الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان لي صديق

جمال الدين أحمد عزام

2013 / 2 / 14
الادب والفن


كان لي صديق

كان لي صديق يخبرني أن الحياة جميلة، و أن الأيام السعيدة لم تأتي بعد، و أن الأحلام ستتحقق، و أن الألام ستتبدد، و أن الأحزان ستصبح في طي النسيان.
كان لي صديق بدأ معي الرحلة منذ الطفولة. لاحظ انطوائي و خوفي من اللعب مع زملائي. كان يتركهم و يحدثني، يلعب معي من وراءهم خلسة. علم أن بي علة و أن جسدي ضعيف. أشفق علي من هذا المعترك و واكب هدوئي و بطئي فلم أقاسي آلام طفل وحيد. كان يسمعني، يسمع قصصي الخرافية و يضحك على طرائفي و يقص علي حكايات جدته و يمضي كلانا ليله يحلم بقصص الآخر.
كان لي صديق أدرك اختلافي عن الآخرين، عن نشاطهم في الحياة. كان الشباب في أوله بينما كنت في أول شيخوختي؛ مراهق شيخ يتعثر في مشيته العجيبة. كان الساخرون كثر و كان يذود عني و كنت شجاعا بنصرته. لم يسألني يوما عن إعاقتي و لكنه فعل كل ما بوسعه كيلا أشعر بها، على الأقل في وجوده. كان يعلم أني رهن العزلة في الأعياد فكان يقطع من وقته مع أهله و أقرانه ليزورني. يهديني كتابا أو إسطوانة لعبة إلكترونية؛ ينقل العيد إلى قلبي.
كان لي صديق و قد أوشك شبابي يولي و الكهولة تزحف على كلينا مع فارق بسيط؛ هو جعله بسيطا، أني لم أكن يوما جزءا من هذه الحياة. أصبح لدى أقراني أعمالا و زوجات و أولادا و أنا كما أنا، كما تم تصنيفي؛ معاق مريض عاطل محمل بشهادات علمية لم تشفع له في حياة همجية لا قدر للعلم فيها و لا وزن. لم يتحجج بأسرته و أولاده، ظل يقطع من وقته لأجلي، يسمع مني شكواي، يحمل عني آلام الوحدة و المرض، يحكي لي عن أزماته و أوجاعه لا ليصيبني بالغم بل ليشعرني بأني أهل للتحمل عن الآخرين. فعلمت أني لست فقط مريضا يواسَى بل أني أيضا إنسان يواسِي.
كان لي صديق، و قد دب الشيب في الرأس، يوافقني حينا و يختلف معي حينا، فمنع عن نفسي، بصدق حجة اختلافه، مظنة إشفاقه علي أو مجاملته لضعفي.
كان لي صديق تقاسم معي كل الحياة بحلوها و مرها، تقاسم معي تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يعلمها إلا إيانا و التي صنعت معرفة كل منا بالآخر.
كان لي صديق بلغت صداقتي له أيما حد، فاستأمنته على سري و استأمنني على سره و كأن كلينا أمسك بيد الآخر طوعا منه و أدخلها في صدره لتمس قلبه. فلم نعد مجرد صديقين جمعهما القدر قسرا بل شقيقي روح تماس قلبيهما إختيارا.
كان لي صديق يخفف عني محنة الأيام الأخيرة و قد أوشكت على الرحيل بعد أن قطع معي هذا العمر الجميل. عمر مضى خفيف الوطء رغم شدة البلاء فقد اجترح معي فيه كل محنة و كل حزن و كل سعادة و كل أمل مستحيل.
و الآن، و الموت يدق بابي، مازال يخبرني أن الحياة جميلة، و أن الأيام السعيدة لم تأتي بعد، و أن الأحلام ستتحقق، و أن الألام ستتبدد، و أن الأحزان ستصبح في طي النسيان.
كان لي صديق...
ليتني كان لي صديق!
تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج