الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين خسر السوريون عقولهم

محمد جمول

2013 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



بعد أربعة شهور من بدء ما كان يسمى ثورة في سورية، وفي أول زيارة لبلدي بعد بدء هذه الأحداث، كان يهمني كثيرا أن أتعرف على آراء أصدقاء قدامى وخصوصا من قضوا سنوات في سجون المخابرات السورية لأقيس من خلالها مدى صحة موقفي مما يجري في وطني ومما يعانيه أهلي هناك. كنت أدرك أن الذين قضوا قسطا كبيرا من عمرهم في السجون والعمل السياسي هم الأكثر قدرة على قراءة ما يجري والأكثر دراية بما تحتاجه سوريا من إصلاح وتغيير وثورة. فهم جزء ممن وقف في وجه الظلم والقمع والفساد، ودفع الثمن من أجل التغيير. وبالمقابل كنت أعرف كثيرا ممن هيأتهم القنوات الفضائية وأخذت تضعهم في وجوهنا ليل نهار ليحدثونا عن ثورتهم العجيبة والفريدة في التاريخ وعن بطولاتهم التي نعرف أنه تم إخراج وإنتاج معظمها في الستوديوهات المعدة لهذا الغرض.
الآن وبعد مضي عامين، ومن خلال معرفتنا لما يجري على الأرض حقيقة( وليس عبر وسائل الإعلام) صار من الممكن القول إنها فعلا "ثورة" فريدة وليس لها مثيل في التاريخ. (وهنا لا بد من تكرار اللازمة المعتادة: هناك مطالب مشروعة ومحقة للشعب السوري لا يمكن إنكارها ولا يجوز التخلي عنها). ولكن هذه لم تعد محركا لما يجري في سورية ولم يكن أصحابها جزءا من عملية القتل العبثية والتدمير الممنهج والهادف لتدمير البنية المادية للوطن السوري والنفسية للشعب السوري. وبذلك يمكن التأكيد على فرادة "هذه الثورة" من عدة نواح، فعلا، مثل حجم الأكاذيب والتضليل واستسهال قتل الناس باسم الله. فهل هناك عاقل يتقبل وضع السكين في رقبة إنسان مع التكبير والقول" سبحان من حلل ذبحك". وهل هناك إله حلل ذبح الإنسان بعد مرحلة البدائية الأولى التي كان فيها الإنسان يضحي بقربان بشري في معابد الآلهة. وهل يصدق عاقل أن الثورة تكون ثورة حين تريد العودة بالإنسان آلاف السنوات إلى الوراء ؟ وهل يصدق إنسان أن الذبح وتدمير المستشفيات ومحطات الكهرباء والمدارس ومعامل الأدوية يمكن وصفها ب" السلمية"؟ على كل حال لم يكن مسموحا حتى التساؤل بخصوص هذه الأكاذيب التي باتت الآن حقائق يناقشها الإعلام الغربي الذي روج لها بقوة في البداية. وهذا ما نقرأه في مجلة دير شبيغل الألمانية وفي الغارديان البريطانية ولوس أنجليس الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر.
بعد وصولي كان يهمني مقارنة رأيي صديقين سجنا معا وفي الفترة ذاتها. صديقي كان واضحا حين اختصر رأيه بالقول: تعرف أني أمضيت ما أمضيت في السجن لأني ضد ممارسات معينة ولأني أعتقد أن شعبنا يجب أن ينعم بالحرية والديمقراطية، وكل ما قمت به نابع من محبتي لشعبي ووطني. أما الآن وبكل حزن أقول لك إن ما يجري على الأرض وما أراه قد تكون نتائجه مدمرة ومأساوية، وعندي خوف شديد من أن يؤدي إلى تدمير البلاد وخرابها. فما أسمعه بإذني من شعارات وما أراه من ممارسات ليس فيها ما يطمئن إلى أن هؤلاء يريدون الإصلاح أو الحرية. أرى مجموعات تنزل إلى الشارع وكأنها لا تريد إلا الانتقام وقتل الآخر. إنها عملية انتحار وطني جماعي تحت شعارات مقدسة يتبادل فيها السوريون دور القاتل والمقتول.
وقبل أن يعبر عن خشيته من أن يفقد السوريون عقولهم إذا ما طالت الأزمة، قال لي" أنا قضيت سنوات من عمري في السجن من أجل مطالب أراها تصدر على شكل قوانين ومراسيم تشريعية. وهذا يجعلني أزداد تمسكا بتحقيقها. وأعتقد أن على المعارضة الوطنية أن تحشد قواها وتجمع صفوفها للضغط على النظام كي تفرض عليه تنفيذها بدلا من إطلاق النار عليها وحرقها.
باحترام استمعت إلى ما قاله بكل هدوء وثقة بعيدا عن نزعة الانتقام والتشفي. وهذا ما شجعني لأسأله عن رفيق زنزانته الذي كان يقفز مثل عصفور الدوري من قناة فضائية إلى أخرى ومن عاصمة إلى أخرى. لم يطل في الكلام عنه. لكنه قال بحسرة ـ وكان ذاك الصديق في مدينة الدوحة في ذاك اليوم لحضور أحد اجتماعات المعارضة السورية هناك ـ قال لي: ذهب إلى الدوحة ليجلب لنا الديمقراطية والحرية. فهو يعرف أكثر من غيره كم هي غزيرة آبار الحرية والديمقراطية في عواصم مثل الدوحة والرياض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى الامريكان بوقاحتهم اعترفوا ببشاعات الارهابيين
بشارة خليل قـ ( 2013 / 2 / 14 - 16:41 )
ومع هذا ما زال هنالك من يراهن بكل غباء او بسبب حسابات شخصية, على انه ليس هنالك اسوأ من النظام السوري
وتبقى سوريا رهينة من هم مع الشبيحة ومن هم مع الدبيحة


2 - كل التاءييد للعقل الحر المنفتح لاللانتقامية العميا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 2 / 14 - 18:23 )
شكرا استاذ جمول لموقفكم الانساني والوطني المسؤل
حتى الاميركاني حينما كانوا امبرياليه وحاقدين حتى الجنون على الشيوعية
حينما تلمسوا مدى وحشية واجرام النازية الهتلرية تحالفوا بصدق مع الاتحاد السوفيتي ضد المانيا الهتلرية
فمتى يعي بعض اغبياءنا من مدعي الدمقراطية ان الشر درجات وشر الوهابية لايمكن
مقارنته بل بالبعثية السورية واخطاءها بل وحتى اجرامها
ابار ال سعود وثور كطر فيها كثير من البترودولار-ولكن لاحرية ولا دمقراطية
ناهيك عن الانسانية والتقدم

اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش