الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما ودورها في الثقافة

منال فاروق

2013 / 2 / 10
الادب والفن


مدخل تمهيدي
إفريقيا قارة من أقدم القارات في العالم، وثاني القارات مساحة بعد آسيا، حيث تبلغ مساحتها (11724000ميل2)، مهد الصانع الأول؛ جمعتْ بين دفتي قلبها الصخري أجناسًا وأعراقًا بشرية متنوعة ومتداخلة، فمن منظومات نهرية (الكونغو، النيجر، النيل، الأورانج، زامبيزي)، تحمل كل منظومة منها قِيْمًا وعاداتٍ وتقاليدَ، تصبُّ في منظومات القارة الأم، مع طبيعة مناخية تتَّسم بالسيمترية، والتجانُس بين أجزائها، حيث ينصِّفها خط الاستواء، فلا تغيب عنها الشمس، مع سواحل قليلة التعاريج، ومجموعات جزرية محدَّدة المعالم والتفاصيل. إلى منظومات بشرية انعكستْ عَبْر لغة أنتجَتْ فَنًّا وثقافة مُحمَّلة بتنوُّع غني ومثمِر.
يقول عنها المستعمِر الغربي: إنها قارة غير مرحِّبة بزائريها، كأنه كان ينتظر أن ترحِّب به وهو يقتل سكانَها، ويغتال طبيعتها، ويمتصُّ ثروتها، بافتعال حروب بين سكان المنطقة الواحدة، في الوقت الذي رحَّبتْ فيه بكل من عَبْرها من شعوب وأجناس مسالِمة، عَبْر تاريخ القارة الطويل، حملتْ هذه الشعوب ثقافاتِها المختلفةَ، تاركةً بصماتها على القارة، عَبْر منظومات حضارية متنوِّعة، تميَّزت فيما بينها، وتجانستْ في ظِلّ الكل يخدم الفرد، والفرد يحترم الجماعة، ويخدمها، معترِفا بقِيَم الجماعة، ومقدِّسًا لها، فلا يخرج عليها، وإن حَدَثَ وخرج، فعليه عقابه الذي لا بد أن يحترمه.
رغم كل ما تملكه القارة من مقومات حضارية تضعها في مصاف القارات المتقدِّمة، فهي تملك أكبر مخزون من الطاقة المائية والشمسية، كما تملك مخزونا من المواد الخام الأساسية والفرعية، وهي قارة تملك المقومات الزراعية والتي من خلالها تستطيع أن تملك غذاءها، ومع ذلك نجدها من أكثر القارات المهدَّدة بالفقر وبها أكثر من دولة تحت خط الفقر في العالم!!
من هذا المنطلَق كان اختيار موضوع البحث عن السينما ودورها في الثقافة، خاصة وأن السينما صناعة يجمع أجزاء صناعتها الإنسان، بكل ما يحمل، فهو وعَبْر مخزونه المعرفي والثقافي، يطرح رؤيته لواقعه المُعاش مستشرِفًا المستقبل، عَبْر مجموعة من الصور التي ينقلها، ليرتقي بالمتفرِّج، ويعلِّمه، وبشكل غير مباشر قيمته كفرد في إطار منظومة مجتمعه.

عناصر االورقة
1- إيضاح العناصر المكوِّنة للمجتمعات الإفريقية، وكيف كان هذا التنوُّع يمثل فعلا إيجابيا للنهوض بالقارة.
2- رَصْدُ طبيعة البِنية المجتمعية في مصر والسنغال، لكونهما يخضعان لمنظومتَين سياسيتَين وثقافيتَين متباينتَين، وإن توحَّدا في ظل الإطار الأكبر إفريقيا.
3- التعريف بمُخرِجَين من البلدَين وعرض سيرة ذاتية لهما مع قائمة بأفلامهما.
4- الإجابة على مجموعة من أسئلة وهي:
* ما الدور الذي لعبته البيئة المَحلِّية وظروف النشأة على المُخرِجَين؟
*هل وظَّف كلٌّ من شاهين وسمبين الموروث الشعبي في أعمالهما، وكيف وُظِّف إن وجد؟
* ما الدور الذي لعبه اغتراب كلٍّ منهما لتعلُّم السينما وفنونها، في أعمالهما؟
* ما هي الرؤية التي أراد إيصالها كلٌّ من المُخرِجَين عن مجتمعه ؟ وهل وُفِّقَ في هذا؟
وغيرها من الأسئلة التي قد تظهر في ثنايا الورقة.
5- خاتمة تعرض فيها الباحثة لما توصَّلتْ إليه، مع محاولة وضع رؤية استشرافية للسينما الأفريقية.

1- بنية المجتمع الإفريقي(1)
يتكوَّن المجتمع من مجموعة من الوحدات البشرية، هذه الوحدات تخضع لمجموعة من العوامل، التي لها أثر كبير في تكوين المجتمعات ونموِّها، كما تساعد على بنائها، ويعد المدخل الأيكولوجي، واحدًا من أهم العوامل التى يتم من خلالها دراسة المجتمعات الإنسانية، ويمكن تعريف علم الايكولوجيا بأنه " دراسة العلاقات المتبادلة بين الإنسان والبيئة التى يعيش فيها(2)".
المتأمِّل لخريطة القارة الإفريقية يشاهد موازَنة عجيبة، دائرة الاستواء تقسِمُها مناصفة، دوائر العرض الرئيسية تمُرُّ بها، سهول ضيِّقة في الشمال والجنوب، صحاري حارة أيضا شمالا وجنوبا، يفصلها ذلك القلب الصخري، والذي هو جزء من القارة القديمة جندوانا، مع تصريفات نهرية تميَّزت بالقوة والاندفاع، كل هذا فَرَضَ نوعًا من التعايش على سكان هذه المنطقة مع الطبيعة المحيطة بهم، ليكون، هذا التجمع الأيكولوجي، ذا انعكاس على كل ما ينتِج في هذه المجتمعات من قيم تؤثر سلبا أو إيجابا في الثقافة والفن.
من هنا كان هذا التبادُل الرائع بين الإنسان والطبيعة، والذي أنتج حضاراتٍ إنسانيةٍ وثقافةً خاصةً جدا قامتْ على التجريد للمنحتوات، ثقافة استغنتْ عن المكتوب - بشكل ما - في ظل وجود لغة أعمق هي لغة الجسد التى تواصَل بها الإفريقي مع ما حوله.
في ظِلِّ ما سبق، كيف تكون عملية البناء الاجتماعي داخل هذا المجتمع؟ هذا المجتمع الذى أوجد نوعًا من التواصُل مع كل ما حوله، وحتى في الصراعات بين القبائل (المجتمعات البشرية المتباينة)، على الأرض، والماء، والتي هي صراعات طبيعية بين البشر؛ كان هناك نوع من التوازن، الذى فرضه فَهْمٌ من هذا الإنسان الإفريقي لمكوِّنات الأرض ولاحتياجاته.

عملية البناء الاجتماعي
إن عملية البناء الاجتماعي هي مجموعة من الأفراد يتم التواصُل بينهم، فهو عبارة عن "نسيج متماسِك متشابِك من العلاقات المتداخلة(3)"، هذا النظام يختلف من بيئة إلى أخرى.

عناصر تكوين (القبيلة) المجتمع
في القارة الإفريقية "تتكوَّن الهيئة الاجتماعية في القبيلة (المجتمع) من الموتَى، والأحياء جميعا على أساس تبادُل المنفعة، والخدمات بينهما. فالموتى هم الرؤساء الفِعليِّين في الأسرة والقبيلة وهم القوَّامون على استمرار مراعاة التقاليد والمراقِبون لسلوك ذريتهم.
والهيئة الاجتماعية منظومة تقوم على أساس دقيق من النظام التدريجي الذى يشمل الموتَى، والأحياء؛ فلكل مرتبتُه الخاصة، وأعلى مراتب هذا النظام يختص بها الأسلاف العظام، الذين أسَّسوا تلك القبيلةَ، ثم يليهم في المرتبة من الموتى الجدُّ الأعلى للأسرة ثم ذريته حسب أسبقيتهم في الوفاة ويأتي بعد هؤلاء الموتى جماعة من الأحياء على الترتيب التالي:
1-الشيوخ.
2- طبقة الكهنة من الرجال
3- الأطفال وهم مقسَّمون إلى طبقات تبعا لسنهم.
أما النساء فلهن مكانة اجتماعية على حِده... كما أن هناك نفرا أعلى مرتبة من جميع المراتب السابقة وهم الرؤساء الأعلون الذين يجمعون في أيديهم السلطان الدنيوي والروحي على القبيلة كلها(4) " .
ولا أستثني هنا منظومة الشمال الإفريقي المعروف حسب التقسيم الكولونيالي بالشمال العربي، لأنه جزء من هذه المنظومة، وإن كان بنسب مختلفة، تبعا لتأثير الإستعمار وتبعا لتأثير التطور المجتمعي لهذه المجتمعات، فمثلا في مصر لايزال هناك تأكيد على تأثير الموتى في الحياة عَبْر زيارة المقابر وأضرحة الأهل في أي مناسبة اجتماعية ودينية، وهناك بعض الممارسات الشعائرية التي يتم تنفيذها في المناسبات الدينية.
إن البناء الاجتماعي قائمٌ على فهم واستيعاب، ودراسة العلاقات، والروابط الاجتماعية المتبادَلة، التي تقوم بين هؤلاء، أو تلك الرموز الاجتماعية، ولا بد أن نفرِّق بين المجتمعات في وضعها الحالي، وبين بناء اجتماعي دائم، قائم بين البشر بشكل فعلي، وبين عدد من الأشخاص في مكان بذاته، والبناء المجتمعي له مكوِّناته، و أسسه التى تقوم عليها هذه المكونات والأسس وهي(5):
" إن البناء الاجتماعي الكلى لأي مجتمع من المجتمعات، عبارة عن نسق من الأبنية المنفصِلة، المتمايزة، التي تقوم بينها رغم تمايزها ونفصلها، علاقات متبادلة، مثل البناء القرابي والبناء السياسي والبناء الاقتصادي. أما الأسس التى يقوم عليها البناء الاجتماعي فهي:
* مبدأ الاستمرار في الزمن
* مبدأ العلاقات الثنائية المستمِرة التي تقوم بالضرورة بين الجماعات المتماسكة"

هذا البناء، قائم على العلاقات المتبادلة، بين ما نعيشه، والواقع الاجتماعي الذى تفرضه؛ والنظام الاجتماعي، ما هو إلا تنظيم وتنظير بين المجتمع وحاجات الكائن البشرى، لهذا كانت الثقافة بمعناها الواسع هي"وجود وظائف من السمات الرئيسة العامة التى تسود المجتمع كله وتفرض نفسها عليه والتي تعرِّف ذلك باسم (العموميات) وتتمثل في وحدة المشاعر، وحدة التقاليد والعادات، والممارسات التى يشترك فيها كل أعضاء المجتمع، كالشعائر، والمعتقدات الدينية، واللغة، وما إليها من السمات التى تعتبر أسسا جوهرية في تكوين المجتمع، والتي تحرص الجماعة عليها أشد الحرص وتعاقِب مَن يقوم بالخروج عليها(6)".
إن كل مجتمع من المجتمعات، لابد أن يرتكز على مجموعة من التنظيمات، وكل تنظيم من هذه التنظيمات يمارس نوعًا من الضبط، هذا الضبط قائم - أو لنقل- أنه يتضمَّن معنى السلطة، كما يرى البعض، أنه يشير إلى معاني الإرشاد والإشراف والتوجيه، كما يضيف آخرون إلى أنه يشير إلى الجانب التطبيقي من منطلَق أن الضبط الاجتماعي تنظيم وتخطيط في نفس الوقت(7).
إن إفريقيا ليست قارة متجمِّدة، بل هي قارة شديدة الحيوية والتجدُّد، وسنجد أن شعوب القارة استطاعتْ التأقلُم مع كل وافد جديد، وصهره في بوتقتها، لتخرج حضارات لا تزال تُكتشَف إلى الآن، ومع تطور المجتمع الإفريقي، عَبْر احتكاكه بمن حوله من مجتمعات، ومع ما مر به هذا المجتمع من عصف اجتماعي قام به المستعمر الأوروبي وخاصة في النصف الجنوبي من القارة، وفرضه حالة من التأزم والتشرذم داخل المجتمع الواحد، وخاصة مع تنامي موجات العنف، وحدوث إبادات جماعية، وعرقية داخل الدولة الواحده، وافتعال فوضى الحروب، كل هذا كان بحاجه إلى إعادة قراءة، عَبْر قراءة لواقع نماذج (مصر، السنغال) من المجتمعات الإفريقية عَبْر فنها. من هنا نعرج أولا على رصد لمجتمعَين ثم تناول فن السينما (الروائية الطويلة) لدى مخرِجَين هما من العلامات المميزة في القارة، التي لا تخلو من مبدعيها بطول القارة وعرضها.

2- مصر – السنغال الأيكولوجيا التاريخ المجتمع
2- 1- مصر
2-1-1- مصر أيكلولوجيا وتاريخيا

الاسم الرسمي: جمهورية مصر؛ تقع في الركن الشمالي الشرقي للقارة الإفريقية، حيث ترتبط بشمال إفريقيا عَبْر منظومة الدول العربية الإفريقية (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب،عَبْر الشمال الإفريقي، السودان والصومال وجبوتي واريتريا، جنوبها، وجنوب شرقها)، وترتبط بالمنظومة الإفريقية السمراء عَبْر نهر النيل (منظومة دول حوض النيل ).
مصرهبة النيل، فبدونه لا كيان لها، فالنيل نهر منفرد من بين الأنهار، فهو مخالف في اتجاهه لكل أنهار القارة الإفريقية، فهو يتجه طوليا من الجنوب إلى الشمال، بينما الأنهار في معظمها عرضية تتجه من الشرق إلى الغرب أو من الغرب إلى الشرق.
منابعه الأولى تبداء جنوب الاستواء بأربع درجات عرضية لتستمر بعدها رحلته الطويلة لعدة آلاف من الكيلومترات حتى درجة العرض 31 شمالا، أي 34 درجه عرضية، أي أكثر من ثلث محيط نصف الكرة. وطول هذه الرحلة تحفظ له بوصلته الحقيقية وجهته الأساسية فيعود إليها باستمرار "كأنما يسعى إلى القطب" إلى درجة أن المنبع والمصب على ما بينهما من فاصل عرضي هائل، يقعان على خط طول واحد أو يوشكان. تنقسم جغرافية مصر إلى خمس مناطق، الوادي والدلتا ومنخفض الفيوم، الصحراء الغربية، الصحراء الشرقية، سينا، بلد النوبة.
مناخ مصر بوجه عام معتدل، وإن غلبتْ عليه الحرارة الشديدة صيفا، باردة في الشتاء، مع سماء طول العام تخلو من السحب.
هذه الطبيعة الخاصة بمصر ومع كونها معَبْرا شرقيا للقارة السمراء، جعلها مطمعا للغزوات منذ ما قبل الميلاد، ومع ذلك اتَّسم المجتمع المصري بالتجانُس والتعايش مع كل ما يحيط به، بل وصل إلى حد التعايش مع المستعمِر وصبغه بصبغته.
في العصر الحديث احتلُّتْ مصر من فرنسا ما بين(1789- 1801) ثم من انجلترا في (14سبتمبر 1882) واستمر الاحتلال، أو ما عرف بالحماية حتى جلاء آخر جندي انجليزي عام 1954، وما بين التارخين أسس محمد على مصر الحديثة مع توليه 1805، لتكون مصر سلطنة ثم مملكة، لتتحول إلى جمهورية مع إنقلاب 23 يوليو 1952م؛ ليبدأ فاصل جديد في تاريخ مصر الحديثة استمر تسعة وخمسين عاما.

2-1- 2- مصر مجتمعيا
مصر كمجتمع من المجتمعات المتجانِسة، رغم التنوُّع الجغرافي الذي فرض تنوعًا في طبيعة سكان كل منطقة، إن 28 محافظة إدارية، كل محافظة تتسم بخصوصية ثقافية ولغوية خاصة بها، فبجانب العربية، هناك الأمازيغية في غرب مصر، والنوبية، في جنوبها، بالإضافة إلى اللغة المصرية القديمه القبطية، كما تتمتع مصر بتوع دينى فإلى جانب الإسلام السني، يوجد شيعة، يوجد المسيحية، والبهره (طائفه دينية تعيش في مصر)، والبهائية( غير معترف بهم)، مع وجود نسبة من اللادينين.
هذا التجانس أفرز طبقات اجتماعية وطوائف عمالية لم تكن تتعامل مع بعضها إلا من خلال عملها ولم يكن للدين أي تأثير يذكَر، ومع العصف والحراك المجتمعي الذي مرت به مصر بعد انقلاب(ثورة) 1952، حصل حراك اجتماعي عنيف في مصر، أحدث تغيراً جذرياً على بنية المجتمع وطرأ تطور كبير؛ فالطبقة العليا بما تحمل من قيم محافظة، انصهرت أو أدمجت قصرا مع طبقة جديدة، تملك المال، ولكن لا تملك منظومة قيم، أما الطبقة الوسطى - صمام الأمان - فقد انصهرت في الطبقة الشعبية، بل وصل الامر بها إلى التماهي مع بعض الشرائح المجتمعية الدنيا، نتيجه للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالحياة في مصر، لتطفو الطبقة الشعبية، وتعاني من حراك عنيف، نتيجه لمتغيرات ساهم صنَّاع القرار في تنفيذها، دون مراعاة لطبيعة وتكوين المجتمع، مما أفرز طبقة طفيلية استطاعات أن تنفذ إلى مواقع خطيرة، وطبقة هامشية تقبع على حدود المدن الكبرى، عَبْر عشوائيات، لا تمت للحياة الإنسانية بصِلَة(8). لتقوم بعد ذلك هذه الطبقة الطفيلية، باستغلال هؤلاء المهمَّشين، مما ترتب عليه نوع من العنف داخل المجتمع مضافًا إليها ردود الفعل السلبية، والتي هي سمة من سمات التكوين المصري، ليكون رد الفعل سخرية، ونكته وأدوات مقاومة خاصة بهذا المجتمع، قاوم بها هذا العصف الثقافي، مختزنًا تراثه، وموروثه الثقافي.
*************************************
************************

2- السنغال
1-2-2- السنغال ايكولوجيا وتاريخيا

الاسم الرسمي: جمهورية السنغال، تقع على النتوء البارز على ساحل غرب افريقيا، تقع السنغال ضمن منظومة غرب افريقيا، والتي تضم 19 دولة منهم 6 دول مصنَّفين كأفقر دول في العالم، وهي دولة تقع ضمن منظومة نهرية (نهر السنغال)، والتي تنبع من هضبة فولتا جالون في غنيا، ليعَبُر مجموعة دول هي" غينا، مالي، السنغال، موريتانيا"، هذه المنظومة النهرية، ولَّدت ثقافة وحضارة خاصة بها عَبْر تواصلها مع الشمال ومع انفتاحها على العالم عَبْر المحيط الأطلسى.
مناخ السنغال جاف مع أمطار قليلة، مما يجعلها تنقسم بيئيا إلى ستة أقسام وهي(9):
1- وادي نهر السنغال. 4- المناطق الساحلية.
2- الغابات والمراعي. 5- الإقليم الجنوبي الشرقي.
3- إقليم الوسط. 6- إقليم كازامانس.
عرفتْ هذه المنطقةُ الحضارةَ والتمدُّن عَبْر ملوكها القدماء، كما أنتجتْ فنًا خاصا بها، ومع دخول الإسلام المنطقة عَبْر شمال إفريقيا دول المغرب العربي - حيث لم تكن الصحراء مانع مكاني - كان هذا التمازُج الذي أنشأ مجموعة من الممالك الإفريقية هناك، ويسجِّل التاريخ الشعبي للمنطقة حضارة وثقافة هذه الممالك وكيف أنها قاومتْ المستعمِر، وحاربته.
استُعمِرتْ من فرنسا، بعد استكشاف البرتغالين لها؛ وبدأ المستعمر استنزافه لقوى المنطقة البشرية عَبْر رحلة العبيد، ومعها ثروات البلاد والمنطقة (غرب أفريقيا)، استقلَّتْ السنغال عن فرنسا عام 1960م.
دولة السنغال، إحدى أكبر الدول الإفريقية، عاصمتها داكار، مرَّت السنغال كدولة حديثة بالكثير من المنعطفات الإقليمية والدولية، وخاصة في ظل سياسة التعايش السلمي مع دول الجوار، ولكن هذا لا ينفي قيام بعض الصدمات مع دول الجوار مثل موريتانيا؛ في عام 1966 تم إنشاء الحزب الاشتراكي السنغالي وإعلان سنجور رئيسًا له، تعد السنغال من الدول الديمقراطية حيث يجرى فيها انتخاب رئيس الوزراء ورئيس الدولة، ويعد عبد الحي واد، ثالث رئيس لدولة السنغال - بعد الاستقلال - بعد الرئيس عبده ضيوف، وسنجور.


2-2-2- السنغال مجتمعيا
السنغال دولة إسلامية، تبلغ نسبة المسلمين بها 97%، مع وجود نسبة تدين بالدين المسيحي، وأخرى ما تزال على معتقداتها القديمة، وهي دولة تجمع بين تنوع بشري، أفرز تنوعًا لغويًا، وإن كانت لغة المستعمر الفرنسية هي اللغة الرسمية، وتنوع بيئي، أنتج تنوعًا في مصادر الدخل وإن كانت غير مفعَّلة فالسنغال دولة بها مشاكل وأزمات مجتمعية، حيث تبلغ نسبة الفقر في الريف من 72% إلى 88% (10)، كما أن نصف السكان دون الخامسة عشرة أي طاقة جديدة معطَّلة، كما تواجه السنغال مجتمعيا مشاكلا تتعلق بالريف، والمرأة، وما يخص الدستور، والمنظومة التربوية، قانون الأحول الشخصية(11).
إن مشاكل السنغال لن تخرج عن مشاكل الدول الأفريقية بوضع من الأوضاع، بالإضافة، إلى ما تطرحه الطرق الصوفية - بطرقها المختلفة - وصراعها مع الإخوان المسلمين الذين ظهروا عام 1978م،. مضافا إلى هذا تلك الصراعات التي تنشأ بين التنوع البشري الذي يعيش في السنغال، وخاصة مع ارتفاع نسبة الفقر برغم النمو الاقتصادي!!
نحن هنا في مصر والسنغال، نجد أننا أمام نفس المشاكل تقريبا وإن تنوَّعتْ طرق التناول وفق كل مجتمع:
1- تيارات دينية متصارعة – الإخوان والصوفيين- أو بينها خلافات من نوع ما.
2- أكثر من نوع تعليم، دينى ومدني.
3- الغالبية العظمى من السكان في سن الشباب والطفولة.
4- مشاكل تنموية على مستوى المرأة، والدستور، ومنظومة القانون ، التعليم، الصحة، وغيرها.
5- تنوع بيئي، وتنوع في المواد الخام، يتيح تنوع إنتاج، ومصادر دخل غير مستغلَّة!
6- بلدان زراعيان حيث تعمل نصف العمالة في الزراعة وتمثل الزراعة أهمية خاصة في الدخل القومي مع إهمال تام لها .
7- بلدان خرجا من عباءة الاستعمار، وإن ترك في السنغال بصمة غير سوية من تفشي النعرة العِرقية، والخلافات الحدودية، وكذلك في مصر - خلال السنوات الثلاثين الأخيرة -.
8- منظومة من الفساد الإداري والمالي وإن كان في السنغال محدود بشكل ما عنه في مصر.
إلى آخر تلك المتشابهات بين البلدَين من هنا كان من المهم النظر إلى دور الثقافة والفن في بناء المجتمع وخاصة مع كون السنغال تتبع منظومة ثقافية (غرب إفريقيا)، ومصر لها ثقافتها، التي يؤكِّد الشيخ عناتا ديوب على أنها جزء من الثقافة الافريقية السمراء وهي (الحضارة المصرية) لا تنفصل عن المنظومة السمراء في كل القارة.

ومع تناوُل المخرِجَين موضع البحث نجد الكثير مما جمع بينهما وبشكل غريب، فكلاهما درس السينما في بلاد الغربة وفي بلدَين كانا أيديولوجيا عكس بعضهما، ولكل منهما موقف من السينما وأهميتها عَرَضاه في مشوارهما، من هنا كان لازما البدء بسيرة ثنائي السينما موضع المقارنة.


3- يوسف شاهين وعثمان سمبين سيرة ذاتية
1-3-يوسف شاهين(12)
مولده وحياته
ولد في 15/ 1/ 1926، بمدينة الإسكندرية، حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة ألفريد، تخرَّج في فكتوريا كولج، درس المسرح والسينما بأمريكا، حياته كانت ما بين الإسكندرية والدراسة فيها والانتقال إلى أمريكا ومنها عاد لينتِج ويخرج سينما خاصة به. تربَّي في أسرة مسيحية كاثوليكية، مما انعكس على سلوكة في بعض المواقف، التي حدثت في حياته وهو طفل، وتعمَّقت بداخله وتركت أثرها على ما أنتج من أفلام
دخوله مجال السينما
دخل يوسف شاهين مجال صناعة السينما في سن صغيرة 25 عاما واستمر في العمل، حتى وفاته 27 يوليو 2008، عن 82 سنه، أي 58 عاما من العمل في السينما، عَبَرَ خلالها منعطفاتٍ حادةً من أول فيلم له بابا أمين 1950.
أفلامه
أخرج يوسف شاهين أربعين فيلما، ما بين روائي طويل، وروائي قصير، وتسجيلي، منهم ما قام بتأليفه، ومنهم ما مثَّلَ فيه، عند رَصْدِ أفلام شاهين سنجد أنها مراحل تقريبا عقد بين كل مرحلة وأخرى 57 سنه من أول فيلم أخرجه1950، إلى آخر فيلم 2007، لتكون سينما يوسف شاهين شاهدًا من وجهة نظر مخرجها على واقع مصر منذ ثورة 1952.
قائمة أفلامة
1950أمراة من نار
1950 بابا أمين.
1951ابن النيل
1952 المهرج الكبير
1953 نساء ورجال قام بالتمثيل فيه
1954صراع في الوادي
1954 شيطان الصحراء
1956ودعت حبك
1956صراع في المينا
1957انت حبيبي
1958باب الحديد قام بالتمثيل فيه وتحديدا الشخصية المحورية قناوي
1959حب إلى الأبد
1960جميلة
1960بين إيديك
1960نداء العاشق
1961رحلة في حياتي
1963 الناصر صلاح الدين
1965بياع الخواتم
1965فجر يوم جديد تمثيل
1970الأرض
1971الإختيار
1972النيل والناس
1972العصفور
1976 عودة الابن الضال تأليف
1978 اسكندرية ليه "سيرة المخرج الشخصية"
1978حدوته مصرية سيرة المخرج الشخصية" تمثيل مشهد وتأليف.
1985 الوداع يا بونابرت. تأليف.
1986 اليوم السادس تأليف وتمثيل.
1990 اسكندرية كمان وكمان تمثيل "سيرة شخصية"
1991 القاهرة منورة بأهلها (تسجيلي) تمثيل.
1994 المهاجر تأليف
1997 المصير تأليف
1997الآخر تأليف (إنتاج)
2001 سكوت ح نصور
2004 إسكندرية نيويورك تأليف سيرة "شخصية الجزء الأخير"
2007 هي فوضى.
شاهين والمهرجانات الدولية
شارك يوسف شاهين على مدار حياته الطويلة في العديد من المهرجانات وكان أولها مهرجان كان 1950، حصل على الكثير من التكريمات والجوائز كما حصل على أكثر من دكتوراة فخرية من جامعات مختلفة.
طبيعة أفلام شاهين
جمع شاهين بين الأداء الهوليودي في أفلامه، بحُكم الدراسة، وبين طبيعة الثقافة الفرنسية بحُكم المحبة، فهي سينما تمزج الواقع المعاش، بالشخصي والذاتي جدا، فهو كشاهين حاضر في كل أفلامه، يؤكد على أهمية الفرد، وأنه الأساس ومنه يتكوَّن المجتمع، سينما يوسف جمعت بين أنواع مختلفة من الميلودرما، ولكن بمزاج وطريقة يوسف شاهين، فهو يرصد الواقع، ويكسره في نفس الوقت، يبحِر بين طيات البشر المهمشين، ويرصد الإنسان من الداخل في لحظات غير عادية، هي سينما فكرية.. وإن عِيْبَ عليها أن إنسانَ هذه السينما هو صورةٌ من أزمة شاهين الشخصية والنفسية، ولكن برغم هذا الاتهام، يبقى له أنه من أوائل من أشار إلى شريحة مهمَلة في المجتمع المصري ( باب الحديد 1958)، وطَرَحَ رؤًى خاصة به للمصري، ولتاريخ مصر عَبْر ( الناصر صلاح الدين 1963،الوداع بونابرت 1985، واليوم السادس 1986)
صوَّر الفلاح المصري (ابن النيل 1951، الأرض1970) وغيرها من الأطروحات عَبْر 40 فيلما هي تاريخ يوسف شاهين في 58 عام من عمره.


**********************************
**********************
2-3-عثمان سمبين(13)
مولده وحياته
وُلِدَ عثمان سامبين في أول يناير 1923بزينغيشور بمقاطعة الكازامانس بالسينغال.
من والدَين من "الليبوس" غادرا شبه جزيرة الرأس الأخضر الى الكازامانس. حين بلغ السابعة من العمر دخل الكتّاب، والمدرسة الفرنسية آنذاك، متعلِّما في الوقت ذاته العربية، والفرنسية بالإضافة الى اللغة الأم "الوولوف". لم تكن ظروف سمبين المعيشية القاسية لتسمح له بمواصلة التعليم الابتدائي، ومن هنا فقد أكمل سمبين تعليم وتثقيف نفسه بنفسه، بالطريقة العصاميَّة، متنقِّلاً خلال ذلك من العمل كصياد أسماك وعامل بناء، ونجَّار، وسبَّاك، وفي هذا الصدد يقول سمبين الشغوف بالقراءة منذ صغره إنه تلقَّى تعليمه "في جامعة الحياة".
في 1942 تم تجنيده في الجيش الفرنسي و التحق بفرقة المنوشين.
في 1946 يهاجر سِرًّا إلى فرنسا، وتحديدا إلى مدينة مارسيليا الساحلية، ليزاول عدة مهن و من ضمنها العتالة في مرفأ مارسيليا لمدة 10 سنوات، وينخرط في النقابة العامة للعمال، وفي الحرب الشيوعية الفرنسية، ويناضل ضد حرب فيتنام، ومن أجل استقلال الجزائر.
أعمالة الأدبية المنشورة
عرف سمبين كروائي، قبل أن يعرف كمخرج، له تسعة أعمال أدبية منشورة، منها
عامل الميناء الأسود 1956
يا بلد شعبي جميل 1957
فولتا 1962
وغيرها من الأعمال الأدبية، والتي منها استمد قصص بعض أفلامه ونقلها إلى عالم السينما لتصل إلى شعبه، ليعرف.
عودته إلى إفريقيا
1960 سنة استقلال السودان الإفريقي " السينيغال ومالي"، يعود عثمان سامبين إلى إفريقيا، ويسافر عَبْر عدة دول إفريقية "مالي، غينيا،الكونغو"، يبدأ بالتفكير في فن السينما ليعطي الصورة الحقيقية لإفريقيا ثقافيا و اجتماعيا بدون أقنعة الرقص والتمثلات.
دخوله مجال السينما
1961 يدخل مدرسة للسينما في موسكو، يبدأ في الإخراج منذ 1962، حيث درس على يد مارك دونوسكوي صاحب "ثلاثية غوركي" الشهيرة، ثم اكتسب خبرات عمليَّة بإشراف سيرجي جي راسيموف في استوديو غوركي السينمائي.
وفي مرحلتَي الدراسة واكتساب الخبرة العملية أثبت سمبين موهبة سينمائية عالية جعلته محط تقدير واحترام أساتذته ومراهناتهم.
استغرقت دراسة سمبين وتَمَهُّنه السينمائيين وقتاً قياسي القِصَر، هو عام واحد فقط شدَّ الرحال على أثره عائداً على الفور إلى إفريقيا.
أفلامه
L Sonhrai الإمبراطورية (1963)

