الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين الشعبية .... والانتقال الى الرأسمالية .. (4)..

علي الأسدي

2013 / 2 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



توزيع الثروة والدخل القوميين في الصين يجبر عمال الصين على العيش في الفاقة والعوز ، اذا حدث هذا في دولة من دول القارة الافريقية فيمكن فهمه ، لكن لا يمكن التغاضي عنه أو تجاهله في ظل التطور المدهش لحقوق الانسان في العالم. لكن أن يحدث هذا التقسيم الجائر في دولة تحتل مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتصنف على انها دولة اشتراكية فأمر يصعب فهمه أو قبوله. واذا حدث مثل هذا التوزيع في ظرف استثنائي يمكن التغاضي عنه لأمد غير طويل ، لكنه قائم منذ عام 1979 ويزداد تفاقما مع الوقت الذي يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا .


لايمكن الاستمرار بهذا التقسيم الجائر الى مالانهاية وبخاصة ان حزب الطبقة العاملة هو صاحب الحل والربط ، بعبارة أخرى أن كل شيئ يجري باشرافه وموافقته. العمال منتجوا الدخل والثروة يعرفون جيدا ان المستفيد الأكبر ليس هم بل أرباب العمل والدولة. وما يثير غضبهم أكثر هو قيام الدولة باستخدام حقوقهم في التراكم الرأسمالي المتحقق بفضلهم في استثماراتها الخارجية الذي جعل منها أكبر مستثمر للأموال خارج البلاد ، وأكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية في حين يكابدون هم الفقر والحرمان.

والى جانب ذلك كله يرون بأم أعينهم حجم الفساد المتفشي داخل قيادات الحزب الشيوعي والحكومة الصينية ، ما يشكل سببا آخر لغضبهم واستيائهم. حيث بلغ الفساد داخل القيادة السياسية والحزب حدودا اضطرت الصحافة الاجنبية للكتابة عنها ، بنفس الوقت الذي يتناقله الصينيون عبر الهمس ولغة الصم والبكم. فقد كشفت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الأسبوع الأخير من شهر أوكتوبر الماضي بأن رئيس الوزراء الصيني المنصرف Wen Jiabao قد استخدم منصبه السياسي لجمع ثروة حددت الصحيفة مبلغها بـ 2،7 بليون دولار.(8)

وحول هذا الموضوع كتب أيضا مراسل صحيفة الاندبندينت في بكين(9) ، كليفورد كونان بتاريخ 31-1-2013 مقالا اشار فيه الى موضوع الفساد الذي تناوله بالحديث القائد الجديد للحزب الشيوعي الصيني اكسي جينبنغ قبل تسلمه منصبه ، فقد وجه هذا رسالة الى كادر الحزب يطلب منهم التوقف عن البذخ الممارس من قبل الحزبيين وموظفي الدولة ، وبين بان الرقابة ستكون حازمة على تنفيذ تعليماته.

أمام هذه الحقائق الصادمة والمثيرة للحزن يمكن تصور اقتصاد اشتراكية السوق في الصين بتنين خرافي ضخم ذي اربعة أطراف ، ينشب مخالبه بدون رحمة في الاقتصاد والمجتمع الصيني عبر الشركات الرأسمالية الأجنبية والصينية والشركات المختلطة والشركات الحكومية المدارة من قبل موظفي الدولة. " اقتصاد اشتراكية السوق " عبارة عن اسم ، أما محتواه وحقيقته فهو التصفية المستمرة لكل منجز اشتراكي بدء بالخدمات والمنافع الاجتماعية والتعليمية والقوانين ، وفي المقدمة منها جميعا الملكية الاشتراكية لوسائل الانتاج في الصناعة والزراعة.


واذا كان من المفترض أن تتحدد مستويات الأجور وفقا لقوانين الطلب والعرض في اقتصاد السوق الرأسمالية في " المناطق الاقتصادية المفتوحة " التي أشير لها في الجزء السابق تخضع الأجور في المناطق الأخرى من الصين لنظام صارم للضوابط يضمن استقرارها لأطول فترة ممكنة. وأي نزاع حول الأجور مع الشركات الأجنبية أو الصينية يظل موضوعا لرقابة الدولة ، فهذه الأخيرة تضغط من أجل الابقاء على مستوى الأجور متدنيا عند الحدود التى تشكل حافزا لاستجلاب رأس المال الأجنبي واستقراره في الصين.

ومع أن النزاعات حول زيادة الأجور بين قوى العمل وارباب العمل تنتهي أحيانا وليس دائما بالاضراب عن العمل الذي يحقق زيادات طفيفة مذلة ، لكنها تظل التحدي الأكبر للحزب والحكومة الصينية. فهذه تسعى من جانبها لكبح تلك الرغبة حتى لا تفقد الأجور في الصين قوتها التنافسية في سوق العمل الدولي والاقليمي ، حيث ما تزال تميل لصالح العمالة الصينية. فدولا مثل اندونيسيا والفييتنام وكوريا وبنغلادشت والهند والفلبين وماليزيا والنيبال وغيرها تعتبر سوقا تنافسية للعمالة الصينية.

لكن لا يمكن تفسير قبول قوى العمل لأجور الكفاف بكونه حلا طويل المدى ، فهو قد يستمر لحين ، لكن ليس طويلا أمام تصاعد نسب التضخم الذي تتآكل بسببه الأجور المصدر الوحيد للدخل لمئات الملايين من العمال الصينيين. ومن الطبيعي جدا ان يسعى العمال لرفع مستوى الأجور لتحسين مستوى حياتهم بموازاة تزايد نسب التراكم الرأسمالي التي يعود الفضل لهم بتلك الزيادة.

فموضوع أجور العمل والظروف القاسية التي يعمل في ظلها العمال ، كانت أحد الأسباب وراء سعي العمال لتأسيس اتحادات عمالية مستقلة تمثلهم في التفاوض مع أرباب العمل من الشركات الاجنبية والصينية والدولة. لكن السلطات الصينية لم تسمح بتشكيل مثل تلك المنظمات حتى لا تفقد نفوذها على الحركة العمالية التي تزداد عدديا. لكن لا يمكن ابدا الاستمرار في تجاهل تلك الحقوق ، وسيكون من الخطأ اعتماد القوة لفرض سيطرة الحزب والحكومة على الطبقة العاملة ومنعها من الدفاع عن حقوقها المهنية والنقابية ، بينما تتقلص يوما بعد يوم التأمينات الاجتماعية التي كفلتها لهم الاشتراكية طوال الفترة 1949 – 1979.

قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحالية تصر على ان سياستها الاقتصادية والاجتماعية تهدف لتحقيق الاشتراكية ، وما تقوم به ينسجم مع الماركسية. وردا على المخاوف التي يعبر عنها الشيوعيون والتقدميون خارج الصين تحدث السيد أي بنغ ممثل الحزب الشيوعي الصيني الى المؤتمر العالمي للاحزاب الشيوعية الذي انعقد في الهند قائلا- (10):

" بعض الأحزاب الشيوعية التي ينقصها الالمام بالظروف الوطنية في الصين يعتقدون بأن الصين قد تخلت عن الماركسية وانحرفت عن الطريق الاشتراكي. حتى أن البعض قال بأن النظام الصيني عبارة عن ديكتاتورية شمولية. لكن هذه الاتهامات ليست صحيحة . الحزب الشيوعي كان دائما ملتزما بالماركسية باعتبارها النظرية القائدة ، مطبقين أسسها على الظروف الصينية ، مسترشدين بها الطريق للاشتراكية. قادة الحزب الشيوعي الصيني وعبر مختلف أجياله اعتمد على حكمة الحزب كله وعلى التجربة والدروس المستفادة من البلدان الأخرى".

ما ورد على لسان المسئول الرفيع في الحزب الشيوعي الصيني يعكس جانبا لا يمت للحياة وللواقع بصلة ، فالملكية العامة لوسائل الانتاج التي ضمت عشرات الالاف من المشاريع الاقتصادية الصناعية قبل البدء بسياسة اقتصاد السوق ، تقتصر اليوم على مائة وعشرين مشروعا حكوميا فقط يعمل أكثر من نصفها في الدول الأجنبية. هذا في وقت يتزايد فيه عدد الشركات الرأسمالية الخاصة والأجنبية كالفطر التي تفرض هيمنتها على كل جوانب الحياة في الصين.


اليسار واليمين في الحركة الشيوعية والاشتراكية الديمقراطية واقتصاديي الليبرالية الجديدة المعجبون بنجاحات الحزب الشيوعي الصيني لم يهتموا بالجانب الأخر المسكوت عنه في الاقتصاد والاسكان والصحة والتعليم والبيئة وظروف وساعات العمل والأمومة والطفولة الصينية الذي لم تشر اليها وسائل الاعلام الرسمية الصينية والغربية. انه الجانب الذي لا تظهر معالمه أمام الارقام الفاقعة عن النمو والأرباح والتجارة الخارجية والسندات وعن الأرصدة المالية التي تحتفظ بها الصين في الخارج.

أحد تلك الجوانب المسكوت عنه هو ظروف العمل البالغة السوء التي يعمل في ظلها العمال الصينيون ، ففي الصناعات الاجنبية والصينية الخاصة يخضع العمال لنظام لا مثيل له اليوم ، انما يذكر بتلك الظروف التي كانت سائدة بداية ظهور الصناعة في الولايات المتحدة وأوربا. فيوم عمل بثماني ساعات بالنسبة للعمال الصينيين أصبح من الماضي ، اضافة الى ظروف عمل جائرة غير ملائمة صحيا للعمل لساعات التي سببت للعمال أمراضا بعضها يستعصي علاجه داخل الصين.

فأمراض الجهاز التنفسي كالسل وضيق المجاري التنفسية ، وأمراض تلف الكريات الحمراء في الدم ، والجهاز الهضمي والمجاري البولية شائعة بين العمال بسبب بقاء العمال في مكان عمل قليل التهوية والضوء لساعات طويلة يمنع عليهم الحركة أو التحدث مع بعضهم البعض ، بل ويحضر على العمال الذهاب الى المرافق العامة أكثر من مرة أو مرتين خلال وقت العمل. ولعدم التزام أرباب العمل بشروط السلامة داخل مكان العمل يتعرض الكثير من العمال للحوادث الخطرة مسببة لهم جروحا واصابات بعضها غير قابلة للعلاج.

ولانه لا يتمتع العمال بمجانية العلاج الطبي في المستشفيات الصينية ، ولارتفاع تكاليف العلاج والدواء في العيادات الخاصة يضطر العمال الى تحمل اصاباتهم ، ويتحاشون الشكوى لدى أرباب العمل خشية فقدهم اعمالهم. وتتراوح أعداد اصابات العمل بحدود 148 الف اصابة سنويا أو اكثر ( هذا الرقم لعام 2003 وقد يكون قد تضاعف حاليا).
صحيفة نيورك تايمز الأمريكية قد اشارت لتلك الظروف قائلة : (11)
" في الصين التي تتفوق على الدول الأسيوية في تصدير المنتجات الصناعية ، يتعرض عمالها لاستغلال فظيع يعانون بسببه من مختلف الأمراض التي لا تساعد اجورهم الشحيحة على تغطية تكاليف علاجهم ".
علي الأسدي - يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال