الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلحة جبريل كما عرفته أو طلحة جبريل بإجحاف كبير

سعيد بنرحمون

2013 / 2 / 11
الصحافة والاعلام


"صاحت الملكة قائلة يا إلهي الأميرة حامل من فعلها" جملة يدمن طلبته على ترديدها، حتى صارت بينهم مفتاح تعارف حقيقي، لسهولتها وجزالتها ولتلخيصها مدرسة صحافية بأكملها، جاء بكل تفاصيلها إلى الصحافة المغربية فغرقت فيها إلى أخمس أقدامها، قدرته كبيرة على تكثيف المعاني في جمل، والأفكار في مجرد ألفاظ لا تضاهى، فالملكة والأميرة هنا ترمزان للأخبار المتعلقة بمن يوجد في قمة السلطة، والحمل واضح الدلالة على الجنس وصياح الملكة المتبوع بالاندهاش يرمز إلى الجريمة، لأن الجنس إذا اقترن بالفجائية والاندهاش من طرف المحيطين بالحامل فلن يكون إلا جريمة في أعرافنا اليوم وفي أعراف غيرنا قديما، وفي الخبر إحالة ضمنية على الدين وعلى الغموض، ألا تعيش معظم الصحافة المغربية اليوم غارقة في هذه التركيبة العجيبة؟ الدين والملكية والجنس والجريمة والغموض، الجواب عنده بلى وليس نعم كما هو شائع عندنا.
لا تخطئه العين في مشيته أبدا، حقيبته كبيرة بالكاد تنغلق على كل جرائد المغرب اليومية والأسبوعية، حدائه حسن التلميع، قبعته أمريكية تخفي رأسا صغيرة خبرت الدنيا شرقا وغربا، شاربه خفيف وكأنه ينبث في أرض صحراوية قاحلة، ألوان ثيابه باردة وغريبة أحيانا، لا تراه إلا بربطة عنق، أناقة بسيطة لا تكلف فيها، وهاتف "بلاك بيري" لا يكف عن الرنين، من بلاد الزول جاء، يحمل ورائه الكثير من الأحلام وبراءة أبناء الشرق السحري، حيت العود والصندل والشمس التي تأن من وطئها حتى الأحجار، صار اليوم صفحات عديدة على محرك البحث العالمي "غوغل" عندما يطلب منه أحدهم سيرته العلمية أو كشفا بتجربته العالمية، كما يحلو له أن يقول.. طلحة جبريل موسى اسم ثلاثي في بلاد ثنائية الأسماء، جاب عالم الصحافة المغربية من أقصاه إلى أقصاه، عمل في بعضها وأقام بعضها وقوم اعوجاج بعضها الآخر، حتى صار مدرسة صحافية تتشكل ببطء ولكن بقوة واضحة، سبيله إلى ذلك التميز عشق المهنة، لا يسميها كما الأخرين مهنة المتاعب، بل يعتبرها مهنة المتع التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، يمارسها اليوم كتابة وتدريسا، يعّرف ويحلل ويناقش كل ما له علاقة بها ويزيد: مبادئها وأخلاقياتها، أساليبها ومدارسها العالمية، تقنياتها ومهاراتها، دفاتر أساليبها وما يجّد فيها من جديد، خاصة جديدها القادم من الولايات المتحدة الامريكية، ولا يسنى تشوهاتها الحاصلة عندنا، والتي لا يخفي أنه كان جزءا منها، واليوم يسعى ليكون جزء من تصحيح تلك التشوهات، وذلك عبر تكوين جيل من الصحافيين الشباب يكْفر بما سعى طلحة جبريل يوما ما إلى أن يجعل صحافيين أخرين يؤمنون به، يخوض المعارك العلمية لصاحبة الجلالة شرقا وغربا بكل حماسة، فتراه يجادل هذا ويراسل ذلك حول أسلوب كتابة جديد أو نهج علمي وليد.
حازم في قاعة الدرس لدرجة العسكرة، وفي قاعة التحرير كذلك، والغريب أنه جاء الصحافة مصادفة من حقل الفلسفة، بعد أن جاء الأخيرة من حقول ضفاف النيل الأبيض والأزرق، فكيف وفّق بين حقلي الفلسفة والصحافة؟ الأول كان يطرح أسئلة وجودية كبيرة والثاني يحاول الإجابة عن أسئلة حياتية تشغل الناس. علمته الصحافة فن التصرف، على حد قوله، ولما أعطاها قلبه أعطته حب وتقدير واحترام الناس والمكانة الرفيعة بين القوم الغريب عنهم، كما مكنته من مجالسة الكبار في السياسة والثقافة والمجتمع وحتى في الرياضة، وبالمقابل أورثته الكثير من أعداء النجاح..
حياته تشبه حياة مصطفى سعيد، بطل رواية صاحبه الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" مع فارق أنه لم يهاجر إلى الشمال، بل اختار المغرب على العراق وتركيا ومصر القريبة ليتابع فيه دراساته العليا، اختار فاس التي ما بعدها ناس، كما كان يقول أهل بلده من المتصوفين، جاء الرباط بدل فاس خلال سبعينيات القرن الماضي، حين كانت الجامعة المغربية تغلي بالأفكار والصراعات، خاض صاحبنا إحداها ضد سفارة بلاده، ولولى قرار حاسم للراحل الحسن الثاني لكان مصيره مختلفا كليا عما هو عليه الآن، فقد رفض الأخير تسليمه لسلطات بلاده المطالبة به وببعضٍ من زملائه المقتحمين للسفارة والاعتصام فيها طلبا لمنحة صيفية أو تأشيرة العودة للديار بدل التدور جوعا..
