الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة روسيا في الشرق العربي في ظل الظروف الجديدة

مرعي حسن أبازيد

2013 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يشارف العام الثاني للربيع العربي على نهايته، بينما عملية إعادة تشكيل المنطقة على مايبدو مازالت في طور البداية، لأن الوقت قد استغل بشكل أساسي في عملية الإطاحة بالأنظمة القديمة في بعض الدول و تحرير (ليبرالية) جزئي لبعضها الآخر. تبع هذه المرحلة أيضاً تشكيل أجهزة جديدة للسلطات في ظروف المنافسة بين قوى المعارضة المختلفة المشاركة في حملات الاحتجاج و بين ممثلي البيروقراطية القديمة والأجهزة الأمنية الناجية بعد انهيار الأنظمة السابقة. المسألة الملحة المطروحة اليوم، هي ليس فقط مسألة الاستقرار السياسي الداخلي، بل و حل المشاكل الاجتماعية – الاقتصادية المتفاقمة في مرحلة التغيير، والبحث عن مكان لها في المنظومة الاقليمية والعالمية للعلاقات الدولية.
بغض النظر عن عدم انتهاء عملية إعادة التشكيل في العالم العربي، لكن من الممكن الإشارة إلى عدة اتجاهات للتطورات المستقبلية التي يتوجب على روسيا أخذها بعين الاعتبار. إذ أصبح ازدياد تأثير المد الاسلامي يميز خصوصية العمليات الاجتماعية السياسية في الشرق الأوسط منذ سبعينات القرن الماضي. و الآن، وبعد اجتياز مرحلة النضوج، أظهر الاسلاميون أنفسهم في اللحظة الحاسمة كقوة من أكثر القوى تنظيماً، تفرض نفسها لتحدد مستقبل المنطقة. ووفقاً لرأي أحد المحللين السياسيين الروس، أن "الربيع العربي"، دمر العلمانية التي كانت تخلق توازناً في المنطقة مقابل الاسلاميين، وذلك بالقضاء على العديد من الأنظمة العلمانية، مما فاقم التأثير الاسلامي، ليصبح التوجه الرئيسي الذي سيحدد تطور هذه المنطقة التي بدأت تظهر ملامح عدم استقرارها من المغرب العربي و نيجيريا حتى أفغانستان.
في ظل الظروف الجديدة، تستمر ممالك شبه الجزيرة العربية في استخدام الاسلام كأداة تأثير على دول اسلامية عربية أخرى. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: الدعم الكبير للثورة المصرية وللمعارضتين الليبية والسورية عبر أفعال قناة الجزيرة التلفزيونية التي أصبحت أداة الحرب الاعلامية الأولى. و المثال الآخر، استخدام "الأذرع الاسلامية" للقتال ضد النظام في سوريا – بتجميد عضوية سورية في منظمة التعاون الاسلامي. بالإضافة إلى تركيا وإيران، اللتين يحكمهما الاسلاميون، وتسعيان للتأثير على دول الربيع العربي.
العلاقات بين اللاعبين المذكورين لا تخلوا من الصراع. لكن المواجهة الرئيسية تتكشف بين إيران و دول مجلس التعاون الخليجي، التي تخشى من برنامج إيران النووي والتمدد الايراني في شبه الجزيرة العربية. تبدو هذه المواجهة بوضوح، بقيام دول الخليج بدعم المعارضين السوريين ضد الأسد الذي وقع مع طهران اتفاقية شراكة استراتيجية. إن ما يفاقم التناقضات هو الاختلافات الدينية بين السنة والشيعة والتعاون الوثيق بين دول شبه الجزيرة مع الولايات المتحدة. ما عدا التضامن على أساس الدين، تمارس هذه الدول تعزيز الاتصالات بين الدول العربية و أشكال الجومات الملكية، وهذا ما أظهرته دعوة الأردن والمغرب للدخول في مجلس التعاون الخليجي.
من الواضح، أن الوضع في المنطقة قد تفاقم في مرحلة الربيع العربي بالإضافة للمشاكل المتراكمة منذ فترة طويلة، والتي منها، الصراع بين الفلسطينيين و الاسرائيليين و بين شمال وجنوب السودان و شمال و جنوب اليمن و وجود الانفصاليين الأكراد و التوتر في أفغانستان (الذي سيحتدم بعد خروج القوات الأمريكية)، وعدم الاستقرار في باكستان.
من هنا، يتعين على روسيا العمل في ظل ظروف إقليمية معقدة للغاية، واستحقاقات جديدة. قبل كل شيئ، يتوجب عليها بناء علاقات مع الاسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة في عدد من الدول العربية. بطبيعة الحال، موسكو على استعداد لذلك، والاتصالات الجارية حالياً بين الدبلوماسيين الروس والسياسيين المؤثرين في كل من تونس ومصر دليل على ذلك. إلا أن موسكو تضع شروطاً أساسية من أجل التعاون الناجح مع الحكومات العربية الجديدة، هي: أن تعتدل هذه الدول بأفكارها الاسلامية وأن لا تتدخل في الشؤون الداخلية الروسية. وبهذا الخصوص، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المناسبات، "نحن في روسيا لدينا دائماً علاقات جيدة لم تنقطع مع المعتدلين الاسلاميين، القريبين برؤيتهم من تقاليد المسلمين الروس، و نحن على استعداد لتطوير هذه العلاقات في الظروف الحالية. ونهتم في تنشيط العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع جميع الدول العربية، بما فيها الدول التي عايشت مرحلة الاضطرابات الداخلية".
من جهة أخرى، لا يريد الاسلاميون أن يكونوا منعزلين، فلذلك، يعتزمون التصرف بليونة في هذا الشأن. لكن عند بناء طريق السياسة الخارجية يتوجب عليهم احترام مصالح القوى السياسية الأخرى في دول الربيع العربي، حيث يوجد الكثير من مؤيدي القومية العلمانية والأفكار الديموقراطية الليبرالية، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار تموضع القوى في العالم وتوجهات العولمة، و حاجة هذه الدولة العربية أو تلك في أن تكون جزءاً من المنظومة الاقتصادية العالمية. ومثالاً على ذلك، موقف "الاخوان المسلمين" في مصر، الذين أعلنوا عن استعدادهم لتطوير العلاقات مع روسيا. إذ قال الرئيس المصري محمد مرسي في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي"، إنه يريد توسيع مجالات التعاون مع روسيا، نظراً لقوتها الاقتصادية ووزنها السياسي على الساحة الدولية. المسألة الاخرى هي، أن ملامح تعاون روسيا مع مصر ستصبح ملحوظة مع الوقت فقط، أي بعد استقرار الأوضاع في هذا البلد.
بغض النظر عن برودة العلاقات بين روسيا والعربية السعودية بسبب الخلافات حول سوريا وإيران، إلا أن هناك أيضاً العديد الأسس للتطبيع، فالرياض كما الدول العربية الأخرى، تهتم بانتهاج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات مع الاحتفاظ بالتوجه نحو الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. في هذه الحالة، هي تنظر إلى روسيا كثقل للتوازن السياسي مع الغرب، واتجاه إضاقي لتنويع العلاقات الاقتصادية الخارجية.
في النتيجة، روسيا ستستمر في تطوير علاقاتها مع جميع دول الشرقين الأدنى والأوسط. لكن العلاقات الأوثق ستكون مع إيران، التي تحتاج لدعم روسي كبير على خلفية الصراع حول برنامجها النووي ومحاولات إضعاف سوريا.

مرعي أبازيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن