الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2013 / 2 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الأصل فى الطبيعة البشرية هو الاختلاف والتعدد والتنوع، وينتظم هذا التنوع فى أنماط سلوكية رئيسية تجمع داخلها البشر، وكذلك الأصل فى النفس البشرية هو الثبات على الطباع والميول، وعادة ما يكون هناك نمطا واحدا سائدا فى كل مجتمع محدد؛ يتم تصعيده ودعمه فى مقابل إزاحة باقي الأنماط البشرية.
والأنماط البشرية فى حالة صراع وتدافع ودفع دائم، مهمة المجتمع الفعال الباحث عن التطور والرقى وبناء الحضارة، هو فتح الطريق أمام الأنماط البشرية الخلاقة وتصعيدها، وخلق حالة مجتمعية عامة تنتظم حولها باقي الأنماط البشرية الأقل قدرة وانضباطا، القوى السياسية والسلطوية الفاعلة فى المجتمع (ممثلة فى الجهاز الإداري والأمني) مسئولة عما نسميه: فتح وإغلاق المسارات الاجتماعية؛ لتصعيد أو إزاحة النموذج البشرى السائد فى المجتمع.
ومنذ انطلاق الثورة وحتى الآن، ونحن نتعرض لعملية فتح وإغلاق للمسارات الاجتماعية فى مصر، كل غرضها هو تشويه الثورة وربطها بالخسارة الاجتماعية! يتم فتح الطريق أمام أنماط سياسية واجتماعية بعينها، بغرض السيطرة على المشهد السياسي وتوجيه الرأي العام بطريقة ناعمة غير ملحوظة، أولى أهداف النظام القديم كان تشويه وتغييب النموذج الثوري؛ وتمثل ذلك فى "ائتلاف شباب الثورة" أيقونة الثورة المصرية والتنظيم الوحيد القادر على هز النظام والتواصل مع الشارع بالفعل، فتم تمييع اسم وفكرة "الائتلاف" واختراع عشرات الأسماء الوهمية من أجل هذا الغرض! وشيئا فشيئا – لضعف الوعي السياسي النسبي عند الشباب وغياب جهاز إعلامي حقيقي معبر عنهم- تاه "ائتلاف شباب الثورة" فى الزحام، حتى تم حله وتوزيع كوادره على التشكيلات السياسية القديمة والجديدة.
ثم تم فتح المسار الاجتماعي أمام ملف الفتنة الطائفية، وتم تصعيد أنماط بشرية ترتبط بمفهوم معين للدين قائم على مهادنة السلطة، فتم شغل الرأي العام والمسار الاجتماعي بقضية زائفة مفتعلة، وتم شق صف المعارضة السياسية للنظام القديم، بتفاهمات مع "الإخوان" تم بمقتضاها فتح المسار الاجتماعي أمام تجمعات سياسية كانت تقدم مفهوما للدين رفضه النظام القديم، لكنه رأى إمكانية لاستغلاله للخروج من أزمة مواجهة الثوار.
وشجع النظام القديم وفتح المسارات الاجتماعية أمام الوقفات الفئوية، والمطالب الأحادية، ليرتبط مفهوم الثورة والحرية عند الناس بتلك المسارات الاجتماعية المشوهة، ويرتبط بالبلطجة وتجبر الباعة الجائلين وظهور مافيا مواقف السيارات، وعصابات الأحياء العشوائية وتبجح وانفلات أخلاق سائقي سيارات الأجرة وتأزيم يوم الإنسان المصرى عموما وتصعيبه، وإصابته بالإحباط واليأس والانكسار وكراهية الثورة. تم فتح المسار الاجتماعي أمام صعود أنماط بشرية أقل انضباطا واكتراثا بفكرة القيم والثورة والجماعة، أنماط بشرية – أنتجها وهمشها النظام السابق- تكترث فقط بذاتها ومنفعتها الفردية وليذهب المجتمع وثورته للجحيم.
تحدثت فى كتابى "المصريون بين التكيف والثورة" عن خطورة سلطة "الدمج والتسكين" الاجتماعي التى يملكها الجهاز "الإداري والأمني" فى مصر الذى هو أداة الاستبداد التاريخية، لن يكون للثورة فرصة للنجاح السهل، طالما ظل ذلك الجهاز يملك قدراته التاريخية، لابد من تفريغ الجهاز "الإداري والأمني" من دوره التاريخى كأداة للاستبداد وخلق وتشكيل وتوجيه المسارات والأنماط البشرية والاجتماعية؛ نحو التكيف والخضوع وربط الثورة بالخسارة والثوار بالفوضى، الهدف الأول للثورة فى مصر هو نزع أظافر الجهاز "الإداري والأمني"، وتحويله لفكرة دولة المؤسسة والدور الوظيفي لا الدور السياسي التنميطى.
يعتقد النظام الحالي أنه سوف ينتصر على الجهاز "الإداري والأمني" للنظام القديم المتمرس حول المؤسسة العسكرية، يعتقد انه سيستطيع القفز على مواجهة النظام القديم، ثم اختراقه وتطويقه عبر مرور الزمن بالتدريج! لكن ذلك احتمال بعيد جدا! لأن النظام القديم هو الذى استحضر النظام الحالي، وهو الذى فرض عليه معادلات الوجود السياسي وآليات تصعيد وإزاحة الأنماط البشرية، كذلك جاء النظام الحالي على حساب خسارة دعم الثوار، ومحاولة إنكار وجودهم، والاكتفاء بإشاعة وجود بديلين أمام الناس إما النظام الحالي أو معارضته السياسية، والتأكيد على غياب الثوار وخنق المسار الاجتماعي أمامهم!
الافتعال المشوه للمسارات الاجتماعية وتعمد تصعيد وإزاحة أنماط بعينها لا تعبر عن الواقع التاريخى الراهن لحالة الثورة (معارضة كانت أو سلطة)؛ قد تنجح عبر آليات التنميط والمكسب والخسارة فى تكييف الناس مع الوضع إلى حين! لكن الخطورة حينما تتسع المساحة بين القاعدة الاجتماعية والنمط المعبر عنها؛ ساعتها سوف ينفجر الوضع الاجتماعي فى مصر فى ثورة تصحيحة، مطالبا بتصعيد الأنماط التى تعبر حالة الثورة وفكرتها..
ثورة مصر تتم عبر مراحل متدرجة، كان يمكن أن تأخذ الطريق السريع لولا أن وضع مبارك الثورة فى مأزق، حينما أسقط الثوار نظامه السياسي فأعاد إنتاج نفس النظام مرة أخرى، عبر مؤسسته العسكرية مستندا لدورها التاريخى فى مصر المعاصرة، نحن الآن فى منتصف الطريق تقريبا، وسوف تأخذ الطبيعة مجراها عبر الانتخاب والاستبعاد الطبيعي للأنماط البشرية لو سارت الأمور على ما يرام، لكن الوضع الحالي يشير لأننا سوف نمر بعمليات تكييف وتنميط مفتعلة، ثم انتفاضات ثورية تصحيحة، حتى نصل للمجتمع الفعال الذى يعطى السيادة والتصعيد للأنماط البشرية والاجتماعية الأكثر قدرة وانضباطا وإبداعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. -ليلة تاريخية- لمناصري حزب ا


.. صور من تجمع لحشود ضد اليمين المتطرف في ساحة الجمهورية بباريس




.. لماذا تصدر حزب التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخاب


.. ماذا بعد أن تصدر اليمين المتطرف نتائج الانتخابات المبكرة في




.. -نتيجة تاريخية-.. اليمين المتطرف يتصدر الجولة الأولى من الان