الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الرياضة والثقافة والفنون ودورها في بناء وعي عربي جديد
فاطمة الشيدي
2013 / 2 / 10الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
الرياضة، والثقافة بكل مكوناتها المعرفية المتعددة، والفنون بكل أنواعها من الموسيقا والتشكيل، والسينما، والمسرح؛ هي أساسيات صناعة الوعي الإنساني العميق، والروحي المتحضّر، والفكر الراقي، ولذا يجب الانتباه إليها في المرحلة القادمة من الزمن العربي المتوقف منذ زمن، للنهوض به، وبإنسانه الخامل والهامد، للخروج من بوتقته الضيقة، وكبوته التاريخية الطويلة، وتغيير حالته المعتمة أخلاقيا وإنسانيا، وفكريا وثقافيا وعلميا نحو الأجمل.
وتكمن قيمة الرياضة في كونها تأخذنا بعيدا عن الترّهات، والنميمة، والعبث، والفوضى، والتخلف، والشهوات، والانزلاقات،والسقوطات، والعنف؛ لتقربنا من إنسانيتنا، وتفتح لنا أبواب الروح والجسد، والعقل، فتجعلنا مهتمين بنا أكثر من الآخر في النظر، كما تجعلنا نحترم أجسادنا وأرواحنا، كما نحترم أجساد وأرواح الآخر. فنحن حين نمارس الرياضة؛ نبني أجسادنا وعقولنا معا، ونربي الروح الرياضية لدى الإنسان فينا، تلك الروح القائمة على السمو والقيم والرفعة، فنتعلم الصبر، والاحتمالات الكثيرة للحياة من النصر والهزيمة، كما نؤمن بنا كائنات طبيعية، فلاننظر للجسد على أنه مادة، بل هو كيان كامل من مادة وروح، فحين نركض ونمشي نتسامى فوق فكرة الجسد العضوي ليصبح كيانا بذاته يستحق الصحة والجمال، وننظر للإنسان على أنه إنسان كامل، وليس جسدا فقط. لأن هذا للأسف -أي الجسد- مرض الإنسان العربي الأكبر والأبشع.
إننا حين نمارس الرياضة نتخلص من أوهامنا وقلقنا، ورؤيتنا الناقصة للحياة، ونشحذ عقولنا بالتفكير الحر، فالرياضة، والمشي تحديدا وسيلة التفكير الحر والسوي، والتكفير عن الزمن في الجسد، إنه يبث الحياة في الحياة، ويشعل الأرواح، ويشغل الإنسان عن كل التداعيات اللأخلاقية. وهو بذلك دربة حميمة على التعالي والتحليق، وعلى الوعي والانفتاح على كل شيء، دربة على الأمل، فالرياضة تصنع تلك الروح المعنوية العالية، وتحارب الإحباط والسأم والكآبة والضجر.
ولو أن كل الذين يجلسون على المقاهي والأرصفة والشوارع يستبيحون الوقت في النميمة، ومراقبة البشر، واحتساء المضرات، ومتابعة كل عابر، خاصة النساء يمشون كل ذلك الوقت، لكانت مجتمعاتنا بخير، وأخلاقنا بخير، وأعمارنا بخير، وأحلامنا بخير .
إننا بحاجة لثقافة الرياضة لتستعيد مجتمعاتنا حياتها وحيويتها، قيمها وأخلاقها، تسامحها وإنسانها الهارب من الحياة لإدمان الصمت والحزن، والمضرات والشهوات. فتتقبل الرياضة كفعل صحي وإنساني فلا تستغرب حين تجد إنسانا يركض رجلا أو امرأة، طفلا أو عجوزا، نحتاج أن تصمم شوارعنا، ومنتزهاتنا لنركض ونمشي بحرية وحيوية.
نحتاج أن نقتنع ونقنع الجميع أن الرياضة مهمة كالأكل تماما، وربما أكثر، للصغار والكبار، بدءا من مخططي المدن، ونهاية بالمتربصين بالمشائين، وأن وجود أمكنة للمشي والرياضة قد يقلل الحاجة لعدد أكبر من الأسرة والأدوية، بمستشفياتنا، وعدد حالات مرضى الجسد والنفس، وعدد حالات الوفاة، وعدد حالات العنف الأسري، وعدد حالات التحرش، وعدد حالات الانتحار.
واليوم ومع هذا الطوفان الذي يجتاحنا ولا نستطيع أن نحدد كنهه تماما، سلبا أو إيجابا، ما أحوجنا للرياضة ولروحها للتعامل مع الآخر، لنلحق بالعالم الذي يركض منذ زمن طويل حتى قطع مسافات ضوئية بعيدا عنا، ونحن نجلس في زوايانا ننظر إليه ونتحسر، ونغتاب، ونتشهى، ونمارس كل سوء بمسميات جديدة، ونتدعي الحداثة أيضا!
تماما كما نحن بحاجة للثقافة بمكنوناتها المتعددة كالأدب والمعارف والعلوم، والفنون كالتشكيل والمسرح والموسيقا والسينما.
فالثقافة والفنون هي جسر الروح، بين ماهو ماضٍ وماهو آت، بين الماضي كتاريخ مكتوب، والمستقبل كتاريخ نشترك جميعنا في صناعته، فحين نقرأ نحن نتخلّق بشكل جديد، بشكل أجمل وأكمل، نتعالى على نقصنا، وعلى فقرنا، وعلى جوعنا، نشعر أننا أكثر قوة، وكمالا ، وجمالا وبهاء، وأن الغد لنا.
فالمعرفة قوة غالبا، قوة نستطيع التغلب بها على الفقر، وعلى القبح، وعلى التردي الأخلاقي، والقراءة العميقة والواعية والرصينة تجعلنا أكثر اتزانا وأملا ورغبة في تغيير العالم، كما تجعلنا أكثر مؤازرة وألفة ومحبة للكون والناس والحياة والغد، تجعلنا نحترم عقولنا وعقول الآخرين، نحترم العقل الذي أنتج هذا المنتج الثقافي، نتشارك معه فيما كتب، ونشارك كل قارئ في قراءاتنا المشتركة. نحن نتعلم ونعلم، ونستفيد من أوقاتنا في ما يفيد، كل قراءة هي زيادة، لاتوجد قراءة تأخذ منك، إنها تهبك الثقة والاتزان والوعي والجمال والهدوء والحكمة والصبر، والمثابرة واستغلال الوقت.
ولذا فعلينا أن نبني وعينا الجمعي القادم بالرياضة، والثقافة، لبناء أجيال جديدة تمتلك الحرية والاحترام والقوة على التغيير.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية.. أزمة سياسية وحلول آنية
.. تونس.. ما هي عادات العروس التقليدية مع الحناء؟ • فرانس 24 /
.. المدفعية الإسرائيلية تستهدف مجموعة من المواطنين حاولوا الدخو
.. قراءة عسكرية.. معارك محتدمة في ريف حماة الشمالي
.. احتجاج صامت أمام مقر حزب الليكود للمطالبة بصفقة تبادل المحتج