Borom Sarret (1963)

Niaye (1964)

دي لوس انجليس لنوار... (1966)

Mandabi (1968)

Taaw (1970)

Emitai (1971)

Xala (1974)

Ceddo (1976)

دي كامب Thiaroye (1989)

Guelwaar (1992)

L heroisme كوتيديان الاتحاد الافريقي (1999)

Faat ماشية (2000)

Moolaade (2004)

طبيعة أفلامه
منذ البداية تموقع عثمان سمبين في حقل سينما النقد الاجتماعي والسياسي، بحكاية شابة سينغالية تغادر أسرتها، ووطنها إلى فرنسا لتشتغل خادمة، عند زوجين فرنسيين يهينانها، ويستعبدانها دافعَين إياها في نهاية المطاف إلى الانتحار.
فيلم "العهدة" عبارة عن كوميديا ساخرة، ولاذعة النقد للبورجوازية السينغالية الصاعدة غداة الإستقلال . أما فيلمه "سدّو" 1979، فيمنع من العرض في السينغال، في عهد ليوبولد سيدار سينغور الرئيس السينغالي آنذاك، بداعي خطأ في كتابة الاسم "سدو" بدال واحدة، وفي الحقيقة كانت السلطة تتحاشى إثارة حفيظة السلطات الدينية و الإسلامية تحديدا. لأن الفيلم يتناول ثورة " مقدسي الحيوانات " في القرن ال17 و التي قام بها أناس لديهم ثقافة مغايرة، وقناعات حول تقديس الحيوانات، ويرفضون الدخول في الإسلام. كما هاجم فيه أيضا وبحِدَّة الهجوم المتلاحق للكاثولييكية، والإسلاموية في إفريقيا، ودورها في تجريم بِنًى اجتماعية تقليدية للأفارقة، طبعا بالتواطؤ مع بعض الأرسطوقراطيين المحليين.
سنة 2000 بفيلمه " فات كيني" يبدأ إخراج ثلاثية "البطولة اليومية" و التي كانت من جزأين مسخَّرَين لوضع المرأة الإفريقية، و الفيلم الثاني "مولادي" أي الضيافة...( 2003) ..يواجه موضوع ختان الفتيات و الفيلم يروي قصة أربع فتيات يهربن من الختان و يلجأن إلى سيدة تؤويهن
يعد سمبين من المخرجين السينمائيين الأفارقة الأشهر باستحقاق شديد، بل هو من أوئل المخرجين الأفارقة الذين تمكنوا ضمن تحديات كانت تبدو مستحيلة لفرط صعوبتها من وضع صورة الأفريقي على الشاشة باعتبارها ذاتاً خلاقة فاعلة وليس موضوعاً غَيْرِيَّاً .
لقد كان سمبين شغوفاً دوماً في سباق مع الزمن، بإيصال رؤاه وأفكاره إلى الناس البسطاء والعاديين من بني قومه، مهموماً بالأسئلة الجوهرية المُلِحَّة على إفريقيا وعموم العالم الثالث، وذلك خاصة لجهة نزعاته السياسية الثورية الأصيلة والعميقة، وانتمائه لخلفية طبقية وحياتية كادحة، وازدرائه لأية توجهات نخبويَّة في الثقافة والسياسة، لكنه رأى أن نسبة الأميَّة العالية في افريقيا (80% خلال ذلك الوقت) تحول دون أن يوصل ما يريد قوله للناس عَبْر الأدب، ومن هنا فقد اقتنع أن السينما هي الأداة الأكثر ملاءَمة لواقع إفريقيا الثقافي والاجتماعي. والحقيقة أنه يصعب تصوُّر أي مخرج سينمائي آخر في أي مكان من العالم تتألف شريحة واسعة من جمهوره السينمائي في بلاده من الضَّريرين الأميِّين (وهؤلاء يحضرون بكثرة باعتبارهم شخصيات في أعماله السينمائية لا سيما في "خالا") الذين يحرصون على مشاهدة أفلامه من أجل أن "يتعلموا" و"يستمتعوا"!. لقد كان سمبين مُحِقَّاً بالتأكيد عندما صرَّح في 2005: "أستطيع أن أذهب إلى قرية وأعرض فيلمي هناك لأن كل شيء يمكن التعبير عنه سينمائياً ونقله إلى القرية الأفريقية الأكثر نأياً".
إن سمبين يدعو إلى سينما مقاتلة تنقل صورة وواقع الإفريقي الحقيقة وتحاول وضع حلول من خلال قيم المجتمع ومبادئه.
عثمان والمهرجانات
في 1969 يدعَى إلى المهرجان الإفريقي الأول للسينما والتليفزيون المقام في واغادوغو (بوركينا فاسو) من طرف مؤسسي المهرجان .لكنه يعتذر عن المشاركة و بالمقابل و منذ سنة 1970 يأخذ الدور الأهم في رعاية المهرجان إلى وفاته، رافضا في ذات الوقت المشاركة بأفلامه في المسابقة مفسِحا المجال للمخرجين الجدد و الشباب.
في 1988 و رغم حيازته لجائزة اللجنة الخاصة في مهرجان البندقية يتعرَّض مجدَّدًا للمنع،
و لكن في فرنسا،هذه المرة، بفيلمه " ميدان تياروي" و هوعبارة عن تحية للمناوشين السنغاليين، وخصوصا للتنديد بالمرحلة المزعجة للجيش الاستعماري الفرنسي و للمعركة التي دارت بميدان تياروي في 1944، وتم منع الفيلم إلى غاية منتصف 1990 .
والفيلم "مولادي" أي الضيافة 2004، والذي نال به جائزة الفيلم الأجنبي للنقد الأمريكي وجائزة عن فيلم "نظرة ما " بمهرجان كان بفرنسا. والجائزة الخاصة للجنة المهرجان الدولي للسينما في مراكش بالمغرب..
توفي في 09/06/2007 بمنزله ب"وولف" و دُفِنَ في مقبرة إسلامية عن عمر يناهز ال84 سنة.

4- شاهين وسيمبين قراءة مقارنة
النشأة والتكوين ودور المجتمع
1923المولد، 2007 الوفاة.
1926 المولد، 2008، الوفاة
ما بين تاريخ ميلاد، ووفاة الأول الخاص بعثمان سمبين، والتاريخ الثاني الخاص بيوسف شاهين، تكمن سلسلة من حياة طويلة عاشها الطرفان أحدهما قادم من أعماق غابات إفريقيا، بكل ما يحمل من إرث وموروث ثقافي خاص بغرب إفريقا، حيث الطبيعة وما يحمله إنسان إفريقيا من تناغم وتوافق مع الكون، دمره مستعمر قام بخلخلة هذا المجتمع عَبْر تجارة من أبشع أنواع التجارة في العالم (الرقيق)، والثاني محمَّل بثقافة الشمال وتراث حضارة من الحضارات المشِعَّة، وإرث محمَّل بتقبُّل وصهر الآخر في بوتقته، وهما معا جزء من نسيج قارة خاصة جدا مميزة وتميز كل من يعيش فيها وتصقله بطابع خاص، وبصمة تحملها القارة، ليس عن تعصب أو نفي للآخر.
وعثمان ويوسف، على الرغم من انتمائهما إلى ثقافتَين مختلفتَين جغرافيا، إلا أنهما نتاج بيئة ذات تراكم معرفي واحد، فلم تعرف القارة التقسيم أو الحدود السياسية الحالية إلا في وقت متأخر جدا، حيث كانت وحدة النهر كحيز مكاني تفرض ثقافتها، وموتيفاتها المعرفية الخاصة، لتتواصل في الأكبر.
وسنجد أن ما يجمع بينهما الكثير برغم اختلاف التوجُّه في التناول والتعامل مع السينما.. من هنا كان مدخلنا للتعامل معهما.

الاغتراب وأثره في حياتهم
السفر والابتعاد، عادة إفريقية صميمة فما أن يبلغ الشاب سن التكريس حتى يكون عليه أن يقوم برحلة نحو المجهول، أو رحلة صيد ليعود بعدها رجلاً من رجال القبيلة، ويزخر الحكي الشعبي الإفريقي بالكثير من الحكايات التي تتحدث عن هذا النوع من رحلات.
هنا حكاية خاصة بأصحابها، يوسف يحلم بالسفر إلى بلد التقدم في عصره أمريكا، ليتعلم هناك فنون صناعة شَعَرَ بأهميتها، عَبْر رصده لهذه الصناعة في مصر مع أول شاشة عرض أقيمتْ في مصر قبل مولده بـ 23 سنة، ليعود هذا الشاب المصري الكاثوليكي محمَّلاً بزخم غير عادي ورؤية صقلتْ تجاربه الشخصية وفرَّجتْه على الأفلام، ليعرض لنا فيلمه الأول بابا أمين 1950، بكل ما يحمل هذا الفيلم من فنتازيا تشي بمخرج مختلف.
سمبين سليل أسرة سنغالية حملت العِلْمَ ولم تحمل المال، حاول التعلم لكنه فوجئ بتعنُّت المستعمر، يتأمل وضع السنغال أو الغرب الإفريقي قبل أن يقسمه الاستعمار عَبْر ما يسمع من حكي، وعَبْر ما تنقله الجدات من تاريخ غير مدوَّن، يجنَّد بحكم ما تفرضه فرنسا من مسخ على الشعوب المستعمرة، لتكون النقلة الحضارية هناك، ويتعارك مع الحياة، يأمن بتفرده فيستفيد من تعلمه المبدئي ويطوِّع مصاعبه ليقرأ وينجز، ويكون مناضلا سياسيا، ترصد عينه أدق الخلجات ليعَبِّر عنها في كتابته ثم في السينما الخاصة به بعد 37 سنه من التعلم في مدرسة الحياة.
الفرانكوفونية عند سامبين استعمار يطحن بلده، وعند شاهين، روحه التواقه إلى الثقافة والفنون الرفيعة، بحكم التربية الفرنسية في مدارسها في مصر، لتكون النقلة أمريكا- روسيا، أمريكا بكل ما تحمل من قيم تُعلِي من شأن الفرد، وترى أنه – الفرد - أساس المجتمع وهو الموقف الذي تناسب مع يوسف شاهين، وعلى العكس فرنسا – روسيا، نقلة توافقت مع سمبين فهو يرى مجتمعًا تمزِّقه قوى الاستعمار وتدمِّر بنيتَه المجتمعية القائمة على التوافق، فكانت السينما الروسية هي المعَبِّر عما يريد لما ترى هذه السينما من أهمية للمجتمع وأن المجتمع بما يحمل من قيم هو أساس التعامل.
ما بعد الاغتراب
لدى كل من المخرجين مشروع ورؤية ظهرت عَبْر مواقف كلٍّ منهما فيما أنتجا ولم يكن المنتَج على مدار سنوات عمرهما منفصلاً عن طريقة التفكير والمنهج، وإن تطورت الأدوات، فسمبين الذي يعشق الكتابة والسرد، قرر أن ينقل هذا السرد عَبْر الكاميرا لتصل إلى أكبر جمهور لا يعي؛ ليكون إنتاجه متعادلا 10 روايات وعشرة أفلام، هي ما أنتجه محمَّلة بثقافة وطابع وإرث من الاستفهامات التي ظلت معه طول حياته..
1-لماذا الاستعمار وتدمير البشر؟
2- لماذا الامتهان والتسلط وعدم الاحترام للآخر؟
3- لماذا الاستعلاء على الآخر؟
4- هل من الممكن النهوض بمجتمعاتنا وتصحيح مسارها؟
5- وإن أمكن فكيف؟!
وغيرها من الأسئلة التي طرحها على نفسه، وأجاب عنها وعن غيرها عَبْر ما أنتج.
مع شاهين كانت الأسئلة تدور في نفسك المدارات، وإن حُمِّلَتْ بالشخصي، بأزمة شاهين نفسه..
1-ما هو الموقف من الأسرة في إطار الفرد؟
2- أين دور النخبة المثقفة مما يحدث؟
3- كيف هو المستقبل في ظل الحالي؟
4- كيف هو موقفي من الآخر؟ وكيف أتعامل معه؟
5- أين الإنسان الفرد في ظل حركة التاريخ؟
أسئلة وجودية طرحها المخرجان في ما أنتجا من أعمال، كان لشاهين - لصِغَرِ سِنِّه مع دخول معترك الصنعة - وجهة نظر تطورت وتبلورت، عَبْر الأسئلة والإجابات، ليحمل مشروعه الذي تم بفيلم (هي فوضى2007)، ويعلن نعم هي فوضى! في ظل ما يحدث في العالم، لتكون الأسئلة مفتوحة على طول الفيلم بلا إجابات. ومع سمبين موقف آخر خاص به مع دخوله المجال السينمائي من حضور أدبي خاص جدا، وروئية ناضجة للكون والحياة، عَبْر تفاعله مع المجتمع في المهن التي تقيم أَوَدَ الغالبية العظمى في مجتمعه لينقلها عَبْر أعماله، وعَبْر نضاله السياسي، وعَبْرها يطرح رؤيته الرافضة للاستعمار وللزواج غير المبرر بين بلده والمستعمر.
كانت قضية المخرجَين الإنسان هو ولا غيره، اختلفت زاوية الرؤية، شاهين ابن السينما المصرية بكل إرثها الميلودرامي، الذي يحاول التمرد عليه، وسمبين ابن ثقافة عرفت السينما نتيجة للحظة تاريخية كانت بحاجة إلى نقل صورة حقيقية عن مجتمعات يتم تشويهها عن عمد.
شاهين يطرح أسئلة وجود فردية في ظل المجموع، أزمة الاختيار، مشكلة التاريخ وقراءته، المجتمع ومشاكله، الإقطاع وما قام به من امتهان للفلاح المصري، ليكون معادلا موضوعيا لما يحدث من سيطرة الدولة على الزراعة وتفتيت البنية الزراعية الخصبة.. إلخ من القضايا عَبْر سينما فردية تطمح للخلاص الفردي.. ولا تجده إلا في إطار المجتمع.
سينما سمبين تطرح خلاص المجتمع بالمجتمع، ما نريد تغييره، لا بد أن يكون تغييره نابعًا من قيم المجتمع، وبقوة قيم يطرحها المجتمع من داخله، سينما ترى أن للإفريقي دورَه الذي لا بد أن يعرفه العالم، ويعترف به، لأنه ليس عالة أو كسولا، سينما تناقش هذا الزواج غير المُبرَّر بين الحكومات المحلية والمستعمر بثوبه الجديد، سينما تطرح رؤية وحلولاً لإعادة بناء المجتمع الإفريقي بيد أبنائه.
السؤال هنا ما الكيفية التي طرح بها كل مخرج قضاياه؟ هل استخدم كل مخرج موتيفات مجتمعه الشعبية ووظَّفها أم غرَّد خارج هذه الموتيفات.

الموتيف الشعبي في سينما شاهين وسمبين
الفن وسيلة التعبير الأولى التي عرفها الإفريقي عَبْر خبرات طويلة واحتكاك بالكون، ذلك أن الفن هو الأداة الموصِّلة لما بعده من دين وعلم، ومع تطور البشرية تطورت تقنيات التعبير الفني ووسائله، من مجرد محاكاة لطبيعة إلى لغة رامزة تنقل المجتمع ومشاكله عَبْر تقنيات جديدة قابلة للتطوُّر والتجديد.
مع زمن الاستهلاك الذي نحيا فيه وتسليع كل وأي شيء، تبقى الثقافة وسيلة مهمة، وفاعلة في المجتمع، وفي ظل الحداثة، وبعدها يتغيَّر المنظور لثقافة فتتكون مجرد تعدديه بلا هدف ولا معنى، ذلك لطغيان الصورة، والالحاح عليها، حتى وكأننا نشعر بالعالم مجرد حروب صغيرة، ومجاعات، وصور مختلفة غير مريحة، من هنا كان من الضروي التأكيد وعَبْر وسائل وتقنيات الفن الحديثة، تطوير وعي الجماهير بتعدد في إطار التفرد، وذلك عَبْر التأكيد على التراث، والمورث الثقافي الخاص بي كمجتمع، في ظل منظومة أكبر هي دولة، ومنها إلى العالم، دون إنكار دور الفرد في هذه المنظومة، ذلك أنه هو المنتِج والمستهلِك لما حوله من منظومات ثقافية.
لهذا كان على الفنان "أن يكون على دراية بأن كل عصر له هيئته أو طريقته الخاصة، وكذلك نظرته وحركاته، ليس في الأساليب والحركات"(14)، من هذا المنطلق وعند الغوص في أعمال يوسف شاهين وعثمان سمبين نجد أننا أمام مخرِجَين فطِنَين استطاعا فهم آليات السوق الجديدة واللعب عليها وتطويعها لما يريدان نقله عَبْر الوسيط الثقافي الذي اختاروه، جاعلين السينما وسيلة للتعبير عما يريدان مستخدِمَين موتيفات شعوبهم الثقافية –الشعبية-.
من نافلة القول معرفة أن الثقافة لا يمكننا السعي إليها عن عمد فهي نتاج مناشط شتَّى عَبْر تفاعل هذه المناشط، وعَبْر الانسجام بينها، وهي وسيلة مهمة في التغير السياسي، والتعبير عن المنافع الاجتماعية التي يطرحها المجتمع وتهتم بها الدولة. من هنا فإن الثقافة هي حلقة ثلاثية الأضلاع :
فرد ــــــــــــــــــــ طبقة ــــــــــــــــــــ مجتمع
هذه الحلقة رأسها الفرد الذي هو جزء من طبقة – أيًّا كان نوع الطبقة- يصل إلى مجتمع، عَبْر حلقات متباينة من الطبقات تتداخل أو تتماس دوائرها لتخرج المنظومة المجتمعية التي يُنتَج فيها العمل الذي يعَبِّر عن هذه الطبقات، وتوظَّف – دخل العمل- الموتيفات الخاصة بكل طبقة.
ومن خلال هذه الرؤية وعَبْر رصد لأفلام شاهين وسمبين نجد التالي:
1- حضورٌ طاغٍ للتكوين المجتمعي والبنية المجتمعية الإفريقية، فننجد حضورًا طاغيًا للمتوَفِّين، وسطوتهم داخل العمل، صراع في الوادي لشاهين، وفي مولي عَبْر العُرف المتوارث عن الأجداد. وعَبْر غيرها من الأفلام، كما نجد أنه في المرتبة الثانية الشيوخ كبار السن، ورجال الدين، ثم الأطفال.. بكل ما يحمل الطفل من رمزية مستقبلية.
2- حضور المُعتَقَد الديني، سواء بالرفض أو الإيجاب، وموقف رجال الدين من العلم وتطور المجتمع.
3- حضور الثقافة الشعبية، فنجد الأزياء تعَبِّر عن واقع المجتمع وطبقاته لديهما.
4- توظيف تقنيات الأداء الشعبي (الموسيقى- الرقص- الغناء) وغيرها من سُبُل الأداء.
5- رَصْد البيئة المحلية ومشاكلها، وكمِّ التناقض بين ما تريد وما تربَّتْ عليه.
6- رصد كل من عثمان سمبين ويوسف شاهين الطبقاتِ الشعبيةَ في مجتمعهما، وكيف يتم ممارسة العنف عليها.
7- رصد لموقف المجتمع من المرأة ورفضها لهذا الموقف وخاصة في حال سقوط ظلم عليها.
8- رصد لموقف المستعمر من الفرد الإفريقي فتاة من الـ.. لسمبين، وودعا بونابرت لشاهين. ...ألخ
لقد سعى كل من سمبين وشاهين إلى الحلم بمجتمع يحترم الآخر ولا يرفضه، مجتمع يعود إلى جذوره الحقيقة وإلى القوة الحقيقية الكامنة بداخله عَبْر الميراث الثقافي الغير عادي لذي يحمله المجتمعان – السنغال و مصر-
أخـيـرا..
نحن أمام منطقتَين جغرافيتَين مختلفتَين من حيث البنية البيئية، والمجتمعية، ومن حيث التكوين الثقافي، لكن وبرغم اختلاف المنطقتَين الثقافيتَين.. نجد اتفاقًا في الكثير من القيم ومن العادات والتقاليد.. يعود هذا إلى:
1-كونهما ثقافتَين نهريتَين.
2- الخضوع للمستعمر وعبثه بمقدرات هذه الشعوب.
3- لطبيعة تكوين البنية المجتمعية شديدة التشابه بحكم الانتماء إلى قارة واحدة لم تقسَّم إلى دوليات إلا مع طمع المستعمر ووفق أهوائه.
لقد عشق كل من عثمان ويوسف بلدَيهما لدرجة الجنون بها، وحلما بتغيير واقع مجتمعيها إلى الأفضل عَبْر تعرية المجتمع وطرح حلول ورؤية استشرافية لمستقبل البلدَين، بالوسيلة التي امتلكها كلُّ منهما شاهين بالكاميرا، وسمبين بالقلم، ثم بالكاميرا، لتكون المعزوفة، سينما خاصة تركت أثرها في عقل ووجدان المشاهِد في السينغال ومصر، وجعلت العالَمَ يقف احتراما لهما ولما أنتجاه.

الخاتمة
إن حقبة ما بعد الكولونيالية، تقف حاضرة أمام المثقف الإفريقي، كما تقف حجر عثرة أمام المواطن الإفريقي العادي الذي لا يعى إلا احتياجاته، من هنا كان خطر المنتَج الثقافي، وخاصة مع تفعيل اتفاقية الجات من عام 1993، ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية، فرض الكثير من القيود لحماية صناعتها السينمائية، في مقابل صناعة سينما أخرى ناشئة، يجعلنا نقف وقفة جادة كأفارقة في محاولة لوقف هذا الغزو، خاصة في ظل، السيطرة الثقافية التي تُفرَض.
عند تأمُّل حال السينما وصناعتها في إفريقيا نجد ما يفرح وما يبكي في آن، نحن أمام دول شابَّة تحاول النهوض منذ خروج آخر جيش مستعمر من إفريقيا 1965، ليعود هذا المستعمر في إطار آخر، عَبْر فرض ثقافته وهويته الفنية حتى على ما ينتَج من منتَج ثقافي، وهنا أحدد هذا المنتَج بالسينما، وتحديدا السينما الطويلة.
هناك صناعة سينما وليدة في إفريقيا السمراء، يتم محاربتها عَبْر نقص الإمكانيات، وحال السينما في الشمال الإفريقي ليس بأفضل من جنوبها، فالسينما هناك وصناعتها تمر بأزمات لنجد أنه وفي بعض الدول هناك مخرِجين بين الفيلم الأول والثاني عشر سنوات، وربما أكثر، في المقابل نجد صناعة السينما في مصر وهي أقدم دول إفريقيا، في التعامل مع هذه الصناعة تمر أيضا بمشاكل عَبْر فرض سيطرة رجال الأعمال غير الواعين بأهمية هذه الصناعة (السينما)، وعَبْر فرض سيطرة سينما النجم الأوحد على المنتِج، مع ضعف في النصوص، وعدم تطوير آليات الإنتاج والتصوير، فما تزال المُعِدَّات بدائية وغير متطورة، في مقابل تطور تقني غير مسبوق على مستوى الصناعة عالميا، مع سوق تعاني من سوء توزيع، وبيع للأصول من ستديوهات ومعامل الصوت..إلخ
نحن هنا أمام أزمة حقيقية تعاني منها صناعة السينما كمنتَج ثقافي قادر على اقتحام العقول بطريقة غير مباشرة، رغم أننا لو تكاتفنا كقارة وتجاذبنا الخبرات لحدث فرق شاسع في حال هذه الأزمة..نعم ليس من السهل تقبل السينما الإفريقية في مصر، بحكم عدم معرفة الغالبية العظمى لها، فبرغم المعرفة بالسينما المغربية، إلا أنه لا يزال حاجز شريط الصوت حجر عثرة أمام وصول هذا الفيلم للمتفرِّج العادي.
من هنا كان لازما على المعنِيِّين بالثقافة في مصر
1-البدء بعرض الأفلام الإفريقية من شمال القارة وجنوبها عَبْر تفعيل فكرة أسابيع الأفلام، ليكون هناك حراك ثقافي.
2- بدء التواصل مع صُنَّاع السينما في القارة، واستضافتهم في المهرجانات المختلفة، والتعريف بهم.
3- تفعيل البروتكولات الثقافية الموقَّعة بين مصر ودول إفريقيا.
نحن كدول إفريقية لدينا من الإشكاليات الثقافية ما لا يُحصَى، وفي ظل ما بعد الكولونيالية، وما تعانيه الثقافة الإفريقية، من مشاكل داخل بِنْيَة الدولة الواحدة، وخاصة في دول ما بعد الصحراء، برغم من وحدة النسيج الإفريقي، وتراكماته المعرفية المتقاربة، عَبْر تحوله "من مجتمع قائم على فكرة الجماعة ، أو التجمع، إلى مجتمع يحتاج إلى عنصرَي الاستقرار والزمن، وهذان العنصران ينطويان على عمليتَين أساسيتين: الأولى تتمثل في تكيف السلوك وتنظيمه في الأفراد الذين يؤلِّفون الجماعة. والثانية نجد تغيرها في تطور الوعي الجماعي و"روح الجماعة" وهو ما يتبعه عادة ازدياد في اعتماد أفراد الجماعة بعضهم على بعض وتطور في المواقف التي يتعودونها وفي نماذج السلوك بين الأفراد"(15).
إن ما سبق ليس غريبا ولا مستبعَدًا عن طبيعة المجتمعات الإفريقية ثقافيا ومجتمعيا، فهي مجتمعات قائمة على التعاون بين أفرادها، إذن أين تكمن مشكلة هذا الصراع الدموى الذي يقوم بين أفراد المجتمع الواحد، وبين الدول وبعضها البعض؟!
نحن إذا بحاجة إلى تفعيل رؤى ثقافية نابعة من داخل المنظومات المجتمعية الإفريقية، عَبْر طرح قيم وعادات هذه المجتمعات، وجعلها أساس منطلقاتنا الثقافية، عَبْر محاربة القيم المتهرِّئة بداخل المجتمع، بقيم مقابِلة من إنتاج المجتمع نفسه، صالحة لدحر هذا التهرؤ، ورأب الصدع بين المنظومات المجتمعية المتباينة.
من هنا كان دور الفن "السينما" عَبْر لغته غير المباشرة في تفعيل هذه القيم وطرح قيم بديلة نابعة من المجتمع، تفعيل ثقافة الحرية التي لا تقتصر على الانتهاء من الضغوط الخارجية بل هي بلوغ النضج السياسي الواعي بالمسئولية الأخلاقية؛ فالحرية تشمل القدرة على اختيار المبادئ بناء على تفكير عقلاني، والقدرة على التفكير العاقل والاختيار، تتضمن القدرة على فهم اختيارات الجماعات الأخرى(16)، وهذا ما طرحه كل من يوسف شاهين عَبْر أفلامه، كما طرحه عثمان سمبين أيضا.
في النهاية تبقى للثقافة الإفريقية خصوصيتها التي تميزها عن باقي الثقافات، والتي لا بد من احترامها من قبل الإفريقي ذاته، وغرس هذا الإحترام بداخلة منذ الطفولة، إن دائرة الثقافة هي رحيق مجمَّع من زهور الفن وفضاء كل إبداع، على المستوى الفردي في التنشئة، والذي ينتج عنها بالتالي مستوى جماعي، والثقافة في النهاية هي حصيلة فعل جماعي، مزج بين الموروث، وبين ما يتعلمه المجتمع، عَبْر آليات ينتجها المجتمع على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي؛ إنه الفعل الثقافي الموصِّل لنهوض المجتمع وتطوًّره وفق القيم والنُّظُم التي يريدها، عَبْر تفكيك النظم القديمة وطرحها على طاولة البحث، بمنهجية علمية غير اقصائية لأي عنصر من عناصر المجتمع ليكون نهوض المارد الإفريقي مرة أخرى وبشكل حقيقى ينبع من داخله، يتفهم احتياجاته، وليس مفروضا عليه عَبْر نُظُم العولمة، وعَبْر نظم من السيطرة الصامتة عَبْر فرض اقتصاديات تدميرية لبِنَى المجتمعات الأفريقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1)- منال فاروق، الحكاية الشعبية ودورها في عملية الضبط الاجتماعي داخل القارة الإفريقية، ورقة بحثية مقدمة لمؤتمر تفاعل الثقافات الإفريقية في عصر العولمة، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة من 10- 13مايو/ أيار 2010.
(2)- فاروق عبد الجواد شويقة وآخرون، الموسوعة الإفريقية، المجلد الرابع "الأنثروبولوجيا"، القاهرة: جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، مايو /أيار 1997، ص25.
(3)- أحمد أبو زيد، البناء الاجتماعي مدخل لدراسة المجتمع، الجزء الأول "المفهومات"، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب1980، ص9.
(4)- هوبير دنسان، الديانات في إفريقيا السوداء، ترجمة: صادق حمدي، القاهرة: دار الكتاب المصري 1956، ص28-30.
(5)- أبو زيد، مصدر سبق ذكره، ص 35 وما بعدها.
(6)- المصدر السابق، ص199.
(7) أحمد أبو زيد، البناء الاجتماعي مدخل لدراسة المجتمعات "الأنساق"، القاهرة: دار الكتاب العربي 1967، ص481.
(8)- جلال أمين يُنظَر إلى:
- عصر الجماهير الغفيرة 1952-2002، ط1، القاهرة: دار الشروق، 2003.
- ماذا حدث للمصريين؟ ط9، القاهرة: دار الشروق، 2009.
- مصر والمصريون في عهد مبارك، ط2، الشروق، 2010.
(9)- جمهورية السنغال،وثيقة "الفرص الاستراتيجية القطرية"، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، المجلس التنفيذي، روما: الدورة الحادية والثمانون 21-22 إبريل/ نيسان 2004، ص 12.
(10)- المصدر السابق.
(11)- يُنظَر إلى:
• محمد سعيد العمور، مظاهر الفساد في النشاط الإقتصادي لدول مجموعة (سي.دي.او)، ورقة بحثية تمهدية، جامعة النيجر.
• مشاكل الشيعة في السنغال على الموقع الاكتروني: http://www.fnoor.com
• المجتمع موقع المسلمين في العالم: http://magmj.com/index.jsp?version=106
• (منظمة هيومان رايتس ووتش )عن استغلال الأطفال في مراكز تحفيظ القرأن في السنغال: http://syriapromise.wordpress.com
• Site maintained by Molly Robinson Kelly, [email protected]
• سمية عريشة، استغلال الأديان في صناعة الأزمات السياسية: السنغال نموذجا؟! الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org
http://www.unicef.org/arabic/index.php
• هيئة الاستعلامات المصرية: http://www.sis.gov.eg
(12)- يُنظَر إلى:
http://www.elcinema.com/person/pr1009693/ph123482076
• مجموعة حوارت أجريَتْ مع شاهين مجموعة من المجلات والصحف المصرية منها صباح الخير، العدد 2739، يوليو 2008
(13)- ينظر إلى الموقع الشخصي للمخرج عثمان سمبين: http://www.mtholyoke.edu/courses/sgadjigo/
وأيضا:
http://www.universcine.com/auteurs/ousmane-sembene

وأيضا: صحيفة الجارديان تنعي عثمان سمبين على الموقع:
سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com
وغيرها من المواقع المختلفة العربية، والدولية التي تناولت أعمال سمبين بالنقد والتحليل.
(14)- مايك فنزرستون، ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة، ترجمة: فريال حسن خليفة، مراجعة: فتحي عبدالله درَّاج، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، سلسلة العلوم الإجتماعية،2010، ص156.
(15)- عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الثقافة المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، فبرير/ شباط 2006، ص42.
(16)- ماري تريز عبد المسيح، الثقافة القومية بين العالمية والعولمة، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، سلسلة : العلوم الاجتماعية 2009، ص39-40.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا