الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة الوسطى بالمغرب و اجهاض المشروع الحداثي

جلال الفرتي

2013 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


مع بداية الاستقلال، برزت بالمغرب محاولة للتوفيق بين نظامين اجتماعيين، الأول تقليدي ترتكز قاعدته الاجتماعية على نخب فلاحية، مع ما ترتب عن ذلك من تحالفات على المستويين السياسي والاجتماعي-1- ، والثاني عصري متطلع إلى مظاهر حداثية، ومع ما يختزله هذا التصور من طرح تبسيطي في غياب أبحاث ودراسات حول التشكلات الطبقية بالمغرب، فإن التطور السياسي المغربي بقي رهينا بهذه الإشكالية المتمثلة في التوفيق بين النظامين السابقين مع ما سوف يترتب عنها من تصورات متباينة لطبيعة وأسس النظام السياسي المغربي، وتوجهاته المركزية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، وفي تمثله للقيم السائدة داخل المجتمع والخاضعة باستمرار لعناصر التغيير والتحول.
و يشكل موضوع الاشتغال على مقولة الطبقة الوسطى بالمغرب استمرارا لنقاش سياسي وإيديولوجي، خاصة خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث برزت تيارات فكرية وسياسية مناهضة للسلطة السياسية وتواقة إلى اعتناق أفكار ومشاريع حداثية، ترمي إلى تغيير أسس نظام سياسي كان يبدو محافظا وتقليديا. و في مقابل توجهات هذا الأخير الهادفة إلى تدعيم أسس العالم القروي. كانت هناك نظرة تصنيعية من خلال الخطة الخماسية لسنة 1960-1964، والتي كانت تتبناها أوساط تنتمي إلى الأحزاب الممثلة لطبقة وسطى حديثة صاعدة، وقد كان مبرر هذا المخطط كون الركود الصناعي في إطار مجتمع يتواصل فيه التمدن بوتيرة متنامية سوف يؤدي إلى تناقضات اجتماعية-2- .
ومع أفول نجم هذه التيارات، بدأت الدراسات المهتمة بتشكل الطبقات الاجتماعية تتخذ أبعادا جديدة وقد صدر خلال سنة 2004 بحث للباحثين الأمريكية Shena Cohen في موضوع "البحث عن مستقبل مختلف: صعود الطبقة الوسطى المعولمة في المغرب" - 3-.
وقد شكل هذا المؤلف محاولة لرصد هذه الطبقة انطلاقا من التحولات التي عرفها المغرب منذ فترة الثمانينات، وقد سبق أن التقيت عدة مرات مع الباحثة shena cohen أثناء اشتغالي في موضوع الطبقة الوسطى- 4 -حيث كانت تعتقد في تجاوز الواقع المغربي لمقولة الطبقة الوسطى الحديثة -5- لفائدة طبقة وسطى جديدة، سوف تسميها بالمعولمة. إن مفهوم الطبقة الوسطى يعد مفهوما إشكاليا سواء على المستوى المعرفي أو الإجرائي، وقد زاد من تعقيداته في المغرب طبيعة التركيبة الاجتماعية الغير المتجانسة والتي لم تتعرض لضغوطات لإفراز وضع طبقي واضح، حيث غالبا ما سادت ثنائيات مخزن/قبائل، أو بلاد المخزن/بلاد السيبة أو أطروحة عرب/بربر -6-.
فمكونات الطبقة الوسطى عرفت خليطا هائلا، فهناك المثقفون والموظفون، وصغار التجار، وأساتذة جامعيين-7- ولعل هذا التعدد في تشكيلة هذه الطبقة ساهم في غياب ثقافة سياسية متجانسة، كما أن جدور تكوينها حدد العديد من معالمها، إذ ظلت مرتبطة بسياسة الدولة.
ومع عودة مقولة الطبقة الوسطى للتداول على ضوء التحولات الجاربة في المشهد السياسي المغربي و ما يعرفه من تحولات اجتماعية و اقتصادية انعكست سلبا على اوضاع هذه الطبقة ، يمكن القول أن الدولة نجحت في إلحاق هذه الطبقة بسياساتها من خلال تحديد أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، واستطاعت بالتالي التحكم فيها. -8 - كما نجحت في إيجاد تسويات سياسية على حساب المشروع الحداثي الذي كان يمكن لهذه الطبقة أن تقوده، فكل التسويات السياسية التي شهدها الحقل السياسي المغربي أدت إلى تأجيل هذا المشروع، مع السماح لهذه الطبقة بإنتاج أشكال جديدة للتعبير والتعبئة 9-- في بعض المجالات ذات الطابع الجمعوي والتربوي.
إن غياب رؤية سياسية واضحة المعالم، وغياب سند شعبي مدعم لهذه الطبقة، جعل هذه الأخيرة تحاول تعزيز مواقعها وأوضاعها في إطار ارتباط مصلحي مع الدولة، إلا أن هذا الارتباط بالدولة، سوف ينعكس عليها سلبيا، وخاصة مع بداية الانتقال من رأسمالية الدولة إلى رأسمالية خاصة، نتيجة سياسة الخوصصة، وتخلي الدولة عند مساندة القطاع العام، والذي كانت له تأثيرات عميقة على التحولات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية للدولة .- 10 -
فمنذ مرحلة الثمانينات حتى اليوم شهدت أوضاع هذه الطبقة تراجعا ملحوظا، سوف يتعمق خلال السنوات الاخيرة مع تخلي الدولة عن العديد من القطاعات الاجتماعية، وانتشار البطالة، وتجميد الأجور، فعلاقة هذه الطبقة بالقطاع العام ظلت علاقة جدلية، خولتها الحصول على فائض قيمة سياسي، استطاعت من خلاله أن تفتح قنوات للحوار أحيانا من أجل تحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
إن تحول الأحزاب اليسارية ذات الاتجاهات الراديكالية إلى أحزاب تنادي بالإصلاحات الاجتماعية والديمقراطية، جعل الطبقة الوسطى تلعب دورا مركزيا في التخفيف من حدة الصراع الاجتماعي، إذ تحولت مطالبها السياسية إلى مطالب اجتماعية واقتصادية، من قبيل تخفيف العبء الضريبي، وتدعيم مجالات الصحة والتعليم والشغل.
ويمكن القول أن تراجع دور الطبقة الوسطى السياسي، مرتبط كما سبق الذكر بتحولات المشهد السياسي وانحسار الإيديولوجيا الوطنية، والتي اعتبرت كخزان سياسي للحركة الوطنية، وتراجع دور الدولة في المجال الاجتماعي والاقتصادي، ذلك أن أي تحول يطرأ على وظائف الدولة يفتح المجال لقراءة جديدة مع محيطها السياسي والاجتماعي . -11-


1- Leveau Remy : /Le Fellah marocain défenseur du trône
2 - أمين سمير: /المغرب العربي الحديث/، مرجع سابق، ص 221-228.
3 - Shane Cohen : /Searching for a different futur : the rise of a global middle closs/; in : /Morocco Duke/, university Press, 2004.
4 - الفرتي جلال: /النظام السياسي والطبقات الوسطى بالمغرب/، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة القاضي عياض، السنة الجامعية، 1996/1997.
5 - لقد سبق لبعض أساتذة العلوم السياسية في الغرب أن أثاروا جدالا حول ما يسمى بالطبقة الوسطى الحديثة، وعلى رأس هؤلاء هناك ما نفيرد هاليرن: واموس بيير لموتر، وجيمس بيل: انظر في هذا الصدد:
عبد الفضيل محمود: /التشكلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي: دراسة تحليلية لأهم التطورات والاتجاهات خلال الفترة 1945-1985/، منتدى العالم الثالث، مكتبة البحر المتوسط، طبعة (1988)، ص 121.
6- Batta Ahmed: /dépendance et alliance de classe, ex : du Maroc/ ; Tome 1, thèse du doctorat du 3ème cycle en science économiques, université de Paris, Hanterre Avril, (1985), p 93.
7- Adam André: /Les classes sociales Urbaines au Maroc/ ; Revue AL ASAD, (1970), p 32.
8- Saaf Abdellah: /Etat et classes moyennes au Maroc/ ; op. cit, p 148.
9- الكنز علي: /المجتمع المدني في البلدان المغاربية بعض التساؤلات/، في: /وعي المجتمع بذاته عن المجتمع المدني في المغرب العربي/، مرجع سابق، ص 31.
10- المودن عبد السلام: /الدولة المغربية، قضايا نظرية، قضايا الديمقراطية والقومية والاشتراكية/، عيون، ط 1، (1990 (، الدارالبيضاء، ص 54.
11 - يدعو عبد الله حمودي إلى ضرورة إعادة تصنيف التوجهات واختيارات الطبقة الوسطى بالمغرب نظرا لمجموع التحولات والتغيرات التي طرحت على هذه الفئة، وقد حاول إجمال أهم الأزمات التي تمر منها هذه الطبقة في بروز أزمة اقتصادية هددت بإسقاط عناصر مهمة منها من سلم اجتماعي متوسط إلى آخر فقير، وكذلك تذبذب اختيارات هذه الطبقة التي ظلت تتأرجح بين البحث عن التقدمية، والميول نحو المحافظة وحتى الأصولية، ولعل هذا التأرجح يفسر بالأساس بالمستوى الثقافي الهش لهذه الفئات، إذ نجد مثلا ثلاث أنواع من الخطابات التي تخترق الاتحاد الاشتراكي: خطاب اشتراكي وآخر قومي وثالث إخواني إسلامي. وأخيرا فإن سلوك هذه الطبقة متناقض، فبعضها ينادي بالاشتراكية، لكنه يتهافت على النمط الرأسمالي في الاقتصاد والاستهلاك. فهناك اتجاهات للبحث عن إعادة تشكل للهوية وسط هذه الفئات. انظر: الاستجواب الذي أجرته جريدة المساء مع عبد الله حمودي، عدد 306، الأربعاء 12 شتنبر 2007.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