الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان في الحضارات القديمة

حسن محمد طوالبة

2013 / 2 / 11
حقوق الانسان


معظم الدراسات في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ترجع هذه الحقوق إلى الاتفاقيات والإعلانات والمعاهدات الحديثة التي تم توقيعها وإعلانها في القرن العشرين. ولكن هذه الحقوق موجودة في الحضارات القديمة على شكل مدونات مكتوبة بلغات الأمم القديمة، بعضها جاء على شكل رسائل كان الملك يكتبها إلى حكامه يبين فيها بعض صيغ العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وبعضها جاء مبوباً ومكتوباً على الأحجار أو الورق أو الرقم الطينية. وقد دلت على ذلك الاكتشافات الأثرية في بلاد الرافدين (العراق) ومصر الفرعونية.
1. حضارة العراق (ما بين النهرين):
لقد استمد طول الحضارات القديمة قوانينهم من الإرادة الآلهية، وظهر التشريع القانوني المدون مع تقدم الحضارة في بلاد الرافدين، أو بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات). ويجمع الباحثون والأثريون أن أقدم تشريع قانوني مدون هو تشريع الملك (أوركاجينا) ملك مدينة لجش السومرية (2400 ق.م). أما التشريع الثاني فهو تشريع الملك (أورنمو) مؤسس الدولة السومرية الثالثة (2113، 2096 ق.م)، وهو قانون مبوب ومرتب في 22 مادة، وتشير مقدمته إلى أن الآله (نناد) إله القمر، إله مدينة أور، هو الذي فوض الملك أورنمو لأن يحكم المدينة، وقد وصفه الإله بالملك العادل والتقي والورع وأن مجيئه كان إيذاناً بالقضاء على الفساد والفوضى، والتشريع الثالث هو قانون الملك (لبت عشتار) البابلي (1934-1924 ق.م) المكون من 37 مادة. ورابع تشريع هو تشريع مملكة (أشنونا) باللغة الأكدية (1800 ق.م).
لكن أهم تشريع قانوني عني بالأحوال الشخصية هو قانون (حمورابي) (1748 – 1951 ق. م) الذي يحتوي على(282) مادة قانونية مكتوبة بلغة أدبية وقانونية رفيعة المستوى، أما بتويب المواد القانونية فيه، فإنه يحاكي تبويب أحدث القوانين والتشريعات من حيث الترابط الموضوعي بين مادة وأخرى أو الانتقال من موضوع إلى آخر.
والأهم من ذلك أن حمورابي نقش هذه القوانين على سلة من حجر الديوريت الأسود، يبلغ ارتفاعها 225 سم وقطرها حوالي 60سم، ونقشت في أعلى المسلة صورة تمثل الإله (شمس) أي إله الشمس وهو متربع على عرشه، ويقف أمامه حمورابي وقفه المتعبد يستلم من الآله العصا وحبل القياس وهما من رموز وشارات السلطة والحكم في العراق القديم ويتضمن قانون حمورابي خمسة أبواب رئيسية هي:
1. التقاضي وأصول المرافعات وتعود في خمسة مواد (1-5).
2. الأموال والمعاملات المالية وتقع في 120 مادة (6-126).
3. الأشخاص أو قوانين الأحوال الشخصية ويقع في 87 مادة (127-214).
4. الأجور ويقع في 62 مادة (127-214).
5. العبيد ويقع في 4 مواد (278 – 282).
واللافت في أبواب قانون حمورابي الخمسة، أنه أولى عناية كبيرة للأحوال الشخصية والعبيد، والعدل والمساواة بين الرعية، حيث أخضع المواطنين لأحكامه سواء كانوا موظفين أو رجال دين أو عبيد أمام القضاء، وأعطى المرأة حقوقاً مادية ومعنوية، وأولى عناية بالأسرة وبالأولاد، ونظم حالات الزواج والمهور والطلاق والإرث وحد من سلطة الزوج على زوجته، وأعطى الزوجة الحق في الدفاع عن نفسها وعن حقوقها، وسمح لها بإدارة أعمالها وأملاكها، وخفف من سلطة الأب على أبناءه، وحصر حق الحرمان من الإرث بالمحكمة، ولم يكن بإمكان الأب أن يحرم ابنه من الإرث إلا إذا قدم أسباباً مقنعة للمحكمة. وساوى القانون بين الأبناء في الإرث، إلا أنه ميز بين المواطنين والأجانب وبين الأحرار والعبيد , ونلمس من قراءة بنود قانون حمورابي حرصه على إحقاق الحق، وقد خفف من سلطة الأب التي كانت مطلقة في القانون السومري، حيث أحال مسألة حرمان الأب ابنه من الإرث إلى المحكمة، وإذا ثبت للمحكمة بالأدلة أن الأب محق في عمله، حكمت له وحتى إذا ظهر أن الأب على حق فيجب أن يغفر لولده ذنبه في حالة اقترافه الذنب للمرة الأولى. كما وضع قانون حمورابي حداً لسلطة الزوج في الطلاق. فقانون العائلة السومري أعطى الزوج الحق في طلاق إمرأته متى شاء وبدون أي سبب، وسواء كان لديها أطفال أم لا... أما قانون حمورابي فقد وضع فرقاً بين حالتين:
الحالة الأولى: عندما يكون للزوجة أطفال، فتأخذ صداقها من زوجها ونفقة تكفي معيشة أولادها. وبعد أن يكبر أولادها تكون لها حصة في أملاك زوجها الذي طلقها عند وفاته مساوية لحصة أي ولد من أولاده.
والحالة الثانية: إذا لم يكن للزوجة أولاد فتأخذ صداقها وما جلبته من بين أبيها عند زواجها، بما فيها هدية الزواج.
وفي إطار المساواة بين أفراد الرعية، فقد فرض حمورابي على الطبقة العليا التي ينتمي إليها، أن تحسن التصرف وتكون القدوة في سلوكها للآخرين، وجعل العقوبة عليها أشد من العقوبة التي تفرض على الآخرين في نفس الجريمة أو الحادثة التي تقع .
2. حضارة مصر الفرعونية:
لم تكشف الحفريات والدراسات الأثرية في مصر بعد عن تشريعات تتناول حالة الفلاح والعامل والحقوق التي يتمتع بها كل منهما في حضارة مصر الفرعونية القديمة، وتشير بعض الوثائق إلى عقود عمل بين أرباب العمل والعمال، ويستنتج منها أن العمال والفلاحين المتعاقدين كانوا أحراراً ، رغم سطوة وسلطان الفرعون الذي يدعي لنفسه الإلوهية، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قصتي يوسف وموسى (عليهما السلام) مع فراعنة مصر، وما كان لهم من سلطان وجبروت في تلك الأيام.

3. الحضارة اليونانية:
لم تعطي الحضارة اليونانية الفرد حريته الكاملة، ليكون مواطناً له كامل الحقوق في الحرية والحياة والقول والمعتقد، بل كان الفرد تحت إمرة الدولة وخاضعاً لها في كل شيء من أمور حياته.
ورغم تميز الحضارة اليونانية بالعطاء الفكري والفلسفي والعلمي في مجالات الطب والفلك، إلا أنها لم تمنح الفرد كامل حقوقه، ولم تعترف بالحقوق السياسية لمعظم مواطني أثينا. فقد بني المجتمع اليوناني والدولة على سلطة العنف والقوة، فالدولة هي التي تملك كل شيء، وتتصرف بشؤون الأفراد كيفما تشاء. وكان السكان مقسمين إلى ثلاثة أقسام أو ثلاث طبقات:
1. طبقة الأشراف والنبلاء:
ويتبعهم الفرسان وأركان الجيش والحكام والقضاة والكهنة، وبيدهم كل السلطات القاهرة التي تجبر السكان على فعل كل شيء، بحيث كانت تحرم الجند من الزواج حتى لا ينشغلوا بالأمور العائلية أثناء الحروب والقتال مع الأمم الأخرى، إذ المفروض أن يتفرغ الجند لأعمالهم الحربية والتدريب، وكسب اللياقة البدنية. إذ كانت طبقة الجند طبقة مرموقة تأتي من حيث القيمة الاجتماعية بعد الأشراف والنبلاء.
2. طبقة أصحاب المهن، والتجار:
وعليهم يقوم كيان الدولة الاقتصادي ولذلك فقد اعتبرتهم الدولة مواطنين لهم من الحقوق ما ليس لغيرهم.
3. طبقة الفقراء والفلاحين:
وهي الطبقة المحرومة من كل الحقوق، ولشدة فقر هذه الطبقة، صاروا بمثابة عبيد يباعون ويشترون من قبل الطبقة الأولى، فإذا عجز الفلاح عن دفع الدين الذي بذمته، كان من حق الدائن أن يبيع المدين ليسترد دينه وقد ظهرت أول مدونة قانونية في أثينا من قبل حاكمها (داركون) سنة (620ق.م)، واعترف بالنظام الطبقي القائم في المجتمع اليوناني، وقد اتسم هذا القانون بالشدة والقسوة في فرض العقوبات، وبموجب ذلك القانون حلت الدولة محل الشيوخ وأرباب الأسر، وهيمن النبلاء على الشعب.
وظل هذا الوضع حتى القرن السابع، حيث قام (صولون) حاكم أثينا الجديد بإصلاحات في المجتمع فقسم السكان على أربع طبقات، وقام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية، كما ألغى الاسترقاق، وحرر الفلاحين المديونيين، وحرم قتل الأبناء، وفي القرن السادس قبل الميلاد أنشأ (كليشز) حكومة ديمقراطية وبدأ عهد الانتخابات بالقرعة، وازدهرت الديمقراطية اليونانية لفترة من الزمن.
وعرف اليونان – أنذاك – مؤسسات دستورية، ولا سيما بعد إعدام الفيلسوف (سقراط).
ويمكن القول أن الديمقراطية ارتبط ذكرها بالحضارة اليونانية، التي تعني (حكم الشعب)، ورغم ذلك فإن سلطة الدولة أزاء حريات الأفراد وحقوقهم ظلت سلطة مطلقة لا حدود لها ولا قيود عليها، أنها كانت سلطة ديكتاتورية مستبدة .
4. الحضارة الرومانية:
اتسم المجتمع الروماني بالسلطة المركزية، وبنظام أسري قاسي، إذ أن الأسرة كانت أشهر منظمة اجتماعية والوحيدة التي لها كيان معترف به في ذاك المجتمع. وكان رئيس الأسرة يمارس سلطة مركزية، وله وحده امتلاك الأهلية القانونية، أما بقية أفراد الأسرة فليس لهم من الصلاحيات شيء، وليس لهم استقلال عن سلطة الأب مهما كبروا في العمر، إن التفسير المنطقي لمثل هذه السلطة، هو أن المجتمع الروماني كان يتألف من الفلاحين المشتغلين في أمور الزراعة، وحاجاتهم كانت بسيطة، وبالتالي فلم يكن أفراد الأسرة بحاجة إلى سلطات ينتزعونها من الأب، فالحقوق الممنوحة لرب الأسرة كانت ملائمة للبيئة الرومانية الفلاحية.
وفي القرن الثالث الميلادي تحول الفلاحون الرومان إلى تجار، وقد أثر هذا التحول على ميلهم إلى نيل حقوقهم، وعليه فقد خفت سلطة رب الأسرة والتشكيلات التي كانت سائدة.
وعرفت روما في كل عصورها الرق والعبودية، فكان قسم كبير من سكانها عبيداً وكانت المرأة ملكاً لزوجها يمكن له أن يبيعها، وكان الأطفال عرضة للبيع والرهان من قبل أبائهم .
ومع اتساع رقعة الإمبراطورية الرومانية، وتعدد المقاطعات التي تحكمها مع تعدد الأمم والشعوب التي تسكنها، فقد درست الإمبراطورية قوانين البلاد والأمم التي حكموها فوجدوا فيها عناصر قانونية مشتركة بينها وبين هذه الأمم والشعوب. فعملت على صياغة قواعد سميت "قانون الأمم". كما عرفت روما في عهدها الملكي مجلساً للشيوخ ومجالس شعبية، وكان دور مجلس الشيوخ تقديم المشورة للملك.
وفي العهد الجمهوري في روما توسعت أنظمة المجالس فدخلها العامة من المواطنين، ولكن الأشراف ضلوا محتفظين بسلطتهم داخل مجلس الشيوخ، وبأصواتهم فقط تكون القوانين نافذة المفعول.
ورغم هذا التوسع في المجالس، إلا أن الفقراء ظلوا محرومين من الحريات ومن الحقوق السياسية، بل تم اخضاعهم إلى الرق والعبودية عندما كانوا يعجزون عن أداء الديون المستحقة عليهم. وكانت القدرة المالية لدى الأفراد هي التي توصلهم إلى الوظائف العليا.
وبعد ثورة الفقراء وعامة الناس ضد طبقة الأشراف، صدر في ذاك العهد "قانون الاثني عشر". وقد أقر هذا القانون المساواة بين الناس، ووضع تشريعاً للعقوبات والمحاكمات والأحوال الشخصية، ورغم ذلك فقد ظل قانوناً قاسياً وظالماً على الفقراء، فأجاز استرقاق الفقير الذي يعجز عن أداء الدين المستحق عليه.
وفي العهد الإمبراطوري الروماني لم يبق من المجالس إلا أسمها، وصار نظام الحكم فردياً مطلقاً، وصارت ديمقراطية روما تعتمد على الثروة والطبقة .
إن الحقوق والحريات الفردية لم تكن مكفولة لكل الأفراد سواء في المدن اليونانية أو في روما، حيث حظي الأغنياء والأشراف مثل السلطات السياسية والاجتماعية، فيما حرم الفقراء منها، بل قادهم فقرهم إلى الرق والعبودية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06


.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في




.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل