الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقاب

جمال الدين أحمد عزام

2013 / 2 / 15
الادب والفن


العقاب

مازلت منتظرا داخل سيارتي، الليلة ساكنة و مناسبة تماما، لا أحد في الشارع تقريبا، لم يخرج الهدف بعد، بل لم تخرج بعد. لكم أحب أن يكون امرأة، كلما فجرت دماغ إحداهن انتابتني نشوة لا أشعر بها عندما يكون الهدف رجلا، ذلك أنني أتخيل أنه دماغها الجميل. و لكن ذلك لا يشفي غليلي، سأظل أحلم بهذا اليوم حين أجدها تلك السافلة. لن أقتلها بلصق فوهة المسدس الكاتم للصوت في مؤخرة رأسها كما أفعل دائما. سأمزقها بالرصاص و عيني في عينيها.
اقترب وقت نزول الهدف، أنظر في ساعتي، يديّ في قفازيهما الأسودين ممسكتان بالمقود و عيناي على باب البناية. مازالت هناك خمس دقائق تقريبا، مددت يدي، فتحت الصندوق، أخرجت المسدس، ركبت كاتم الصوت، دسست السلاح في جيب سترتي الداخلي، واصلت النظر في ساعتي.
كنت حينها أنظر في ساعتي و أنا أراقبها. كنت قد لاحظت تغير سلوكها و نفورها مني. أخذت إجازة من عملي لأراقبها. تأكدت ظنوني، لا أعلم كيف انخدعت بوجهها البريء و جمالها الرقيق. اقتحمتُ الغرفة عليهما، صرخَت، قفز مبتعدا عنها، أطلقتُ طلقة أصابت كتفه، لفت نفسها في الملاءة، حاول أن يصل إلى مسدسه على الكومودينو، انشغلتُ به بينما هربَت. حولتُ جسده إلى مصفاة. انطلقتُ في جنون ناهبا درجات السلم نزولا. لم أجدها، و فجأة أظلمت الدنيا.
كانت الغمامة محكمة على عيني و يدي مربوطتان خلف ظهر الكرسي الذي أجلس عليه. سمعت أحدهم يقول..فكوا الغمامة! وجدتني في مخزن كبير هواؤه مكتوم. رأيت اثنين أمامي و سمعت وقع أقدام يأتي من خلفي. اقترب، انحنى و همس في أذني همسا كفحيح الأفعى..مرحبا يا عزيزي. صحتُ..من أنت؟! من أنتم؟! ماذا تريدون مني؟! وضع كفه على كتفي..كلا، لا تتعجل الأحداث، فالمطلوب منك كثير. حاولت التملص من قيدي صارخا..دعوني! قال بهدوئه المستفز..لا تخف ستنال عقابك و تمضي. حاولت تبين وجهه فلم أستطع رغم أنه وقف أمامي..أي عقاب؟! اقترب أكثر فظهر وجهه في شعاع ضوء منسرب من نافذة جانبية طويلة..لا تخف، عقاب بسيط لقتلك واحدا من أكفأ رجالنا. سكت لحظة ثم أردف..في ظروف أخرى، كان من المفترض أن نقتلك مباشرة و لكنك أسديت لنا خدمة خففت عقابك، فقد كاد يصبح ورقة لعب مكشوفة، لقد ترهل مهنيا و أوشك على أن يُمسَك به، هذا بالإضافة إلى طمعه و أجره المتزايد باستمرار..لا أفهم شيئا، دعوني! انحنى رابتا على كتفي و ضغط حروفه..ليس لدي وقت أضيعه معك. ثم ابتعد مردفا..اشحذ عقلك قليلا و حاول أن تستوعب، كنا نريد التخلص منه و لكنك سبقتنا. سكت هنيهة ثم لمعت عيناه و هو يقول..قل لي بالمناسبة، كيف قتلت قاتلا محترفا مثله. قاطعته..قاتلا محترفا؟! واصل دونما تعقيب..هل أعطتك الخيانة قوة غير عادية؟ أم هو الذي فقد براعته؟ على فكرة، زوجتك جميلة فعلا، و لو كنت مكانك لفعلتُ مثلما فعلتَ. أصابتني حالة هياج و أخذت أصيح محاولا التملص من قيودي..أين هي؟! هل وجدتموها؟! إياكم أن تكونوا قد قتلتموها..ما هذا! هل مازلت تعشقها؟! صرخت..كلا! لا بد أن أقتلها أنا. اقترب مرة أخرى ثم ابتسم في وجهي قائلا..اهدأ، لا تقلق، لم نعثر عليها..دعوني! لا دخل لي برجلكم و لا أسراركم. أولاني ظهره قائلا..أتعلم يا عزيزي، ربما أنت محق، و لكن ماذا أفعل في قانون العقاب!..اقتلوني و لكن بعد أن أجدها و أمزقها بأسناني. أخذ يضحك ثم قال..كلا لن نقتلك، فما العقاب في قتلك؟! ماذا سنستفيد؟! لا بد أن تفيدنا معقابتك، و لا تنسى أنك قدمت خدمة لنا و نحن نقدر من يخدمنا..ماذا تريدون مني؟..لا شيء، ستعمل لدينا..و ماذا سأعمل؟ و كيف سأعمل؟ الشرطة ستجدني بالتأكيد..و ما دخل الشرطة؟! أنت هنا معنا في حمايتنا، لم نكن نتركك لتقبض عليك الشرطة، فأنت عزيز علينا يا رجل، أنت من قتل أمهر رجالنا. أمال رأسه إلى الوراء ثم عاود النظر إلي مردفا..و بالتالي، ينقصنا قاتل محترف..ماذا تقصد؟!..عقابك، أن تحل محله..كلا اتركوني أنا لست... ..لستَ ماذا! لستَ قاتلا. ثم ضحك مردفا بجدية لمعت لها عينيه المخيفتين..انتهى وقت اللعب، هذا سلاحك. و أخرج من جيبه مسدس كاتم للصوت مواصلا..ستكلَف بقتل أحدهم، سنخبرك أين و متى تجده فتترصده و تقتله..هذا ليس عقابا إذن، أنتم تبتزونني لأكون معكم..ربما أنت محق، رغم أنك بذلك تنال من تقاليد المنظمة العريقة..و إن لم أوافق؟..لست في موقف يسمح لك بالاختيار..و إن لم أستطع؟ إن أفلت مني من تريدون قتله؟ إن أمسكت بي الشرطة؟ إن سلمت نفسي لهم و أوشيت بكم؟ ضحك ثم قال..رائع، اختصرت علي الأمر، إن حدث أي من ذلك سنقتلك نحن، فإما الهدف و إما أنت، لا أظن أنك ستقول: اقتلوني فلا أبالي، فعيناك فيهما رجلا موتورا مطعونا في شرفه، فهل ستفرط في حياتك قبل أن تقتلها؟! وضع كفيه على كتفي..صدقني يا عزيزي، نحن قدرك، تعاون معنا فلديك مقومات الوظيفة، و قد اجتزتَ أعظم اختباراتها و قتلتَ من لا يمكن قتله، و الآن أنت على أعتاب مجد عظيم و ثروة طائلة.
مازالت هناك حوالي ثلاث دقائق على نزول الهدف. الليلة باردة كأول ليلة قتلتُ فيها. مشيتُ خلفه بهدوء كاتما خطوي المتسارع و أنفاسي اللاهثة، و لأنه لا مجال للفشل، لم أجد حلا سوى أن تكون الإصابة مؤكدة، ألصقت فوهة المسدس الكاتم للصوت في رأسه من الخلف و ضغطت الزناد و مضيت في الطريق دونما التفات و أنا أدس السلاح في جيب سترتي الداخلي و كأن شيئا لم يكن. كان صوت الرصاصة المكتوم و هي تدمر المخ مقززا في البداية إلا أنني تعودت.
بعد عدة عمليات، لم أعد خائفا من تهديد المنظمة، بل أصبح هذا عملي و دخلت سوق القتلة من أوسع أبوابه، أصبحت أشهر قاتل دولي. أسموني "مفجر الأدمغة" و أصبحت حرا في السوق؛ من يريدني يتصل بي و يكلفني؛ يحدد الشخص و الثمن و يترك لي الباقي. لا أسأل، أراقب و أنفذ فقط، القصة بالنسبة لي رأس ينتظر التفجير. أصبحت لي عشرات الهويات و جوازات السفر، أصبحتُ من عظماء التنكر و انتحال الشخصيات، لي في عدة دول في العالم منازل أسكنها و أعمال أديرها بشخوص مختلفة، لم يشك في أحد و كل المنظمات تعرفني و تعرف كيف تجدني لتلجأ إلي. جمعت ثروة طائلة، الأموال تحول بعد كل العملية إلى أرصدتي في بنوك سويسرا و الكاريبي. ذقتُ طعم الحياة المرفهة، و لكني لم أستمرئها و لم تنسيني، مازال هدفي الذي أحيا من أجله ماثلا أمام عيني، أن أجدها و أقتلها تلك الخائنة التي حولتني إلى مجرم دولي و بعثرتني في العالم كله و أنستني من أنا و من كنت. مازلت أتذكر المشهد و هي تحته تنظر إلي في رعب. لم يتبقى في ذاكرتي سوى هذا المشهد الذي أثبت لي كم كنت مغفلا. لم أكن لأقتل و لكنها علمتني القتل، حولتني إلى آلة تفجير رؤوس. سيأتي وقت العقاب لأقتلها عيانا بيانا، لن أفلتها حينها، و لكني بعد طول بحث لم أجدها و مازلت أسأل نفسي، أين هي؟!
كلا، لا بد من التركيز، لقد حان موعد نزولها، ها هي! خرجت من سيارتي بهدوء ثم مشيت بخطى واسعة مكتومة حتى أصبحت خلفها و قبل أن تلتفت كان قعر جمجمتها ملتصق بفوهة الكاتم. دسست المسدس في جيبي و مضيت دونما التفات كالعادة و كأن شيئا لم يكن.
كان صباحا مشرقا. فتحتُ الصحيفة لأرى ماذا كتبوا عني هذه المرة. وجدت عنوانا، "مفجر الأدمغة يقوم بعملية جديدة" و أسفله صورتين متلاصقتين، ما معنى هذا؟ مستحيل! صرخت و أن أمزق الصحيفة..كلا! لا يمكن أن تكون هي! عملية تجميل؟! لا يمكن أن تكون قد أفلتت مني السافلة الملعونة، هل يعقل هذا؟! بعد كل سنين الانتظار و البحث ينتهي الأمر هكذا؟! عاودت الصراخ و أنا أحطم الأكواب و الطاولة الزجاجية أمامي..كلا! كلا!
رن الهاتف الخليوي و أنا جاث على ركبتي مذهولا، أجبت..عملية جديدة، سيأتيك ملف الهدف غدا. سألت بآليتي المعتادة و دمعة تسيل على خدي..كم ستدفعون؟
تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث