الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العربي الرسمي و سراب الاصلاح الذاتي

نزار جاف

2005 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


التطرق الى مفهوم الاصلاح يقود من حيث نريد أو لا نريد الى إقتران الاصلاح بأبعاد فکرية ـ إجتماعية ـ إقتصادية ذات جذور غربية، لها (بالضرورة) إرتباط قوي بمصالح دولية معينة، وهذا الارتباط جعل من موضوع الاصلاح(بالمفهوم الغربي) أشبه بالوباء الواجب إجتنابه(کما طرحه و يطرحه الکثير من الکتاب و المحللين السياسيين العرب و الايرانيين وحتى بعضا من الاتراک)، والمسوغات التي تطرح لرفض الاصلاح على النمط الغربي ترتبط کما أسلفنا بالمصالح الغربية، وأنها (کإستطراد مفيد) تسير في سياق يحفظ بإنتظام تلک المصالح و يراعيها بالصورة المطلوبة. وقد کان الارتباط الوثيق بين الغرب"خصوصا أمريکا" وإسرائيل، شماعة اخرى لتعليق مبررات الرفض العربي(والاسلامي) لمفهوم الاصلاح على النمط الغربي. ولم تکن حالة الرفض القوية التي سادت الاوساط الفکرية و الثقافية و السياسية العربية و الاسلامية عند إطلاق مشروع الشرق الاوسط الکبير، إلا تجسيدا حيا لما ألمحنا إليه آنفا. لکن الامر الغريب و اللافت للنظر أن الکثير من الکتاب و المحللين العرب الذين کانوا يتقاطعون دوما مع أنظمة بلدانهم السياسية، عادوا تحت خيمة الرفض العربي للاصلاح على النمط الغربي ليضموا صوتهم الى صوت الانظمة التي تشدد بقوة(کلامية فقط) على رفض ذلک النمط من الاصلاح و تؤکد على أهمية الاصلاح النابع من ذات الدول لا المفروضة عليها قسرا. ولم يکن الاعلام الغربي مخفقا حين أشار الى أن إلتقاء النظام العربي الرسمي و شارعه الثقافي ـ الفکري هو لقاء عاطفي بحت لايستند على أية مقومات فکرية أو سياسية، بل وأننا نزيد على ذلک أن کلا الطرفين (لحد الان) لم يطرحا بشکل واضح و جلي مشروعيهما للإصلاح أو لم يتفقا على صيغة وسط لمشروع إصلاح طموح للمنطقة. وواقع الامر أن النظام العربي الرسمي (وحتى الاسلامي) قد بني على أسس عشائرية قبلية تمجد لسلطة و إرادة و قدرة الفرد الواحد و تجعله حالة هلامية متسامية على کل ماهو سائد و مألوف في الواقع. الزعيم العربي إذا تکلم أو أشار الى مسألة معينة فأن الماکنة الاعلامية (المکبلة أصلا بقيود النظام الرسمي) تتکلم و تشير وفق السياق الذي يتفق و يوالي الزعيم، ومايحدث اليوم في الکثير من الدول العربية تحت برقع الاصلاح يؤکد هذه الحقيقة. ولاغرو أن النظم العربية التي ترتکز جميعها على بنى قبلية و عشائرية في مبدأ الحکم ممنوح لها أساسا من دول إستعمارية کانت في المنطقة لفترات خلت، ورغم أن بعضا من تلک الانظمة قد إجتاحتها موجة من الانقلابات العسکرية جاءت هي الاخرى بنظم لاتختلف في جوهرها و محتواها الاساسي عن النظم التي أسقطتها بقوة العسکر. وبديهي أن مثل هذه الانظمة سوف لن يکون بالهين عليها أن تتعاطى تلقائيا لعملية بتر ذاتي لبناها الفکرية ـ الاجتماعية بدواعي من المصلحة العامة! إلا أن المسألة الاهم التي تطرح نفسها کحقيقة مهمة (ولاسيما للکتاب و المثقفين العرب) هي : هل أن إفشال و وأد مشروع الشرق الاوسط الکبير يعني بالضرورة تجنيب البلاد العربية من المصالح الغربية ؟ الجواب قطعا سيکون بالنفي، ذلک أن النظام العربي الرسمي أساسا يتعاطى (سواءا بصورة مباشرة أو غير مباشرة) مع المصالح الغربية بل و أنها في حاجة ماسة في کثير من الاحيان الى تلک المصالح!! ثم أن الوقوف بوجه مصالح معينة يحتاج بالضرورة أن تکون لک مصالح ذاتية قوية تعتمد على بنى تحتية محکمة وهو أمر يفتقده تماما النظام العربي. أن سبب الازمة و سر تفاقمها يرتبطان أساسا بنظام رسمي مشلول إقتصاديا و سياسيا و فکريا، وهو مع إحساسه بالفشل و التراجع فإنه يصر على البقاء و التشبث بالسلطة ويحاول التشبه بالاميبا في معاصرته و ملائمته للظروف و الاوضاع المختلفة متناسيا أن العامل الزمني في عملية التأريخ لن يسير على سياق خط درامي مستقيم، بل سيکون في أحيان عديدة ذو سير دائري يصعب السيطرة عليه. ولابد من القول أن الوضع الدول الحالي و مناخه الفکري ـ الاجتماعي لايوفر بيئة صحية مناسبة لإستمرار النظام العربي الرسمي بصيغته الحالية بالحياة وهو أمر يدرکه النظام العربي نفسه ومن هذا المنطلق جاءت دعواته "الحذرة و المحدودة" للإصلاح الذاتي! وهي في أساسها مجرد ذر الرماد في العيون، إذ أن الاصلاح الحقيقي يتطلب أول مايتطلب خطوات فعلية جادة بإتجاه أهداف مرسومة على أرض الواقع وليس رص کلمات و جمل طنانة ترافقها تغييرات شکلية في بعض المناحي و تسويق ذلک على أنه الاصلاح کما حدث و يحدث في مصر و اليمن و سوريا و الکويت و السعودية على وجه التحديد. وقد يکون المأزق السوري في لبنان وتداعياته الوخيمة على مستقبل نظام الحکم السوري نفسه(وإنعکاساته على النظم الاخرى) بمثابة الغيث الذي أوله قطر ثم ينهمر. ولاسيما وأن نبض الشارع اللبناني بخطه العام يؤکد رغبته بإصلاح البيت اللبناني(وعلى نمط متناغم مع الرغبة الغربية) وهو أمر من حق القادة العرب أن يقلقون منه، إذ قد يعيد تکرار تجربة شبيهة بتلک التي جرت مع النظم السياسية القمعية لأوربا الشرقية و الاتحاد السوفياتي السابق. لکن الذي قد يقف حائلا دون تنفيذ هذا الامر(وقتيا) هو الموقف المتصلب للحکومة الاسرائيلية من عملية السلام مع الفلسطينين و إستمرارها بسياستها الخاطئة في مجال الاستيطان في الاراضي الفلسطينية. والحق لو تيسرت الاجواء لسلام عادل و دائم و شامل في المنطقة بين الفلسطينين و الاسرائيلين، لکان ذلک کفيل بکشف عورة النظام العربي الذي تاجر طويلا بالقضية الفلسطينية و جعلها مبررا و حتى مخدرا لإسکات الشعوب العربية على کل السلبيات الموجودة في الساحة. ولعل إجراء حسابات دقيقة للضرر الذي ألحقته مغامرات کل من صدام حسين و العقيد القذافي ببلديهما و بشعبيهما تبين حقيقة عمق مأساة الدول التي ترزح تحت سلطة فرد مستبد يحکم بنزواته و أهوائه بعيدا عن کل الشرائع و القوانين. أن مصيبة البلدان العربية هي أنها تنتظر العون و الغوث من جلاديها و سارقي قوتها و سالبي حريتها، ولذلک فأن الاصلاح المطلوب کحاجة ملحة لمعالجة الواقع العام المتردي للمنطقة، سيکون بمثابة الحلم الصعب التحقيق، وخصوصا إذاما تم إنجاز ذلک الاصلاح من قبل خبراء و ذوي إختصاص.

کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة