الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: هل لعبت الفلسفة دوراً ما في الربيع العربي؟ الفلسفة من تأويل العالم إلى تغييره.

خلدون النبواني

2013 / 2 / 10
مقابلات و حوارات



من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -98- سيكون مع الأستاذ د. خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر - حول: هل لعبت الفلسفة دوراً ما في الربيع العربي؟ الفلسفة من تأويل العالم إلى تغييره.
 


ماذا يمكن للفلسفة أن تُقدِّم للسياسة؟

ماذا يمكن للفلسفة أن تُقدِّم لعالمها أو لعصرها؟ وإذا كان الجواب: لا شيء، فإن السؤال يُصبح عندها: ما الفائدة من الفلسفة إذن؟ كما كان الحال عليه دائماً في تاريخ الفلسفة، وحدهم كبار الفلاسفة هم من يُقدِّمون أجوبة مختلفة على نفس السؤال. هكذا فقد أجاب هيغل مثلاً على مسألة دور الفلسفة في مؤلفه الشهير "مبادئ فلسفة الحق" بما يلي: " إن بومة منيرفا لا تفرد جناحيها إلا بعد أن يرخي الليل سدوله". بهذه النظرة يصور هيغل الفلسفة بوصفها تأتي لاحقة على الحدث، بل وبعد فوات الأوان وهو يؤكد ذلك باستطراده أن الفلسفة لا تظهر " إلا بعد أن يُكمل الواقع سيرورة تعيُّنه". الآن لو قبلنا بما طرحه هيغل من لاحقية الفلسفة على الواقع فإن السؤال يظل مطروحاً: إذا كان الحال كذلك فماذا يمكن للفلسفة أن تُقدِّم لعصرها وعالمها الذين تأتي متأخرة عنهما بخطوة؟ يجيب هيغل على هذا السؤال بقوله إن الفلسفة بوصفها "فكرة العالَم" لا تستطيع أن تقدِّم أكثر من وصفٍ وفهمٍ وتأويلٍ للعصر الذي وجدت فيه.
لن تروق فكرة هيغل هذه عن دور الفلسفة كثيراً لماركس الذي لم يكن مقتنعاً بأن هذا الدور يقتصر على محاولة فهم العالَم فلقد كان ماركس يريد للفلسفة أن تضطلع بدورٍ أكثر عملية. لقد كان في الواقع مؤمناً بأن على الفلسفة أن تساهم في تغيير العالم أيضاً لا الاقتصار على فهمه. في أطروحته الحادية عشرة حول فيورباخ يوضح ماركس فكرته هذه بالقول: "لقد قصر الفلاسفة دورهم على تفسير العالم بطرق عدّة، بينما المهم هو تغييره".
في حين تلحق الفلسفة بالواقع وفقاً لهيغل وتلتزم بتغيير عالمها وزمانها الحاضر وفقاً لماركس، فإنها تأتي دائماً في غير أوانها بالنسبة إلى هيدغر. في كتابه "مدخل إلى الميتافيزيقا" يؤكد هيدغر على أن "أي تساؤل جوهريّ للفلسفة يكون بالضرورة في غير أوانه. وهذا إما لأن الفلسفة تجد نفسها مُلقاة أمام حاضرها الخاص، وإما لأنها تربط هذا الحاضر مع ما برح كائناً في البداية وفي الأصل."
بالإضافة إلى هذه الوظائف الثلاث للفلسفة: نظرية (هيغل)، وعمليّة (ماركس)، وتبشيريّة صوفيّة (هيدغر)، فإنه يمكن لنا أن نستشهد أيضاً بوظيفة أو بالأحرى بلا وظيفة الفلسفة التي يقدمها لنا الفيلسوف النمساوي لودفيغ فتجنشتاين. إن الفلسفة وفقاً لهذا الفيلسوف تظل بلا حول ولا قوة إزاء عالمها وزمنها. من هنا فهو يُصرّح في كتابه "بحوث فلسفية" : " إن الفلسفة ببساطة تضع كل شيء أمامنا وهي لا تُفسِّر ولا تستنتج شيئاً؛ وبما أن كل شيء ملقىً أمام ناظرينا، فليس هناك شيء ليُفسِّر". ولأن فتجنشتاين يؤمن أن الفلسفة "تترك كل شيء على حاله"، فإنه ينصحنا بالقول: " لا تفكروا، ولكن انظروا".


الربيع العربي وأطياف ماركس...|

قبل الربيع العربي ومنذُ سقوط جدار برلين أُصيب اليسار بالعموم والفكر الماركسي بالخصوص بحالة تفكك وضياع للبوصلة فراح يعيد بناء نفسه من جديد، ليس بوصفه يساراً ماركسياً بالضرورة وإنما راح يعمل على إعادة ترتيب أفكاره مع متغيرات العالم التي صارت تشهد تحوّلاً مُتسارعاً لا يستجيب لتنبوءات الماركسية دائماً. لم يكن هذا التحول برأيي الشخصي سلبياً، بل هو ماركسيّ أصيل بأحد وجوهه وذلك بإعادة قياس الفكر على الواقع الجديد. لا شك أن بعض توجهات الماركسية ما بعد ماركس قد سبقت في نقدها له عملية تفكك الاتحاد السوفييتي بزمن طويل بل وكانت معادية للماركسية الستالينية أو الماركسية الأرثوذوكسية. لقد قامت بتلك المراجعة، على سبيل المثال لا الحصر، مدرسة فرانكفورت وقبلها فعل جورج لوكاتش "في التاريخ والوعي الطبقي" وكارل كورش في "الماركسية والفلسفة" وسارتر الذي شهدت علاقته مع الفكر الماركسي تقارباً وتنافراً غزلاً ونقداً ثم لوي ألتوسير في قراءته التجديدية لرأس المال. على عكس رأي صادق جلال العظم في كتابه "دفاعاً عن المادية والتاريخ" الذي انتقد فيه هذه الحركات والتوجهات لابتعادها عن فلسفة ماركس، فإنني أجد فيها غنىً وثراءً وفهماً لحركة التاريخ وكسراً لقداسة أي فكر يمكن أن يتحول إلى دين دوغمائي وتغدو كتبه نصوصاً مُقدّسةً لا تُناقش ويمسي مفكريه أنبياءً أو ربما آلهةً معصومة عن الخطأ.
أياً يكُن فقد تراجعت ومنذ الحرب الباردة الكثير من الأفكار الماركسية كفكرة الثورة إلى التي رُكنت على رفوف التاريخ وصارت كما لو أنها من مفردات زمنٍ مضى ولن يعود فالتاريخ قد انتهى كما أدلج لذلك فوكوياما مثلاً وصارت توجهات الفلسفة العملية تُركز أكثر على مفاهيم السياسة في مرحلة العولمة وفلسفة القانون ومفاهيم الديمقراطية التي لم تكن مطروحة فعلاً في الفكر الماركسي عموماً.
في العالم العربي كان الوضع أكثر تراجيدية فاليسار صار مع سقوط المنظومة الاشتراكية بمجمله يميناً وهامش التفكير في ظل أنظمة الاستبداد جعلته يؤمن بأن فكرة تغيير الأنظمة عبر الثورات ما هو إلا مُعجزةٌ إلهية وزمن المعجزات قد انتهى. مع حالة الانكسار السياسي وغياب أي مشروعٍ قومي عربي والإحساس اللإنسان العربي بالمهانة والذل لم يبقَ أمامه سوى القاع الديني الشعبي وفعلاً كما قال ماركس ازدهرت السماء عندما ابتأست الأرض. وقد صار (ما وصفته في أحد كتاباتي بتلميح لماركس) شبحاً للسلفية الدينية يهيمن على العالم العربي وبعد أن كان سباق التسلُّح هو السائد في فترة الحرب الباردة صار (ما وصفته في نص آخر) سباق التديُّن هو المهيمن وبخاصة في عالمنا العربي اليائس آنئذ.

ولكن فجأةً حدثت المُعجزة، ولكن ليست الإلهية وإنما الشعبية عندما قامت ثورة الياسمين في تونس لتفتح الباب على مصراعيه أمام المُضهدِين والمهمَشين والمسحوقين والمُهيمن على مُقدراتهم والمسلوبين نتاج عملهم على يد عائلات مافيويةعسكرية تدير البلاد العربية كما لو كانت مزارع لها. مع الربيع العربي تُطلُ مفردات ماركس من جديد كما لو أن هذا الربيع قد أعاد الروح فيها وإليها. ليس ماركس القرن التاسع عشر من يعود وإنما أطيافه أو أشباحه (لو استعرنا مفردات دريدا) لتسكُن الخطاب الفلسفيّ. ليس شبح ماركس العائد إلى الخطاب الفكري العربي بشكل مقصود أو غير مقصود واعٍ أو لا واعٍ هو شبح الأب بمفهومه الفرويدي أي الأب المقتول، ولكن الذي يستمر بفرض قوانينه عبر إحساس أبنائه بالذنب نتيجة قتله وإنما شبح ماركس بالمعنى الذي أعطاه شكسبير لهاملت الأب الذي تعود أشباحه متفلتة من الزمن لتُذكِّر هاملت الابن بضرورة الانتقام لقتله. إن المعنى الرمزي الذي أقصده هُنا هو قتل الشعب الأب في السياسة الديمقراطية: مصدر السُّلطات والتشريع. انتقام هاملت الابن لأبيه مِن قاتِله ما هو إلا شبح الشعب المقتول العائد ليقتص من الطغاة الذين تآمروا عليه وقتلوه في حالة الربيع العربي. مع الثورات العربي نُدرك من جديد أنه ليس هناك فكر يُمكن أن يُعبِّر عن الشعوب المقهورة بقدر ما تستطيعه مفردات ماركس والماركسية. ولكن لننتبه فالعودة إلى ماركس يجب أن تكون كالثورة انتقالية ومرحلية وجسر نعبر عليه لا أن نستوطن فيه. أطياف ماركس العائدة هي أطياف عودة الروح للفكر الفلسفي العربي ليس بصيغته الماركسية فقط وإنما استعادة الثقة بقدرة الفلسفة على تغيير العالم وقدرتنا كعرب على الثورة وعلى الفلسفة أيضاً من هنا دفاعي عن لقب فيلسوف وعدم الخوف منه.
الفلسفة العملية، كالفلسفة الماركسية مثلاً، لا تحتزل برأيي الفلسفة وإنما هي القدم الأُخرى للفلسفة التيي تسير برجلين اثنتين: عملية ونظرية وهي إن تخلّت عن أحداهما لعاشت عرجاء أو عاجزة. وعليه، لم يكن هيغل مُحقاً تماماً بقصره دور الفلسفة على فهم العالم، ولم يكن ماركساً على صواب كُلياً عندما وافق على فكرة نهاية الفلسفة مع هيغل وطالب بدورها فقط في تغيير العالم.


دور الفلسفة التراكمي:

ولكن لننتبه أنه حتى ولو أرادت الفلسفة تغيير عالمها فإنها لا تحققه بشكل ثوري وإنما تراكمي. الثورة بوصفها مكوِّن من مكونات ثقافة أية أُمة بل وبوصفها، رُغم خصوصيتها، مكوّن عالمي كالرياضيات مثلاً لا تقتصر على شعب دون غيره فهي تُساهم مع الزمن في التمهيد للتغيير وتمكين المجتمع بشكلٍ أو بآخر من أدوات الفكر النقديّ. فلو أخذنا مثلاً الشعارات التي سمعناها في الشوارع التي قامت بها الثورات العربية من أُناس "عاديين" أو اللافتات التي رفعوها أو حتى آراء الناس "البُسطاء" الذين لم يحترفوا الثقافة لوجدنا أنهم يتحدثون بمفرداتٍ عملت الفلسفة على تأسيسها عبر الزمن وبطرُق مختلفة. فمثلاً شعارات الحرية والديمقراطية والدولة المدنية والمساواة وسيادة الشعب والدستور والانتخاب وسيادة الدولة والشرعية والبرلمان وانفصال السلطات والتداول السلمي للسُلطة والأمم المتحدة والثورة الخ الخ تُرفع كلافتات في الشوارع ويتكلم بها الناس غير المختصين بالفلسفة ولكن هذه المفردات الفلسفية الأصل التي صارت بوصلة ومعياراً وموجهاً في الربيع العربي هي نتاج فلسفي أصيل نطق بها الفلاسفة وحلموا بتحقيقها يوماً في مدُن فاضلة صارت واقعية بحدود المُمكن في هذا البلد أو ذاك وفي تلك الحضارة أو ذلك الزمن.
إنها أشباح الفلاسفة التي تسكن لا وعينا منذ ديمقراطية الأغريق وصولاً إلينا. إنها ليست فقط أشباح ماركس ـ وإن كان شبحه هو الأكثر حضوراً في التنظير الفلسفي للربيع العربي ـ وإنما أشباح مونتسكيو، وروسو، وفولتير، وكانط، ونيتشه، وماركس، وفوكو، وهابرماس ودريدا. وهي كذلك أطياف ابن رشد، وعبد الرحمن الكواكبي، وقاسم أمين، وفرح انطون، ومحمد عبده، وطه حسين، وشكيب أرسلان، وعبد الله العروي، وصادق العظم، وطيب تيزيني، ونوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي ورجاء بن سلامة وعزمي بشارة الخ من هذه القائمة.
كل هؤلاء كانت أشباحهم تطوف الشوارع الخارجة على الطغيان وكانت تُشارك في كتابات اللافتات وصوغ التوجهات وإدارة الحوارات...

كلمة أخيرة. كلامي هذا يرى بلا شك بعين واحدة، ولكنني أردتُ أن أشير إل الدور الخفي، ولكن الأساسي للفلسفة في الربيع العربي. العين التي لم أتحدث هنا عمّا تراه فهي تلك العين التى ترى أشباح الماضي السلفيّ وقد اكتست لحماً ودماً واكتسحت الشارع...
يظل السؤال هل سيكسب من جديد الغزالي السلفي معركته ضد ابن رشد العقلاني؟ ربما في الجولات الأولى فقط فربيعنا سيزهر مع الزمن وعندها لن تعود الفلسفة مرذولة في ثقافتنا فبدونها ليس للسفينة من شراع...
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اراهنية الابداع العربي
محمدسالم هيبة ( 2013 / 2 / 11 - 01:57 )
ما يقدم به الاستاذ الحوار يدفعني للقول بموت الفلسفة في عالمنا العربي , فنحن لسنا في حاجة لماركس بل بحاجة لكانط الذي يوجهنا لرفض الوصاية وصاية الماركسية ووصاية السلفية, وأول شروط الفلسفة هو الابداع ورفض التقليد والانغماس في الارتودوكسية الماركسية واذا بقينا ندور في جبة ماركس فلايمكن لنا أن ننتقد من يلتحف بجبة الغزالي رغم أن الغزالي ينغرس في واقعنا وينطلق من هويتنا وتربتنا , لماذا انطلق اليابانيون لانهم رجعوا لما هو مجيد في تراثهم ,والمفكرون يشبهون تلك السيدة الفرنسية التي فقدت ثقتها في البشر قبل قيام الثورة الفرنسية وأعمتها الشجرة عن رؤية الغابة .كل النقاشات والاغناءات للفلسفة الماركسية من لينين الى التوسير لوكاش وحتى غرامشي هي بالاساس مسار تطوري غربي اذا استطعنا بلعه بالببغاوية فلن نتجاوز تحليلات طيب تيزيني أو صادق جلالال العظم , لذا فارتباط الابداع بالحرية يجرنا الى نقد ذاتي يدفعنا لقبول الاخر فهو على الاقل من أبناء جلدتنا والانغماس معه في ماسيه وأحزاته أو على الاقل اعطاءه الفرصة للحكم و التجريب فالتماهي مع الانتاج الغربي الذي قد يكون انسانيا لن يقدمنا للامام بل للرحوع لنصيحة غرامشي عندما زار تونس وشاهد الجمهور متحلقا حول خطيب جمعة فقال أنه لو كان عربيا لناضل ليصل لذلك المنصب لتمريرأفكاره................. · نٍ


2 - رد الى: محمدسالم هيبة
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 10:28 )
الأستاذ العزيز محمد سالم هيبة أودُ أولاً أن أشكرك على القراءة والاهتمام والتعليق، ولكن اسمح لي بأن أعبر لك عن شعوري بسوء فهم لمسته من خلال تعليقك. النقطة الأولى تتعلق بماركس فأنا لم أقل أبداً أن الفلسفة هي ماركس وتختزل في الماركسية. ولكي أوضِّح وجهة نظري سأحيل إلى حواري مع صادق جلال العظم الذي نُشر على موقع الأوان بتاريخ 4 أكتوبر 2009 وهذا رابطه
http://www.alawan.org/%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85,5960.html
ثم أعدتُ نشره في كتابي -في بعض مفارقات الحداثة وما بعدها- الذي صدر عام 2011 وهذه أسلتي الاستنكارية للعظم حرفياً :
ـ -كان العظم يمثّل واحداً من أبرز أساتذة قسم الفلسفة في جامعة دمشق. أتذكّر- أنا الذي دخلت ذلك القسم في أواسط التسعينات – تلك الحالة من الأيديولوجية الماركسية بفقهها وشيوخها وكتبها المقدَّسة. ألا تعترف معي بأن الأيديولوجية قد مارست دوراً سلبياً في طريقة تعليم وتعلُّم الفلسفة عندنا؟ ألا ترى معني أنّ ماركس الذي دافعتَ عنه أفضل دفاع في كتابك المتماسك جداً -دفاعاً عن المادية والتاريخ- كان الشجرة التي حجبت عنكم وعنا الغابة؟-
وسؤالي الآخر:
-أود أن أوضح موقفي بأنني لا أدعو هنا إلى حرق أو قطع هذه الشجرة التي حجبت الغابة، ولكن إلى إعادة اعتبارها شجرة ضخمة ومثمرة في غابة الفلسفة لا تختزل في ذاتها كل الغابة وقد لا تكون أهم أشجارها. تعلّمنا في جامعة دمشق أن نقرأ تاريخ الفلسفة من مواقف ماركسية فكان هناك مركز نقرأ انطلاقاً منه تاريخ الفلسفة أي ما قبل وما بعد ماركس، حتى الفلسفة الإسلامية لم تنجُ من ذلك حتى أننا كنا نظن أن الفارابي وابن سينا وابن رشد أعضاء في الحزب الشيوعي ومؤسسين لكومونة باريس أو لثورة 1917 في روسيا. في كتابه -نقد النص- (إذا لم تخنّي الذاكرة)، انتقد علي حرب هذا التوجه في كتابك -دفاعاً عن المادية والتاريخ- في فصل حمل عنوان: -صادق العظم إرادة المعرفة أم إرادة الماركسية؟- أشار فيه إلى إعادة تقييمك لتاريخ الفلسفة السابقة على ماركس من وجهة نظر هذا الأخير ثم الحكم على الاتجاهات الماركسية اللاحقة عليه مثل ماركسية جورج لوكاتش وألتوسير وسارتر بوصفها انحراف عن ماركسية ماركس أو إنها أرادت من الماركسية الروح دون الجسد والمثالية دون المادية. هذا التوجه كان سائداً ومسيطراً لدى الأساتذة الكبار في قسم الفلسفة في جامعة دمشق مع الإشارة إلى أن يوسف سلامة كان يغرِّد خارج السرب.-
قد يتضح لك من هذين السؤالين موقفي من الماركسية. فأنا لا اريد لها أن تكون الشجرة التي حجبت غابة الفلسفة ولا أريد بنفس الوقت قطعها من جذورها أو التقليل من أهميتها.
نعم مع الربيع العربي استفاقت الماركسية داخلي وأعدتُ اكتشاف قوتها النقدية في زمن الثورات، ولكنها عودة ثورية مرحلية. تذكّر معي أنني عندما استدعيتُ -أطياف ماركس- كُنت استحضر كتاب جاك دريدا الذي حمل نفس الاسم والذي تحدث فيه (على طريقته التفكيكية) عن حاجة العصر لماركس.
نقطة أخيرة أود التوقف فيها لا بأس قد نحتاج كانط بدلاً من ماركس، ولكن تعبيرك عن حاجتنا لكانط لا يعني أبداً موت الفلسفة كما بدأت تعليقك بل بداية الفلسفة وأهميتها في حياتنا. فتصور معي لو لم يكن كانط في لوحة الفلسفة كم كانت ستكون ناقصة ومشوهة.
مودتي


3 - بصيص أمل
عبدالغني زيدان ( 2013 / 2 / 11 - 06:14 )
مع ان المقال من ناحية الكم قليل الى ان نوعية الحديث وجوهر الفكر عميق ومتشعب وله جداول كثيرة الى انني اعتقد انه يصب بمسار واحد وجوهر فحواه هو ان الربيع العربي والانسان العربي يعيش الفلسفة بوعي او من دون وعي وان اطياف الفلاسفة الذين على اثرهم تشكلت بعض معتقدات الاخرين ولو اطلقنا على العالم الموازي للانسان الحالي الذي يتحرك من دون ماهية لو جدناه يتنفس من ذاك العالم الموازي الفلسفي بوعي او من دون وعي ولكن بحرية تامة وهذا هو الامل الذي ارجوه ان يكون
ولكن اشكرك ايضا بهجمتك التي كنت اريدها اعصارا مدمرا للذين ينساقون بفلسفة اشباحهم على انها هي الوحيدة التي يجب ان تصف الواقع الحالي من الممكن ان تكون فلسفة اقوى من اخرى لمفردات الوصف فقط كما لو قال هيجل ان الفلسفة تعطيك وصفا للعالم الذي وجدت به لا يجب ان يكونوا هؤلاء متزمتين لانه لازلنا نحن مرأة تعكس العالم الموازي الفلسفي على الواقع الحالي وكل منا يحاول ان يعطي لون فلسفته على واقعه من الناحية النظرية والعملية وهذا حق مشروع ولكن لا يصح ان نجعل من اشباح الفلاسفة الهة
اشكرك لانك بينت لنا بان ظهور وميض او صفات لاقوال بعض الفلاسفة وانعكاسها على الواقع العربي وبالفعل ظهرت بعض الصفات شكري لك هو انها غير مقتصرة على واحدة دون الاخرى
بالنسبة لي لا رى الا انه يجب الرجوع الى ابسط الامور التي ينشدها وعينا لانه بها وعندها تجمعنا الوحدة اي الرجوع الى ما هو ابعد او وراء ادوات الفلسفة لانه ما بعدها تصبح عوالم وشواهد وعوامل مشتركة بمعنى انه لا بد من ان يكون هنالك مرجعية متجاوزة للفلسفة او على الاقل اقتصارها على حدود الاطياف التي تنعكس على مشهد الواقع العربي
كنت وسطيا معتدلا وعميقا في مقالك وسنعاود قرائته لنعاود المشاركة شكرا لك


4 - تعقيب
عبدالغني زيدان ( 2013 / 2 / 11 - 06:15 )
مع ان المقال من ناحية الكم قليل الى ان نوعية الحديث وجوهر الفكر عميق ومتشعب وله جداول كثيرة الى انني اعتقد انه يصب بمسار واحد وجوهر فحواه هو ان الربيع العربي والانسان العربي يعيش الفلسفة بوعي او من دون وعي وان اطياف الفلاسفة الذين على اثرهم تشكلت بعض معتقدات الاخرين ولو اطلقنا على العالم الموازي للانسان الحالي الذي يتحرك من دون ماهية لو جدناه يتنفس من ذاك العالم الموازي الفلسفي بوعي او من دون وعي ولكن بحرية تامة وهذا هو الامل الذي ارجوه ان يكون
ولكن اشكرك ايضا بهجمتك التي كنت اريدها اعصارا مدمرا للذين ينساقون بفلسفة اشباحهم على انها هي الوحيدة التي يجب ان تصف الواقع الحالي من الممكن ان تكون فلسفة اقوى من اخرى لمفردات الوصف فقط كما لو قال هيجل ان الفلسفة تعطيك وصفا للعالم الذي وجدت به لا يجب ان يكونوا هؤلاء متزمتين لانه لازلنا نحن مرأة تعكس العالم الموازي الفلسفي على الواقع الحالي وكل منا يحاول ان يعطي لون فلسفته على واقعه من الناحية النظرية والعملية وهذا حق مشروع ولكن لا يصح ان نجعل من اشباح الفلاسفة الهة
اشكرك لانك بينت لنا بان ظهور وميض او صفات لاقوال بعض الفلاسفة وانعكاسها على الواقع العربي وبالفعل ظهرت بعض الصفات شكري لك هو انها غير مقتصرة على واحدة دون الاخرى
بالنسبة لي لا رى الا انه يجب الرجوع الى ابسط الامور التي ينشدها وعينا لانه بها وعندها تجمعنا الوحدة اي الرجوع الى ما هو ابعد او وراء ادوات الفلسفة لانه ما بعدها تصبح عوالم وشواهد وعوامل مشتركة بمعنى انه لا بد من ان يكون هنالك مرجعية متجاوزة للفلسفة او على الاقل اقتصارها على حدود الاطياف التي تنعكس على مشهد الواقع العربي
كنت وسطيا معتدلا وعميقا في مقالك وسنعاود قرائته لنعاود المشاركة شكرا لك


5 - رد الى: عبدالغني زيدان
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 10:44 )
سيدي العزيز عبدالغني زيدان شكراً لسؤالك ومداخلتك. نعم أثر الفلسفة كأثر الثقافة تراكمي لا تُرى نتائجه مباشرةً رغم تأثيرها وفاعليتها. دعني أشبه ذلك بعملية النمو. فمع أننا ننمو ولكننا لا نشعر بذلك مباشرة. ومع أننا ازددنا طولاً، ولكننا لم نستيقظ في صباح ما ونجد أنفسنا قد ازددنا متراً مثلاً الموضوع تراكم بطيء ينضج على نار هادئة وهذا ما يحصل مع الوعي فهو ينضج في اللاوعي ثم يتفجر مع الزمن. ليس الربيع العربي ثورة إسلاميين كما يحلو للبعض أن يتفذلك. الربيع العربي هو ثورة وعي جيل جديد وإن نجح الإسلاميون للآن في الركوب على هذه الموجة والسيطرة عليها. ولكن صدقني سيظل ذلك مرحلياً فالوعي هو تغير تاريخي وها هو نظام الأخوان في مصر يعيش على كف عفريت لأنه لا يتناسب مع مقومات الوعي الشبابي الجديد الذي جعلته ثورة الاتصال اكثر انفتاحاً واطلاعاً وحرية. وستستمر ثورة الوعي رغم الاضطرابات السياسية بل وبفضلها حتى تستقر الأمور وآمل أن ينجح الوعي العقلي النقدي في التغلب على الوعي الغيبي الاتكالي الانتهازي.
فقط نقطة أخيرة أثرتها حضرتك ولفتت نظري وهي تشبيه أشباح الفلاسفة بالآلهة. في الواقع الشبح بمعناه الفلسفي الذي قدمه ماركس أو دريدا أو حتى المدرسة الفرويدية هو ليس إله أبداً ولا حتى إنسان. هو شبح الميت العائد إلى الحياة. إنه بهذا المعنى مثل -الزومبي- الأموات الأحياء أو الأموات الذين لم يستكملو موتهم فعادوا إلى الحياة. الشبح هو من لم نقم حداداً كافياً لفقده فعادت أشباحه لتطاردنا وتسكن أرواحنا.


6 - موت الفلسفة في الشرق الاوسط
عادل الامين ( 2013 / 2 / 11 - 06:24 )
الاخ العزيز النبواني مع احترام وجهة نظرك واستخدامك لادوات تحليل لفلاسفة غربيين لتفسير ظاهرة الربيع العربي..اجد ان الامر يحتاج الى نظرة اعمق اذا كان الطريق الطويل الى العودة الى الديموقراطية الليبرالية تاخر عقدين عن دول المنطقة بعد سقوط جدار برلين
وجهة نظري الشخصية لمالات ما يسمي بالربيع العربي ووفقا لنتائجه الحالية انه ليس ثورات بل اعادة تدوير للاخوان المسلمين والنظام العربي القديم بافنتنازيا مدمرة اشبه بنسخة جديدة من رواية انميال فارم الشهيرة..ورغم ان ثورات الالوان المخملية سبقتنا الى الديموقراطية باقل ثمن ..والسبب المباشر عجزنا عن الانتقال فلسفيا من توابيت ابن تيمية او الاحكام السلطانية للمارودي الى رحاب ابن عربي وابن خلدون..و هيمنة دول محددة في المشهد الفلسلفي والفكري والسياسي والثقافي والنموذج القديم للدولة المركزية الذى بداء مع انقلاب يوليو 1953 في مصر والديموقراطية الليبرالية تحتاج لاحزاب وليس تنظيمات او ايدولجيات عابرة للحدود او وصاية نخبوية ومن اكبر اسباب فشل التغيير الان هو انفصال النخب العربية غير الليبرالية عن الواقع والحراك الجماهيري واعطيك نموذجين فقط.لماذا بقي 40 مليون ناخب من اصل 50 مليون ناخب في منازلهم فى الاستفتاء الاخير للدستور في مصر..ولماذا يتصارع البعث مع الاخوان المسلمين في سوريا بالسلاح على حساب تشريد الملايين من السوريين وقواهعم الديموقراطية الحقيقية وتدمير مدنهم العريقة من اجل الوصول الى حل سياسي اصلا موجود -الشعب يقرر عبر الصندوق من يحكمه وقطعا لن يكون البعث او الاخوان المسلمين
اذا كانت هناك فلسفة او فكر سياسي حقيقي في الوطن العربي عليه ان يجيب على سؤال
1- الديموقراطية
2- الدولة المدنية
3- المراة
4- الاقليات
5- الفدرالية
حتى لا تتفكك الدول العربية تحت ضغط هذا الصراع والفوضى الخلاقة التي تروج لها فضائيات محددة واذا كان هناك طريق ثالث يجب ان تكون هناك فضائية حوار متمدن حتى يكون هذا الفكر المطروح جزء من وعي الجماهير التي حتى هذه اللحظة تعاني من غيبوبة النظام العربي القديم وشكرا على تحاروكم


7 - رد الى: عادل الامين
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 11:08 )
أُستاذي العزيز عادل الأمين. شكراً لقراءتك الدقيقة ولأحكامك التي تنم عم مراقبة ومتابعة للوضع الراهن بأدوات نقدية سياسية واجتماعية، ولكن... دعني اتفق معك في بعض القضايا لأختلف معك عليها لاحقاً. ربما اتفق معك في قراءة المشهد السياسي الراهن الذي أعقب ثورات الربيع العربي، ولكن أختلف معك في مآلاته البعيدة. وبمعنى آخر أدوات النقد السياسي تهتم بواقع الحال ومعطياته القريبة بينما تهتم الفلسفة بمآلاته البعيدة وأفق التاريخ (وأنا بهذا اختلف مع هيغل). نظة السياسيّ أدق من نظرة الفيلسوف في التفاصيل، ولكن نظرة الفيلسوف أبعد والأفق الذي يقيس عليه أوسع من أفق السياسيّ. ولكي أخرج من التجريد الفلسفي إلى التوصيف الفلسفي الذي قد تعين تاريخياً سأضرب بعض الأمثلة من ثورات التاريخ العالمي. لنأخذ مثلاً الثورة الفرنسية التي يُقال أنها ثورة التنويريين الفرنسيين وهي وإن كانت كذلك إلا أن أدواتها كانت العامة الفقيرة المُضهدة الُمهمَشة غير المتعلمة الخ والتي ثارت على الارستقراطية البرجوازية الفرنسية المدنية آنذاك. بعد تلك الثورة لم تتحقق الحرية مباشرةً للفرنسيين بل على العكس جاء عصر الرعب على يد روبسبير وتم تصفية معارضيه من قادة الثورة وكانت الأوضاع الاقتصادية في الحضيض بعد الثورة وانقسمت فرنسة قسمين نتيجة صراع اليعاقبة والجيروديين وكانت هناك محاولات للقضاء على الثورة وإعادة بناء الملَكيّة. لم تتحقق الديمقراطية مباشرةً ولم ينتج عن الثورة تطبيق العلمانية (لم يتم الاعتراف بالعلمانية في فرنسا قانونياً إلا عام 1905) لكن الثورة الفرنسية استمرت في المقاومة وحققت أهدافها بعد ليس فقط عشرات السنين بل وبعد قرون. في النصف الثاني من القرن العشرين فقط ستدخل المرأة البرلمان ومنذ عقود فقط في عهد فرانسوا ميتيران تم إلغاء عقوبة الإعدام وفي علم 2013 تم إقرار قانون زواج المثليين جنسياً في فرنسا. الأمور تحتاج إلى أفق تاريخي وليس التوقف عند تفاصيل (لا شك مهمة وتلعب دوراً في مجرى التاريخ) ولكنها قد تكون حلقة في مسلسل الحرية الطويل جداً جداً بكل حلقاته الجميلة والمحزنة.
في أمريكا لم يتم إلغاء العبودية إلا بعد صراع طويل خاضه الرئيس الأمريكي أبراهام لينكون مع البرلمان آنذاك ورغم إقراره استمر التمييز ضد السود ولكن ثورة الديمقراطية الأمريكية استمرت ونجح مارتن لوثر كينخ في انتزاع الاعتراف بالأفارقة السود في أمريكا فوصل أوباما إلى حُكم البيت الأبيض ولم يقفل التاريخ حلقته.
الربيع العربي يشبه ثورة فرنسا بالكثير لماذا؟ لأنه ثورة نضجت على نار التاريخ الهادئة قبل أن تغلي وتفور كقوة لا يمكن ردها.... مودتي واحترامي


8 - ليست اشباح بل مذهب مخفى
سعيد رمضان على ( 2013 / 2 / 11 - 09:28 )
ما يراه مفكرنا - خلدون النبوانى - عن أشباح الفلاسفة وعن معركة الغزالي السلفي ضد ابن رشد العقلاني - نراه نحن مذهب إنساني غير معلن .. انه متخفي وراء الدين والفقه، أو بعبارة أخرى ان المحرومين والمظلومين وهم اغلبيه الشعب تجد نفسها فيه.. فالعدل والمساواة وحقوق الإنسان كلها وجدت في صبغ دينيه .. ليس رجل الشارع العادي على علم بالفلسفة لكنه من خلال البيت و الجامع على علم بما يقوله رجل الدين .. وأهله في البيت .. وما يمنع تطور العالم العربي ونجاحه هو التمسك بالقدرية.. ومنع التأويل.. وهو ما تسبب في نجاح الحركة الأصولية .. فهي نتاج أزمة شاملة تطول كل جوانب المجتمع من فكر ودين وتراث وعادات ...وإذا كان الكلام عن موت الفلسفة ناتج عن تغييب العقل أو عجز الفكر عن الفعل .. فنحن بحاجة إليه اى إلى العقل .. بمعنى القبول بالتأويل والتعددية .. حتى نعيد بناء ما تم تدميره ثم ستكمل البناء . .. فلن يكون لاى فكر فلسفي ، رسوخا في التربة العربية، مالم يحقق التحام عضوي, بقضايا الإنسان والمصير في العالم العربي والإسلامي ..


9 - رد الى: سعيد رمضان على
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 11:18 )
الأستاذ العزيز سعيد رمضان على شكراً لقراءتك المهمة والتي أتفق معها. فلا شك أن أثر الجامع أقوى من أي أثر ثقافي آخر في مجتمعاتنا سواء أكان أثر الفلسفة أو الأدب أو أو الخ. ولكن لنتذكر سيطرة الكنيسة على فكر ووعي الناس في أوروبا العصور الوسطى وضعف التأثير الفلسفي الذي ترافق مع حرق الكتب بل وحرق الكُتاب والمؤلفين الذين يخرجون عن تعاليم الكنيسة. ولكن التاريخ قد راكم على الهامش وعيّاً استطاع أن يخترق سيطرة المركز الديني المُهيمن ويفككه شيئاً فشيئاً. ما يحصل في العالم العربي هو ثورة وعي جديد يصعب تأطيره أو حصره. لقد فتحت ثورة الاتصالات وعي الجيل الجديد من الشباب العربي على آفاق واسعة وكسرت القيود المفروضة عليه حتى دينياً ما سيؤدي عبر الزمن إلى خلخلة هذه المركزية الدينية. لا شك أن الإسلاميين قد كسبوا الجولة الأولى، ولكنهم راحوا يترنحوا من جديد أمام المقاومة الشعبية التي تقول لهم بالحرف الواحد أن عالمهم القروسطي الذي يريدون العودة إليه لم يعد يتناسب مع أفقهم بل ويتعارض معها وهم بذلك خاسرين على ما أظن وأرجح وإن أخذ ذلك وقته الكامل...


10 - تعقيب 2
عبدالغني زيدان ( 2013 / 2 / 11 - 12:29 )
استوقفني في ردك التاكيد على عملية تراكم الوعي الموجود والظاهر على الربيع العربي علما باننا متفقون على انه موجود ونعكس على الواقع من دون وعي مسبق ولكن الحقيقة تبوح بالواقع وتسطع فتقول ان تطبيق الانسان وتكديسه ل تراكمات كمية ادى الى تغير نوعي عشوائي ليس للفكر البشري قدرة على ايجاد نظام عادل( او صفة حقيقية تجسد الحركة ) في داخله وبالتالي اصبحت العشوائية والنسبية هي بوصلة الانسان للوصول الى غاياته -والان نطرح السؤال امام هيجل هل ان تغير الكم الى الكيف يولد بالضرورة نظاما محكما مسيطرا عليه من قبل الفكر البشري ام ان العشوائية والنسبية هي التي سوف تسيطر على علاقة الفكر بالواقع والحركات وهل يمكن للفكر البشري ان يتحكم بساعة الصفر عند تحول الكم الى الكيف( لانه فيزيائيا وديالكتيكيا لا بد من هذه الساعة او المرحلة وعكس هذا ليس بدليل على انها ثورة حقيقية ) كي يكون تطورا منطقيا نظاميا يحقق ما يرنو اليه الفكر البشري ؟؟؟ والان لا نستطيع ان نثق بهذا المبدأ على اساس انه دليل لتطور الفكر البشري فيبدو من خلال نظرتنا الى الواقع انه اذا كان الفكر البشري ادى الي تراكم كمي على اساس تطور نوعي ( او كما تقول به انت انه انعكاس من الفلسفة التي جاءت باشكال او اتباع لها يحاولون فرضها على هذا الواقع )وبما انه لايمكن تصور وفرض سيطرة عل هذا التغير فيمكن لهذا التغير النوعي ان يوشي بالفكر البشري وينقلب عليه في كثير من الاحيان والمجالات وخصوصا المجالات التي تخلو من الجانب المادي او النظرة المادية كما هو حالنا في هذه الاوقات وعدمية جدوى وصف الحركة الاجتماعية الحالية
(أنه لا يتناسب مع مقومات الوعي الشبابي الجديد الذي جعلته ثورة الاتصال اكثر انفتاحاً واطلاعاً وحرية. وستستمر ثورة الوعي رغم الاضطرابات السياسية بل وبفضلها حتى تستقر الأمور وآمل أن ينجح الوعي العقلي النقدي في التغلب على الوعي الغيبي الاتكالي الانتهازي.) هنا اخطأت استاذي مع احترامي لحضرتك او اسمح لي ان اقول لك ان نظرتك فوقية وانك استعرت هذه النظرة من الذين يجعلون من الفكر الهة او لهم الهة اخرى والسبب ان الوعي البسيط الذي على اثرة تحركة الشعوب كانت تتجه للتغيير ومسلمات ثابتة وهي حكم الشعب فالشعب المصري هو الذي اختار حاكمها وهو اختار دستورها فلماذا الاستمرارية ببساطة عدم ايمان المعارضون بالشعب وكانه غير صالح للاختيار علما ان الحيوان نحترم حرية اختياره هذا وبانني لدي مرجعية متجاوزة وهو ايماني بالله تعالى وتعاليم الاسلام الحقيقية التي انا ضد تجسيدها باي حركة او فصيل
كثيرون يبدو لي سيؤيدون النظرة النسبية التي اوردتها مجازا بتعبير اينشتاين حين اكتشف النظرية النسبية وهو انه لايمكن لنا ان نرى ذالك الوعي (الا ان شخص خارج هذا النظام سيشاهد ويرى التغيير )الذي ينضج وسيتفجر نظريا لينعكس على واقعنا فجئة انا اعتبر هذه عبارة ميتافيزيقية ترتبط بالقدر اكثر مما هي مرتبطة بادوات الفلسفة وخصوصا المادية وهي بالاصل اعتبرها عبارة أمل للماديين ويضيفون عليها لايهامنا بان هذه العملية حتمية
من خلال مقالك انا على امل ايجاد المصطلح الحقيقي للربيع العربي وانا مهتم بهذا الحوار لانني على يقين بان الفلسفة وحدها قادرة على تحديد اوجهه وهويته وكشف كنه ما بداخله ولست ضد استخدام ادوات اي ايديولوجية ممكنة للوصول الى هذا الهدف ولا انكر ايضا قدرة بعضها على الوصف اكثر من الاخرى وهذه تحسب للفلسفة المادية والديالكتيك


11 - رد الى: عبدالغني زيدان
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 21:51 )
السيد المحترم عبد الغني زيدان. لا أخفيك أن تعليقك الذي أحاول الرد عليه هو مركب متداخل يطرح عدة إشكاليات تتداخل مع بعضها، ولكنني سأحول الرد على بعض النقاط وسأبتدأ أولاً من فكرتك عن أن التراكم العفوي للفكر قد يؤدي إلى فقدان السيطرة والضبط والتنظيم مما قد ينتهي إلى حالة من الفوضى أو العشوائية أو حتى العدمية. لقد افترض ديكارت أن العقل هو المعيار الذي يمكِّن الإنسان من حيازة معرفة يقينية بالعالم ويعصمه عن الضياع والفوضى فبحسب أطروحته الصغيرة -مقال في المنهج- العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس. والسؤال الذي طرح نفسه على ديكارت حينها هو أنه إذا كان العقل واحداً عند جميع الناس فلماذا يختلف البشر حول الكثير من القضايا. كان جواب ديكارت حاسماً هنا: إن المسألة تتعلق بالمنهج أي بطريقة استخدام العقل. من حينها والفلسفة العقلانية تبحث عن معايير يتم الاعتراف بها أو التواضع عليها ومع هذا كانت الفوضى تقع في التاريخ رغم كل المحاولات العقلية والعقلانية ولعل هذا الأمر قد دفع بماركس إلى القول: كثيراً ما استُخدم العقل بطريقة لا عقلانية. لاشك أن عقل التنوير الذي بشّر بسلام دائم بين الدول كما حلم كانط قد انتهى إلى نتائج مناقضة فقامت في أوروبا حربين عالميتين وتحول الغرب وريث التنوير الليبرالي إلى دول مُستعمِرة لغيرها من بلدان العالم وتحول العقل الذي كان يُراهن فلاسفة التنوير على قدرته على إيجاد حلول لجميع المشاكل والإجابة على كل التساؤلات إلى عقل أداتي كما أسماه أدورنو وهوركهايمر. ولكن البحث عن المعايير التي تضبط المجتمعات البشرية من الفوضى لا زال مُستمراً وفي هذا الإطار ظهرت فلسفات التواصل الاجتماعي كنظرية هابرماس التي تؤكد على أن الحقائق الاجتماعية لا يمتلكها أحد وفي الديمقراطيات يجب أن يتناقش الناس في أمور حياتهم للتوصل إلى معايير مُشتركة تضبط أمور حياتهم وتعايشهم. وهذا ما نأمل أن نصل إليه يوماً في العالم العربي، ولكن البداية قد حصلت. فأُس الديمقراطية هو الشعب وهو مصدر السُّلطات. والشعوب العربية ثارت وتثور وتقلب الدنيا والكراسي على رؤوس دكتاتورييها. لا مشكلة في أية جولةٍ نحن فالتاريخ طويل وحلقاته أطول من حلقات أي مُسلسل مكسيكيّ ولكن أهم ما حصل في الربيع العربي وحتى ولو حكمه الشياطين هو عودة السياسة إلى الشارع والناس بعد أن كانت مُحتكرة في قصور 20 عائلة عربية تتوارث البلاد كما لو كانت مزارع مطوبة باسمها.
فقط إشارة قبل أخيرة لاشك أن هيغل تحدث عن أن التغير في الكم يؤدي إلى تغير في الكيف، ولكن هيغل لم يكن قلقاً من حالة الفوضى التي يمكن أن ينتهي إليها التاريخ. التاريخ عند هيغل يكتمل تباعاً ويتطور ديالكتيكياً من حالة أدني إلى حالة أعلى حتى يبلغ المطلق فتكتمل دورة الروح. التاريخ منتهي عند هيغل ونهايته واضحة إذ تكتمل الفلسفة معه هو وتكتمل الأشكال السياسية في الدولة القومية أو ما نسميه اليوم بمصطلح الدولة ـ الأُمة التي هي أعلى أشكال الدولة بنظره فلا توجد أُممية عند هيغل. هناك غائية للتاريخ عند هيغل وما البشر إلا لعبة بإدارة وإرادة التاريخ وهذا هو مختصر فكرة مكر التاريخ الهيغلية.
النقطة الأخيرة التي استوقفتني في تعليقك هي تساؤلك عن إمكانية القبض على ساعة الصفر لتغيير مجرى التاريخ ومنعه من التحول إلى الفوضى. أقول استوقفتني هذه الفكرة (رغم أنني مقتنع أنه لا توجد لحظة الصفر في التاريخ) لأنها ذكرتني بنقد جورج لوكاتش للثورة البلشفية ولفكرة لينين حول حرق مراحل التاريخ. لقد كان لوكاتش مُقتنعاً بأن الإرادة يمكن أن تُحقق نتائج تاريخية فيما لو تدخلت عندما يكون التاريخ قد تهيء تماماً وصار قابلاً للتحول. عندها فقط بنظره يمكن توجيه التاريخ وإلا فإنه سينتقم شر انتقام وهذا ربما ما حصل من نهاية للشيوعية السوفيتية. لقد قال لوكاتش عن ثورة لينين والبلاشفة منتقداً: لقد كسرت الإرادة رأس التاريخ. أي أنها جاءت قبل أن تنضج طبخة التاريخ ولذلك كان متأكداً من تعثرها لاحقاً.
بالنسبة للربيع العربي فقد استوى التاريخ على الآخر وكان ينتظر شرارة البوعزيزي لتقود الإرادة التحول التاريخي العربي الذي أعاد للعالم أشباح فكرة الثورة التي ظن العالم أنها انتهت وأن التاريخ قد وصل إلى نهايته...


12 - ماذا يمكن أن أعرف؟أن أفعل؟أن أطمح اليه بشكل معقول؟
محمد الرازقي ( 2013 / 2 / 11 - 17:44 )
كنت من بين الذين شاركوا في الحراك السياسي-ان جاز لنا تسميته بذلك- الذي شهده المغرب في السنوات الأخيرة، وفي نفس الوقت كنت آنذاك-في بداياته الاولى- مازلت طالبا للفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، الأمر الذي جعلني أفكر في الوظيفة المفترضة لهذا التخصص الذي اخترته -وهو نفس الموضوع الذي اخترتموه للنقاش مشكورين على ذلك- وكنت أجد في نفسي جوابين كان علي أن أختار بينهما، إما أن أدافع عن مشروع مجتمعي وسياسي في الساحة وهذا دور مثقف، والترافع عنه في الساحات والفضاء العمومي مع ما يقتضيه الفعل السياسي من قواعد قد لا تتفق مع فعل التفلسف...وإما أن اظل وفيا للمبدأ الذي يحكم الفلسفة وهو أن أخضع هذه الشعارات السياسية كلها بما فيها تلك التي تقدمها المعارضة والتي أنا في صفوفها للمساءلة والنقد..الخ، بالرغم من أن الوقت لم يكن يسمح بذلك... لكن مبررات كثيرة أقنعت بها نفسي منها أنه لا يمكن أن أظل بين أسوار الجامعة أتغنى بالحرية والعدالة وأقلبها ذات اليمين وذات اليسار دون أن أسعى الى جعلها واقعا معاشا في حياتنا اليومية والنضال من أجل ذلك، والا ما مبرر الحديث عنها والتغني بها في كل محفل.. كما أقنع نفسي أنه يمكن أن أجرب في الواقع أفكاري، آنذاك ستتوفر وتتراكم لي تجربة يمكن أن أجعلها أرضية للتفكير فيما بعد... لتقويم ما اعوج فيها ودعم الباقي...الخ. هذا ما قمت به، اذ ضحيت بميزتي كطالب للفلسفة-لا أخجل من ذلك ولكن فقط أتساءل ان ممكنا لطالب الفلسفة أن يدخل بين رجال السياسة ليدافع أمامهم عن مشروع ما بنبرة المتيقن الواثق من أن ما يقوله هو الحل وهو الذي يعبر عن الديموقراطية وقيمها الخ-، وصرت أدافع عن مشروع سياسي له تصور ما للعدالة وللحرية ولشكل الدولة ..الخ، ودافعت عنه أمام الخصوم، لكن اليوم أجد أنني بحاجة أكثر للعودة الى التفكير في هذه الشعارات التي كنت ارفعها انا وزملائي في النضال، وكاني اعتذر لماركس بان التغيير الذي يدعونا اليه غير ممكن بدون الفهم الذي استأذن فيه هيجل ليعيد على أسماعنا ما يقصده بفهم العالم، لكن هذه الحاجة للعودة الى الوظيفة التي منحها هيجل لم تكن ممكنة بالنسبة لي الا بسؤال الراهنية الكبير الذي أثاره كانط... ذلك أنه أطراف كبيرة كانت معنا في الميدان لم تكن تقوم بشئ الا باسماعنا شعارات لا تنمتمي الى زماننا او لمشاكلنا نحن هنا والآن... وهذا ينطبق على التيارات اليسارية واليمينية في آن، بالرغم من استئثار هذه الآخيرة بحصة الأسد.
لقد تساءلت كثيرا في نفسي عن امكانية التفكير الفلسفي في سياق الأحداث المتسارعة والمتغيرة والآنية في نفس الوقت، وحول إمكانية الانفتاح من موقع المناضل على أسئلة فلسفية قد تأتينا بما لا تشتهي سفن قناعاتنا في الميدان، عن جدوى الفلسفة بالأساس إن لم تساهم في تحسين ظروف حياتنا... لكن بعد مرور كل هذا أضن أن -الطريق- الذي ربما على الفلسفة أن تنظر فيه، هو ان تساءل سبب فشل-أسلم هنا بفشله اعتمادا على عدم تحقق الشعارات التي رفعت قبله من حرية وعدالة...- ليس فقط ما سمي بـ-الربيع- بل أيضا فشل المشاريع النهضوية الذي تم الاشارة الى بعض رموزها في المقال، وربما هي ميزة السؤال الفلسفي انه لا يهتم فقط بحدث جزئي-الذي هو من اختصاص فروع معينة من العلوم المهتمة بهذا المجال- بقدر ما تطرح أسئلة جذرية وشاملة.


13 - رد الى: محمد الرازقي
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 22:11 )
الزميل العزيز محمد الرازقي أسعدني حقيقة رأيك وأفكارك وهواجسك التي ابتدأت بأسئلة كانط الشهيرة الثلاثة. أقول يُسعدني هذا ليس فقط لأنها تُذكرني بنفسي وإنما لأنها نفس الأسئلة التي ما فتئت الفلسفة تطرحها على نفسها منذ الإغريق ولغاية اليوم. ليس غريباً أن تُتهم الفلسفة إذن باغترابها عن الواقع وانعزالها عنه في برجها العاجيّ الشهير فسؤال الجدوى من الفلسفة لم يساور فقط خصومها وأعداءها وإنما فلاسفتها أيضاً كما أشرتُ إلى ذلك في مقدمتي الافتتاحية. ولكن سؤال الفلسفة العملي سؤال قديم قدم الفلسفة وما تساؤلك الكانطيّ الهيغليّ الماركسيّ حول علاقة المعرفة بالتغيير أو النظرية بالممارسة إلى سؤالي الفلسفة القديمين المتجددين دائماً. رأيي الشخصي أن الفلسفة قد سارت دائماً على قدمين اثنتين: نظرية وعملية ونادراً ما رأيناها عرجاء. منذ سُقراط الذي قال عنه شيشرون أنه قد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض والفلسفة تهتم بشؤون الأرض بقدر اهتمامها بشون السماء بل وأكثر. لنتذكّر أن إنّ أفلاطون الذي كتب محاورة -فيدون- ليتحدث عن الروح هو أيضاً الذي خطَّط نظاماً لحياة الإنسان السياسيّ على الأرض في كتابه -الجمهورية-. أمّا أرسطو الذي وجدّ في الانطولوجيا الفلسفة الأولى، هو نفسه الذي تحدّث بالمقابل عن الإنسان كحيوان اجتماعيّ سياسيّ والذي كرَّس له مؤلفه المعروف -في السياسة-.
بهذا الشكل المتأرجح الذي يراوح بين الفلسفة النظرية والفلسفة العملية سيستمر الحراك الفلسفيّ في أوروبا وعند معظم الفلاسفة الذين جاؤوا بعد أرسطو. ولو ضربنا صفحاً عن الإنتاج الفلسفيّ في العصور الوسطى حيث كان فلاسفة تلك الحقبة -يعرفون خريطة الفردوس أكثر من كتاب الأرض-، فإنا سنجد أنّ الفلاسفة الحديثين قد انشغلوا بالأسئلة الفلسفيّة الخالصة كسؤال المعرفة بقدر ما اهتمّوا بمسائل الإنسان ومشاكله السياسية والاجتماعية والأخلاقية وبمعنى آخر الفلسفة العملية. إذا استثنينا مثالين اثنين يشذّان عن هذه القاعدة- أحدهما صبَّ اهتمامه على الفلسفة النظرية والمقصود هنا ديكارت، وآخر لم يحفل بأمور الفلسفة النظرية وركّز جُلّ اهتمامه على مسائل الفلسفة العمليّة كفلسفة القانون والسياسة والمعني هنا توماس هوبز- فإننا سنلحظ انشغال الفلسفة الحديثة بأسئلة السماء وبأسئلة الأرض معاً.
فجون لوك الذي كتب - مقال حول الفهم الإنسانيّ 1690- هو نفسه من كتب -مقالتان عن الحكومة 1689 -. أما ديفيد هيوم الذي كتب -مبحث في الفهم الإنسانيّ 1751- هو أيضاً من انشغل وعلى مدى عدّة سنوات بكتابة مقالات حول السياسة والأخلاق جُمعَت في كتاب صدر عام 1741 تحت عنوان - مقالات أخلاقية وسياسية-. وإذ يكتب سبينوزا في الفلسفة النظرية كتابه - أفكار ميتافيزيقية 1663- فإنه سيكتب كذلك كتابه المشهور في الفلسفة العملية - رسالة في اللاهوت والسياسة 1676-. أما لايبنتز صاحب كتاب -المونودولوجيا 1714- فقد أخذت الفلسفة العملية جزءا من اهتماماته أيضاً فكتب فيها -منهج جديد لدراسة القانون 1668-. في مشروعه النقدي الثلاثي يُعبِّر كنط خير تعبير عن اهتمامات الفلسفة الأساسية في عصره والتي يصوغها بأسئلته الثلاثة التي بنى على أساسها مشروعه النقديّ. فسؤاله الأوّل: ماذا أستطيع أن أعرف؟ يُعبِّر عن سؤال الفلسفة النظريّ والذي سيحاول الإجابة عليه بكتابه -نقد العقل المحض- الذي ظهرت طبعته الأولى عام 1781. أمّا السؤال العمليّ: ماذا عليّ أن أفعل؟ فسيجيب عنه في كتابه -نقد العقل العمليّ 1788-. هكذا لم يبق عليه إلا أن يجيب عن سؤالٍ نظريٍّ من طبيعة مختلفة عن طبيعة المعرفة أي سؤال الحكم الجماليّ الذي سيكرِّس له مؤلّفه -نقد مَلَكة الحُكم 1790-.
منذ أفلاطون وحتى كنط والفلسفة تمشي علي قدمين اثنتين: نظرية وعملية وقليلاً ما رأيناها عرجاء. لن يشُذّ هيغل عن هذه السُّنَّة التي خطّتها الفلسفة لنفسها- رغم تلوّناتها الكثيرة - وأقصد هنا دائماً جانبي الفلسفة النظريّ والعمليّ. لكن مع هيغل لن يظلّ هذان المبحثان منفصلين بل سيؤدّي أحدهما إلى الآخر تاريخياً. فالعقل الذي تمّ التعبير عنه كنطياً بوصفه عقلا مُجزَّأً، سيوحِّد جبهاته الثلاث في عقلٍ تاريخيّ يحقّق معرفته ويتجسّد عينيّاً عبر سيرورة الروح. فبعد أن يغترب الروح عن ذاته، فإنه سيجد معادله السياسيّ حيث يتجسّد الروح المطلق في الدولة القومية وتتعرّف الذات على ذاتها تماماً بعد رحلتها الأوديسيّة. إنّ الروح برحلته الميتافيزيقية يتعين في مجتمع تحكمه القوانين والأنظمة والشرائع وما مؤَلَّف هيغل - مبادئ فلسفة الحق 1821- إلا دمجٌ خلاّقٌ بين مهمّتي الفلسفة النظرية والعملية. هكذا فإنّ الذي تحدّث عن روحٍ مُطلق كان قد تحدّث عن روحٍ موضوعيٍّ أيضاً. وصولاً إلى هيغل الذي بدأ بالفكرة وانتهى بالدولة لم تتخلَ الفلسفة بالإجمال عن إحدى مهمتيها النظرية والعملية كما لو أنّ الفلاسفة أدركوا حتى ذلك اليوم أنّ الانتقاص من إحدى هاتين المهمّتين هو انتقاصٌ من الفلسفة نفسها: فلو اهتمّ المرء بالأسئلة العملية فقط لأصبح مجرَّد باحثٍ سياسيّ أو مشرِّعٍ قانونيّ أو عالِم اجتماع، ولو أنّه اهتم بالأسئلة النظرية فقط لانزوى في برجه العاجيّ وأعلن عدم انتمائه إلى واقعه وزمانه.
فقط مع ماركس ستختار الفلسفة بين النظرية والتطبيق حيث سيعلن مرحلة إلغاء الفلسفة لنفسها وضرورة تجاوزها. مع ماركس الأخير ستقيم الفلسفة قطيعةً مع أسئلة الوجود الكبرى وستنتزع الإنسان من سياقاته الكونية لتجعل منه مجرَّد فرد عاملٍ في مجتمع يحكم تطوّره الصراع الطبقيّ. مع ماركس الأخير تأخذ أسئلة الفلسفة الكبرى بالاختفاء وتقترب الفلسفة من العلوم الوضعية حتى تذوب فيها وينحلّ العقل في البراكسيس والنظرية في التطبيق والروح في المادّة والآلهة في الآلة والتأمّل في العمل والفلسفة في الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلوم المادة. هكذا يتشخصن المطلق ويغدو اغتراب الروح الهيغلي اغتراب العامل عن عمله في مجتمعٍ متفاوتٍ طبقياً. مع ماركس يبتلع السؤال العمليّ السؤال النظريّ وتكفّ مهمّة الفلسفة عن أن تكون تفسير العالَم فالمهمّ الآن تغييره كما كتب ماركس
مرّة أُخرى أثر الفلسفة تراكمي وليس علينا أن نحكم أننا نخفق دائماً في درس التاريخ. ليس هناك لعنة تطاردنا منذ القرن الثالث عشر ميلادي تحكم علينا كعرب أو كأمة أن نكون متخلفين. لم يكن التاريخ الحديث ناضجاً لمرحلة التغير العربية يوماً كما هو الحال عليه اليوم. هناك وعي جديد يتفتق من لك قيد وهو كالعاصفة سيدور ويدور ويدور ولكن علينا أن نحاول أن نجعله يدور لصالحنا وهذا هو جدل التاريخ والإرادة الواعية.
مودتي


14 - لا حياة بدون فلسفة
حميد زناز ( 2013 / 2 / 11 - 19:40 )
شكرا للاستاذ النبواني على نصه و تعليقاته على القراء الكرام ، لا يجب أن و
ان نغفل ان الفلسفة محرمة في بلدان عربية كثيرة و هي إلى الدين اقرب في البلدان التي يسمح بتعاطيها و لكن رغم كل ذلك الحصار السياسي و الديني لم يطلق الشباب العربي التفكير العقلاني و نحن نعثر على نصوص في غاية الأهمية في كل من الجزائر و المغرب و تونس اليوم رغم الهجمة الدينية الشرسة ضد كل ما هو عقل و يصيب الاستاذ النبواني كبد الحقيقية عندما يستعمل كلمة التراكم فمن اين جاءت فكرة حقوق الانسان و العدالة و المساواة هل من الشريعة أم من
الفلسفة؟


15 - رد الى: حميد زناز
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 11 - 22:16 )
أستاذي الكبير حميد زنار شكراً لك ولمرورك اللطيف ولافتتاحيتك المُشجعة: -لا حياة بدون فلسفة-. نعم نحن متفقان أن الفلسفة فعلها تراكميّ، ولكن رأيي أن الأمر لا يتوقف على نصوص فلسفية جيدة هنا وهناك في العالم العربي وإنما على تراكم الوعي بشكل عفوي لدى الشعوب في العالم العربي (هذا لا يستثني الأقليات الإثنية غير العربية) مما يساعد على عملية التغيير والفعل الفلسفي الواعي في التغييؤ التاريخي.
مرّة أُخرى أسعدني مرورك على أمل أن تُزهر الفلسفة في كل ربوع العالم وليس فقط في كهوف خفافيش الظلام ومعادي النور والتنوير



الدكتور العزيز عبد الله تركماني. شكراً لسؤالك واعتذر عن التأخر في الرد لأسباب ساعات العمل الطويلة هذين اليومين. سؤالك مهم ويأتي ليسد ثغرة لم تتناولها ورقتي المطروحة للنقاش وهو يأتي ليطالب الفلسفة المتعالية المجرّدة لأن تُترجم نفسها سياسياً فتتحول المقولات إلى أفعال والتأملات إلى معطيات تاريخية واجتماعية. لاشك أن الفكر أي فكر مهماً كان أصيلاً ونقدياً ومُقارباً للواقع، إلا أن إمكانية فعله في الواقع يحتاج إلى حوامل اجتماعية. لم تقم أية ثورة اشتراكية بالمعنى الماركسي في عهد ماركس ولا وفقاً لتوقعاته حيث كان يرجح أنها ستقوم في بريطانيا لأنها كانت تُمثِّل حينها، برأيه، أعلى مراحل الرأسمالية التي ستعمل على خلق تناقضاتها وتجاوز الرأسمالية إلى الاشتراكية التي كان ينشدها، بل ويعتبرها ضرورة تاريخية وحقيقة علمية. مع الماركسية تبلور مفهوم الطبقات وظهرت فكرة الحامل الاجتماعي للفكر بوصفها غالباً الطبقة الوسطى في المجتمع الذي ينقسم بحسب بعض الأدبيات الماركسية (غالباً اللاحقة على ماركس) إلى ثلاث طبقات (كان ماركس يُركّز على طبقتين الأقلية المُتحكمة والمهيمنة والمُستَغِلة والطبقة الفقيرة المُهمشة التي تثور وهي طبقة الأكثرية وهنا نلحظ أثر الجدل الهيغلي واضحاً جليّا). بعض التوجهات الماركسية ومنها في العالم العربي أضافت إذاً طبقة جديدة هي الطبقة الوسطى التي (من أسمها) تتوسط الطبقتين المُستغِلة والمُستغلَّة. كان هؤلاء المفكرين العرب يريدون فهم الواقع العربي انطلاقاً من أدوات ماركسية، ولكن بعد مواءمته مع سيرورة تاريخية تختلف عن تلك التي ظهرت في أوروبا وقامت على أساسها تحليلات ماركس التاريخية الماديّة. كانوا ـ على طريقة ماركس الذي أيقن أن تاريخ الشرق مختلف عن تاريخ الغرب وعلل ذلك بسبب غياب ملكية الأرض في الشرق ـ يريدون تحليل الواقع العربي المُتغير دون أن يتخلوا عن أدوات ماركس وهنا ظهر مفهوم فكرة الطبقة الوسطى ووسموها بسمتين: الاستنارة الفكرية والاكتفاء الماديّ دون أن يعني ذلك حالة من حالات الثراء التي تضعهم في مصاف الطبقة -العليا-. كان طيب تيزيني من أكثر المفكرين العرب الذين عوّلوا على دور الطبقة الوسطى في عملية التغيير الاجتماعي المُرتقب، بل و-الثورة- التي عنون بها أحد مؤلفاته الضخمة -من التراث إلى الثورة-. كان الواقع العربي الذي عكف المفكرون العرب على تحليله يعاند مفاهيمهم الماركسية الكلاسيكيّة (حتى ولو كانت مُجدّدة أو مُهجّنة كما كان الوضع عند حسين مروة وطيب تيزيني مثلاً). من الدلائل على هذه المعاندة هو مشروع التيزيني الذي لم يكتمل وفق الخطة المُسبقة التي وضعها لفهم بل وللثورة وتغيير الواقع العربي. هكذا ومع نهاية التسعينيات تخلى عن مفهوم الطبقة الوسطى وراح يتكلم عن -جُماع الشعب- ويصفه بتردي أوضاع الطبقة الوسطى ماديّاً وإفقارها من قبل الطبقة الحاكمة المُهيمنة مما أدى إلى سقوطها واندماجها مع الطبقة الوسطى. كان تيزيني يريد أن يجد مخرجاً لمأزق التفكير النظري الذي وضعه والذي لم يصدقه الواقع، ولكنه دون أن يدري كان يعود من جديد إلى ثنائية ماركس الشهيرة حول الطبقتين التي تتناقض مصالحهما: طبقة صغيرة تمتص خيرات الطبقة الفقيرة وهي كل ما عداها من الشعب. مرّة أُخرى يأتي سؤالك ليُذكّر بهذا التصور الكلاسيكي الذي برأيي لم يعُد يجدي كثيراً بل ويبقينا أسيري فكرة نظرية لا تستطيع أدواتها برأيي فهم الواقع العولميّ الجديد كلياً والذي راح -يلبرل- العالم(يجعله ليبرالياً). إنني إذن أود أن أقول أن فكرة الحوامل الاجتماعية للفكر الذي يكون برجوازياً ثم تقوم طبقة اجتماعية وسطى بوضعه موضع التحقيق والعمل لن تساعدنا في فهم ما لا زلتُ مصرّاً على تسميته بالربيع العربي بكل ما تحمله هذه الكلمة من تفاؤل ووعود.
ولأوضح فكرتي أكثر فإنني سأرجع إلى فكرتي حول المركز والهامش لتفسير هذه الظاهرة. لقد استطاعت المراكز المُسيطرة على مصادر السُّلطة والاقتصاد والمزاوجة بينهما من تثبيت مؤخراتها على كراسي الحُكم وإحكام قبضتها على موارد كُل بلد وقد اطمأنت إلى أن زمن الثورات ولا وأن التغيير لا يمكن أن يمر من بين جدران المخابرات. وفعلاً هذا ما حصل وهنا بدأ كل حاكم يُفكّر بتوريث ابنه مزرعته بحيواناتها المُدجّنة وهذا ما فعله حافظ الأسد. ولكن كان للتاريخ كلام آخر. فقد كان يُعدُ حطبه بصمت إلى أن جاء عود ثقاب البوعزيزي ليشعل نيران الثورة. لقد حصل أن ثورة المعلومات والاتصالات قد غيّرت في بنية الوعي ومفهوم الحرية في أقصى قرية يمكن أن يصلها الهاتف الخليوي والمحطات الفضائية والانترنيت. رغم رقاباتها الصارمة كان لا يُمكن لحكومات العالم العربي أن تضبط تدفق المعلومات والأخبار ومواقع الجنس الإباحيّة و الخ الخ. كانت ثورة الاتصالات حصيلة الليبرالية الغربية ذات الاقتصاد المعولم الذي بقصد الربح وفتح العالم كأسواق لتكنولوجيته قد حطّم قوالب الماضي فنشأ جيل عربي سأسميه جيل ثورة الاتصالات لا يُمكن أن تحكمه على طريقة الدكتاتوريات العربية. باللاوعي حصلت لبرلة لوعي جيل تكسّرت قيوده ولم يعد يطيقها. هنا تراكم على الهوامش حالة جديدة لم تكن معروفة من قبل ولم بفطن لها الحاكم العربي الغبيّ أصلاً (لو كان هناك حاكم ذكي لأصلح بلده بدل احتكارها وتوريثها).
المُشكلة أن ثورة الاتصالات كانت سيف ذو حدين فرغم مصادرها الليبرالية الغربية إلا أنها راحت في اتجاهين: اتجاه الوعي الليبرالي العفوي العشوائي واتجاه اعادة استخدامها لأغراض إرهابية. وما أقصده بكلمة إرهابية هنا هو مثلاً تلك القنوات الفضائية العربية التي نبتت كالفطر والتي استخدمت تقنيات التكنولوجية والأقمار الصناعية لتكريس التخلف والحض على الكراهية والعنف ومعاداة الحرية ولنتذكر في هذا السياق أن الإرهابيون هم خبراء اتصالات وقدرة على اختراق البرامج الأكثر حصانة والتفجير عن بعد والتنصت الخ الخ.
بهذا المعنى كانت مقومات الثورة عفوية شعبية عامّة مُحركها الأول والأساسيّ هُم الشباب. وهنا ليس محرك الربيع العربي طبقة ولا حامل اجتماعي لفكر مُحدّد بقدر ما هو تعبير عن رغبته في الحرية من أقفاص الدكتاتوريات العربية الضيقة الصدئة. هؤلاء الذين يريدون الحرية وهم جيل منفتح على المعلومة مفرداتهم لا شك هي مفردات الليبرالية والحرية التي نادت بها الفلسفة وأصلتها منذ زمن فصارت شعارات تُقال في المظاهرات وترفع على اللافتات. في مواجهة هؤلاء يقوم أولئك الذين يركبون الموجة من الذين أثرّت عليهم التكنولوجيا سلبيّا فأرادوا سحب التاريخ من أذنه وإعادته إلى الوراء. من أجل هذا تساءلت هل سيستطيع الغزالي السلفي أن ينتصر مرة أخرى على عقلانية ابن رشد؟ لا أعتقد ذلك شخصياً...


16 - تعليق وتساؤل
محمد عثمان محمد ( 2013 / 2 / 12 - 09:09 )
التحية للجميع، يمكن القول أن تساؤلات وظيفية الفلسفة:حياتها من موتها..تثار كثيرا في الحوارات -المغلقة- التي يتجاذبها بعض المهتمين هنا في السودان، يمكن القول أيضا أن هذه التساؤلات نأتيها من موقع غير فلسفي، وهو موقع السؤال السياسي: الثورة حين تطرح كخيار سياسي في مواجهة سلطة سياسية وبالتالي يكون النظر لهذا المشهد يجعله مطروحا بإعتباره المسألة الكلية وتصير الفلسفة هنا-في نظرهم-عاجزة بل وترف وخيانة عند بعضهم، لكن في رأيي أن نبعد الفلسفة قليلا عن مسار إنجاز مهامنا السياسية/الاجتماعية، فإن كان الحزب السياسي يقوم على هذه المهام، فإن الفلسفة هي التي تمهد للخطاب السياسي بأن يكون موجودا فاهما لواقعه ومفهوما من خلال مدركات محددة، إذ بمرور الزمن تبتعد الفلسفة عن إطارها النظري/الأولي لتنحو إلى ممارسات عملية وتطبيقية والفلسفة فيما يتعلق بالألمام بها تختلف تماما عن الإلمام بالخطاب السياسي ، فإن كانت الجماهيرية مطلوبة في الأخير فالفلسفة نخبوية،لها علاقة بتراكمات الوعي ...أعتقد في نهاية هذه المداخلة أن أطرح سؤالا: هل ساهمت الفلسفة في إحداث التغيير في المنطقة -الربيع العربي- ومن ناحية أخرى هل ساهم التغيير في قراءة أخرى او تطوير لقراءاتنا الفلسفية خصوصا فيما يتعلق بمدى عقلانية الثورة وعقلانية ما بعد الثورة ،


17 - رد الى: محمد عثمان محمد
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 12 - 20:15 )
أخي العزيز محمد عثمان محمد شكراً لمداخلتك الموجزة والتي سأرد عليها على شكل تلغرافات فقد استوقفني فيها عدّة نقاط مثل تداول الحوارات الفلسفية في السودان في جلسات مُغلقة كما لو كانت الفلسفة كتعاطي المُخدرات. لا أعرف حقيقةً مدى الحُرية المٌتاحة للفكر النقدي الفلسفيّ في بلد مثل السودان، ولكن أحلُم بيوم تنتشر فيه النقاشات الفلسفية والثقافية والسياسية في فضاءات عامة وشعبية في بلداننا أكثر من انتشار الجوامع والزوايا والتكايا.
نقطة أُخرى مررتَ عليها وهي أنكم في نقاشاتكم المغلقة تلك تقاربون الفلسفة من موقع السؤال الفلسفي وهذا ربما ما جعلكم كما ذكرت تتفكّرون بالفلسفة كخيار سياسيّ. لا شك أن الفلسفة غير منخرطة بالواقع انخراط مباشر، ولكنها لا شك تُأسِّسُ للسياسي وتحدد مفاهيمه ومعاييره وتحاول ضبطه منهجياً ومعرفياً وتنتقد توجهاته. هذا ما فعله ماركس مع الافكار السياسية الاشتراكية التي اتهمها بالمثالية ومع التوجهات السياسيّة البرجوازية الاستغلالية الانتهازية بحسب مفردات القاموس الماركسيّ.
نعم اتفق معك على أن الفلسفة بالأصل نخبويّة وهي تحتاج إلى مراس وتكريس الحياة للاشتغال الفلسفي، ولكنها أيضاً تتنزل من نخبويتها وتُصبح من مفردات اللغة اليومية مع الزمن. إن كلامك عن أن الفلسفة تُراكم الوعي هو إقرار غير مقصود بأثر الفلسفة الذي بدأ نخبوياً ثم راح يتجلى شعبياً بطريقةٍ أو بأُخرى. مع اليونان كان هناك تداول شعبي للفلسفة وفي القرن الثامن عشر نشطت المنتديات الثقافيّة الفكريّة في أوروبا. لقد تساءل هيغل الشاب عن كيفية جعل الفلسفة شعبيّة فتوم بتوحيد الرؤية الشعبية التي تمزّقت مع انحسار الدين عن الحياة الأوروبية مع قدوم الحداثة. لفي دراساته المُبكّرة عن المسيحية كان هيغل يريد للفلسفة أن تحل محل الدين الجامع الذي تمزق نسيجه الاجتماعي ثم أهاب بالفن القيام بهذه المهمة ثم عدل عن رأيه من جديد. هذا كان حال هيغل الشاب، لكن هيغل الكهل لم ينِ يُفكّر في توحيد الفكر فقد سعى لتوحيد جبهات العقل الذي تجزأ مع كنط إلى عقلين نظري محض وعمليّ ينبني على الواجب بالإضافة إلى ملكة الحكم الجمالي. كان العقل الهيغلي الذي وحّد أجزاء العقل المُتشظيّ يتعين في الواقع ويصبح وعياً شعبيّاً مُعاشاً مع الزمن. ولعل نظرية الفعل التواصلي الهابرماسيّة التي تقوم على العقلانية التي تختزنها لغة التواصل العادية واليومية بين البشر إلا محاولة ألمانيّة جديدة لإخراج الفلسفة من برجها العاجي وجعلها تتكلم على لسان الناس.
بنظري الشخصي الفلسفة كالتاريخ والزمن لا تظهر نتائجها إلا بعد فترة وعلى نحو تراكُميّ.
سؤالك عن مدى مساهمة الفلسفة في الربيع العربي، فأظن أنني قد جاوبت عليه في كلمتي الافتتاحية أما سؤالك هل ساهم الربيع العربي في إعادة قراءتنا للفلسفة فهذا ما سيكشفه لنا الزمن عندما تهدأ الثورة ويعود العقل ليكتب عن مغامرته تلك.


18 - تساؤل
عبدالله تركماني ( 2013 / 2 / 12 - 09:22 )
مع كل احترامي وتقديري لموقع - الحوار المتمدن - وللدكتور خلدون النبواني في مقدمته الثرية فإني أود أن أسأله: مادام للفلسفة دور تغييري .. كيف يمكن لفلاسفة اليوم النقديين أمثالكم أن تنظر بشكل عميق للدور البارز للحوامل الاحتماعية الجديدة التي أبرزها ربيع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، أقضد خاصة الشباب والنساء، وكذلك الفئات المهمشة في الأرياف والبلدات المحيطة بالمدن ؟؟؟ مع جزيل شكري وفائق احترامي


19 - رد الى: عبدالله تركماني
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 13 - 15:10 )
أستاذي العزيز عبد الله تركماني والسيادات والسادة الأفاضل الذين أثاروا إشكاليات وتساؤلات أغنت الورقة التي قدّمتُها. سأحاول هذا المساء إن استطعتُ إلى ذلك سبيلا الرد على جميع تساؤلاتكم ومناقشة أفكاركم القيمة. عذراً على هذا التأخير، ولكن يومي الثلاثاء والأربعاء هما أطول يومين في الأسبوع حيث لدي حصص تدريسية فيهما من الصباح وحتى المساء.
محبتي واحترامي لكم جميعاً وإلى لقاء جديد هذا المساء كما آمل.
خلدون النبواني

الدكتور العزيز عبد الله تركماني. شكراً لسؤالك واعتذر عن التأخر في الرد لأسباب ساعات العمل الطويلة هذين اليومين. سؤالك مهم ويأتي ليسد ثغرة لم تتناولها ورقتي المطروحة للنقاش وهو يأتي ليطالب الفلسفة المتعالية المجرّدة لأن تُترجم نفسها سياسياً فتتحول المقولات إلى أفعال والتأملات إلى معطيات تاريخية واجتماعية. لاشك أن الفكر أي فكر مهماً كان أصيلاً ونقدياً ومُقارباً للواقع، إلا أن إمكانية فعله في الواقع يحتاج إلى حوامل اجتماعية. لم تقم أية ثورة اشتراكية بالمعنى الماركسي في عهد ماركس ولا وفقاً لتوقعاته حيث كان يرجح أنها ستقوم في بريطانيا لأنها كانت تُمثِّل حينها، برأيه، أعلى مراحل الرأسمالية التي ستعمل على خلق تناقضاتها وتجاوز الرأسمالية إلى الاشتراكية التي كان ينشدها، بل ويعتبرها ضرورة تاريخية وحقيقة علمية. مع الماركسية تبلور مفهوم الطبقات وظهرت فكرة الحامل الاجتماعي للفكر بوصفها غالباً الطبقة الوسطى في المجتمع الذي ينقسم بحسب بعض الأدبيات الماركسية (غالباً اللاحقة على ماركس) إلى ثلاث طبقات (كان ماركس يُركّز على طبقتين الأقلية المُتحكمة والمهيمنة والمُستَغِلة والطبقة الفقيرة المُهمشة التي تثور وهي طبقة الأكثرية وهنا نلحظ أثر الجدل الهيغلي واضحاً جليّا). بعض التوجهات الماركسية ومنها في العالم العربي أضافت إذاً طبقة جديدة هي الطبقة الوسطى التي (من أسمها) تتوسط الطبقتين المُستغِلة والمُستغلَّة. كان هؤلاء المفكرين العرب يريدون فهم الواقع العربي انطلاقاً من أدوات ماركسية، ولكن بعد مواءمته مع سيرورة تاريخية تختلف عن تلك التي ظهرت في أوروبا وقامت على أساسها تحليلات ماركس التاريخية الماديّة. كانوا ـ على طريقة ماركس الذي أيقن أن تاريخ الشرق مختلف عن تاريخ الغرب وعلل ذلك بسبب غياب ملكية الأرض في الشرق ـ يريدون تحليل الواقع العربي المُتغير دون أن يتخلوا عن أدوات ماركس وهنا ظهر مفهوم فكرة الطبقة الوسطى ووسموها بسمتين: الاستنارة الفكرية والاكتفاء الماديّ دون أن يعني ذلك حالة من حالات الثراء التي تضعهم في مصاف الطبقة -العليا-. كان طيب تيزيني من أكثر المفكرين العرب الذين عوّلوا على دور الطبقة الوسطى في عملية التغيير الاجتماعي المُرتقب، بل و-الثورة- التي عنون بها أحد مؤلفاته الضخمة -من التراث إلى الثورة-. كان الواقع العربي الذي عكف المفكرون العرب على تحليله يعاند مفاهيمهم الماركسية الكلاسيكيّة (حتى ولو كانت مُجدّدة أو مُهجّنة كما كان الوضع عند حسين مروة وطيب تيزيني مثلاً). من الدلائل على هذه المعاندة هو مشروع التيزيني الذي لم يكتمل وفق الخطة المُسبقة التي وضعها لفهم بل وللثورة وتغيير الواقع العربي. هكذا ومع نهاية التسعينيات تخلى عن مفهوم الطبقة الوسطى وراح يتكلم عن -جُماع الشعب- ويصفه بتردي أوضاع الطبقة الوسطى ماديّاً وإفقارها من قبل الطبقة الحاكمة المُهيمنة مما أدى إلى سقوطها واندماجها مع الطبقة الوسطى. كان تيزيني يريد أن يجد مخرجاً لمأزق التفكير النظري الذي وضعه والذي لم يصدقه الواقع، ولكنه دون أن يدري كان يعود من جديد إلى ثنائية ماركس الشهيرة حول الطبقتين التي تتناقض مصالحهما: طبقة صغيرة تمتص خيرات الطبقة الفقيرة وهي كل ما عداها من الشعب. مرّة أُخرى يأتي سؤالك ليُذكّر بهذا التصور الكلاسيكي الذي برأيي لم يعُد يجدي كثيراً بل ويبقينا أسيري فكرة نظرية لا تستطيع أدواتها برأيي فهم الواقع العولميّ الجديد كلياً والذي راح -يلبرل- العالم(يجعله ليبرالياً). إنني إذن أود أن أقول أن فكرة الحوامل الاجتماعية للفكر الذي يكون برجوازياً ثم تقوم طبقة اجتماعية وسطى بوضعه موضع التحقيق والعمل لن تساعدنا في فهم ما لا زلتُ مصرّاً على تسميته بالربيع العربي بكل ما تحمله هذه الكلمة من تفاؤل ووعود.
ولأوضح فكرتي أكثر فإنني سأرجع إلى فكرتي حول المركز والهامش لتفسير هذه الظاهرة. لقد استطاعت المراكز المُسيطرة على مصادر السُّلطة والاقتصاد والمزاوجة بينهما من تثبيت مؤخراتها على كراسي الحُكم وإحكام قبضتها على موارد كُل بلد وقد اطمأنت إلى أن زمن الثورات ولا وأن التغيير لا يمكن أن يمر من بين جدران المخابرات. وفعلاً هذا ما حصل وهنا بدأ كل حاكم يُفكّر بتوريث ابنه مزرعته بحيواناتها المُدجّنة وهذا ما فعله حافظ الأسد. ولكن كان للتاريخ كلام آخر. فقد كان يُعدُ حطبه بصمت إلى أن جاء عود ثقاب البوعزيزي ليشعل نيران الثورة. لقد حصل أن ثورة المعلومات والاتصالات قد غيّرت في بنية الوعي ومفهوم الحرية في أقصى قرية يمكن أن يصلها الهاتف الخليوي والمحطات الفضائية والانترنيت. رغم رقاباتها الصارمة كان لا يُمكن لحكومات العالم العربي أن تضبط تدفق المعلومات والأخبار ومواقع الجنس الإباحيّة و الخ الخ. كانت ثورة الاتصالات حصيلة الليبرالية الغربية ذات الاقتصاد المعولم الذي بقصد الربح وفتح العالم كأسواق لتكنولوجيته قد حطّم قوالب الماضي فنشأ جيل عربي سأسميه جيل ثورة الاتصالات لا يُمكن أن تحكمه على طريقة الدكتاتوريات العربية. باللاوعي حصلت لبرلة لوعي جيل تكسّرت قيوده ولم يعد يطيقها. هنا تراكم على الهوامش حالة جديدة لم تكن معروفة من قبل ولم بفطن لها الحاكم العربي الغبيّ أصلاً (لو كان هناك حاكم ذكي لأصلح بلده بدل احتكارها وتوريثها).
المُشكلة أن ثورة الاتصالات كانت سيف ذو حدين فرغم مصادرها الليبرالية الغربية إلا أنها راحت في اتجاهين: اتجاه الوعي الليبرالي العفوي العشوائي واتجاه اعادة استخدامها لأغراض إرهابية. وما أقصده بكلمة إرهابية هنا هو مثلاً تلك القنوات الفضائية العربية التي نبتت كالفطر والتي استخدمت تقنيات التكنولوجية والأقمار الصناعية لتكريس التخلف والحض على الكراهية والعنف ومعاداة الحرية ولنتذكر في هذا السياق أن الإرهابيون هم خبراء اتصالات وقدرة على اختراق البرامج الأكثر حصانة والتفجير عن بعد والتنصت الخ الخ.
بهذا المعنى كانت مقومات الثورة عفوية شعبية عامّة مُحركها الأول والأساسيّ هُم الشباب. وهنا ليس محرك الربيع العربي طبقة ولا حامل اجتماعي لفكر مُحدّد بقدر ما هو تعبير عن رغبته في الحرية من أقفاص الدكتاتوريات العربية الضيقة الصدئة. هؤلاء الذين يريدون الحرية وهم جيل منفتح على المعلومة مفرداتهم لا شك هي مفردات الليبرالية والحرية التي نادت بها الفلسفة وأصلتها منذ زمن فصارت شعارات تُقال في المظاهرات وترفع على اللافتات. في مواجهة هؤلاء يقوم أولئك الذين يركبون الموجة من الذين أثرّت عليهم التكنولوجيا سلبيّا فأرادوا سحب التاريخ من أذنه وإعادته إلى الوراء. من أجل هذا تساءلت هل سيستطيع الغزالي السلفي أن ينتصر مرة أخرى على عقلانية ابن رشد؟ لا أعتقد ذلك شخصياً...


20 - طريق عمل
د . سعد ابو بكر ( 2013 / 2 / 12 - 12:44 )
الفلسفة حياة لكن ان لم تكن تنتج طرق عمل تطبيقية او خطط او مشاريع بالاماكن تطبيقها بفعاليه لن تخدم اي هدف اى هدف واحد الكلام فقط ، لهذا يجب ان نحلل اصل المشكلات ونجد حلول .مع التحية


21 - رد الى: د . سعد ابو بكر
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 13 - 22:21 )
الدكتور سعد والأساتذة الأفاضل. استميحكم عذراً بتأجيل الرد للغد. فلم أعد أرى جيداً بعيني. لقد جمعتُ دروسي يوم الأربعاء حيث أدخل على الطلاب الساعة 9 صباحاً وأودع آخر دفعة منهم الساعة الثامنة ليلاً.

سأحاوركم غداً بكل تأكيد ففي هذا كل المتعة والفائدة لي.
مودتي....

الدكتور العزيز سعد أبو بكر. شكراً لمُداخلتك التي سأسمح لنفسي بمناقشتها مُعترضاً. غالباً ما لا تُفهم الفلسفة وجدواها من قبل غير المشتغلين بها وهذا شيء طبيعي ومفهوم. فقد يقول الإنسان أنا أفهم أن المهندس مثلاً قد يُصمم سيارة أو طيارة أو بيتاً والطبيب يعالج الأمراض فيزيولوجياً، ولكن ماذا تفعل الفلسفة والفلاسفة؟ وإن قلت لهم أن مهمة الفيلسوف هو التفكير والتأمل فإن شخصاً غير مُطلع عليها قد يضحك ويسخر فهو سيقول أن كل الناس تُفكّر وتتأمل فهل هذه مهنة وما هي نتائجها؟ الفلسفة تتعامل مع المُجرّد وهي بوصفها شكلاً من أشكال الثقافة فإن تأثيرها غير مباشر وغير محسوس تلقائياً إنها تُساهم في النقد وضبط العالم المبعثر بشكل منطقي مُنظم أو تحطيم الأصنام أو أو الخ.
وفي الحقيقة لا يتوقف الأمر على غير المختصين بالفلسفة على نقد الفلسفة بوصفها تفكير مجرد وتأمل لا طائل منه وهم بهذا إما قد ينكروا أي دور للفلسفة في الواقع وإما قد يطالبونها بنتائج وتطبيقات. كان الفيلسوف فتجنشتاين من الذين أنكروا أي دور للفلسفة وكانت البراغماتية الأمريكية من التوجهات التي تطالب الفلسفة بنتائج ملموسة وتطبيقات عملية.
شخصياً أنا مع فكرة أهمية التراكم المعرفي والفلسفي الذي يحققه مع الزمن ويحقق وعياً ويثوّر فكرياً ويغير من نظرة الإنسان لنفسه والعالم إنها مثل الزمن يؤثر فينا، ويجعلنا نكبر ونولد وننمو ونمت دون أن يكون أحدنا قد رأي الزمن وجهاً لوجه. أنا أرى فائدة عظيمة غير مباشرة للموسيقا والأدب والشعر ووووو الخ وهي أكثر فعلاً في الواقع من أي نتيجة سريعة تطبيقية مُباشرة ولا بأس من شيء من البراغماتية الفلسفية.


22 - من هو سيد الدمى
رامي شمرا ( 2013 / 2 / 12 - 13:38 )
اتوجه للسيد النبواني بالشكر على هذه المقالة ولي ان احاججه على وصف وجهة النظر القائلة بأن الثورات اسلامية ب فذلكة، فلوجهة النظر تلك حجج مقنعة تجعل من تفنيدها امرا شائكاً، وليست محاولتي تحليل الثورة بشكل مختلف اهانة للتقدميين او المواطن الثائر الذي بذل الكثير في سبيل قضيته، وليست دفاعاً عن فكرة اسلاموية الثورة بل محاولة لتوصيف انحرافات هذه الثورات واغترابها عن ماهيتها الحقيقية. لنأخذ حالة مصر وتونس -وهما الحالتان اللتان لم تجرِ فيهما دماء الى حد يمكّننا من القول بأنه سبَّب حرف الثورة عن اهدافها الحقيقية:
ما الذي جعل الثورات* تسلك دربا مختلفا لدرجة المعاكسة الكاملة لاهدافها بتلك السرعة؟ وكيف تمكن طرف ثالث لم يُنظّر لها ولم يضحي لأجلها من الاستحواذ عليها في انتخابات ديمقراطية (عددية)؟ هل يمكننا ان نقول عن انتصار عددي تم بدون اللجوء الى العنف بأنه حدث طبيعي سيأخذ دوره في خط التراكم التقدمي؟ كيف بدأ المجتمع ثورة يسارية وانهاها بانقلاب يميني، وكيف تحالفت الثورة اليسارية مع مضادتها بوجه اليمين في الانتخابات الديمقراطية وخسرت مع ذلك؟ اين حدث الخطأ؟
ارى انه يمكننا تفسير الحالة بشكل مختلف إن نظرنا الى ما جرى ويجري الآن بالعين التي رأى بها ماركس المجتمع في مخطوطاته الاولى وقبل ان يخطئ خطأ هيغل ويتوه في جدل عقلاني صرف، حيث ان مفهومي الاغتراب والضياع -الذي لم يخضعهما لقوانين دياليكتيكه لاحقاً -يتدخلان في تحديد ماهية البناء الفوقي لدرجة اعادة تشكيله بمعزل عن الاقتصاد، و يصبح في هذه الحالة الحامل محمولا ويتحول الحامل المفترض به ان يقف على قدميه الى مركب يستعين بقدمه اليسرى ويده اليمنى للوقوف.
يمكننا القول وبشكل مادي دياليكتيكي بأن الدين ملازم للاقتصاد كمحرك اساسي للبنية المجتمعية وكليهما شرط لازم غير كافي بدون توفر الآخر، وللدين اليد العليا في المعادلة (لم تقم ثورات في الخليج العربي لان الوضع المعيشي مقبول لدى المجتمع ولا يعاني افراده من اثار الاغتراب والضياع النفسية مع توفر كل اشكال الاستهلاك والتملك المعاوضة وكل وسائل الدين الكابحة اما الثورة التي انطلقت في البحرين فقد انطلقت من حاملها المعلن الدين).اصبح لدينا افيون ديني ودنيوي فكيف سيتطور الصراع ان لم يكن هناك عنصر سالب يستدعي التغيير الايجابي؟ بشكل اخر هل من الممكن ادارة صراع الى ما لانهاية نظرياً؟
ارى ان القول بأنَّ الثورة الحقيقية بدأت وستأتي اكولها بعد تراكمها غير منطقي، على الاقل في المستقبل المنظور، بل ويمكن حتى القول بأنه مستبعد، حيث يجب على المجتمع ان يقطع اشواطا محددة بتراكم الوعي تنتهي بثورة على الدين (الحامل المقنع) اولاً متضمنة بالضرورة ثورة على القيم الاجتماعية التي سادت بسببه بالاساس وينتهي بصدام مسلح بين مكونات من المجتمع، وعندها يمكن لنا القول انها ثورة حقيقية –وهي ليست بالضرورة مستدامة او رخيصة من ناحية الثمن؛ اما حالة استبدال ديكتاتور بآخر فلا ارى انها تعكس تغير في الوعي او تغير في الحالة بقدر ما تعكس صراعاً جدلياً مثاليا مغلقاً (صراع واقعي و بدون نفي النفي). وهو لا ينفي بل يستبدل الادوار بدون تطور للمجتمع ولا يمكن توصيفه بصراع هيغلي او صراع ماركسي مع انه يحتوي الاثنين اي انه يجري في الواقع ويتفاعل معه عملياً وخاضع لشروط جدلية بالضرورة ولكنه ايضا صراع ايديلوجي صرف.
ذكرت سيد نبواني بأن الانسان لن ينتبه متى زاد طوله وبأن التراكمات تتطلب وقتاً وهذا كلام مقنع في هذا المثال، ولكن نمو الانسان عملية تقدمية بطبيعتها ولا يمكن عكسها بالوعي او بغيره، بينما يمكن وبسهولة نسبية تحقيق تغيير تراجعي على الصعيد الاجتماعي (يمكن بتبريد البخار اعادته الى الحالة السائلة ومن الممكن تحويله الى حالة صلبة). ففي حالة الربيع العربي حصل استبدال ومن نمط رجعي ومن السهولة بمكان تكريسه؛ ولن ينتبه الانسان متى اصبح -يقتل باسم الرب بهذه السعادة-.
لا اتوقع ان مادياً يشك في ان الفلسفة المثالية مندحرة مع تقدم العلم، وان اردنا فعلاً تسريعها فعلينا التوجه مباشرة الى نقد الحامل الاساسي (الدين) الذي ارهق مجتمعاتنا بقيوده، اخذين بعين الاعتبار عند سلوك هذا النهج بان هذا التسريع لن يعفينا من المرور بمنعطفات خطرة ولن ينجح في المرحلة النهائية من التراكم بالالتفاف على حتمية التصادم الدموي معها (مع انصارها) لنحصل على التغيير المنشود والذي لن يكون مستداماً بالضرورة بسبب الجانب السيكولوجي الجماعي وطباع الانسان الفردية كالحقد والغضب وغيرها.
اظن أن مهمة تغيير العالم أو القفز فوق المراحل (التي تدعو اليه بعض النخب التقدمية) غير مفيد ويمكن القول بأن التغير الدياليكتيكي الميكانيكي الناجم عن صراعات محتومة ولكن بطيئة افضل منه؛ إن لاوعي العامة اقوى من وعيهم ولن تنجح النخب يوما في تغيير هذه الحقيقة قسرياً او بشكل صدمي بل ستنجح في التلاعب بها لما يخدم مصالحها الشخصية كما عند ماكيافيللي – وكما شرح غرامشي في حالة السيطرة على الوعي الاجتماعي عن طريق الإعلام والمجتمع المدني؛ وممكن لها (اي النخب التقدمية) ادارة التغيير او قيادته من فوق بحيث يأتي بالنتيجة التي انطلق من اجلها بالتكلفة الاقل وبالسرعة الممكنة ويجب ان يتم ذلك بدون تدخل مباشر مفضوح قد يعطي نتائج عكسية.
الا ترى معي استاذ نبواني بأن قيادة مموهة تقوم بها النخب التقدمية لمجتمع بالاستفادة من انجازات علمية صرفة يمكّنها من القيام بتغيير تقدمي مستدام -يصبح معه تغير الوعي وانحلال السلطة الدينية المرافق تحصيل حاصل؟
لعل هذا التغيير البطيئ البارد والتراكمي (الانتقال) ضمن المجتمع افضل من ثورات اناركية مزلزلة، وافضل بكثير من ثورات حاملها طبقي او ايدولوجي معرضة للانتكاس والانحراف بسهولة لدرجة انها قد ترجع مجتمعاً الى العصر الحجري.
سلامي ومودتي لك وللمشاركين الافاضل، تقبلوا مروري
_________________________________
• تم استعمال بعض المصطلحات بدون مناقشة مضمونها الحقيقي ك -الثورات الاسلامية- او -الربيع العربي- حتى لا نحيد بمقالة الاستاذ نبواني عن افكارها الاساسية


23 - رد الى: رامي شمرا
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 19 - 03:17 )
الأستاذ العزيز رامي شمراَ شكراً للقراءة وللرد. واستميحك عذراً أنت والسادة القراء عن تأخري في التحاور. بصراحة عندما وافقتُ على موعد الحوار الذي تفضل بعرضه عليّ مشكوراً موقع الحوار المتمدن، لم أكن أعرف أنني على موعد مع المرض والانشغالات الطارئة الأُخرى التي أُمطرتُ بها مؤخراً.
إذن شكراً لردك الذي سأقرأه تفكيكياً واسمح لي أن أقول بعد قراء فاحصة لما كتبته في تعليقك أن ردك يذهب في اتجاهات مختلفة قد تتناقض أحياناً ولعله يُثير جملة من الإشكاليات المنهجية عندما نتأمل بتفاصيله. ولكي أوضح ما أقول سأحاول مناقشة نقاط تفصيلية مررتَ عليها في ردك الذي يظل رغم نقدي له مهماً ويضيف على نصي ويمده.
قبل أن أعود لفكرة الربيع العربي والفلسفة دعني أبتدأ مع هذه الأخيرة أولاً. لقد بدأتَ الحديث فلسفياّ عن ماركس الذي قلتَ أنه وفي مخطوطاته الأولى تجنب خطأ هيغل بالتوهان في جدل عقلاني صرف وإن مفهومه عن الاغتراب أو الاستلاب والضياع لم يخضعهما لاحقاً لقوانين ديالكتيكه وبهما، ولعلك تقصد هنا، هذين المفهومين لدى ماركس الشاب يساعداننا أكثر على تحليل الواقع. أحترم قراءتك وأتفق مع ضرورة إشراك ما صنّفه ماركس من معطيات البنية الفوقة كالثقافة والدين في تحليل الظواهر. المشكلة أن مقدمتك هذه تعوّل على هذه البنية قبل أن تنسفها لاحقاً وتلغيها وتلغي دورها لصالح خلفية ماركسية أقرب إلى الأرثوذوكسية في تعاملها مع الموضوع. حسناً سأحاول إذن أن أُّقدّم قراءتي مع تأكيدي على احترامي لوجهة نظرك.
قراءتي للموضوع أن ماركس الشاب كان أقرب إلى هيغل ومفرداته من ماركس الكهل حيث تراجع لديه الجدل العقلاني الصرف في مراحله المتأخرة على عكس ما كان عليه في مؤلفاته الأولى وعلى عكس ماذ هبتَ إليه حضرتك. عند ماركس الشاب كانت تبرز مفاهيم هيغل حول الانسان الذي سيختفي تقريباً من مؤلفات ماركس الكهل وسيحل مكانه فكرة الفرد العامل اما فكرة الاغتراب الروحي الهيغلي فهي ستصبح عند ماركس الناضج فكرة اغتراب العامل عن نتاج عمله واستلابه للآلة ولسيد العمل الخ وهي لم تختفي نهائياً من مؤلفاته الأخيرة وخضعت لقوانين الجدل الماركسي على عكس ما قرأته أنت. لا شك أنني هنا لا اعتبري قراءتي صحيحة وغيرها خاطئ، ولكنني أميل إلى هذا -الاعتقاد- أو التصور ولو رجعت مثلاً إلى كتاب إريك فروم -مفهوم الإنسان عند ماركس- لوجدت ما يُساعد على توضيح وجهة نظري ولو بحثت عن مفردات الإنسان في أجزاء -رأس المال- لوجدتها شبه مختفية على خلاف ما حفلت به في كتاباته الأولى ولوجدت أن مفهوم المجتمع مثلاُ راح يستولي على مكان مفردة الطبيعة تشغله سابقاً الخ.
في تعويلك على دور البنية الفوقية الذي اتفق معه مع العلم أنني أرغب في تحطيم ثنائية ماركس وهيغل التي تبقى ميتافيزيقية مع ماركس رغم رغبته القطع مع الميتافيزيقا. ولكن لا بأس، لو استخدمنا مفرداته لقنا إذن، أن البنية الفوقة دور فاعل في التغيير المجتمعي والسياسي وهذا ما عملت عليه التوجهات الأصيلة في الماركسية اللاحقة على ماركس كما فعل جورك لوكاتش الأول (صاحب -التاريخ والوعي الطبقي-) وكارل كورش والجيل الأول من مدرسة فرانكفورت بل وحتى توجهات بعيدة عن الماركسية عوّلت على دور البنية الفوقية في التغيير كما فعل صموئيل هنتنغتون في رؤيته لصدام الحضارات. وسواء اتفقنا معه ام لا إلا أن رؤيته وضعت موضع التطبيق أو أثبت التاريخ صحة جزئية لها. لو ربطنا هذا إذن بما يحصل في الربيع العربي لوجدنا أثراً فاعلاً للدين في عملية اللعبة السياسية فقد امتطى الاسلاميون صهوات الثورات العربية، ولكن السؤال هو هل كسبوا الحرب؟ لقد كسبوا معركة وأثبتت الوقائع أنهم لم يحسموها ولم يحسموها فرغم فوزهم إلا أن محاولات فرض لونهم على المجتمع في تونس ومصر قد اصطدم بارادة شعبية مغايرة وقوية الحضور. بصراحة قناعتي الشخصية انه لا يمكن إلغاء الدين من حياة المجتمعات. لو فعلاً لاجتثثنا مكون روحي مهم من مكونات البشر والمجتمعات وقد وجد بدون استثناء تقريباً في كل المجتمعات. الظاهرة الروحية ضرورية وعلينا الاعتراف بها حتى ولو كنا ماديين ملحدين. ولكن على الآخر المتدين القبول والاعتراف بالآخر على قاعدة الاختلاف. وهنا لا بد من شيء من العلمانية والدولة المدنية وهذا ما سيحصل في بلدان الربيع العربي. مرحلة من التنخيل والاصطراع والدوران الى أن تستقر المور عند حالة معينة وهنا لا بد من فعل الإرادة ويعول علينا أصحاب الوعي المدني ألا نترك الساحة لأصحاب الفكر الاقصائي ونعترف بنفس الوقت بحضور المعتدلين وحقهم في ممارسة طقوسهم. أي يجب أن نعترف بحيزين: خاص تضمن فيه حريات الناس ومعتقداتهم وحقهم في ممارسة ما يريدون ويعتقدون وهذا حق من حقوق الإنسان وحيز عام يعترف بالجميع على اساس المواطنة والمساواة أمام القانون مهما كان معتقد الشخص او فكره او توجهاته.
لا اتفق معك أن الثورة في الخليج لم تقم بسبب الاكتفاء المادي وحضور شكل تصالحي ديني. الثورة قامت في البحرين وفي عُمان وقد قمعتها دكتاتوريات الخليج وتحالفت ضدها ولكنها آتية ولو بطريقة أقل ثورية برأيي كما أنني ضد نعت ثورة البحرين بالطائفية وإن كانت هذه الخيرة حاضرة فيها. الربيع العربي لم يستبدل دكتاتور بآخر وما هذه إلا جولة أهم ما فعله الربيع العربي هو وضع السياسة في مكانها الصحيح: في يد الناس، في الشارع بعد أن كانت مُحتكرة في يد بعض الأُسر المافيوية...
مودتي واعتذراي مجدداً عن ظروفي القاهرة والطارئة التي أخرتني من التفاعل.


24 - عولمة الفلسفة
نجات حمبد احمد ( 2013 / 2 / 12 - 21:30 )
اْخي العزيز خلدون النبواني
تحية طيبة
ربما لم يكرس ماركس فكره لاْقامة دولة اْكثر من اْنهماكه في المشاركة الفكرية والسياسية والفلسفية لسحق نظام فكري وسياسي عالمي يقوم على اْساس غير قويم وغير عادل,وبالرغم من التراث الكبير للثورات التي اْجتاحت العالم قبل وبعد الحرب الباردة.الا انها فاتحة لاْسئلة مهمة لم تثيرها في موضوعك عن دور الفلسفة في العالم العربي اْو خارجه وهذا ما اْريد اْن اْوضحه ,اذا ما اْفترضنا اْن العالم قبل ظاهرة العولمة وبالرغم من فقر وسائل الاْتصال واْنعدام التكنولوجيا الجديدة تاْثرت اْيما تاْثير بالفكر الماركسي,بحيث غطت الثورات الماركسية مساحات واسعة في العالم,اْما الان وبالرغم من التغيرات المذهلة في تكنولوجيا الاْتصال فاْن الفكر الماركسي لم يتمكن من اْحداث ثورة واحدة في العالم,واْن القول باْن الاْنتفاضات العربية اْنما كانت تحت تاْثير الفلسفة الماركسية وبشكل كبير,اْنما يعتبر خطاْ فادحا,لماذا؟ اْن الاْنظمة العربية التي تاْسست معظمها خلال الحربين العالميين الاْولى والثانية ساهمت في اْقامة اْنظمة سياسية تراكمية النماذج ,واْدى هذا التراكم ذو البعد الواحد في الحكم الى غياب الفكر التنويرى الحداثوي والفلسفي الاداعي ,واْمام قمع الفكر الحر والاْنفتاحي من قبل كافة الاْنطمة العربية وحتى الان,اْصابت المجتمهات العربية باْكبر اْنتكاسة في مجال الفكر والفلسفة,وبالمقارنة بالتغيرات الهائلة في هذين المجالين في العالم فكانت النتيجة واضحة جدا,كان الفكر المعارض هو فكر محكوم عليه اْن يكون فكرا يساريا او دينيا وسلفيا وليس لبراليا وبعد عقود من السنين ساهمت التحالفات السياسية العربية مع الاْنظمة الشيوعية والاْشتراكية في نشر الفكر الجديد لما اْحتوت من مناقشات للفكر الليبرالي,وان ينفتح الاْنسان العربي على الفكر الجديد وحاصة الفكر الديمقلراطي والفلسفة الحديثة,والسؤال المهم الذي يطرح نفسه,هل اْن الاْنتفاضات العربية لها جذور فلسفية للفكر الماركسي اْو ليبرالي؟ اْقول وبالرغم من دور الفكر الماركسي في الحوار مع الفلسفات ت الحديثة وبالرغم من تجذر هذه الفلسفة الماركسية في حياة ووعي الاْنسان العربي,الا اْنها لم ترتقي الى مستوى اْفراز حركات فكرية وسياسية متمردة عن العقلية المهيمنة في الوطن العربي,وبشكل مؤثر لماذا؟ لان الثقافة العربية ومنذ تاسيس اْلانظمة وحتى الان لم تتمكن من الاْبداع الفكري والفلسفي ولم تشارك بشكل فعال في الفكر والفلسفة,بل كل ما فعلت التاْثر العميق بالفكر المنتج خارج مجتمعاتها ,واْنتم لاحظتم مدى القسوة التي تلقاها اْصحاب الفكر في تحليل الخطابات الدينية في الوطن العربي,وكيف تمكنت هذه القوة الاْجتماعبة المسلحة بالغكر الاْيدولوجي من كبح جماح التجديد الفكري والفلسفي,من اْجل شل حركة عقل الاْنسان العربي وسجنه في متاهات الماضي والتراث, فاْصاب العقل العربي بشلل نصفي ودخل الفكر الجديد في سبات عميق,ولذلك لم يوعي الاْنسان العربي سبب اْنتفاضاته ولم تتمكن النخبة الفكرية العربية من تفسير ما يجري,ولم تتمكن اْية حركات يسارية اْو اْسلامية اْوليبرالية من تمثيل هذه الحركات والتنظير لها,بلكن وبالرغم من ذلك لا بد من الاْعتراف باْن الحركات السلفية والعقائدية شاْنها شاْن الحركات اليسارية والليبرالية كانت موجودة خلف هذه الاْنتفاضات دون اْن تتمكن من تمثيلها,ولذلك اْقول اْن المجتمعات التي قد غابت عنها الفلسفة وهي تواجه التغير لها فلسفة واحدة وهي التمرد على السائد والعريق والبعد الواحد في الحياة ,لقد قلت في مداخلاتي السابقة اْن هذه الاْنتفاضات هي بداية لثورات اْشمل وثورات حقسيقية وقد صح ما قلت ,كيف؟ اْن محاولة اْية جهة سياسية اْو دينية في الاْستيلاء على السلطة ومحاولة تمثيل التشتت الاْيدولوجي خارج التقبل بالفكر والفكر الديمقراطي ستصاب بالفشل,لاْنها ستسد الطريق اْمام المشاركة الجمعية لاْفراد المجتمع,لان لكل شريحة اْيدولوجية نظرتها الخاصة الى العالم ولذلك فشل التيار الاْسلامي على سبيل المثال من تمثيل الشرائح الفكرية اليسارية والليبرالية كما نرى ذلك بوضوح في تونس ومصر واليمن والعراق وسوريا,كل ذلك يدل على عدم تمكن المجتمعات العربية من افراز فلسفتها دون المساس بالاخرين والهجوم العنيف على الفلسفات الاْخرى بحيث اْصبح الصراع التعنيفي الاْنتحاري اْمام سطوة الاْخر وعنفه,السمة الجوهرية التي هيمنت على هذه الاْنتفاضات ولعل تسمية هذه الاْنتفاضات الشعبية ب((الربيع العربي))اْشارة الى غياب فلسفة عقلانية جديدة كمؤثر تاْريخي ولا يعني ذلك اْن هذه الاْنتفاضات قد قامت دون جدوى,اْو لم تحقق شيئا,اْنها تمكنت من سحق الشرعية التاْريخية في فرض الاْرادة على الاْخر وتمثيله بالقوة,اْنها تمكنت من التلويح بعالم يكون فيه الاْنسان صاحب اْختيار,اْنها شاركت في بلورة فكرة الفردانية,اْنها تمكنت من كسر هيمنة عالم سياسي وفكري واْيدولوجى فرض عليه منذ عشرات السنين وحققت الاْرادة الفردية في التمثيل والتعبير والعمل والمشاركة ,هذا الاْنسان الذي ظل اْنسانا ممثلا به لعشرات السنين دون اْن بينطق ويعبر عن فكره,اْذا اْنها فاتحة الوعي الفرداني الحديث,اْساسها كل الاْفكار والفلسفات والاْيدولوجيات التي تمكنت من الاْنتشار وبواسطة سرعة الاْتصالات وظاهرة العولمة بين المجتمعات العربية ومنها الغكر الماركسي والاْفكار اليسارية الا اْنني اْقولها اْن تحقيق هذ المبادىْ الغكرية والفلسفية لهذه الاْنتفاضات بحاجة ماسة الى التنظير والتمثيل فلا زالت تتحرك بعفويتها ولا تجد من يمثلها اْو يطورها,اْستمتعت بقرائتي لمقالكم وشكرا لكم


25 - رد الى: نجات حمبد احمد
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 19 - 04:14 )
شكراً للقراءة الرصينة والتحليل الهادئ والممتاز والذي استمتعت وسعدتُ بقراءته بلا شك. اتفق مع ما جاء في حوارك من أن ماركس لم يقم بثورة ضد نظام سياسيّ بذاته، فقد كان ثائراً ضد الظلم والاستغلال عموماً وعلى تجلي مظاهر الجشع الرأسمالي في القرن التاسع عشر. لقد كان ماركس ثائراً على العصر إذن وهذا ما أوافق عليه، ولكنني لم أقل أن الفلسفة العربية أو الفكر العربي المعاصر كان ماركسياً أو أن الماركسية هي الأداة الأمثل لفهم ما يجري حالياً من تغيرات تمس بنية العالم العربي. كنتُ أتمنى لو تمت قراءة تعليقاتي أعلاه لتوضح رأيي في الماركسية والماركسية العربية تحديداً. فأنا سبق وانتقدت الماركسية المُتخشِّبة التي استوردناها وطالبت بألا تخفي عنا شجرة الماركسية غابة الفلسفة الواسعة الغنية. لقد تحدثتُ في ورقتي إذن عن عودة أطياف ماركس وأشباحه مع قيام الربيع العربي فوجدنا فيها مخزون فلسفي قويّ وهائل لوصف الحالة الثورية التي تتجلى في القدرة النقدية الكبيرة عند الماركسية والتي لا توازيها (في اللحظات الثورية) فلسفة أُخرى وهنا تظل الحالة استثناءً إذن.
اتفق معك كذلك على رؤيتك الدقيقة لواقع الفكر العربي بعيد الاستقلال بظروف تكونه وآليات خطابه كما وأوافق على ما جاء في تحليلك من كون ثورة المعلومات تُقدّم تفسيراً يتجاوز تصورات الماركسية التقليدية لفهم واقع الربيع العربي وقد ركّزتُ حول هذه النقطة في مقالي الافتتاحي وفي حوارات ومقالات آُخرى.
كما واشاركك استشعار الخطر المنبعث من وجود تفكير إرهابي مُسلّح قد يقضي ليس فقط على ما هو فلسفي وإنما على كل ما هو مدني ومُتحضِّر. وقد ظهرت هذه المظاهر الدينية السلفية المُقلقة في البلدان العربية التي حصلت فيها ثورات وقوبلت بقمع وحشي سادي من قبل الأنظمة كما حصل ذلك في سوريا واليمن وليبيا. ولكن المشكلة هي هل نترك لهم الساحة ونمضي؟ وما هي أدوات الفلسفة في تحقيق دولة مدنية تعترف بالجميع دون أن تُقصي أحداً؟ وكيف يمكن لها إذن أن تواجه هذا الفكر الظلامي الرجعي؟
نقطة أخيرة أود التوقف عندها. نعم هناك شيء اسمه الاستعارة الجاهزة لفكر ما واستيراده ثم محاولة تطبيقه في سياق سياسي اجتماعي ثقافي وتاريخي مختلف عن شروط نشأته ولعل هذا ما حصل مع الماركسية العربية التي أرادت إما تطبيق ماركسية ماركس أو لي عنقها اتتناسب مع شروط عربية وهذا ما أخفقت فيه كل التوجهات الماركسية العربية برأيي، ولكن عندي قناعة أن الفلسفة هي كالهندسة عالمية ولا تختص ببلد دون الآخر أو بحضارة دون غيرها أنها تنتقل كالغيوم بدون حواجز وتُمطر حيث تريد وهنا يمكن إعادة استلهامها وإعادة إنتاجها في ثقافات أُخرى دون تركيبها كقالب مُسبق الصنع يحمل أجوبة جاهزة.
مودتي وشكري لتفضلك بالحوار.


26 - أي دور للفلسفة في بناء الإنسان
عبد الجبار الغراز ( 2013 / 2 / 13 - 14:45 )
أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ خلدون النبواني على ما طرحه من قضايا هامة في هذا الللقاء الفكري مع قارئات و قراء - الحوار المتمدن - و أدعوه إل الاطلاع على مقالي التعقيبي على بعض افكار الموضوع المثار ، و ذلك على الرابط التالي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=345391
شكرا مرة أخرى
تحياتي القلبية


27 - رد الى: عبد الجبار الغراز
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 19 - 03:20 )
العزيز عبد الجبار الغراز شكراً لك ولقراءتك الرائعة وتلخيصك المهم الذي ضبط أفكاري أكثر مما فعلتُ أنا. لقد أسعدني رأيك وقد نشرتُ قراءتك لحواري على صفحتي الخاصة على الفيس بوك.
لك مني خالص الاعتذار لتأخري بشكرك، لكن ظروفي سارت عكس ما اشتهي.
محبتي


28 - هكذا أرى الفلسفة في بلداننا العليلة
حميد زناز ( 2013 / 2 / 14 - 10:30 )

لا مكان للشك هنا، -كلنا مسلمون-، فلا حاجة إلى عقول تتساءل. كل من تمنطق تزندق، وما الفلسفة إلا التيه في متاهات الشك، والشك مفتاح الشرك. ينبغي والحال هذه إبعاد العوامّ عن علم الكلام. لا تطرح مسألة الحقيقة بتاتا لدى المؤمن لأنه يملكها طازجة. يقدم له دينه أكمل طريقة استعمال للوجود، ينهل منها وصفة جاهزة لكل ما تطرحه عليه الحياة والموت من قضايا.
تُلطف كل روحانية عميقة مسحة من التساؤل والشك. أمّا الديانة فهي روحانية تدحرجت نحو أجوبة قاطعة في أغلب الأحيان. -لا جدوى من آلات الكومبيوتر، يقول الرسام بيكاسو، فهي لا تقدم سوى أجوبة-. لا أثر للفلسفة في المدرسة العربية الإسلامية. تبقى -فريضة غائبة- في مجمل البرامج البيداغوجية. وحينما تحضر في بلدان قليلة، تكون أقرب إلى الفقه منها إلى حبّ الحكمة. وعلى عدائها التقليدي للدين لم تتمكن في بلدان الإسلام من الهروب بجلدها من هستيريا الأسلمة المهيمنة. لقد تم أسلمتها: يقولون فلسفة إسلامية، دون خوف من التناقض ولا من التفاهة. إن الفلسفة تساؤل مستمر حول الحقيقة. كيف يمكن الحديث عن فلسفة مّا حينما نعتقد أننا نملك الحقيقة المطلقة وكفى المؤمنين شر البحث والتفلسف! من أين جئنا؟ من نحن؟ وإلى أين نحن سائرون؟ تلك أسئلة يجيب عنها القرآن والتفاسير ببساطة لا متناهية. فلماذا نتفلسف إذن؟ لماذا نطرح مسألة اللغة مثلا؟ ألم يعلم الله آدم الأسماء كلها؟
لقد جذب الفقه البساط من تحت الفلسفة. ولم تعد مهمتها الأخيرة هنا إلحاق -الأذى بالحماقة- كما تقول عبارة نيتشه الجميلة. لا مكان هنا للماذا؟ يدرس الطلاب في -بلدان الله غالب- و-إن شاء الله- شيئا يسميه أساتذتهم فلسفة وما هو بالفلسفة. كيف نسمح لأنفسنا أن نربط الفلسفة بدين مّا ونقول إنّها فلسفة إسلاميّة أو يهوديّة...؟ ونحن نعلم علم اليقين أنّ كلّ الديانات التوحيدية قد جعلت الفكر عموما والفلسفة بشكل أخص في خدمة الفقه. ألم يكن مشروع ابن رشد جَعل الفلسفة خادمة للدين، والعقل خادما للوحي؟ ألم يعلن عن قصور العقل في حال تصادمه مع الشرع بقوله في - تهافت التهافت- إنّ - الفلسفة تفحص عن كل ما جاء في الشرع، فإن أدركته استوى الإدراكان، وكان ذلك أتم في المعرفة، وإن لم تدركه أعلمت بقصور العقل الإنساني عنه -؟ أليست الحكمة في رأي ابن رشد -صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة...وهما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة -؟ هل تردد في القول بوجوب قتل الزنادقة؟ ألا يحاول - فصل المقال- عقد تصالح بين العقل والوحي؟ هل هناك رابطة ما يمكن أن تربط بين الفلسفة والشريعة؟ يهدف الدين إلى خلاص الإنسان بينما تفتح له الفلسفة طرقا شتى ليخلق لنفسه سعادة خاصة.
في مداخلته ضمن - أيام ابن رشد- سنة 1998 التي تقام كل سنة في إكس أون بروفنس، جنوب فرنسا، ذهب محمد عابد الجابري بعيدا جدا حينما اعتبر الرشدية أصل الحداثة. رغم كل ادعاءات المشتغلين بالفلسفة، عربهم وعجمهم، لا يمكن لتجربة قاضي قرطبة أن تنتج -عقلانية- بأي حال من الأحوال. لم تكن لابن رشد لا الرغبة ولا الظروف المناسبة للتحرر من وصاية السماء. ربما كان ضحية عصره، أما الذهاب إلى اعتباره مفكرا عقلانيا فهو ضرب من الكذب على النفس لدغدغتها. فلئن أعاد ابن رشد بعض سؤدد للنظر الفكري فإنه لم يفصم عراه باللاهوت.
حُوصر الفكر العقلاني الحر وباتت العلاقة المزعومة بين العقل والإيمان زيجة رسمية...ونسي أصحاب الوليمة اللاعقلانية أن ممارسة الفلسفة بأمانة تتناقض تماما مع الإيمان وأن الإلحاد مهنة الفيلسوف.
في منتصف ثمانينات القرن الماضي، حاول بعض من تعتبرهم الإدارة الجزائرية أساتذة فلسفة ( والذين يُدرِّسون -الإسلام هو الحل- في واقع الحال) أن يقودوا حركة ضد تعليم مادّة الفلسفة لطلبة البكالوريا في الجزائر. وقد أمضى العشرات منهم عريضة تطالب الوزارة بحذفها من البرامج نهائيا. وكان الهدف ولا يزال حرمان التلاميذ من الحوار الحر والجدل والاختلاف الجذريّ ليسهل دمجهم في إجماع مقيت ولتنمية الأوهام والمحافظة على الأفكار المسبقة التي زرعت فيهم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ولكن الأتعس هو أن نرى أساتذة فلسفة جامعيين يقدمون أحاديث دينية دعوية على شاشة التلفزيون! هل من الصدفة أن يتعاقب على رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى أساتذة درّسوا الفلسفة في الجامعة الجزائرية، بل كانوا على رأس معهد الفلسفة ثم انحدروا إلى -رأس الحكمة مخافة
إذا كانت مهمة الفلسفة هي مد الإنسان بالشجاعة الفكرية، فقد أخفقت في بلدان الإسلام إخفاقا ذريعا. لم تُعد النظر في النظام الاجتماعي ولا النظام الأخلاقي ولا النظام الروحي. وهي لا تقلق بالتالي النظام القائم ولا أصولييه الذين يتخفى وراءهم. في غياب الفلسفة والتفكير الحر، تبقى المسلَّمات في التوالد وتبقى الذات المتوهمة تتوهم ويتوالى الانحدار نحو التعصب وتزداد معاداة الصيرورة. هكذا يكون التلميذ المسلم في منجى من الشك، لكن ينشأ تحت ظلال اليقين. ولا يتوانى في فرض هذا اليقين على الآخرين حينما يصل إلى سن تسمح له بذلك وربما قبل البلوغ. فمن يجد الحقيقة الإسلامية لا يحتفظ بها لنفسه. ومما يزيد التعصب تصلبا ذلك الاعتقاد الراسخ القائل بعدم جدوى أي إيمان إن لم يقترن بأفعال. ربما من هنا تأتي الأصولية فما هي في النهاية إلا الاعتقاد بامتلاك الحقيقة وعقاب الذين لا يريدون الأخذ بها. -ي


29 - رد الى: حميد زناز
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 23 - 13:49 )
الأستاذ الغزيز حميد زنار شكراً لمداخلتك وأعتذر عن التأخر في الرد عليها وعلى غيرها. اسمح لي أن أعلن وبعد قراءتي لمداخلتك أنها مداخلة لا ترى إلا بعين واحدة وهي لهذا السبب تحتوي على الكثير من المغالطات والمفارقات التي لا يُصادق عليها تاريخ الفلسفة عبر الزمن وفي مختلف الحضارات حتى تلك الأكثر ابتعاداً عن الدين. لقد اعتدتُ قراءة مقالاتك على موقع الأوان، وكانت دائماً برأيي تحتوي على وجهة نظر نقدية قوية ولكنها تذهب في تطرفها ونقدها حد التطرف الإسلامي. فالتطرف كما تعلم يا سيدي الفاضل مرجعيته واحدة سواء أكانت علمانية أم دينية، -ديمقراطية- أم دكتاتورية الخ.
هناك شيء من جلد الذات نجده في بعض كتابات المفكرين فهم لا يرون إلا السلبيات ويسقطون ذلك على قراءتهم فيصبغون كل ما يقولون بهذا اللون السوداوي المتشائم. فكل ما ينتجه تاريخ العرب بنظرهم هو مُدان وهو سيء وهو سلبي مقارنةً بما ينتج الآخرون وفي هذه عقدة نقص خطيرة. في هذا الصدد يمكن أخذ ردك هنا ومقالاتك الأُخرى كمثال على هذه النظرة واحدية الرؤية التي ترى بعين عوراء. كما يمكن مثلاً أخذ قراءة فرج فودة في كتابه المشوق على أي حال -الحقيقة الغائبة- والذي لم يرَ في التاريخ العربي الإسلامي سوى تاريخ للمؤامرات والشذوذ الجنسي والكفر. لا شك أن ما تقدمه أنت وما قدمه فرج فودة يقوم على شيء من الحقيقة وهو يعري الكثير من الأوهام التي تغرق بها مجتمعاتنا، ولكنكما مرة أُخرى تركزان على السلبي والمعتم حتى تشعراننا ـ دون قصد ـ بعقدة النقص وحتمية الفشل التاريخي. لا يا سيدي ليس الأمر كما ترى فقط وسأحاججك بما جاء في نقدك فلسفياً وذلك بتوقفي عند بعض النقاط.
لقد قلتَ مثلاً أنه -لا أثر للفلسفة في المدرسة العربية الإسلامية-. احترم رأيك ولا أوافق على هذا التعميم غير المنطقيّ وغير المدروس. الفلسفة العربية الإسلامية موجودة برأيي وقد تركت أثراً واضحاً في تاريخ الثقافة العربية وكان لها اسهاماتها وفلاسفتها ولا يمكن لي مثلاً أن أُسقط ازدهار الفلسفة في الحضارة العربية الإسلامية حتى القرن الثالث عشر حيث انهزمت الفلسفة العقلانية الرشدية أمام السلفية الغزالية. فقط أصحاب المركزية الأوروبية والمتعصبين ضد كل ما هو من نتاج الثقافة والحضارة العربية هم من ينكرون هذه الحقيقة ويقفزون فوقها وكذلك البعض ممن يشعر بعقدة النقص تجاه الآخر فيجعل كل ما جاءت به الثقافة العربية ركام من اللاشيء أو من الإخفاقات والمصائب.
ثم تعترض بعد ذلك عمن يُطلقون اسم -فلسفة إسلامية- وذلك بحديثك عن أن الفلسفة عندنا قد تمت - أسلمتها: يقولون فلسفة إسلامية، دون خوف من التناقض ولا من التفاهة.- قد اتفق مع هذه التسمية وقد لا اتفق، ولكن ألا ترى معي بأن الفلسفة الإسلامية نشأت في وسط دينيّ قوي وقد استطاعت اختراقه وعقلنته بحدود الممكن وهي بهذا لا تختلف كثيراً عن غيرها من الفلسفات الغربية التي نشأت في وسط دينيّ مُسيطر ومهيمن كالفلسفة المسيحية الوسيطة في أوروبا سواء عند القديس أوغسطين أو توما الإكويني على سبيل المثال لا الحصر بل وحتى عند ديكارت أبو الشك الذي جعل من الله ضامناً لوجود العالم. ثم تدين حضرتُك ساخراً -أن نربط الفلسفة بدين مّا ونقول إنّها فلسفة إسلاميّة أو يهوديّة...؟- ولكن أنت تعرف جيداً يا سيدي أن العديد من مدارس الفلسفة الغربية يسمون تلك في الفلسفة الغربية ب -الفلسفة المسيحية- دون عُقد ولا مبالغة ولا تضخيم ولا جلد مازوشي للذات كما يفعل البعض عندنا. وقد تحدث هابرماس مثلاً عن أثر اليهودية والتصوف اليهودي على الفلسفة الألمانية وكذلك فعل دريدا في كتابه -قوة القانون- عندما تحدث عن حضور لليهودية عند كبار مفكري الألمان ذوي الأصل اليهودي حتى الملحدين منهم في القرن العشرين معدداً بذلك أسماء مثل: كوهن بوبر، شوليم، أدورنو، أرندت وبنيامين. لماذا هذا الجلد للذات الذي يحضر دائماً وبلذة مازوشية في كتاباتك يا أستاذي الكبير؟
.
سأتوقف عند قراءتك لابن رشد في أضمومته الشهيرة -فصل المقال- ولأعبر عن احترامي لها فكما تعلم النص أي نص هو حمّال وجوه ويقرأ قراءة متعددة. ولكن دعني اعترض عليها لتقديم قراءتي الشخصية لهذا النص الرشدي الرائع.
لقد قلتَ أنت وهنا أقتبس كلامك حرفياً:
-ألم يكن مشروع ابن رشد جَعل الفلسفة خادمة للدين، والعقل خادما للوحي؟ ألم يعلن عن قصور العقل في حال تصادمه مع الشرع بقوله في - تهافت التهافت- إنّ - الفلسفة تفحص عن كل ما جاء في الشرع، فإن أدركته استوى الإدراكان، وكان ذلك أتم في المعرفة، وإن لم تدركه أعلمت بقصور العقل الإنساني عنه -؟ أليست الحكمة في رأي ابن رشد -صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة...وهما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة -؟ هل تردد في القول بوجوب قتل الزنادقة؟ ألا يحاول - فصل المقال- عقد تصالح بين العقل والوحي؟ هل هناك رابطة ما يمكن أن تربط بين الفلسفة والشريعة؟ يهدف الدين إلى خلاص الإنسان بينما تفتح له الفلسفة طرقا شتى ليخلق لنفسه سعادة خاصة في مداخلته ضمن - أيام ابن رشد- سنة 1998 التي تقام كل سنة في إكس أون بروفنس، جنوب فرنسا، ذهب محمد عابد الجابري بعيدا جدا حينما اعتبر الرشدية أصل الحداثة. رغم كل ادعاءات المشتغلين بالفلسفة، عربهم وعجمهم، لا يمكن لتجربة قاضي قرطبة أن تنتج -عقلانية- بأي حال من الأحوال. لم تكن لابن رشد لا الرغبة ولا الظروف المناسبة للتحرر من وصاية السماء. ربما كان ضحية عصره، أما الذهاب إلى اعتباره مفكرا عقلانيا فهو ضرب من الكذب على النفس لدغدغتها. فلئن أعاد ابن رشد بعض سؤدد للنظر الفكري فإنه لم يفصم عراه باللاهوت-.
مرّة أُخرى هي قراءتك التي احترم، ولكنها نفس القراءة التي تريد أن تطفئ كل شيء وترى الحضارة العربية بعجزها وفشلها. لا يا سيدي، لا أرى معك، أن ابن رشد قد جعل الفلسفة خادمة للدين، اللهم إلا إذا قرأناه من منطق العين السوداء التي لا ترى في الشمس نوراً. قراءتي لهذه الأضمومة أنها كانت مبنية على ثلاثة مراحل: الأولى: محاولة شرعنة الفلسفة عبر الدين. لا شك أن الدين كان مُسيطراً في عصر ابن رشد وكان شبح السلفية يزداد قوة فكان الممر عبر الدين ممراً إجبارياً لابن رشد وما عباراته حول ضورة إعمال العقل والشك عبر الأيات القرآنية التي استشهد بها إلا خطوة أولى. وهنا أيضاً ترد عبارته حول أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة. في خطوة ثانية سيحاول ابن رشد مساواة الحكمة بالشريعة وجعل القياس المنطقيّ مساوياً ومكافئاً للفقه الشرعيّ. الخطوة الثالثة والأخيرة تأتي في آخر أضمومته بتقديم الحكمة على الشريعة وهنا يتساءل سؤاله الشهير: في حالة اختلفت الحكمة وظاهر النص ماذا نفعل؟ لم يُجب هنا بإخضاع للفلسفة للنص. لا، فقد طالب بضوروة تأويل النص وفقاً لأحكام العقل والقياس المنطقيّ. ألم تقرأ في هذه الأضمومة يا سيديّ كيف دعى ابن رشد إلى الانفتاح على الآخر والأخذ منه سواء أكان متقدماً علينا في الزمان إشارة إلى الإغريق أو سواءً مختلفاً في الحضارة جغرافياً كحضارات الغرب أو الحضارات الأُخرى؟ لا شك أنك فعلت، ولكن رؤيتك للأمور من عينٍ واحدة ستجعلك لن ترى هذا وستؤله تأويلاً خاصاً بالإخفاق.
ثُم تأتي عبارتك المثيرة والتي تتناسق مع منطق الرؤية الواحدة: -ونسي أصحاب الوليمة اللاعقلانية أن ممارسة الفلسفة بأمانة تتناقض تماما مع الإيمان وأن الإلحاد مهنة الفيلسوف.- من قال لك أن الإلحاد مهنة الفيلسوف؟؟؟؟ حسناً أنا شخصياً غير مؤمن ولا أعترف لا ب -حقيقة- الأديان ولا بما جاء فيها، ولكن لا يوجد فيلسوف حقيقي يمكن له أن يعتبر الإلحاد مهنة. عندما يتحول الإلحاد إلى دعوة يُصبح إيماناً مقلوباً إلهه هو اللاإله ودينه هو اللادين ومتطرفيه هم الذين يسنون سيوفهم ضد كل من يكفر بإلههم: الإلحاد. لو قبلنا برأيك هذا لأخرجنا 90 بالمئة من الفلاسفة من تاريخ الفلسفة. ماذا سنفعل بأفلاطون وأفلوطين وسبينوزا ولوك، بل وحتى فولتير المؤمن وإن كان معادياً للكنيسة؟ لا تقل لي أنك ستخرج كانط أيضاً المسيحي الكالفيني من تاريخ الفلسفة؟ وهل علينا أن نقصي بول ريكور من تاريخ الفلسفة أيضاً؟ الخ الخ
لا شك أن هناك من يدرس الفلسفة ويكون لا علاقة له بها وهنا قد ينطبق كلامك على بعض أساتذة الفلسفة في الجزائر الذين تحدثت عنهم بقولك: -هل من الصدفة أن يتعاقب على رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى أساتذة درّسوا الفلسفة في الجامعة الجزائرية، بل كانوا على رأس معهد الفلسفة ثم انحدروا إلى -رأس الحكمة مخافة- لا شك أن الفلسفة غير مزدهرة في عالمنا العربي اليوم وهذا لا علاقة له بالفلسفة فقط بل هي مرحلة انحطاط تاريخي أجد في الربيع العربي وتواتراته أفقاً تاريخياً للخروج منه. لا يقتصر الأمر على الجزائر فقسم الفلسفة في جامعة دمشق التي درستُ فيها يعج ب -أساتذة- لا يجيدون قراءة نص فلسفي واحد ولا صياغة فكرة وقد جند نظام البعث بعضهم مخابرات رسمية ولا يقتصر الأمر على عماد فوزي الشعيبي عندنا. ثم أن وزير الداخلية السوري الأسبق في عهد حافظ الأسد محمد حربة كان وزيراً للداخلية لمدة سنوات وسنوات وهو حاصل على دكتوراة في -الفلسفة- وقد مارس مهنة التشبيح على أكمل وجه وهو أبله بكل معنى الكلمة. الفلسفة كما أفهمها هي الهامش الذي يتراكم فيخترق المركز ويقلبه.
أنا مع أن نرى بصيص ضوء في جدار الليل بدل أن نصبغ الشمس باللون الرمادي ونستلذ بجلد الذات.
كلمة أخيرة أود التساؤل فيها حول عبارتك التي تقول: - ربما من هنا تأتي الأصولية فما هي في النهاية إلا الاعتقاد بامتلاك الحقيقة وعقاب الذين لا يريدون الأخذ بها- نعم ولكن الأصولية ليست دينية فقط وهي تلتقي وتتماهى مع الأصولية الإلحادية التي تتحول إلى دين يرفض الاعتراف بوجود الأخر وبحقه في أن يكون واهماً


30 - ما يمكن ان تقدم الفلسفة للسياسة؟
عادل الامين ( 2013 / 2 / 15 - 13:15 )
الاخ العزيز خلدون
تحية طيبة
لدي ادوات خاصة اود ان اضيفها في حوارنا هنا لاني مهتم بالفلسفة كعلم راقي واعلى نشاط ذهني يمارسه الانسان..ولكن اذا اردنا ان نتعامل معها اكاديميا الفلسفة علم يبحث في احد جوانبه الهامة عن المدينة الفاضلة وهي متطورة عبر العصور واعتقد ان المدينة الفاضلة في القرن 21 هي المجتمع الديموقراطي /الاشتراكي..وقد اخفق العالم القديم في الوصول اليه عبر الديموقراطية الراسمالية او الاشتراكية الشمولية وكلاهما لم يحقق حاجة الفرد للحرية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية وانهار النموذج الماركسي مع جدار برلين وعادت الدول التي خيمت عليها الشمولية والنموذج الشرقي في البحث عن طريق اخر للعدالة الاجتماعية عبر النموذج الليبرالي الغربي
وللاسف بعد عقدين من سقوط جدار برلين ظلت مصفوفة ابوريا(الفكرية- الثقافية-السياسية) واصنامها يهيمنون على المشهد الفكري الايدولجي العربي ويعيدون تدوير ايدولجيات النظام العربي القديم..ولا زالت الليبرالية وكرامة الفرد ابعد ما تكون عن فكر وثقافة وسياسة النخب الحاكمة والمعارضة في الدول العربية ولا زالت الشريعة الاسلامية تشكل اكبر عائق امام ثقافة الليبرالية والفردانية الخلاقة..لذلك الفلسفة الجديدة يجب ان تقدم اجابة واضحة عن علاقة الدين بالدولة وعلاقة الحاكم بالمحكوم والمركز بالهامش وان تجيب عن السؤال العالمي كيف نوزن بين حاجة الفرد للحرية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية -وارجو ان تطلع على كتابي في موقع الحوار المتمدن-كتاب الانسان- وارجو ان تقييمه كمشروع جديد فكري ولك من اعطر التحايا


31 - السؤال والفلسفة!
جمال علي ( 2013 / 2 / 16 - 06:18 )
رغم جريان العادة في الحديث عن التفكير الفلسفي كنقيض لطريقة التفكير الديني ولكن هذه النظرة غالبا ما تنظر الى الفلسفة كلغة اكثر من الفلسفة كفضاء مفتوح ...هل يمكننا اعادة تأويل نظرة ماركس للفلسفة على ان تغيير وظيفتها يعني تغيير للفلسفة نفسها ؟ ليصبح تغيير الفلسفة كمقدمة لتغيير العالم طالما ان مافي ايدينا عاجز عن تغييره لانه لا يكفي ان تكون الفلسفة مصدرا للاسئلة بلا بد من ان تكون موضوعا دائما لها فالاولوية دائما للاسئلة.


32 - تعقيب
Issam Mohammed ( 2013 / 2 / 16 - 15:17 )
العراق ادرس الفلسفة الكونية التي تستند على الديناميكية
الحركية باعتبار ان الكون متحرك وكل ساكن هو وليد التناقض لحقيقة الكون لذا فان الاستقرار هو وليد الضياع والتدمير وهذا هو الفكر الفلسفي المعاصر الذي يحكم العالم لذا فان الربيع العربي يدخل ضمن معاير الفلسفة الكونية لحتمية توفر المبرر وفرض ارادة القوه بالتغيير والافضلية لمبدا الصراع والبحث عن الاستغلال والنفعية ،يدخل كله ضمن مفاهيم الفكر الذرائعي البراجماتي العالمي لذا هذه الفلسفة ولدت مفهوم صراع الحضارات او الفوضه الخلاقة او مفهوم الارهاب العالمي ومن المحصله النهائية صاغه حقيقة القاعدة فالربيع العربي الذي معظم التغيرات التي حصلت في البلدان العربية صاغتها الاحزاب الدينية ضمن اطرحه فكره الاسلام الرديكالي وحتى التي لم يدخل فيها الاسلام حصل الاسلاميين على مراكز القوه بواسطة سطوه رؤس الاموال دول الخليج المتصهيين بخديعة الديمقراطية وكله يدخل باستنزاف المنطقة والسيطرة على مقدرتها فالماكنه الاعلامية جاهزة والمشيخ الدينه معده والسياسين محضرون لهذا العمل وهذا يدخل كله بمفهوم عملي فلسفي ذو تنظير عالمي يمكن ان تصل به الى محفل النورانيين العالمي الذي نقل مركزه الجديد قرب الكعبه لذا فان المقاله المنشورة لا تدخل لا من قريب ولا من بعيد بفلسفة الواقع الذي يخص الربيع العربي مع تقدير واحترامي للاخ الكاتب/ عصام الصميدعي /منظر الفلسفة التجريدية للانسان


33 - موت الفلسفة في عالمنا العربي
Salem Haybaomar ( 2013 / 2 / 16 - 15:20 )


ما يقدم به الاستاذ الحوار يدفعني للقول بموت الفلسفة في عالمنا العربي , فنحن لسنا في حاجة لماركس بل بحاجة لكانط الذي يوجهنا لرفض الوصاية وصاية الماركسية ووصاية السلفية, وأول شروط الفلسفة هو الابداع ورفض التقليد والانغماس في الارتودوكسية الماركسية واذا بقينا ندور في جبة ماركس فلايمكن لنا أن ننتقد من يلتحف بجبة الغزالي رغم أن الغزالي ينغرس في واقعنا وينطلق من هويتنا وتربتنا , لماذا انطلق اليابانيون لانهم رجعوا لما هو مجيد في تراثهم ,والمفكرون يشبهون تلك السيدة الفرنسية التي فقدت ثقتها في البشر قبل قيام الثورة الفرنسية وأعمتها الشجرة عن رؤية الغابة .كل النقاشات والاغناءات للفلسفة الماركسية من لينين الى التوسير لوكاش وحتى غرامشي هي بالاساس مسار تطوري غربي اذا استطعنا بلعه بالببغاوية فلن نتجاوز تحليلات طيب تيزيني أو صادق جلالال العظم , لذا فارتباط الابداع بالحرية يجرنا الى نقد ذاتي يدفعنا لقبول الاخر فهو على الاقل من أبناء جلدتنا والانغماس معه في ماسيه وأحزاته أو على الاقل اعطاءه الفرصة للحكم و التجريب فالتماهي مع الانتاج الغربي الذي قد يكون انسانيا لن يقدمنا للامام بل للرحوع لنصيحة غرامشي عندما زار تونس وشاهد الجمهور متحلقا حول خطيب جمعة فقال أنه لو كان عربيا لناضل ليصل لذلك النصب لتمرير أفكاره..................


34 - موضوع مهم للغاية
Ranovación Morir ( 2013 / 2 / 16 - 15:20 )
موضوع مهم للغاية نضرا لما تكتسيه الفلسفة من اهمية في حياة الفرد والمجتمع. لكن, بما انني اؤمن دائما ان المجتمع بدون فلسفة وبدون فلاسفة, مجتمع فاشل وبدون مستقبل, لذا فأنا لاحظت ان جميع الثورات العربية ولو أن جميع مفردات شعاراتها اصلها فلسفي, لكن لب هذه الثورات لم يكن فلسفيا, ذلك انطلاقا من ملاحظتين اثنتين, الأولى كانت في بداية الثورة, وتتمثل في استغلال المساجد ايام الجمعة, اي ان الثورة قامت على اساس العاطفة الدينة, في الوقت الذي نعرف جميعا ان الدين لا يعترف بتاتا لا بالديمقراطية ولا بالحريات ولا بالدولة المدنية, والثانية هي النتيجة التي تعيشها الآن هذه الدول, والتي تتمثل في سيطرة التيارات الاسلامية على السلطة. من هنا اريد القول ان الفلسفة والفلاسفة والمفكرين لم يكونوا حاضرين اثناء الثورة او انهم اخطأوا الطريق.


35 - رسالة حول موضوعكم  - خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر
نجيب اياو ( 2013 / 2 / 16 - 23:27 )
جميع الثورات التي عرفها العالم قامت على اسس فلسفية, لكن فيما يخص الثورات العربية, اعتقد ان الفلسفة كان لها دور مهم وفعال. لكن ومن خلال ما نراه اليم من سيطرة الاسلاميين القتلة على الحكم, استنتج شخصيا ان الفلاسفة-وليس الفلسفة- لم يقوموا بالدور المنوط بهم تجاه مجتمعاتهم, والا لما فسحوا المجال لاسلاميين قتلة الوطنيين الشرفاء.


36 - الاستاذ خالد النبواني
رامي شمرا ( 2013 / 2 / 17 - 10:42 )
عساه خيراً ما اخرك عن الحوار، القراء بانتظارك
مودتي


37 - بناء العالم
فاطمة الذهبي ( 2013 / 2 / 18 - 14:18 )
لوتم بناء العالم على اساس فلسفس لماحدث كل هذا الدمار


38 - رد الى: فاطمة الذهبي
خلدون النبواني ( 2013 / 2 / 23 - 16:53 )
الأستاذة العزيزة فاطمة الذهبي تحية محبة وشكر جزيل على التعليق المقتضب ولكن الذي يمنح للفلسفة ثقة عميقة ربما لا تستحقها دائماً فأوروبا القرن العشرين وريثة عصر التنوير مثلاً واجهت سؤالاً حاسماً يحتاج إلى إجابة وهو كيف تمكن عصر التنوير بأفكاره التي بشّرت بسلام دائم بين الشعوب وبمركزية الانسان في الكون أن ينتج حربين عالميتين دمرت الانسان والقيم والاوطان واعطت ابشع الأنظمة الفاشية؟ هكذا تساءل أدورنو مثلا؟ كيف لأمكان لهذا اللامعقول أن يولد من رحم العقل؟ لقد كان هتلر معجباً بفلسفة نيتشه وقد زار أخته التي أهدته عصا نيتشه. وهايدغر كان نازياُ وإن لفترة قصيرة ونشأت تيارات ماركسية متطرفة تعمل باسم ماركس فقامت باغتيالات وتفجيرات تحت شعارات تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. هذا ما كان عليه وضع الألوية الحمراء في ايطاليا أو جماعة باندر في المانيا, وقد قال ايخمان النازي الذي حكم محاكمة هزلية في اسرائيل انه كان يُعذي اليهود وهو مقتنع بتأدية واجبه وهو يطبق ما قاله كانط في -نقد العقل العملي- الخ. يتوقف الأمر على طريقة فهم الفلسفة وتوجيه بوصلتها فهناك فلسفات معروفة كرست عداء الآخر بل واستعباده باسم الحرية والديمقراطية وبررت ذلك بحجج -عقلانية- فلسفية. الفلسفة توجهات وعلينا أن نراقب دائماً مفاهيمها وتوجهاتها وذلك عبر نقد الفلسفة نفسها لنفسها وتجاوز مآزقها التاريخية...


39 - فلسفة الحياة في الربيع العربي
الاستاذ الدكتور ربيع الالوسي ( 2013 / 2 / 18 - 17:39 )
نظرة على فلسفة الحياة
الفلسفة من مفهومي الخاص تعني طريقة التفاعل مع الاحداث السالفة والحالية واللاحقة من اجل ان يكون هنالك ترابط تسلسلي وتوافق في تتالي او توالي الاحداث وما كان مسبب لها وما كانت عليه كيفية حدوثها وتطورها وما سيكون ناتج عنها وطافح الى سطح الحياة العامة. اي ان لا فصل ولا انقطاع بين مسلسل الاحداث العالمية والكونية ومنذ ان تفتق الرتق او لحضة انطلاق شرارة الانفجار العظيم ومرورا بزمننا المعاصر وحتى ان يعود سيرته الاولى فان توالي او تتالي وتسلسل الاحداث مبرمج لها ولا يسبق احدها الاخر ولا يتسبب اي منهما بنتائج مغايرة لما مبرمج له. هكذا هي فلسفة الحياة للوجود كله. اما فلسفة الحياة للعالم الارضي فلا يختلف عن فلسفة حياة الوجود بل هنالك توافق وترابط وتوالي وتتالي في تطورات الحياة البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والبيئية بشكل عام وفق برنامج ونظام بيئي غاية في الدقة والتحكم بمسيرة حدوث تفاصيله وعلى ادق الاحداث وابسطها والى اعظم الاحداث واكثرها تعقيدا.
ان ما يحصل للبشرية المعاصرة من احداث هو من مسببات نتاجات الاحداث الماضية ولا تنتهي استمرارية توالد هذه الاحداث بل تحل محلها احداث جديدة متسببة بنتائج احداثنا المعاصرة وهكذا تشرح لنا نظرية فلسفة الحياة التي ديناميكيتها مستمرة دون توقف ما دام الله الخالق العظيم موجود وحي قيوم على خلقه العظيم. ان نظرية فلسفة الحياة التي قمت بوضعها مؤخرا تعتبر واحدة من اعظم ما توصل اليه العقل البشري من فهم لفلسفة الحياة العامة في كوكب الارض ولفلسفة الحياة العامة للدورة الوجودية الواحدة ولجميع الدورات الوجودية السالفة واللاحقة حيث ان الله لم يتعب ولا يكل ولا يمل من تكرار الدورات الوجودية وهو المغزى الحقيقي من وجوده والا لما وجد ولما عبد.
هكذا هي وباختصار شديد تعني فلسفة الحياة البشرية وتفاصيل احداثها واما الفلاسفة القدامى وما طرحوه من علوم عن فلسفة الحياة فهم يتكلمون في حيز ضيق جدا ولم يتمكنوا من تطوير ثقافاتهم وسعة تفكيرهم للخروج من قوقعة التلف العلمي والثقافي والفهم الحقيقي لرسالات رب الوجود والعرش العظيم كي يتمكنوا من فهم فلسفة الحياة الحقيقية والتعامل معها بشكل صحيح وعدم التفاجيء بورود الاحداث البيئية او البيولوجية او السياسية او الاقتصادية او نحوها.
وبما يخص احداث الربيع العربي فان فلسفتها ليست بمعقدة الفهم ابدا حيث ان المجتمع العربي اذا ما اردنا ان نوصف كينونته المعاصرة والسالفة وما كان يتزود به من علوم وثقافة وما يتزود به من علوم وثقافة معاصرة ومن هم من يشرف على تربية وتعليم وتثقيف المجتمع العربي وما طبيعة المقومات الاقتصادية للمجتمع العربي وما طبيعة الاطماع الاجنبية المجاورة والبعيدة في ثروات المجتمع العربي وما طبيعة الدين المعتمد لدى المجتمع العربي وما طبيعة الاديان الاخرى المنافسة واساليب محاربتها للدين الاسلامي وغيرها من الاسباب والمسببات الاخرى وطبيعة القوى السياسية العاملة في البلاد العربية ومن يشرف عليها ويغذيها بالافكار والاموال والتوجيه ونحوها اي بشكل عام فيجب ان ندرس كل التفاصيل المؤثرة على مسيرة حياة المجتمع العربي المعاصرة والسالفة وسنستنتج عندها بوصف شامل ونافع ومتكامل وصحيح لأحداث الربيع العربي وما ستؤول اليه هذه الاحداث من نتائج معاصرة ومستقبلية. ان الاحداث في العالم العربي ليست منفصلة ولم تحصل بالصدفة ولم تكون في منأى عما يجري في كواليس المجتمع العربي او المجتمعات المجاورة والبعيدة. ان تعقد الحياة وازدياد نفوس البشرية وتكالب الناس على مقومات وارزاق واقوات الله في الارض ليست بعيدة عن احداث الربيع العربي وان ما يتمتع به المجتمع العربي من تخلف ثقافي وعلمي وسياسي وديني واقتصادي ليس في منأى عن احداث الربيع العربي وهكذا تتعمق فلسفة الحياة في التوغل في تعرية الاحداث السياسية العربية المعاصرة وتربطها بالماضي وتضع تصوراتها للمستقبل.
الاستاذ الدكتور ربيع الالوسي
رئيس باحثين في البحث العلمي الاستراتيجي
ماجستير ودكتوراه من قسم الهندسة والعلوم
جامعة برمنكهام – المملكة المتحدة – 1984


40 - الفلسفة
خالد المرسي ( 2013 / 2 / 18 - 19:18 )
الأستاذ الفاضل خلدون، والأساتذة الأفاضل: لي رأي ستعدونه جنونا وتخريفا وأنا أعده الحق المطلق واليقين الذي لا ريب فيه وأن تقدُّمَ هذا العالم المعاصر رهين بهذا الحل!
الفلسفة المعروفة عند الغرب سواء كانت التأملية العقلية أو المادية أو التجريبية المنطقية هي خرافة كبيرة وهي تدمر التفكير العلمي وتدمر العقل البشري فتدمر كل شيء في العوالم! وفي كلمة واحدة يقول الإمام الشيخ محمد عبد الله دراز:- - إذا لم يكن هنالك من حقيقة مكتسبة، ولا قانون ثابت، فإن العقل سوف يتوقف عن أن يكون عقلاً، سوف يفقد وحدته البنائية، سوف يؤول إلى هباء، ولن تكون له أدنى سيطرة على الطبيعة - – مترجم عن الفرنسية - ويوافقه -هاينز ريشناخ- مؤلف كتاب- نشأة الفلسفة العلمية- حين ذكر أن الفلاسفة ما هم إلا مرضى نفسيين ليس غير! وأثبت ذلك في سبعين صفحة من كتابه المذكور بترجمة - فؤاد زكريا-! وذكر أن نفسيتهم تحتاج إلى مزيد تشريح ،وهاينز أكثر مرضا منهم!.
وسأثبت ذلك في مقال سينشر لي قريبا عنوانه - الله - دين الإسلام- أصل المعارف- وأرجو أن تتابعوه في مدونتي الشخصية قريبا ويتم النقاش حوله وهذا ملخص المقال :- هذا المقال نتيجة حوار دار بيني وبين أحد الناس، أثبت فيه أن المفكرين من أهل الدرجات الأولى إذا فكروا وهم لا يؤمنون بدين الإسلام – أصولا وفروعا – باعتباره أصل المعارف النافعة وواهبها، وباعتباره الحق المطلق واليقين الذي لا ريب فيه –، سيفقدون تركيزهم إذا قُدر لهم أن يقودوا نهضة فكرية علمية في مجتمعاتهم المحلية أو العالمية ، وأنهم لن يصلوا إلى تكوين صروح معرفية محكمة راسخة في ذاتها؛ لفقدانهم التركيز والفهم الدقيق للأشياء وأصولها ونهايتها، وبالطبع سيؤثر عدم تركيزهم هذا في حياة المجتمع الذي يقودونه تأثيرا سلبيا ضارا للغاية لأن هذا المجتمع بعلومه الطبيعية والاجتماعية - يدور في نفس الطريق الذي رسمه له المفكرون من أهل الدرجات الأولى، كما هو حال العالم المعاصر، ولا منجى من هذا الوضع البائس إلا بأن يساهم مفكرون من أهل الدرجات الأولى مساهمة فعالة واقعية تعيد تشكيل الواقع المعاصر، قوامها الصروح المعرفية التي سيؤسسونها انطلاقا من دين الإسلام أصوله وفروعه.
ولم أذكر كل ما في ذهني في المقال مكتفيا بما فيه كنقطة انطلاق لحوار حول تفاصيله مع الكاتب وحول ما يثيره من مشكلات تحتاج إلى حل.
تنبيه: ما في هذا المقال هو من منظور الاعتقاد الإسلامي وحسب، ولم أستدل بكلام المفكرين غير المسلمين إلا لأنهم صادفوا الحق الصحيح في كلامهم الذي اقتطفته من وسط صروحهم المعرفية التي أسسوها، أي: هم صادفوه غير مكتمل، فاستدللت به أيضا كنوع من اشتراك الفكر وتصديق بعضه البعض بيننا وبينهم، لعل هذا الاشتراك يشجع بعضهم على النظر في مادة المقال بعين الاعتبار ويواصل معي البحث لعله يجد ضالته فيه.-



41 - الفلسفة الجديدة
نورالدين ( 2013 / 2 / 18 - 23:37 )
لعل العالم يحتاج إلى فلسفة جديدة كيف لا والفلاسفة غارقون في المصطلح أكثر من بحثهم عن أفكار جديدة ، لعل الفلسفة لا تقدم حلولا جاهزة لكن بكل تأكيد هي من تفتح أبوبا جديدة بأسئلتها العميقة ودراساتها للحالة الراهنة ، لكن الأغرب هو غياب مدارس فكرية جديدة ،فالعالم اليوم في أمس الحاجة إلى منقد ، وقد أظهر تناسل الأزمات ، وفوضوية الحلول مدى هشاشة النظام العالمي ، والعالم العربي هو المنطقة الرخوة في العالم منذ غياب الدولة العثمانية ، وهو المنطقة الأكثر تأثرا بالأزمات العالمية ، فالتغيرات الحاصلة في العالم العربي ، هي مجرد هزات ارتدادية سابقة للأعاصير اللاحقة التي تنتظر العالم ،وهذا تؤكده حالة اللاستقرار الاقتصادي الذي تعيشه الدول الغربية وصعود دول أخرى تبحث عن مواطئ آمنة كالصين والهند والبرازيل ، لا أعتقد أن هذه الدول أن هذه الدول ظلت مكتوفة الأيدي أمام ما يجري في المنطقة العربية ، أخيرا إن كانت الفلسفة تؤثر في العالم بالضرورة ستؤثر في البلاد التي لا توجد فيها أمية وشعوبها لديها من الإمكانيات ما تتابع به مستجدات العلوم ، أما في البلاد العربية فتأثيرها إن لم يكن معدوما فهو جد ضعيف .
وشكرا للسيد المحاضر


42 - االففلسفة فكر فردي ونظرة شخصية لاتغير الواقع
محمد المرابط ( 2013 / 2 / 19 - 00:10 )
تحية للاستاذ خلدون
بداية نشكر الاستاذ على هذه الجولة الفلسفية التى انارنا بها واحيا بها شغفنا للفكر الفلسفي بعد ان كانت هناك قطيعة بيننا وبينه لمدة من الزمن ولكننا على العموم نعتقد ان الاستاذ قد بالغ قليلا عندما حاول ان يربط بين الربيع العربي والفلسفة وذكره بعوة اشباح ماركس ...وابن رشد وغيرهم في هذا الربيع بقي له فقط ان يقول لنا عودة شبح شكيفارا الذي يبدوا لنا انه نسيه فهل كان الربيع العربي ثورة شعبية عفوية ام نتيجة لتحالف غربي خليجي لخلخلة المنطقة في ظل ازمة اقتصادية عالمية طبعا لست ضد الثورات من الناحية المبدئية لكن عندما تكون من قناعة شعبية راسخة عارفة لما تريدنعم ان للفلسفة دور مهم في بناء عقل الانساء لكنها لايمكن لها ان تلعب دورا تغييريا جماعيا لانها تبقى افكار وتاملات فردية وليس اجتهادا جماعيا يهدف الى دراسة واقعة معينة وايجاد حلول واقعية لها بما في ذلك المدرسة الماركسية العملية التي يمكن ان تكون وضعت يديها على جزء من الداء واوجدة له جزءا من الحل وليس كل الحل


43 - مادابعد نجاح التحريفية
محمد سالم هيبة ( 2013 / 2 / 19 - 01:16 )
ما أحب أ، أشير اليه الاخ الاستاد هو دائما البحث عن ما يميزنا كأمة عربية لها انتاجها الفلسفي الخالص بعيدا عن التأثير الديني أو العنكبوت الماركسي فالمطلوب هو القطيعة الابستمولوجية مع الفكر الماركسي .طبعا على اساس تراكمي فلايمكن نشر القدم لتوافق القالب المطروح .القدم هنا هي الحراك العربي والقالب المطلوب عند مفكرنا هو الماركسية . وادا كان المطروح دوما التحليل الملموس للواقع الملموس .فأي عودة لاطياف ماركس لاتشمل بناء نقدي لابائه الدين تربعوا على عرش االفكر الثوري دون أن يستطيعوا قيادة الجماهير التي لاتمتلك المال ولاالوقت للقراءة أو التسكع في النوادي والحانات مما خلق حالة اغتراب للنخبة المثقفة مع واقعها وجماهير تترك لمن يلازمها ويخاطب لاوعيها الديني .هل مارست النخبة المتمركسة نقدا داتيا لاسباب تلك الهوة السحيقة مع الجماهير .بعيدا عن العوامل الموضوعية ا.وتركيزا على العوامل الداتية بدون نرجسية ولا مازوشية وجلد للدات . العودة الى الفلسفة وخلق تراكمات يتطلب الانطلاق من كانط برفض الوصاية وخلق فلسفةنقدية عربية ثورية تعتبر مما وقع في مهد الشيوعية لننغرس فعلا في الحداثة الحقيقية لا أضواءها الباهرة بالتصالح مع الدات والرجوع لبوادينا المهملة ولنتعظ من التجربة الصينية وان لانتهم بالتحريفية .فما مصير الموزعين لتهم التحريفية بعد نجاح التجربة التنموية الصينية؟ لكم كل احترامي ة


44 - ادارك المعقول ولا معقول
عدنان ( 2013 / 2 / 19 - 05:20 )
المعقول هو انتاج العقل البشري الى النظرة على الواقع حياته وما حولهوهل هذة النظر كانت صح ام خطا حتى يدرك مدى عجز العقل البشري على ما يرده الواقع البشري الى الرخاء للانسان في الحياة
ولا معقول ان تنفي حكم الخالق الى هذة المساله او مقارنةحكم الخالق مع المخلوق
لنرى مثل بيسط
في حيانتا لو مدينه معين من ازمة سير خانقه وطلب الاكم الاداري للمدينه اثنان من خبراء السير فطلب الخبير الاول سيارة حتى يجوب شوارع المدينه من اجل دراسة هذه المشكله ووضع حلول لها
وثاني طلب طائرة هليكوبتر وتجول فوق المدينه
برايك من يكون رايه اصوب وحله الذي سيارة ام من ينظر الى المشكله من فوق
والمثل الاعلى لله الذي خلق كل شيء
والمثل الثاني ولو كان هناك مشكله بين جماعتين هل يكون الحل الامثل ان يكون المحكم من احد طرفين المشكله ام يكون من خارج المشكلة محايدة ليس له اي علاقة مع احد من اجل يصل الى حل منصف والمثل الاعلى كيف لبشر يريد ان يضع حلول لبشر مثله وهو عايش بينهم وهو طرف رئيسي في المشاكل لانها تكون حلول ترضي ناس وتظلم ناس كما راينا في الفكر الشيوعي ونهار والفكر الراسمالي ونرى مشاكل العالم مكدسه بالملايين


45 - لإنسان أسير فكر وعقيدة لا كما يزعم كارل ماركس
خالد المرسي ( 2013 / 2 / 19 - 17:52 )
يقول الدكتور محمد دراز - رحمه الله -
الإنسان أسير فكر وعقيدة لا كما يزعم كارل ماركس

السر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره، ولا يوضع في يده ولا عنقه، ولا يجري في دمه، ولا يسري في عضلاته وأعصابه، وإنما هو معنى إنساني روحاني، اسمه الفكر والعقيدة. ولقد ضل قوم قلبوا هذا الوضع وحسبوا أن الفكر والضمير لا يؤثران في الحياة المادية والاقتصادية. بل يتأثران بها. هذا الرأي الماركسي هو قبل كل شيء نزول بالإنسان عن عرش كرامته، ورجوع به القهقرى إلى مستوى البهيمية. ثم هو تصوير مقلوب للحقائق الثابتة المشاهدة في سلوك الأفراد والجماعات في كل عصر، لكي يختار الناس أن يحيوا حياة مادية لا نصيب فيها للقلب ولا للروح، لا بد أن يقنعوا أنفسهم بادئ ذي بدء بأن سعادتهم هي في هذا النوع من الحياة فالإنسان مقودٌ أبدا بفكرة صحيحة أو فاسدة. فإذا صلحت عقيدته صلح فيه كل شيء، وإن فسدت فسد كل شيء.


46 - رد الى الاستاذ خلدون النبواني
رامي شمرا ( 2013 / 2 / 19 - 19:34 )
عزيزي الاستاذ خالد النبواني اود ان اشكرك على ردك، خاصة انك كتبته في ظروفك غير المواتية لمتابعة الحوار. واسمح لي بتواضع ان ارد على ما جاء فيه:

في البداية احب ان اقول اني لا الومك ان وجدت في فكرتي تناقضاً -خاصة بعد محاولتك تفككيها عوضا عن النظر لها ككل، فمحاولات مزاوجة علم النفس الفرويدي مع الدياليكتيك المادي قوبلت بالاستهجان وحتى بالمحاربة في الحقبة السوفييتية*، ولكني احب ان اوضح قبل الاستطراد ان وجهة النظر التي طرحتها تندرج في سياق تطبيق مبادئ الدياليكتيك على المجتمع مع احترام البناء النفسي للانسان وقواعد علم الاجتماع ويمكن ان تسمى المادية النفسية، وجدلها ميكانيكي بمعنى انه يمكن التوقع بشكل علمي مدروس كيف تتطور صراعاتها الحتمية ولا يجب ان يفهم من ذلك انه جدل مثالي او عقلي صرف.**
بالعودة الى الماركسية كما افهمها فإن ماركس وانغلز اغفلا تحليل اسباب الاغتراب والضياع انطلاقا من دياليكتيك علم النفس وقارباها فقط من باب الاقتصاد وبشكل ادق -الملكية الخاصة- لذلك اصبحت هذه المقاربة مثالية (عقلية صرفة)، وهم بذلك حكموا على المادية التاريخية بوصفها علم الطبقات وخلاصة النظرية بالفشل*** -وهو ما حدث- لانها وضعت بمعزل عن الواقع حتى لو لم تكن تلك نية ماركس، فهذا التطبيق الجائر لقوانين الدياليكتيك والذي يهمل جوانب شديدة الاهمية ( ك تكوين الانسان النفسي ومنظوماته النفسية وعلاقته ببقية افراد المجتمع وتمايز الاهواء والشخصيات والنزعات العدوانية او المرضية للافراد التي لا علاقة للملكية الخاصة بها، والتي تحتوي كل منها على صراعها الخاص)، ان هذا التطبيق الجائر سوف يؤدي حتماً الى الفشل -وسيؤدي في حالتنا الى فهم مغلوط للثورات كما ارى توصيف الثورات العربية؛ على كل حال ولكي لا يمل بعض القراء من غير اليسار وبالانتقال من التجريد الى التجريب بدون ان نغفل ان الشيطان في التفاصيل: كنت قد سألت حضرتك في بداية ونهاية مشاركتي بعض الاسئلة ولكني لم اسمع منك اجابة على احدها –ما عدا مثال ثورات الخليج- بل اعدت لي بدون مناقشة حجتك بان الثورات تمت و ان الاسلاميون ربحوا جولة في معركتها، ولم توضح كيف -قدر للاسلاميين ان يركبوا صهوات الثورات العربية-، ولم تفسر كيف حدث ذلك بادوات الماركسية التي كنت اعتمتدها في صلب مقالتك، ففي مقالتك حللت الواقع بالاستناد على حصول تغير كمي احدث التغير النوعي بثورة يفترض انها تقدمية بماهيتها. ولا يمكن للقارئ المتفحص الا ان يجد في هذه االتحليل مثالية رومانسية وتناقضاً بنوياً مع احترامي الكامل لنبل الفكرة (كيف يمكن لوعي اجتماعي سائد ان ينتج ثورة يتلقفها طرف ثالث يميني ضمن المجتمع ويربح نتائجها في انتخابات عددية؟ الا يمكننا القول بشكل مبسط وبدون الحاجة الى سند فلسفي: ان كان عدد الاسلامويين في مجتمع ما اكثر فهذا يعني ان الوعي السائد هو اسلامي بالضرورة)، وان اردنا ان نحلل بهذا الشكل التعسفي الذي تقدمه فيمكن لنا القول ان الثورة الاسلامية الايرانية هي حراك تقدمي ما زال يتقدم منذ ثلاثة عقود نحو وجهته اليسارية التي انطلق من اجلها، كما يمكن رد اعادة انتخاب حزب العدالة والتنمية في تركيا وتقهقر التيار العلماني في البرلمان الى تطور تقدمي في وعي المجتمع لم ياخذ مداه بعد؛ افغانستان وطالبان، غزة وحماس، ريف سوريا والقاعدة ..الخ، وهو ما اراه غير مطابق للواقع؛ ارى وقد اكون مخطئاً ان استعمال ادوات الدياليكتيك بشكل خاطئ لن يعطي نتائج صحيحة او تحليل صحيح، ففي تحليلك رأيت ان التراكم حتما عملية تقدمية بينما اجد انه يمكن له ان يكون رجعياً وانه رجعي حتماً في حالة الربيع العربي. واسمح لي بالقول بان دفاعك -الاسلاميين لم ينجحوا في حرف الثورة عن مسارها- لا يمكن اعتباره مؤشراً لصحة التحليل لعدة اسباب منها ما ذكر في التجريد وبعضها بالتطبيق: لم يمض على تجربتهم الكثير، وما زالوا ممسكين بالحكم، وهم بدأوا محاولاتهم التي لن تنتهي باسلمة مجتمعاتهم فهي فحوى الايدلوجيا التي اوصلتهم للحكم، كما انهم اخطأوا بعنجيتهم بصدم المجتمع ولو انهم اتبعوا المقاربة التركية (القوة الناعمة) لنجحوا في تغيير الوعي واعادة عقارب العلمانية الى الوراء شئنا ام ابينا.
ان الماركسية الارثوذكسية- التي كنتَ قد تعرضت لها في مقالتك بالنقد- بوصفها محاولة قولبة كل شيئ على قياس فكرتها هو ما قمتَ انت به بشكل او باخر عندما اعتبرت ان الربيع العربي فعل تراكمي تقدمي بالضرورة، وان قطار التغيير الحقيقي انطلق وان ركب اسلاميوه العربة الاولى، بينما رايي انطلق بعكس رأيك بأن مسيرة الرجعية بدأت في بعض البلدان العربية وفي بلدان اخرى بدأ الصدام الدموي في الايدلوجيا وليس الطبقات، فالربيع العربي من وجهة نظري لا يعكس صراعا طبقيا بل ايدلوجياً وليس ثورة بل انقلاب، اما بخصوص ردك على فكرة الثورات الخليجية فلا اتوقع بأنه يمكن الاطلاق على تظاهرة -ثورة- كمثال سلطنة عمان، او على حراك يغلب عليه لون واحد وانطلق من مطالبة السلطة باشراك الشيعة في الحكم بانه ثورة بالمفهوم اليساري حتى لو اردنا ان نتعسف في الفكرة) .
اتمنى لك الشفاء من المرض و الانتهاء من مشاغلك الطارئة .
سلامي ومحبتي
_____________________________________
الهوامش في المشاركة التالية


47 - هوامش الرد السابق
رامي شمرا ( 2013 / 2 / 19 - 19:35 )
*حيث رأى المنظرون السوفييت فيها تحطيم لمبدأ المادية التاريخية القائم على مفهوم الملكية الخاصة وصراع الطبقات الذي امنوا انه حتمي وبالتالي تصبح ديكتاتورية البروليتاريا مبررة اخلاقيا في مجرى التاريخ.
** يمكن القول ان النخب الامريكية في السلطة نجحت في الاستفادة القصوى من تطبيقاتها العملية على المستوى الفردي و المجتمعي، حيث استخدموا تطبيقات علم النفس المادية ضد المجتمعات المعادية (هربرت ماركيوزه الذي زاوج الفرويدية مع الماركسية وتلقفه الاميريكون لمحاربة المجتمعات النازية بفلسفة اجتماعية تطبيقية، كما تمت محاربة الشيوعية في الولايات المتحدة الامريكية بمقاربة لاوعي المواطن الاميركي وليس وعيه اي بدون ان يدرك المنهجة، وما زالت هذه الوسيلة مستعملة حتى الآن ونتائجها موجودة وملموسة للعين الفاحصة، ويمكن اعتبار تجربة الولايات المتحدة في هذا المجال رائدة بغض النظر عن اخلاقيتها )
***فقد بنيت المادية التاريخية على تحليل دياليكتيكي يُفترض انه واقعي لحالة الاغتراب والضياع ولكنه قارب الظاهرة من زاوية خاطئة او لنقل مقاربة منقوصة غير قابلة للتطبيق، فإزالة الملكية الخاصة لن تضمن بالضرورة الانتقال للشيوعية حتى لو سبقتها الاشتراكية، فالملكية الخاصة والعبودية نشأت عن مشاعية ولم يوضح انغلز او ماركس السبب الحقيقي لتولد الرغبة في الامتلاك في مجتمع لا يعلم ما هو الامتلاك! وان مراجعة لكتاب انغلز بهذا الخصوص (اصل العائلة وهو من الكتب المتأخرة نسبيا) كافية للاقتناع بان هناك خلل ما في المادية التاريخية وان هذا الخلل لا يعني ان هناك خطأ في الدياليكتيك المادي بل خطأ في نقص تطبيقه على علم النفس وعلم الاجتماع وبالتالي خطأ فادح في المادية التاريخية وافكارها عن ضرورة سيادة ديكتاتورية البروليتاريا وجعل ذلك من انهيار السوفييتات امراً محتوماً بغض النظر عن اخلاقيتها او افلاطونيته


48 - النظرة المعقده الى الواقع من منظور الفلسفه
عدنان عوض ( 2013 / 2 / 21 - 15:49 )
الادراك الصحيح الى الواقع الذي ننظر اليه هو نظرت ماهو اعلا من واقعنا وحكم من خلق الواقع وخلقنا وما هو خارج الواقع من غير المعقول من يضع الحلول من هو طرف في المشكله وليس من يكون محايد
الامر ابسط مما نتوقع ولكن الماسونين فرضوا علينا واقع قذر وصعب


49 - وثورات الربيع العربي جيفارا
غالب المسعودي ( 2013 / 2 / 22 - 23:16 )
جيفارا

وثورات الربيع العربي
د. غالب المسعودي
إن لا عقلانية الحشمة تتأكد بمعرفتنا, أنه لم يكن على الارض سوى ادم وحواء, حسب روايات الخلق, وكانت هناك معصية, والمعصية أن يكون المخلوق قابل للإغراء وفي نفس الوقت مغري, أهو كبرياء ....؟.إن المتابع للتحولات و الاتجاهات الفكرية في شرقنا العربي في بداية الالفية الثالثة, يجدها مرة تدنس محرمات الحكم ,ولكن عندما تستولي على مفاتيح السلطة تصبح هي الخطيئة بعينها ,هل هناك لذة فاعلة تتبناها مجموعات تشكل الوسط الشعبي المؤثر في مرحلة ما..؟, ليكون التبني ذا منفذ واحد للمضطهد, أوقد يكون منهجا نلمسه يأخذ فعله بقوة منذ الاف السنين, باعتباره اوامر اخلاقية بتأثير المحرمات والمقدسات في خدمة الطبقات المسيطرة, وبغض النظر عن الحاجات الاقتصادية والاجتماعية للإنسان.؟, وللإنسان حاجات اولية لكنها تتغير جوهريا, على الرغم من اصولها الحيوانية ,كالغرائز والدوافع البدائية, وهوما يميزه عن الحيوان, و المشكل الاخر هو كيفية ارضائها كونها تتميز بطواعيتها لشتى انواع التلاعب, ان الحاجة للتبني الفكري كسياق عام له مدلولاته في تحولات الوعي وله مرتسمات تحتفظ بصفتها الاقتصادية والاجتماعية, وكي تبقى محتفظة بصفاتها, لا بد من تقييدها, والتقييد طوطم, فمن يدير هذه التحولات ومن يخلق الطوطم,
هناك علاقة ماترياركية آثمة بين الام والابناء, لان الام (الرأسمالية) تسمح حتى بالعلاقة الشاذة بين الاخوة , الذي يؤدي بالتالي الى تطور متواز في السلطة, والتفرد و يرسم التباينات الطبقية, والذي نجده واضحا في بلداننا في بداية القرن العشرين ,و اخص المجتمعات الشرق أوسطية والشعوب العربية بالتحديد, أن السلطة قد تميزت في هذه المجتمعات بين الشمولية بكل اغلفتها التوليتارية, وبين الشخصية السلطوية ذات المسارين’ وهذا ينعكس بالتالي على الشخصية الثقافية والاجتماعية ويشكل ازمة وعي تستدعي بالضرورة مخالفة التعاليم الايديولوجية وتسمح للنعرات القومية والطائفية بالتسلل بين طياتها ,وهي اشبه بنظام تعدد الزوجات, اما حالة الطبقات المسحوقة فانهم غير قادرين على الاستفادة بسبب فقرهم ,وان النقص في سداد الحاجات البشرية يلزم الاعتراف بمحدودية فعالية الاصنام الايديولوجية ,وهنا يظهر الدين كهمس في المدى يتصاعد صداه ويعمل كصمام امان او مخدر لطبقات تعيش تحت انظمة تسلطية, لكن لو نظرنا الى الامر بمنظار الضرورة الاجتماعية نجد ان التخندق والتطرف ,هو باثولوجيا ثقافية وذلك لان تحولات الوعي وحتى في المجتمعات البرجوازية تحاول ان تحدث تقارب بين التقديس والكبت المفروض على البروليتارية, وان نمو نظام الكبت ينمي بالنتيجة الاوامر المقدسة في العقل الثاني(اللاوعي) وعندما تحين المواجهة نجده في اتم الاستعداد لإنتاج كل اشكال الانظمة القائمة على التسلط ,وهذا بالتالي يساعد من جديد على خلق سلطة دينية تتحكم بعامة الناس وتسعى الى اعادة انتاج نفسها وهي التي تملك وسائل قسر عديدة, وان التأقلم القسري داخل الوعي المتدني يجعله حائز على القناعة في غياب التشخيص, لوجود المبهم وغير المعلل والشعور بالذنب ,وهو قادر على استثمار كل الموارد المتاحة. كان جيفارا يدرك عميقا هذه اللعبة فلم تغره السلطة واصر على النضال من اجل تحرير الانسان بما هو كائن ,وان لم تكتمل مسيرته , و نحن الان نواجه الكثيرين من مدعي الثورية والدين الاول لكنها في الحقيقة, ماهي الا الذات العصابية تصارع رغبتها في المحرم تجعل المنع ضرورة وتحول القدرة على الانتاج الى استهلاك إباحي, وبالتالي انسان غير قادر على العمل الخلاق وبوضعية نفسية وفيسيولوجية معيقة ,وان سمح له بالحد الادنى من اللذة فهي على شكل اقراص مخدرة وسلوان, في اطار يوتوبيات موهومة, مستغلة المفعول التعويضي للكبت ,الا ان اساليب الفن الرخيص في الادارة ومتابعة اللعب على حبل الفساد سيحدث المفارقة ,لان لكل قانون فعل وفعل مضاد ينبع منه وينفيه وفيه مفعول تعويضي.


50 - الربيع العربي
وسام خضير الخزعلي ( 2013 / 3 / 4 - 17:41 )
ماهي اشكالية العفوية والوعي في الانتفاضات الشعبية ؟؟ ا


51 - الفسفة وتاثيرها
سليمان ( 2013 / 4 / 29 - 18:10 )
الفلسفة هى علم الموجود بالاقتناع اما الفلسفة لو كانت هى الحقيقة لاندلاع الثورات لخمدت ألسنة وصمتت الموضوع كبير لأن الفلسفة اصلا ما بتحرج قضية اما الأن الي يحصل تياراوصولى واصل بأسم وفلسفة الاسلام ولاحظ حتى الأن لم يحصل تماس حقيقى مع دولة اسرائل لسبب واحد الفلسفة ليس لها تأثير على الثورات ولا غيرها ناس عندها المال وعايزة تعيش وهى الفكرة


52 - الموضوع الذي أخبرتكم به
خالد المرسي ( 2013 / 4 / 30 - 23:05 )
هذا الموضوع الذي أخبرتكم به لو حد فهمه فضلا عن أن يناقشني فيه هع هع هع هع
طبعا بهزر((:
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2013/04/blog-post_8.html


53 - تعليق
فاطمة الذهبي ( 2013 / 5 / 1 - 00:23 )
اخي الدكتورخلدون ان من قام بثورات الربيع العربي اناس مثقفين جدا على الرغم من بساطتهم وحتى لولم يقراو الفلسفة وحتى لوكانو اميين فأن لهم فلسفتهم الخاصة في الحياة والعيش الكريم لهم وللأجيال القادمة وفلسفتهم هي ان الزمن زمن الشعوب لاالحكام فقد اسسو فكر ثوري جديد ولن تسكت الشعوب لأي ظالم وهو تنبيه لكل الطغاة في الارض بأنهم ضعفاء جدا امام هذاالسيل لعارم وانا اؤيدهم بكل مايفعلوه واقول لهم انتم ابطال العصر وكما قال احد الشعراء تقضي البطولة ان نمد جسومنا جسرا فقل لرفاقنا ان يعبرو اذن للفلسفة دور كبير في ثورات البيع العربي

اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا