية فتبتعد من المألوف، أوردت (الثامنة) بتوصيف غير معروف لو قالت (السابعة)، كأنها تحاكي مكانا عن ابواب الجنة فهي (ثمانية ابواب) وبهذا جعلت الصفة (التأثيرية) كمفهوم، في مقام المشترك بينها وبين القاريء. وما نزال في القصيدة ذاتها (أخاف أن يدركني الهوى) التي توصف اوجاع الحلم ومحاولات هرب القصيدة بسلسلة من التداعيات كترتيب النجوم وحالة اختراق الزمن ورفقة النوارس حتى ينتهي الحلم بالحلم ذاته بمستواه الأول:
«كقصة هوى
ينقشني جنونها
فتؤرخني، فردوساً أول
مخضباً بالشوق
يتلقّف عطر الحنين
القادم منك»
يأخذ حيزه في القصيدة الاحقة وهي مفعمة بصور قوية خلقتها الحالة الشعرية ذاتها على نحو استيلاد للمنظر الشعري فيأتي على شكل الغيمة الطهور تؤخر عتمة الشاعر «...آخر نداءات الارتواء..» فتجعلها «تستغيث من جدائلها المفعمة بوحشة الانتظارات». هذه الكثافة الصورية تفصح عنها الشاعرة : «انه تساؤل الغيمة على شفة الفجر»، والغيمة هنا كناية عن شيء عاقل يتخبط فيجعلها من اشتقاقات الضوء «من حمرة الغسق الى غسقي». ثم الدلالات المكانية المتحررة من سلطة الوقت:
«تعثرت بترنيمة ثملة
تغازل مواويل مساءاتها
عادني يشدوني بها
كصلاة وزرٍ
أدرجت سهوا
في شعائر الحب»

اذن وكملمح ثابت في قصائد فاطمة، ان الضوء واللون والمكان المفترض هو متحرك كما الزمن تتعامل معه من موقع فيزيائي توجزه مرة بموقع الغيوم والنجوم وحدود النبض مع تكرار حالة الحلم الذي لاتريد ان تستفيق الشاعرة منه (من غشيتها). وهو صفة تأثيرية تحدونا للنظر خارج حدود الصفة الجمالية للقطعة الادبية او القصيدة التي تنسجها بانسيابية مطلقة، وتقبل التحدي باعادة انتاج كلاسيكي موشى بالحداثة او العكس «أصابعي ليست من هذا العالم.. حبرها رضابك.. ستغتالني.. إن نمت ولم اكتب عنك». حتى تتحول تدرجيا في رصدها الغاية من القصيدة التي ترتبها بصناعة متقنة، الى اشد الاختصارات ثباتا وقوة «كلما زادني الشوق، اقتربت منك». هذه الصور العرفانية المفعمة بجو من عدم التراضي بل العتب «..فتجبرت وطغيت» تجرنا الى التساؤل مع من تتحدث الشاعرة. هل هي الذات، الحبيب، الوطن، المطلق ام شيئ آخر؟ يتكشف تدرجيا بمساحات لونية وايحاءات على شكل «ثغر سمائك» وفرحٌ يعانقني» وهي تستمر بنفس الجو الذي يرسم الرجاء والعتاب و«غدا القاك» واللوعة التي هي من مفردات الصياغة الذهبية التي تجعل النص الشعري خازنا للحالة بومضات ساحرة من بيئة الفكرة ذاتها، وهنا لابد من الاشارة الى ان الكثير والكثير جدا من النصرص الشعرية لبعض الشعراء تتعدى الحالة الى ما يشبه الغثيان وكأن باب القصيدة مشرع الى ما لانهاية. بالعكس من ذلك تأتي نصوص الفلاحي مشبعة بالفكرة الموجزة التي اطلقتها لحرية القول وليس العكس، فتكون متعة او لذة النص متواصلة بانتقالاتها وبراعتها وهي الجديرة بحد ذاتها بالرصد والثناء.
يوصلنا التساؤل ذاته الى فكرة الغائب والغياب في قصائد فاطمة وهو مزيج من الحالات جميعها اي الذات والحبيب والوطن المطلق، وهي بهذا التزاوج الغريب تطلق قصائدها في الغالب من دون احالة واضحة -عدا مجموعتها الشعرية (رسائل شوق حبيسة المنفى) فهي مسجلة بأسم الوطن سنأتي عليها لاحقا.

الضوء واللون والمكان وفكرة الغياب كلها جعلت الشاعرة تلجأ الى التقسيم الرقمي بمعنى الفواصل بين حركة القصيدة الطويلة الواحدة، بين الفكرة والفكرة في معظم قصائد (التيه بين تنهيدتين) ذلك لتظهر مسافة الظل الذي يفصل مقاطع القصيدة عن بعضها فتعمد في صناعتها الى العاطفة التي تستخدمها الشاعرة كهزة في الابداع الصوري المميز في ادبها. من المفيد ان نتتبع هنا هذا الأثر في قصيدة (ادمنتك) الذي تستهله بالحرمان فتوجزه بالضمأ وعطش الاشجار والترحال الى «اغترابات الدجى» و«أطراف البحر» الذي تلقي عليه عتبها بعبارة رائعة «تلملم خلفها أطراف البحر وزبده الذي لايجيد نسياني». هذا التنقل المكثف للصورة الشعرية بين الدجى كلون ثم زبد البحر كلون ومكان حيث مكمن الاسرار الذي لم تقله انما رحلّته الى المقطع اللاحق كشاهد على «اسفار الهوى، واذرك مياسم العشق والتبتل» حيث تكون الشاعرة في مأمن من الجو العاصف الذي رافق القصيدة باحالة مطلقة. وتتوالى رسوم الشاعرة بمكوناتها اللونية والمكانية التي توصلها للفقدانات التي لاترغب مغادرتها «سأحتوي ظليلك الممتد لعمق السماء» ثم مغادرة القمر وهو صفة نورانية تحاول الشاعرة الابقاء عليها فتودعه (حبيبها-روحها-غائبها) كحالة للترحال مع الابقاء على الامساك بالضوء حيث «يبقى قلبك، لي وحدي.. قبساً يضيء لي فجري.. وطنا أشكوه وهن قلبي.. فأدمنتك»، هذه المفارقة التي تعمدتها فاطمة وهو القلب كقبس نور يضيء الفجر فتحيله للمفقود الذي تعلنه بصفة الوطن الذي تشتكي اليه (القلب)، فتكون حالة الادمان ممسكة بالنقيض الغائب المفعم بالعتب الذي يظهر بوضوح في مقطع القصيدة الأخير بشكل (القدر) حتى حالة التماهي الشاملة فتبقي على كامل المكنونات العاطفية كفيض من تردد الصدى والمزارات و الفرقد الذي يشع بالسماء فينتهي كل ذلك الوجع على نحو نهاية الحالة الشعرية وقصتها وقفا على «حين انسكابي فيك».

جو الانفعالات الذي يزدحم به جهد الفلاحي، هو ممسك عروة من ضياء في ظلامية النص وحزنه وانكساراته، نراه في الكثير من قصائد بين تنهيدتين بالغ الوضوح كما في الدواوين التالية. فبقدر تقادم النص من حيث التركيب الذي لا يخلو من صناعة مبهرة، تأتي لبناته حذرة الترتيب. هذه الصفة المتقنة بالتنزيل تجعل النص الشعري يمتلك نقيضه بالعطاء والممانعة وكأن حالة من العصيان تحيطه فلا يقبل الذهاب الى خارج حدوده. هنا لابأس من تأثيرية المنهج بالرصد وما يتركه او ما يخلفه خلفه كما السيل، فغيابه النهائي هو يمثل انعدام الحالة الشعرية وهو الشعرة الرفيعة التي تفصل بين النص الشعري عن غيره كسياحة لغوية حتى وان كانت جميلة ومبهرة انما هي غير شاعرية، ربما توصيفية او عائمة غير مسندة التركيب يقرب الى اتمام وجوده على سطح الفكرة. وهذا بالضبط ما نرى عكسه لدى فاطمة. ففي قصيدة (من تكون) تبد الشاعرة بمستويات محكمة تفسر حركة ابداع النص الداخلي مع تزاوج غريب بين العمق واللذة تجعل المتلقي على مرتفع ادراك القيمة المتوخاة من النص.
«تبقى متمرغا في الظنون
وتجدلني بزيف الأقنعة والشجون
وتضج بي آثامك
فتحملني
إغفاءة من جنون،...»
حتى يتنقل النص على شكل أسئلة غير مرئية احيانا مشوبة بعتب «..ألم أك عطر سوسنة، يتسرب ربيعك نداها؟» ثم تفسيرها حالة الألم «.. وتتشظى الروح عن ذاك السر، ويرسو بين حنايا الضلوع..» وهي التهمة التي لاتلقيها الشاعرة في فضاء الغائب انما «.. فتنة وأحمله بأعماقي بعيدا عن تقاذفات الحاسدين». وتستمر بنفس السهولة تحمل القصيدة شقاءها وبعدها الأنساني كما غيرها من قصائد المجموعة فلا يغيب الأمل، وكأن سفر القصيدة يقصد تلك المستويات من اللهفة والسؤال، العتب والرجاء والرؤيا وإن غابت فانها تخلص الى سد باب الأذى بسؤال آخر: «.. هل نسيت، قل لي، بربك من تكون؟. ».
هذه الومضات الشاعرية التي تتشكل بمستوياتها المختلفة نجدها في بنية قصائد اخرى من المجموعة، انما تأخد تقعر القصيدة الداخلي، بالرغم من وضوحها فلا تخلو من ايحاءاتها السحرية وجرأة ابتكار مهمة يمكن توصيفها بمهارة الشاعرة في خلق الحالة الشعرية.
(ذاكرة من غياب)، ترتيلة متقنة تدعمها اعمدة تخضع النص في سياق الرواية الشعرية الكاملة، مركزة لكنها كاملة تبدأها بالحركة من ريح وحرائق ثم انتظارات وغياب. تقول ذلك في ثلاثة مقاطع مشغولة بايقاع وتواتر يظهر قدرة الشاعرة على استخدام تكنيك يقرب الى الكلاسيكي موشى بالابتكار، كأن يظهر في «..انتظر حرائق المطر» واستخدام جريء بان القلب «يهطل بلا سماء» حتى سقوط الغائب على «حافة القمر». وهو المشهد المعلق بصورته المتأرجحة ذلك كي يحضر بقوة من جديد في بقية قصائد (التيه) حتى خاتمته التي هي قصيدة عتب مر بين الذاكرة والنسيان. وهو بمثابة الفاجعة التي تكشف الشاعرة فيه نهاية رحلتها في سبعة وعشرين نقلة كانت كافية لتخلق هذا الأنفعال المخيف «...كنت رؤيا من سراب، ركلتها على مفرق قلبك؟».

(فوضى قلم في ظل امرأة)
تتحول التجربة الشعرية لدى فاطمة الى مستويات ابداعية مختلفة، فالنمط الذي تقدمه في (فوضى قلم في ظل امرأة)، هو فواصل مركبة مزدحمة المعنى تحتاج الى التأمل قبل الدخول الى عالمها، جعلت الشاعرة لها وحدة بناء صافية مؤثرة في اتجاه واحد وبمساحات متباينة، في حين تبقي على روحانية القول على نحو اشد حتى يتصل بالحالة العرفانية بين القائل والمخاطب كما اسلفنا. وهنا نجد عددا من الفواصل تتابع رغم انفصالها عن بعض ككقصائد محددة وهو ما تجعله فاطمة كنهايات لقصائدها «.. فتلجني أمواج منتهاك»، «لأفيق على سراب أوهام اكتمالك» و «نأيك عني صوب مجاهيل رغباتك». هذا النوع من المغامرة الشعرية يضع الشاعر في حالة تحدي يقبل فيها الفشل مثلما يروم النجاح، فهو، أي هذا النمط، ان لم يتسع الاقلال فيه الى فيض العبارة ومشارف الحكمة قد تقع نصوص الشاعر غالبا في تناص مربك. وهذا النمط على طريق المقال من الشعر او العبارة الصوفية قديماً، يخلق هذا التحدي، كونه لايحتمل الاسترسال فهو مشدود كما القوس من طرفيه فأن لم يجد هدفه افلتت العبارة الشعرية معناها.
التأملات في معنى الكلمة التي اختارتها الشاعرة في الوقت نفسه كعنوان للقصيدة ذاتها هو نوع من المشاكسة تظهر براعة الشاعرة في قوة القول. في قصيدة (مشاغفة) تلجأ الشاعرة الى تعقيد لغوي من حيث المعنى «قبس نورك، تغشاه روحي» هنا المغامرة واضحة استطاعت ان تسبغ على المعنى معنى مضافا يفسره باقي القصيدة «ويشاغفني صلاتي، لتراودها بسابغ الأمنيات»، جرأة القول باستخدام المفردة (الكلمة) المحملة بأكثر من معنى،تخلق «نظاما حيويا» ازيد عليه (جرىئا) فتكون حداثة المعنى برمزية الصورة وقوتها تشكل حالة الابداع والخلق لدى الشاعر وهو مايميزه عن الآخرين بالقول السردي المكرر والممل. وهنا ايضا يظهر ما نصفه بـ (تجربة الشاعر الشعرية) من حيث التنوع والاضافة وانفتاح النص.

في وصفها حالات انسانية باهرة، تلجأ فاطمة -الانسان المتداعي- الى استخداماتها الخاصة بالتركيب الشعري يظهر ذلك بالكثير من قصائد (فوضى قلم..).
قصيدة هروب من خمسة جمل شعرية تأتي على شكل صدمة مختلفة المستويات حيث (التنصل والتنحي والتحرر والتجثم ومن ثم العسكرة). في تفحصنا المقطع العرضي للنص نرى حالة التداعي والانكسار، تبدأها بغياب الحلم «تتنصلني احلامي» وهو الوقع المؤلم للإحساس يبدأ لتعطي القصيدة محمولها وخزينها من الألم الذي قصدته الشاعرة حتى تفيض لتابعه «متنحية صوب انتهاء الجذوات» وهي الفوائد المرجوة من الفعل الانساني الذي يفضي الى حالة من التسامي وصفته الشاعرة كدخان الشمع بتحررها المهزوم فتبعته بوصف جرئ فريد محدث «فتتجثمني الأماني» وهو صفة على الأغلب للطير وانثاه حيث دخان الشمع يطير لكن الغلبة للأقوى، ازعم انها صورة انثوية رثائية رائعة، حتى الانتهاء بصفة عسكرة فوضى الزحام فالأمر يكون قد خرج من خانة الامنيات الى النتائج. هذا الكشف الواضح يهب القصيدة روح الشاعرة الملتهبة المتشظية وهي قوة لها دالاتها بالمعنى الفعلي للقول الشعري المفتوح والحالة التي هي بصددها.
لا اجد هنا افضل خيرا من قول د. على جواد الطاهر (القصيدة التي تمتنع حتى آخر لحظة ليست قصيدة، انما افتعال قصيدة). وعطفا على هذا المقال او القول الصوت الذي يتكرر في معظم قصائد (الفوضى) صوت المرأة التي تحمل اسم المجموعة، ترتضي فاطمة لانثاها الرمز بأن تكون المختبر الانساني فتنفتح قصائدها على عالمها الحسي فتكون النصوص قد اطلقت صرختها، انينها ووجعها.

من هذا كله نخلص ان جو المجموعة الشعري ينصب على استحداث المعنى الجديد الناطق بالحالة الجديدة وليس على شكل تناغم او محاكاة لنصوص كلاسيكية وادب مشغول ومعرف، بل هو بناء عمودي عليه. فلا غرابة ان نجد حالات التوحد والتماهي في قصائد الفلاحي، انما ما يميزها هو القدرة باستحداث المعنى المرافق للنص وهو الصياغة التي تهدف للكشف عن مضامين عصرية بحاجة الى الانتباه. هنا اقارب القول بين محاولة المزارع بتجديد ارضه وحرثها لانتاج كمال المحصول ونوعه، كذلك المهندس والبناء وحتى بائع الخضار بعرض سلعته واظهار جودتها وبريق الوانها وبين انتاج قصيدة نوعية مفيدة بحرية مطلقة، فتكون التجربة الشعرية ذكية وشجاعة ومن ثم جديدة.

وحدة الشاعر في هذه المجموعة بمعنى نداءات يسمعها لنفسه أولا، على نحو تخلق الشاعرة قاعدة شعرية متفردة فتأتي صفة (التنزيل) بمعنى الترتيب لعناوين القصائد كتجارب حية نابضة تتقصد فاطمة اثرها على نفس او روح، احدثت زمنا غير مرئي كما تواصل (رقمي)، اليكتروني، لكنه موشى بالحالة الانسانية الباهرة، بالمعاناة واستقطاب جدوى الألم، يثار حينا على نحو تساؤل وحينا آخر على نحو ابقاء حالة غير منتهية. فهي اي الشاعرة معنية هنا بـ(الفوضى ذاتها) من اسم المجموعة، فتتابع العناوين كحالة تغييب للكائن الحي وفق مرصودات روحية وجدانية تتوالد تباعا في النصوص. فما ان تخلص لـ (الصلاة) حتى تبدأ بالصرخة ثم الغواية فالقول والدهشة وهكذا تباعا... فنتوقف قليلا عند (الافتراض) وهو عنوان القصيدة
«اخشى على حلمك الندي يتكسر،
ويعانقه الإفتراض».
هذا النوع من القول الشعري الذي يبدو غير متجانس للوهلة الأولى او ميكانيكي، لكننا نجده مفعما بالاثارة الحسية بـ «هزيمة القلب» وعزف الأمواج والنغم البائت للعشق والكأس المترع باللوعة حتى غياب النص على شكل رسوم حكاية تضعها الشاعرة في عهدة المجهول (وهي آلهة العشق) وهو بحدة ذاته الحاق بوحدة الشاعرة ولا اقول توحدها، فهي منسجمة مع نصها الشعري فلا تبالغ بالمعنى ولا تنتقص منه تحت ذريعة اي مسمى وهو صفة شجاعة اثيرية للشاعرة. لو عومل النص وفق منظور نقدي اخر ربما افقده بريقه، انما النظرة الدلالية والبنائية تجعله بمنأى عن الرقابة النقدية المباشرة بصفة الكلمة ومعناها. هنا اشير الى بلورة الرمز الشعري لدى فاطمة ومنطقية اللغة الشعرية، فهي شاعرة تعرف ما تريد قوله. وهي لاتخشى استخدام اية مفردة خادمة حتى وان كانت عصية على السلم الشعري، فهي تعنى بالموسيقى الداخيلة للنص فضلا على شكله، وبذلك جاء انتاج النصوص متصالحا من حيث الخامة المستخدمة وهي الفكرة اولاً، موشاة باستخدامات حديثة للمفردة التي تتأملها الشاعرة من جانب توالدي غير محدد، انما منتج لمعنى جريء جديد. حداثة النص لدى الشاعرة ينبعث من تفتق معناه وتأثيره ودرجة تأمله بالنسبة للناقد والمتلقي فلا يسعهما الا سبره للحد الذي يجعل الرؤية الشعرية ضربا استدلاليا يزدحم بأكثر من معنى باتجاه واحد. ربما من المفيد الأشارة حصريا الى بعض الاستهلالات في قصائد الفلاحي في هذه المجموعة التي تندرج ضمن هذا السياق الاحترافي (ترمقني، يمورني، سعوطي، تخورني، تشهقك) والكثير غيرها الذي يحضر بقوة في بنية القصديدة ذاتها. لا انكر خوفي من بعض الإستخدامات، لكني بعد لحظة تأمل قريب من بيئة النص وتركيبته اكون قد ركنت الى حسن الاستخدام الجريء والحديث في آن واحد.

وعلى اساس القيمة اعلاه تندرج جملة من النصوص يتفقد بعضه بعضا نحو كمال المعنى حتى تنتهي الى تجربة شعرية مكتملة، وهنا بالضبط تكمن القيمة التراكمية بانتاج النوع الجديد الذي يتعدى المحاولة فيصبح نمطا محددا باسلوبية مبهرة دلت على مفاتيحها اكثرية نصوص مجموعة (الفوضى).
وقفة اخيرة عند بعض نصوص المجموعة والتي نراها كذلك في أماكن اخرى في جهد الفلاحي الابداعي هو ما اصفه بتعبير (الومضة).، «تصطفي الندى أسفارا، فتربكُ النهرَ بطهرها» و «نتبادل الملامح مع الخوف، فيسري في سائر الجسد»و «كيف لسراديب الحزن، أن تغادر مداراتنا، وهي تذكي قلوبنا بكل الوانه»... مثل هذه الإلتقاطات هي دلالات عضوية لقوة المعنى المبني على الحالة الحرة للتداعي مقرونا بالكثافة اللغوية، مبقيا على الاسلوبية الجمالية المبهرة. من جانب آخر اصفها باستراحات الشاعر باطلاق اخر حسرة بعد ما قدم عزفه الفريد فينهي كمال جهده بمخزون متبق من اثر رحلته الابداعية. هنا لابد من الاشارة الى جهد بعض الشعراء باختيار هذا النوع من القول بمثابة مهبط مريح للرحلة الشعرية فالاكثار منه غير خادم للتجربة ذاتها، وهو عكس ما نعنيه هنا بجهد الشاعرة الفلاحي التي تضعه باحتراف لكمال ما سبقه واستهلالا لما يليه.

(ترانيم تقترف الوله)
تستمر الفلاحي بتأكيد فرادة تجربتها الشعرية في مجموعتها (ترانيم تقترف الوله)، فتوكد فيها الشاعرة نصها من حيث الحداثة وما انتهينا اليه اعلاه، فتضيف لمسات اخرى للشكل الذي بدأ يتخذ في هذه المجموعة نوعا من الرسوم والعناية بـ(أدب الصورة) الشعرية وحركتها داخل القصيدة ذاتها. باعتقادي ان جهد الفلاحي انصب هذه المرة على مناطق خادمة اخرى، قاربت فيه التلقائية من الصناعة، فتظهر جودة النص على شكل لوحة او صورة لونية بأبعاد من نتف الألم الذي يتميز به شعرها اجمالا او على وجه ادق هو واحد من ابرز الميزات التي تتخذ من هذه المجموعة مكانا لافتا. فالتجربة الشعرية هنا تأخذ شكلا متماسكا ورابطا بين ثنايا التجربة الشخصية للشاعر ومصدرية ثقافته، فضلا عن ما يستفيد منه الشاعر من جملة المتناقضات التي يخلقها الوعي ونقيضه. فلا اشك ان للشاعرة مصادر معرفية كبيرة تؤجل قولها. فذلك ما جهدت الشاعرة به ان تكون تجربتها تحمل عناصر نجاحها على نحو تدريجي فتلجأ للصورة المنتقاة او اللوحة المرسومة بفرشاة رسام ماهر «أنا ربيبة البحر من درة بيضاء، يتسارع خطى الموج فيها، حين تومض ذاكرتك حد اليقين»، هذا الالتماع الذي نجده في مقاطع شعرية اخرى «.. تغتاب فيه ألحان الود، أساطير الوله ولظى الشوق، ولوعة بمس من جنون...»، تتركه ثم تعود له «توارى ظلي على شفا جرف نجمة، كانت يستقي الندى من شفة الفجر، يخالط لهفة الورد، وسحابة غيابه البروق..»، هو حقيقة نوع من الريادة بالتعبير الصوري نجد اثره تباعا في أثر الفلاحي الشعري، تمزج به ضروبا مختلفة من بيئة اللوحة السريالية وفتنة التعبير فتجعل للموجة خطوة، وللود الحانا، وللنجمة جرفا، وهي بمجملها صور لونية فاتنة اذا ما اضفنا مكملاتها المشتقة من المعنى ذاته وهدف القصيدة، وهي قصائد طويلة، نكون قد وقفنا على نصوص تهب صوتها وصورتها في نفس الوقت من دون ارتباك بل بعطاء مبتكر. اقول هذا لأن المزج اللوني النادر لايمتلك فرشاته الا فنان محترف وموهوب.

يقول الناقد صباح الأنباري في كتابه (المكان ودلالته الجمالية في شعر شيركو بيكس): «اللون يتحرر من قيود الواقع » وهو بنفسه، اي اللون، يحرر صور القصيدة من القيود، وعلى هذا النحو يكون الضرب اللوني بمستوى عطاء الحروف والكلمات والجملة الشعرية، بل يتخطاه الى الأبعد من حيث الرسم الذي جعلت منه فاطمة واحدا من المقاسات المهمة التي لايمكن للناقد تخطيها. فلايمكنه تجاوز المزاوجة المذهلة بين الصورة وعناصرها من جهة وبين وضيفتها كمادة حياة نابضة بمستويات ابداعية محدثة. (لون روحك) هي قصيدة اسمح لنفسي تسميتها قصيدة لونية بامتياز
«...تبعثرني المرايا انعكاسات،
من على حافة الحلم،
فأتلاشى كلون روحك.
أذوي واطياف ذاكرتي،
فتتكسرني الأمنيات،
وترسمني الفراق،
وتعسعسني النوايا احجية،
وطلاسم قُيدت ضد مجهول»،
هذا النوع من القول الشعري تتقصد فيه فاطمة نزهة (ترانيمها) فتتبعثر على نحو انعكاسات لونية من مرايا تواصل «تكسرها الامنيات» وهي مستويات لونية تنطوي على درجات الألم المرافقة للأمنية ذاتها، ثم حالة رسم الفراق وكأن اللوحة استكملت عناصرها واحكمت انسيابها اللوني بصورة الاحجية والطلاسم التي قيدت ضد مجهول، وهو استعارة يومية رائعة للوجع والفقدان المستمر. وبهذه المزاوجة بين الصورة ووضيفتها ينفتح النص امام قارئه بمستوياته الابداعية بضروب لونية من اللون ذاته وانعكاساته وتلاشيه الذي استحدثته بدون توصيف، فهو لون الروح الغائبة «كلون روحك» ثم تكسره على نحو أمنيات تتكسر هي ذاتها، فتبدأ بكتل لونية اخرى تجهز (للفراق الابدي).

في نفس المجموعة نجد بعض المقاطع ذو مصدرية ثراثية او كلاسيكية تخلق تزاوجا ثرا بين الحالتين، العرفانية الأثيرة والسريالية المعقدة كما في قصيدتها (تهمة ابنة لحظتها) حيث تتخطى المألوف في التناص الذي سنأتي عليه فيأتي النص متفوفا على ذاته مشحونا بالعاطفة والقلق وهي مزاوجة ملفتة تهب النص حلة حداثية يمكن القول عنها مكمل روحاني لجهدها الآخر، فيفيض بمتعة مضافة واخبار عن خصائص تميز بها نصها داخليا. فأذا ما عاينا نصوصها الأخرى نجد درجات متفاوتة منه منحها نجاحا بخلق تجربة شعرية متميزة. تقول فاطمة في قصيدتها (تهمة ابنة لحظة):
«أتستجدي الحب مني،
وشعري يسبقني اليك قبل مني؟
أصخ لحنايا الضلوع
وهي تغنيك شعري
فيعانق بُراقك حلمي
واتشظى توقا اليك
ماتهمتي؟
ما جرم حرفي!
ألان الشعر يتمخضني للتغني...»
كنت قبل هذا قد كتبت بهذا الخصوص تعليقا ادرجته الشاعرة في نهاية مجموعتها كرؤية نقدية، اكدتهُ بنص الحلاج الآتي، حيث وجدت الأختلاف رغم تقارب المعنى، فيظهر البناء المحدث عموديا، قويا ومؤثرا.
حويت بكلي كلك يا قدسي
تكاشفني كأنك نفسي
أُقلب قلبي في سواك فلا ارى
سوى وحشتي منه وأنت به أنسي
فها أنا في حبس الحياة ممنعٌ
من الأنس غأقبضني إليك من الحبس
هذا النمط من الشعر الذي تقوله فاطمة، هو من الأنماط التي لا تنتمي الى زمن او ظرف بمعناه العام. هو نوع من التجليات الخالصة لروح العاشق المذابة على راحتي المعشوق أو في لمحة من لمحات روحه. أنما بوعي مختلف!.
وهنا العاشق والمعشوق كناية عن نفس واحدة تطلق الحسرات لمفقودات سببها عالم الشاعر ذاته. فهو يحاول ان يضع المستحيل في مقام الصفات كي لا يصلها حتى بتحدي ذاته. حتى وإن استجداه «أتستجدي الحب مني؟».
هنا الذوبان التائه في خلق الحالة يكون مرهقاً ذلك لفطنة الشاعر لدرجات تماهيه وعزلته عن مفرادات اليوم وكمية الضخ الوجداني والجمالي. يمتعه الغنى الروحي بصياغة الحالة الشعرية عن موجودات الحس اليومي للعاطفة وذلك لامتلاك الشاعرة كل مفاتن اسباب العشق تغيبيه وتحضره لتخضعه شعريا. وهذه حالة رائعة بحد ذاتها.

وهكذا تستمر الشاعرة بعتبها المجلل بمسحة الحب الوضاء فتلقي باللائمة على الشعر وغوايته مع اصرار مبالغ بالضلوع في الجريمة، جريمة المحبة الاثيرية التي جمعت النص كحكاية تواصل مع الغائب الذي تهديه كل شيء وتتمادى بحبه الى ابعد حد، فتقول كمن يستحضر التحدي وهو عنصر يبقى مجهولا / غائبا / حاضرا
«الشعر غواية وطأتها حروف التجني
لكني سأقطف كل يوم
من روض حرفي ترانتيمَ للتغني
وأشدوا رغم كل طنٍ ورنِ».
وبذلك وضعت واحكمت رتاج الحب بصفة الغناء على نفسها / سجنها الأبدي، على الرغم من انها لاترى اثرا مضادا لفعلها فهي لاتنتظر، ولا تفتعل العتب بل تمارسه في نصها (واقعا) لتزيد الشوق اليه فتضع المستحيل في مقام الصفات كي تظفر به خيالا، كما تقول في مكان آخر في قصيدة اخرى «... توزعني طيوفاً بين جنون الرؤى بفصولها الباكية، وطيوف الذهاب اليك، فما عاد لي زمن، يحتوي حلمي المتعب» ومن القصيدة ذاتها (ما عاد لي زمن) تقول: «تستعرني حد احتراق الروح، ونقض ميثاق حبك، خيانة وردة» وكأنها تعلن رضاها عن اقسى العذبات فلا تخون بل يكون نقض ميثاق الحب بينها وبينه (الغائب) الحبيب الغرائبي الذي تهبه كل الصفات، مثل خيانتها للوردة التي لها كل مواصفات وبدائع التكوين، فهي السر الذي انطوى عليه فعل الحب الكوني.

هذه البيئة المزدحمة ربما لاترضي القارئ من حيث الضخ الوجداني وقوة الانقباضات لكنها مرضية له في الوقت ذاته، فهي تسجيل انساني نبيل عما يغيب ويفتقد، ومع الاحالة العرفانية يكون النص قد دخل حيز الفعل الوجداني للمتلقي من باب آخر وفعل فعلته وادى غرضه. والغرض هنا هو متعة الروح اللائبة والاستكانة الظاهرية وهما نقيضان متفقان ومكتملان لايبدع الانسان بدونهما فناً، فضلا عن الترويض الحسي وتهدئة الخاطر.

وليس مصادفة ان تنهي الشاعرة مجموعتها بآية وهي كذلك من اسم القصيدة الأخيرة (آية) التي اختارت عنوانها بمعنى كشف النقيص عن ذاته او مرافقته، فتأتي الحوارية مؤلمة مفرطة العتاب تدخل حيز التراضي وانكسار الشوق، وهو الافصاح الوحيد بلسانه (هو) فيسرد تاريخ ألمه الساكن من دون قول، فهو لايعرف سوى الصمت، والصمت هو وسيلته للإفصاح عن ذاته، حتى يقول:
«...ازدادت حدائق البوح بعطرك
وللسماء بي ترتقين
ولأقباسي تطفئين...»
لم يقل (الي ترتقين) ذلك لتأكيد حالة التماهي مع الذات الغائبة بوسيلة العطر المجهول، وهو تعبير صامت بحلول العطر والرحلة الأبديه اليه، حيث الفعل المدبّر (تدبيره هو) للروح اللائبة نحو عشق يبقى كأول الأسرار. ثم:
«..رذاذا من توهج تذرفين
يشرق نورا شفيفا، تأسريني».
هذا نوع من الصفاء يجعل هذا النص اشبه بانشطارات لونية (عاقلة) لها دلالاتها لعمق التأثير الوجداني الحسي حيث سعادته (هو) بحالة التوهج والنورانية على غراره ومشيئته مع الممانعة من ملامسة الجمال، انما تأمله هو فتنة الخلق الاكيد. او ربما لا ارادته بالامساك على المفاتن التي وضعتها الشاعرة يجعله يرتبك ويغيب، وهذا نوع من خيال المغامرة الأثيرية التي ابتدعتها الشاعرة، فلا اشك انها ترانيمها الخاصة وخالصة المتعة والألم. وحتى في اشد حالاتها توسلا «.. ومن ادمانك ترحمني، لأقلع منك وعنك، سأعيش صمتك، فدعني فيما أمليته من جنون، غارقة، ثملة، في كؤوس عشقه»، فهي تستحضر عنصرا غائبا آخر ربما نقيضها او مثيلها اليومي، وهو غائب كذلك، وهو احالة ترويضية لما بدأته من عتاب، حتى تنتهي من النص بمعاينته (هو) لمصابها الأثير وهو يضع بصمته فيبعثر «البصمات» قالته فاطمة على هذا النحو الرهيب المفزع
«ومن نبيذ صمتك بعض ما قلته
وفي مناكب غوة الأحلام محلق
لأبعثر البصمات
فاتركيني بكما احلم»
انه قول كبير شديد التأثير بصورة العجز الانساني عن تفسير جدوى الألم والنهايات وهو مصاب انساني رفيع لا نعرف سره. حينها تضع فاطمة نقطة لم تضعها فهو ليس خاتمة الألم تماما على غرار استحداثه وتجدده بسلطة من ابهار مطلق.

(رسائل شوق حبيسة المنفى)
مجموعتها التي بين يدي (رسائل شوق حبيسة المنفى) هي تعبير عن سيرة الألم من زاوية اخرى، تلتقي مع سابقاتها بالمعنى، حتى وان كان هذه المرة حاضرا بصفة الوطن. والشخوص الذين تندبهم وتهديهم اشعارها هم تفاصيله وملامحه فتختصر فيهم غربتها النابضة بالحنين.
الاشعار بمجملها هي رحلة شفافة تندرج في سياق التجربة الشخصية للشاعرة، بشقيها: المعايشة والاغتراب فضلا عن مجسات الحس، فانفتحت على بستان (مثمر) بألمه وحزنه وكانها تولد من جديد مع سياق ما كتبت، بدءًا من الاهداء الذي هو لـ أمها وانتهاء بخاتمتها «..حيث التيه بحب الوطن والضياع منه وكهوف تلوذ بي ظلمتها، فأبقي ممنوعة من الصرف». فهي تدرك ان وجعها خاص بها وحدها على الرغم من انها تتقاسمه مع الجميع، بمعنى نوع العذابات وكم الفيض الحسي المرافق للنصوص. فتضع الملامة بدءًا على نفسها »...وانا أسهو عن ذكراه في إغفاءة عميقة» فتبدأ كمن يريد ان يطلق خيوله للريح فترخي لجامها بـ «اغتيال وطن» الذي تهديه «الجوري» واشعارها «اليتيمة»، وهكذا تبدأ الحكاية مع وطن اغتيل فأصبحت هي من تروي وترثي وهي صاحبة المصاب الجلل وهي القتيلة التي ستلقي بالآئمة على سلالة تتوالد وتعيد نفسها من اجل انتاج حالة (الاغتيال) التي هي ليست متأكدة منها في كل مرة، فيبدو الوطن الصور المعتمة من اول بابها «والممتد مابين خارطة الموت وحدود الجار، وبيوت اغتسلت بزحمة الأموات ونداءات الريح». ثم الصورة التوراتية الأثيرة لنساء المدينة اللآئي «يسرقن الفجر من شفة الصباح» ثم «يعبرن عساكر المدينة» باختلاف واتفاق، فالتي تعبر هي ليست الى حبيب يعيش انما الى حبيب يموت. وكأن الذي يحصل هو (قضاء) ومصير مكتوب «وغنين كلنا لك فداء ياعراق». فهذه اللازمة على ما يبدو قد رافقت هذه الأرض منذ الأزل فهي مهيئة سلفا للفقدان والألم. فتصعد الحكاية الشعرية درجة لمعانها وكأن الحزن بتلات تزيلها الشاعرة تباعا
«عودي سيدتي من حيث جئت
اليوم وغدا حضر تجوال وكل يوم ممنوع المرور
عودي ممنوع المرور».

مع الاعتذار للشاعرة كوني اتناول المجموعة كنص واحد حسب ما رقمته فاطمة نفسها برفقة أسماء القصائد فبتقديري انه كتاب واحد متصل بالفكرة والقول، فهذا استدراك يوضح تنقلي بين نصوص الشاعرة بحرية.
فهي تخلق الحالة الشعرية من بيئة الحياة ذاتها اي من تفاصيل معاشة هي ليس بالضرورة (هي) انما هي كذلك بمعنى القرب من المكان الذي تنتمي اليه والناس الذين تحبهم. فتبدو صور البلاد متحركة داخل النصوص مفعمة بالقسوة بانتاج صور مضافة مبهرة المعنى ودائمة التشكل، انما معطياتها وضروفها مختلفة بأختلاف أوجه ومصادر اللوعة التي كتبتها فاطمة بطريقة لا اشك انها تقع اسيرة احزانها وكآبتها بعد كل مقطع شعري تكتبه. هذه الطريقة بالتوصيل الشعري، يعتمد على مصداقية (حسية وواقعية) وهو تغريب طريف بين مدرستين احسنت الشاعرة فيهما عطاءها فيهما فجاءت النصوص محكمة وموشاة بلغة آسرة تضيف للمعنى والمشهد المصور رهبة وعمرانا ادبيا رائعا.

عندما تصبح الكتابة ضربا من اعادة انتاج المشهد يصبح الأديب، وهو الشاعر هنا، بموقع لايحسد عليه، فعليه انتاج القطعة الفنية بصوت وصورة تضخ ما اغفلته صورة المشهد الواقعية، بمعنى بنيتها وتقريريتها ودورها الصحفي. نحن هنا في حال الكتابة الوصفية المحرضة بالنسبة للنص الوطني/الانساني. فان جاء المشهد بطريقة استذكار اصبح في عهدة المتخلف ادبيا، وهنا هي المصيبة او مهمة الشاعر باعادة التصوير من ابعاد مختلفة ربما تفوق فيزيائيته من جهات ستة، وتلك الجهات الحسية تكون الحاسمة بنجاح النص الشعري، ويكون على الناقد سبر تلك الاجواء، فان اساء كشف ضوابطها يكون قد اغفل افضل ما في النص بمعنى التخلف عن مرافقته. وبخلافه يكون النقد قد استعان ذوقياً بكشف النص ومستوياته وهذا ليس بكاف. بمعنى يقول عنه عناد غزاوان في كتابه (نقد الشعر في العراق)، «..تقرأ شعرا ومهارة شعرية في آن واحد»، و«خلق اللقاء الحميم بين النص-او المبدع- والمتلقي». فللشاعر ادواته بجعل الكلام شعرا وحرفيته تجعل من شعره يرتقي بالحدث فيصبح ضربا ادبيا مؤثرا يتقصد مكامن انسانية لاينازعه فيها المقال والتقرير الصحفي مهما بلغت جودته. هذا الفخ الذي يقع ضحيته الكثير من الشعر المباشر يكون بالنسبة للشاعر المبدع اداة مضافة لادواته باعادة المشهد اليومي وفق صفة القول المختلف ودرجة التأثير غير المسبوقة. بل يتعداها لانتاج مساحات غير مدشنة اذا ما اضيفت لها موهبته وقوة الخلق الابداعي لديه تكون القصيدة قد احدثت نقطة اللقاء والصدام معا بين ما هو يومي وبين ما نطلق عليه بـ الابتكار. لنرى:

تلجأ فاطمة في (احتراقات وطن) الى عدد من المشاهد «... ونحر العقول وفير، والسارقون ومزورو التاريخ كثير...» من اجل تكملة فكرة القصيدة فترفع المشهد اليومي بقولها «...تئن دقات قلبي والجراح، تئن حزنا على سيد الأوطان...» تذكرني هذه الإحالة لبيت شعر لأبي العلاء المعري (الأعمى) «شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا سيد الشجر النخيلا» الماء ماء والنخل نخل لكن اضافات الشاعر جعلت من الماء خير ماء ومن النخل سيدا. وبهذا ادخلت فاطمة في السياق ذاته (سيد الأوطان) على القصيدة وهو بعد آخر غير يومية الحدث وبصوت الغائب وهو يشهد نحيبها «اين صوتك عقلي؟، اين صوتك قلبي...» فيجيبها على اغتيال وطنها من بعد وبصوت هو من خارج ابعاد القصيدة فسيد الأوطان مسجى وكل شيء جاهز لرثاءه.

ثم تضيف الشاعرة انتباهات لونية مكثفة لصورة الاذى الذي لايحتمل من حيث المبدأ غير السواد في قصيدتها (ارحلي)، فنراه يظهر بيناعة الالوان الأخرى بكناية معناه «ايها الحبيب أوجعتني لِمَ توشحت بالظلام...»، وهو تعبير عن مستوى لون السواد ذاته ودرجاته، ذهاب النور وبداية الليل متبوعا بصفات اخرى كظلام دامس او كثيف او تحت جنحه. بهذه القصيدة الحوارية المفعمة بالعتب تقول وهي تخاطب الحبيب (الوطن) «أين غدت شمسك»؟ فيرجعها على نحو همس: «رحلت الشمس عني، فَلمَ تمكثي، يكفكف دمعي ويهطله دمعه -ارحلي، ارحلي...» ثم تخلص بعد عدة عبارات تأثيرية «..ورحلت، دون ان انبس بنت شفة». فأمام المصاب الجلل لامعنى للكلام. لكن حكايتها معه (الوطن) تستمر تباعا في قصائدها التي تستهل تالياتها «افترقنا دون وداع، لا اقوى على فراقك...». وهي في نزهتها مع اللوعة والألم والفقدان الاشواق التي تبقى (حبيسة المنفى) فهي مجبرة على الفراق الذي سيتأصل حد «سأفتقدك، سأبقى أعانق احلامي، كيف سأتركك. كم سأغيب؟، أسئلة تقلني»، ثم متوسلة «..ياوطني، إنهض لأجلنا، فقد اتعبتنا المنافي وأنين الأسفار...».

وما زلنا في السياق ذاته: تظهر مستويات الألم من خلال لونها في مكان آخر «بدونك تعتصرني الواني، فأتكئ على ذكرى لحظات الوجد، أقتص بها من ساعات الغربة...»، فتأتي نصوصها الاحقة من بيئة رسائل الشوق ذاته وهي في الغالب حلم الشاعرة تتوهم انعتاقه في (انعتاق وطن) لانه العبد او الأسير و(هي) مثله فلا سبيل لذلك سوى المحبة «يعتنقني حبك. يبعثر فوضى الغياب ويزلزل موج النسيان، ويفوق محيط الأحضان». تدفع فاطمة بنصها هنا الى مشارف ترهق القارئ، وعلى ما اظن انها تنوي (هلاكه) مع السيل الوجداني وتمليكه مفاتيح النصوص، دون ادنى ريبة بانه سيدخل حيز الاحتباسات بأرادة ضمنية وازمنة مختلفة لتقدير حجم الألم بل متعة ممارسته كمهنة وشقاء لاشفاء منه، كما هي، تحرره احيانا -اي القارئ- وتدخله حيز تجربة منفاها المر.

«حبك دوال تقطر خمرا
يترنح على قلبي، يثملني
لن يمرض ولن يموت»
وفي قصيدة اخرى تقول
«... فتشتاق الروح، مياسم طقوسك والراح،
ومن رحيقك المختوم أرتق سهاد ليلي
لترفلني بمواقيت أتسولها من قعر المسافات»
وهي بهذا القول تكون قد ردمت المسافة بين القول ومتلقيه.

اسأل: مَن من المنبوذين الأشقياء مَن لا ذكرى مقام وحبيب له، مَن منهم لم يحلم بخابية من رحيق مختوم، ومَن من ليس له ذلك الليل الذي توزع تحت الف سماء كان لونها كافيا ان يسحقه بضربة من جناح فيتوسل «المسافات» وهي كناية عن جغرافية المنفى وبعد الاوطان، كما عبر عنها السياب بغربته على بعد خطوتين في (غريب على الخليج). وهي اي الشاعرة صاحبة التجربة تترك نهايات القصائد معلقة بفضاء اسطوري هو عالمها الشعري فما ان تتحسس شوق القارئ حتى تتلوها بجرعات تفوق سابقته بتصاعد درامي يجعلنا نعيش قصة الوطن الذي هي بصدد غيابه، «..وتعرجني دجلة في قارورة، عرضها الأمنيات». وهي بهذا التوالد من حيث المعنى ترفق توالده بـ:
«تتولد يد الغدر
تعيث بأوراقك الحدود
يهطل جمر الهاونات على حديقتي
وتطمس سحنة السوسن...»
فتكون قد ادخلت النص الشعري يوميته -يومية الحدث- واخرجته كذلك وهو فن صعب يحتمل الفشل، كما اسلفنا، لقربه من التقريرية الصحفية ان لم يمتلك الشاعر ادواته بجعل عناصره المكانية والزمانية في موقع خادم لفكرة النص. فالسؤال هنا لماذا النص الشعري ان كان هناك مقالا ينوب عنه بل بشمولية اوسع وحرية لكاتبه تجعله يتابع الحدث عن قرب اكبر وبشواهد اكثر؟. يدخل النص الشعري هنا حيز تحقيق القيمة الادبية، وهي القدرة الايحائية المتخيلة لواقع الحدث وتأثيره النفسي ثم عكسه بصفة تأثيرية يختارها الشاعر ذاته فتكون المادة الشعرية في حالة من التوالد والتفاعل لانتاج معنى مضافا نصفه بـ(الانفعال) نضيفه (للابتكار)، وبذلك تلجأ فاطمة الى تلك الومضات الساحرة بغض النظر عن حزنها والمها فهي تستنطق الفعل والفاعل كما الشاعر والمتلقي. وهكذا تباعا تتوالى نصوص الشاعرة المختصة بالوطن فأختار بعض مكملاتها «...من على النهرين وأقاصيك يا وطني، سأيقى أرددك نبوءة، فكن لي القميص والمنفى». وهي في جو توسلاتها العذبة الخارجة من بيئة الوطن ومرابعه تقول «ياوطني حزن داهم القلب من كثر البكاء والتباكي، على ليل لم يسمعني ونهار لم يقرأ تفاصيلي، تشكتك العين، فباتت تومضني، قل لي متى! وأين التلاقي» ثم في مكان آخر «... لازلت احلم، ولكن متى التلاقي»، فتهبه صفة الحبيب وهو قاسم اشعارها المشترك نراه يتراخى وينقبض ثم يفيض. ساكنا ومتحركا، قائلا وساكتا، قلقا وثابتا، غائبا وحاضرا، وهو وحدة قصائدها البنائية القادرة على عجنها وخبزها وتسخيرها لرؤيتها الشعرية وعلى وفق الحالة التي هي بصددها.
آخر ما اتوقف عنده واختم به هو (أوجاع غربة) وكانها توجز رحلة شقاءها التي لا نهاية لها، تقول:
شجو المواجع
قايض الوجع
بالروح وجع
سألتهم عن الأحبة
قالوا من هنا مروا
مرفوعين على الأكتاف
آنتعلت الطرقات
لا اعرف صدقا كيف استطاعت هذه الشاعرة جمع هذه الاحزان فأودعتها قصائد مجاميع شعرها الأربعة بقطعة الم زاهية ليست حزينة اوكئيبة قطعا، انما اكثر من ماتعة بشغفها بحالة التراضي بينها وبين الحبيب الذي يظهر بلبوسه المختلفة. فهي تمحو كل الفواصل التي تجعل للوطن حدود وللحبيب ملامح، وبهذه الإضافة تكون فاطمة قد تربعت بقصائد مجموعتها التي هي نشيد واحد على عرش المحبة الأثيرية التي لامناص من جمالها وحزنها وشقاءها سوى التماهي العرفاني النبيل الذي ميز ادبها وجعل منه تجربة فريدة رائدة. فقد اختصت جميع مجاميعها بنسيج قطف من كل بستان شوق عشق وردة، بوحدة بنائية مميزة وفريدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