للنساء دور كبير في حياة طلحة جبريل، يكفي أن إحداهن كانت السبب في عودة للتعليم، بعد أن فارقه وهو حاصل على ما يوازي دبلوم تكوين مهني في النجارة بالمغرب، لاطفها يوما فأسمعته "خل أذنيه" كانت قاسية جدا حين حطت من قدره وأقنعته بسكناه في أسفل السلم الاجتماعي في السودان باعتباره نجارا، وكانت أيضا حافزه الأقوى في البحث عن ذلك الرقي الذي قرر أنه لا يتأتى إلا عبر الترقي في التعليم والترقي بالتعليم، اليوم رصيده المعرفي والأكاديمي والعملي والاجتماعي ما يباهي به الكبار، وفي رصيده الأسري خمس زوجات سابقات من المغرب ومن السودان، يأتين رفقة أبنائهن على كل راتبه.
يقال في المثل المصري العامي "باب النجار مخّلع" فهل ظل باب صاحبها مخلعا حتى وهو يعتزل مهنة الشباب تلك ويحترف الصحافة؟ الجواب لا ينكره طلحة جبريل فهو وإن كان يكسب من ممارسة مهنة الصحافة راتبا محترما جدا، إلا أن مصاريفه كثيرة جدا أيضا، منها مصاريف خمس زوجات سابقات بأبنائهن، من الأبناء من أنهى دراستاه العليا ومنهم من لا يزال في اللفة، والأهم من هذا وذلك تبذير لا حدود له، يقول عنه كل من عرفه مهما أعطيت طلحة جبريل من مال فسيصرفه ويعود للاقتراض ثانية إلى أن ينطفئ آخر بريق من لمعاء عينيه اللتان بالكاد تخفيان ذكاء متقد وحضور بديهة لا يجارى.
لا يفاخرك طلحة جبريل بمثل ما يفاخر به الناس، المال والبنون وزينة الحياة الدنيا، زينتها لا تدخل في حساباته إلا فيما له علاقة بالمظهر، أما الأبناء فمسألة شخصية لا دخل لأحد بها، وآخر همه المال، فهو عنده زائل مهما علت قيمته، ولا يجد صاحبنا غضاضة في القول إن هناك من أقاربه من هو مستعد لإعالته إن عجز ماديا إلى أن يفارق الحياة، اعتزازه الحقيقي بالأجيال التي يكونها في عالم الصحافة، بالنجوم التي يصنعها بالجد والمثابرة، بالنسبة له فاشل جدا، من رؤساء التحرير عندنا، من لم يصنع صحافيين نجوم، واعتزازه الأكبر بخبر يحقق فيه سبقا، أو مادة إبداعية يتفنن في إخراجها، وما أكثرها، ويفاخر كذلك بمكتب خاص ومساعدة متخصصة، يجاهد في إبقاءه مفتوحا رغم العجاف من السنين وما أكثر ما مر عليه منها، يقول إنه "الوحيد من الصحافيين المغاربة من يتوفر على مكتب خاص بالإضافة لمكتب العمل" ويزيده فخرا أنه حاور من رؤساء وقادة وشخصيات العالم من لم يحاورهم غيره من رؤساء التحرير المغاربة وربما العرب، في رصيده اليوم عدد من الكتب منها من يصلح مادة توثيقية للتأريخ، ومنها من يفيد في تكوين صحافيين متميزين في كل ما له علاقة بالمهنة..
قلة من الناس من تلاقي ما يلاقيه طلحة جبريل من حدة في مواقف من عرفه، أناس يعترفون له بكل الفضل في تكوينهم المهني وبالفضل في بعض جوانب حياتهم بما فيها الجانب الشخصي، وأخرون ينكرون كل ما أسداه لهم من خدمات، ويبقى المشترك بين هؤلاء وهؤلاء هو الإجماع على احترامه حتى في معاداته، أما هو فينهج سياسة عدم الرد على من يختار تسويد الصفحات بسوء فهم وقع معه هنا أو هناك أو هنالك، رده إن حدث لن يكون إلا مؤسسا غير متسرع، والمهم أن يأتي ضمن كتاب يقوم على أسس علمية توثيقية، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا فصل فيها القول، من هذه الردود كتاب "صحافة تأكل أبناءها" الوشيك الصدور في سفر مخصوص، بعد أن صدر في حلقات ضمن جرائد ورقية وإلكترونية مغربية.
اليوم طلحة جبريل أكبر من أن يصاغ في أسطر، لكن تواضعه لا يزداد إلا رسوخا عند من عرفه أو سيعرفه، رغم أنه يتحدث عن نفسه بفخر كبير، ويرفض أن يستشار أو يأخذ رأيه في مسألة عامة أو خاصة في وسائل الإعلام إلا بمقابل مادي يليق بقدره العلمي وخبرته الواسعة، ومنطقه في ذلك بسيط ومقنع في الوقت نفسه، كيف يدفع للطبيب والمحامي والخبير مقابل عن الاستشارة ولا يدفع للصحافي؟ أما علاقته بالتلفاز فتشوبها عداوة أصيلة متأصلة، فصاحبنا لا ينعته إلا بجهاز التبليد، أما المذياع فقد ربطته به ذكريات طويلة وجميلة في عاصمة الضباب أيام الكبار المؤسسين..
يغادر طلحة جبريل قاعة الدرس وحوله طلبة الصحافة متحلقين، هذا يستفسر عن مسالة عالقة في دهنه، وذلك يريد إقناعه بفكرة، وأخر يلح على أخد رأيه في مقال، أما هو فلا يتركهم إلا وأنفسهم مقتنعة تماما، يصل محطة القطار "الدار البيضاء الميناء" حيت ينجح دائما في اقتناص جميلة يبادلها أطراف الحديث في كل شيء وكأن يومه بالكاد يبدأ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه