الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم .. نكره العلم

فؤاد قنديل

2013 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


للمفكر الكبير الأستاذ السيد ياسين مقال مهم نشره الأهرام بعنوان " هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟ " . حاول فيه كما عهد ناه رصد التحديات التي تقف حجر عثرة في وجه مسيرة التقدم العربي وذهب كما ذهب عدد من مفكري الغرب - وهم محقون - إلى أن التخلف حالة عقلية ، وقد سبق للأستاذ السيد ياسين في كتابه " أزمة المجتمع العربي المعاصر أن رد التخلف العلمي إلى سببين رئيسيين ، الأول عدم إيمان القيادات السياسية بأن العلم ركيزة التقدم الأولى وثانيا تقاعس كبار العلماء عن محاولة إقناع الحكام بأهمية العلم في دفع قوى الأمة نحو مستقبل أفضل .

خطي الأستاذ السيد ياسين خطوة جسور عندما أتاح الفرصة لطرح أهم ما ورد بمقال الباحث البارز د. سمير أبو زيد حول الأسباب التي أدت إلى تجنب العرب لكل ما هو علمي ، والتي تتلخص في أن الدين قيد حركة التفكير العلمي وكبح التوجه نحو اكتشاف المجهول وأن فقهاء ومفكري الدين الإسلامي رسخوا الاعتقاد بأن الدين هو كل شيء في حياة المسلمين وهو الدنيا والآخرة ، وهى رؤى صحيحة إلى حد ما ولكن كاتبها يبالغ في تقدير هيمنتها ويعول عليها كثيرا ، وقد لاحظ ذلك ياسين وتحفظ عليه متسائلا عن السر في النهضة العلمية الإسلامية الكبرى في القرون الوسطى إذا كان الدين له تأثير سلبي يحول دون الإقبال على العلم .

والحق أن هذا الموضوع بالذات شغلني طويلا مع أنه ليس في صدر اهتماماتي ، وربما نشأت العلاقة بحكم ارتباطي المبكر بالوطن ومشكلاته كهاجس ملح إبان الحقبة الناصرية ، وقد ترسخت قناعاتي بأن التقدم لا يمكن صعود أي درجة في سلمه إلا بالعلم ، ولا غنى عن العلم حتى عند تناول الفنون والآداب . ولذلك كان طبيعيا أن أضع فصلا عن " حاضر العلم في مصر " ضمن أهم فصول كتابي " صناعة التقدم في مصر " الذي صدر قبل خمس عشرة سنة ، وأذكر أنني عند الحديث في إحدى الندوات عن تواضع إنتاج العرب في مجال " أدب الخيال العلمي " تساءلت : كيف نتحدث عن الخيال العلمي وهو ثمرة في شجرة جذرها استخدام العقل ونحن أصحاب تاريخ في تجنب العقل ونراه أحيانا قفزا في المجهول !!، وكيف نكتب الخيال العلمي وأغلب حياتنا تسبح في بحيرة من العشوائية !!

فوجئت في أحد المؤتمرات الدولية بكاتب فرنسي يسألني : هل هناك أدب خيال علمي في العالم العربي ، فاضطربت قليلا لكنى أجبته بأن هناك مثل هذا الأدب وإن لم يبلغ ما بلغه نظيره في أوروبا وأمريكا ، وعلى مائدة العشاء مالت علىّ كاتبة أمريكية بعد أن انصرف أكثر الحاضرين وقالت بعد تردد : أنا أعرف العالم العربي جيدا ولا أظن أن بالإمكان وجود أدب خيال علمي ، وإن كان فسوف يكون محاولات أولية للأطفال . وكان من الطبيعي أن أتذكر حينئذ أن ترتيب إسرائيل شبه الثابت سنويا هو الرابع عالميا بعد سويسرا والسويد والدانمارك حسب عدد الأبحاث العلمية المنشورة في الدوريات المتخصصة الكبرى ، وتنشر جارتنا الاستعمارية كل عام ما لا يقل عن ستة آلاف بحث ، أكثرها يرجع إليه العلماء في أقطار شتى .

إنه مأزق تاريخي وعلمي وحضاري يتعين مواجهته ومواجهة أنفسنا بحقيقته المريرة ، وإذا لم نفعل ذلك في أقرب وقت فإن قطار التخلف السريع سيحملنا إلى الوراء بأضعاف سرعة تقدم غيرنا لأن الإيقاع اختلف ونحن لسنا على الطريق الصحيح ، بل ونساهم جميعا على نحو من الأنحاء لا أقول في دفعنا للتخلف ، ولكن على الأقل باستمراء ما نحن فيه ، فليس تحت الشمس من جديد وليس بالإمكان أبدع مما كان ، وكل ذلك محض هراء

لقد تجمعت لدىّ على مدى سنوات بعض أسباب التخلف العلمي الذي هو الأصل في كل تخلف ،وأوجزها على النحو التالي :
1 - تجاهل الأغلبية استخدام العقل في الفكر والسلوك الخاص والعام مع أن معظم الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تدعو للعلم واستخدام العقل .
2 - الميل للخرافة والاستعداد لتتبع ما يؤدى إليها من الأكاذيب والإشاعات ، مع أن الأمثال الشعبية قاومت ذلك .." إذا كان اللي بيتكلم مجنون يبقى اللي بيستمع عاقل "
3 – قلة نادرة من الحكام آمنت بضرورة العلم وأهمية ترسيخ مؤسساته ودعمه .
4 – منظومة التعليم في كافة المراحل من مقررات وأدوات علمية ومعملية قاصرة تماما ، فلماذا يندهش البعض لأن الجامعات المصرية ليست ضمن الجامعات الكبرى في العالم ؟
5 – وسائل الإعلام وخاصة التليفزيون وهو معلم الجماهير في الدول النامية لا تشجع إطلاقا على العلم وتخلو تماما من أي برامج علمية وتكتفي كل القنوات بالتمثيليات ونجومها .
6 – تغلغل الأحكام العاطفية والنفور من الموضوعية خاصة عند اختيار القيادات .
7 – سوء الفهم الذي ساد بأن الدين ضد العلم وقد تولى رجال الدين بأنفسهم هذه المهمة المدمرة .
8 – تفشى الأمية .
9 – تراجع كبير في البعثات العلمية .
10 – ندرة الكتب العلمية خاصة المطبوعة للأطفال والشباب .
11 – انخفاض شديد في مستوى معيشة قطاعات كبيرة من الشعب يمنعها من تحمل تكاليف الدراسة العلمية .
12 – غياب آليات التشجيع المادي للبحث العلمي كالمسابقات والجوائز.
13 - الكسل العلمي اعتمادا على فكرة مؤداها أن الغرب لم يبق شيئا للبحث والابتكار .
14 – نقص المخصصات المالية الحكومية بشكل يثير الدهشة
15 – هيمنة الفكر المادي والرغبة في الكسب السريع يؤدى لاتخاذ اتجاه معاكس للعلم بكل مجالاته ومناهجه .
16 – ضبابية المستقبل الذي يلوح بعد جهد طويل وتفرغ بسبب وضعية كل ما هو علمي خاصة مع غياب التقدير ولا نتيجة مضمونة إلا التجاهل .
17 – ندرة الكتب العلمية المترجمة .
18 – عدم اهتمام دور النشر الحكومية والخاصة بنشر الكتب العلمية .
19 – استسلام كل المؤسسات الرسمية والشعبية لمقولة " الجمهور عايز كده " ومن ثم يقود الجهلاء التوجه العام للفكر والسلوك ويتجلى هذا الأمر بقوة في مجالات العلوم والفنون والآداب .
20 – هجرة العقول النابهة والموهوبة بسبب عدم توفر المناخ العلمي المشجع والملهم.

إنها محاولة متواضعة من جانبي لملامسة القضية المصيرية التي تأخرنا كثيرا في طرحها كعادتنا وهي ترسيخ مناخ العلم بحيث يسري كالهواء في كل مكان وعلى كل الأصعدة ، لإنها القضية التى ما تزال بحاجة إلى قرارات سيادية مسئولة وأن تعكف عليها كوكبة كبيرة من أصحاب الرأي والنظرات العلمية الجادة وأن تحاول تأملها على نحو نقدي عبر رؤية متسعة وشاملة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اذا عرف السبب بطل العجب..الشجاعة مطلوبة
سلام صادق ( 2013 / 2 / 12 - 08:12 )
يا سيدي الى متى يضل نوابغنا ومثقفونا يراوغون ولا يعترفون بصحيح العبارة ان سبب تخلف العربان هو الاسلام...متى يمتلك مثقفونا الشجاعة لتشخيص المرض الذي ابتليت به امة العربان...فعن اي ابحاث واي تطور تتحدث يا سيدي ولا زال من يملك مقاليد السلطة ومراكز القوى في بلاد العربان لا يؤمنون بكروية الارض استنادا الى الكتاب المدمر لكل عقل الا وهو القران ..ويؤمنون برجوم الشياطين....ولماذا يتسائل الغربيون ان كنا نملك كتاب لقصص الخيال العلمي الا يكفى ان امة العربان لديها قصة من الخيال العلمي الا وهي قصة الاسراء والمعراج على ظهر البراق...والتي سبقت قصصهم الخيالية ربما بمئات السنين....تحياتي استاذي الكريم


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 2 / 12 - 12:10 )
الإسلام كا دين ؛ لم يحارب العلم أبداً , بل توجد الكثير من الآيات في القرآن تطلب من الإنسان التفكير و عمل العقل .


3 - اصل البلاء معروف
ihab ( 2013 / 2 / 12 - 15:39 )
مره اخرى يعود كتابنا لخطابهم الدفاعي عن الدين . هل يتكرم علينا الكاتب ويسرد لنا بعض الآيات والحاديث التي تحث على العلم . متى سنصبح يوما جريئين بما فيه الكفايه ونصارح انفسنا وغيرنا ان الدين هو اصل البلاء. اليس الدين هو الذي يدعو الى ان الدنيا زائله ولا قيمة لها ولا تساوي جناح بعوضه ؟؟؟ فلماذا نتعب ونجتهد اذا كانت الآخره هي دار المقر ؟؟؟ اليس في صحيح الأحاديث ان -صدق الله وكذب بطن اخيك- عندما لم ينفع العلاج بالعسل لأحد المرضى . اليس الدين هو الذي يؤسس لخرافات الجن والحسد والعين والنفاثات في العقد, بآيات واحاديث صحيحه ؟؟؟ اليس الدين هو الذي يربي اولادنا على الخوف والرعب والرهبه من الشياطين والملائكه ونار جهنم ؟؟؟؟ اليس الدين هو الذي يحث على ضرب الأطفال اذا لم يصلوا -اضربوهم عليها لتسع- ؟؟؟؟ اليس الدين هو الذي يمنع الفكر الحر ويتهم الفلاسفه بالزندقه والكفر ؟؟؟ ثم لماذا يدعي الكاتب ان الدين لم يمنع النهضه العلميه في القرون الوسطى ؟؟ الم يتم تكفير العلماء والفلاسفه من امثال ابن رشد وابن سينا وابو بكر الرازي وغيرهم , وتم حرق كتبهم وقتل بعضهم ؟؟؟؟


4 - المطلوب : تدريس الفلسفة ونظرية داروين
رمضان عيسى ( 2013 / 2 / 12 - 22:14 )
العلم عند العرب الذين لا يمكن فصلهم عن الاسلام هو التفقه في أمور الدين ، وليس العلم التجريبي الذي هو أساس الحضارة والتطور .
والعلم في الغرب انطلق بعد ثورات الاصلاح الديني وفصل الدين عن الدولة ، واعتبار الدين اعتقاد شخصي لا يجب أن يتدخل في المجتمع والتطور العلمي وسادت الديمقراطية والحرية ، أي حرية الاعتقاد وحرية الرأي ، وهذه هي العوامل التي لا بد أن تتوافر لكي يحدث اندفاعة علمية وتطورية ، وهذا المناخ معدوم منذ أيام الخلافة العثمانية الى الآن .
ومما زاد الوضع سوءا هو تربع الديكتاتوريات العسكرية والدينية والعشائرية على السلطة منذ عقود ، ونتيجة لخوفها من الثورة الحقيقية تحالفت مع المؤسسة الدينية التي ترفض التجديد والتوجه العلمي ، والتي سيطرت على المؤسسة التعليمية وقامت بتزييف وتشويه كل المفاهيم العلمية والفلسفية في عقول النشئ
وفوق هذا منعت تدريس الفلسفة التي هي التساؤل الهادف الى المعرفة . كما ألغت تدريس نظرية داروين في التطور والتي أصبحت مرتكزا لكثير من العلوم التي تدرس العضويات الحية
والمطلوب الآن هو : اشاعة الديمقراطية وحرية الرأي واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص .


5 - الاستاذ فؤاد قنديل المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 2 / 13 - 04:47 )
تحية وتقدير
اتمنى ان تطلع على الرابط التالي مع محبتي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=283380


6 - ثقافة كاره لكل شئ
محمد البدري ( 2013 / 2 / 13 - 13:33 )
ثقافة العرب لا تكره العلم وترفضه الا لانها ثقافة معادية للانساني، فهي ثقافة تكره باقي الاجناس وباقي الثقافات ولا تعرف منهم وعنهم الا اخضاعهم من اجل نهبهم وسلب ثرواتهم وحكمهم باسم اقامة حكم الله. ولن اطيل فالصهيونية حركة استيطانية لكنها استوعبت العلوم واقامت دولة بالعلم بعد الاستيطان اما العرب فيستطنوا ويبقي الجهل هو الاساس والتاسيس لاي وطن يدعي العروبة حتي لو كان له انجاز تاريخي عظيم مثل بابل وىشور ومصر الفرعونية. وهنا فان محو اي علم كان هو ايضا منجز عربي علي السيد يسين ان يكتب عنه.شكرا لطرح هذا السؤال الذي تاخر طويلا باكثر من مائتي عا في الحالة المصرية وباقي الاقطار خارج جزيرة العرب التي فرغت من معارفها وحضارتها بسبب الاسلام


7 - الي عبد الله خلف
محمد البدري ( 2013 / 2 / 13 - 16:30 )
الدين ليس هو النص لكن هو المعاملة. فالعلم في نصوص القرآن هو المعرفة بخرافات بني اسرائيل في التوراه واعتبارها علما. وكانت معركة احتكار المعرفة بين نبي الاسلام وبين يهود يثرب علي مدي الالمام بشرائع بني اسرائيل واقاصيصهم الاسطورية المسروقه كلها من حضارات بابل ومصر وآشور وكنعان. أما عن العلم فهو متجانس وتراكمي وغير متناقض وتجريبي وفلسفي وعقلي ويمكن اختزاله في معادلات اكسيوماتية لكن التناقضات في نصوص الدين وتضاربها مع المنطق والبديهية يجعل الدين مصدرا لكل تخلف في مجتمعاتنا. ولهذا السبب علي وجه التحديد جري توظيف النص الدين لاستحضار العفاريت والجن أو عمل السحر والاحجبة او في النهاية استلهاما لمعجزات بقراءته بان يدخل المتوفي الجنة بعد عذابه في الدنيا من جراء النصوص التي اشبعته الجحيم علي الارض.


8 - إضافة
حسين عبدالله الناصر ( 2013 / 4 / 19 - 18:40 )
هذا النص قد يكون مفيداً

http://dromarabolnasr.blogspot.com/2013/04/blog-post_6788.html

اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |