الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتصام المسنين

أديب طالب

2005 / 3 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ حوالي خمسين عاما. اضطهد وعذب وقتل عبد الحميد السراج - وهو ضابط الأمن الأول في سورية آن ذاك - مخالفيه من السياسيين والقادة السوريين بتهمة خيانة الوطن. وقد احتج بالوطنية ضد الحرية والديمقراطية. وبعد مرور نصف قرن توجه صبيان السلطة بتهم خيانة الوطن للمسنين المعتصمين بذكرى مرور اثنين وأربعين عاما على قانون الطوارئ، قانون العبودية الذي حول الاستثناء إلى قاعدة.
عبر خمسة عقود دفنت الديمقراطية باسم الوطنية، فلا حصلنا عنب الشام ولا بلح اليمن. في ذلك اليوم استحق استبداد الدولة يوبيله الذهبي. والحجة هي الوطن والوطنية.
كلنا نعرف أن مستر سايكس الانكليزي ومسيو بيكو الفرنسي واللذان رسما الحدود الجغرافية لسورية، هم من الخارج، من الفرنجة، ولم يكونا يوما من سكان حي الشاغور في دمشق، أو من سكان حي باب النيرب في حلب. الوطن ليس أرضاً ونقطة انتهى، لا، الوطن أرض عليها مواطنون أحرار. والوطنية عقد بين الوطن الأرض والإنسان المواطن، شرطه الأساسي الحرية. أما أن تكون الوطنية جسرا للسلطة والثروة باسم الثورة... فسامحونا إن قلنا أن الوطنية غير ذلك. الوطنية حرية وتحرر وتنمية.
بضع مئات من المسنين من خيرة أحرار الوطن ومثقفيه وكتابه، من خيرة مناضليه، اعتصمت سلمياً أمام القصر العدلي في دمشق دفاعاً عن الحرية. هاجمها بضع آلاف من صبيان السلطة بالعصي والشتائم... .
قالوا لهم، قالوا للصبيان اسحقوهم فهؤلاء عملاء ويبغون بيع الوطن لأمريكا.... كم هو سيء أن نعطي أبنائنا درساً في الكذب. درساً في العبودية درساً في سحق الأحرار. حرية الوطن من حرية المواطن. قدسية الوطن من كرامة المواطن. ووطن من العبيد هو وطنٌ عبدٌ. هو لا وطن. ولا يعوَّل عليه، هل في القول لبس أو شبهة أو غموض؟. يقول ابن عربي المكان الذي لا مكانة لك فيه لا يعوَّل عليه.
هل الوطنية أن يغادر الوطن بضع ملايين من أبنائه وبينهم آلاف من نخبة العلماء والمفكرين والقادة و العباقرة؟،
هل الوطنية أن تتجاوز أموال السوريين في الخارج ستين ملياراً من الدولارات كما قال الدكتور راتب الشلاح رئيس غرفة التجارة السورية ولا ينتفع منها إلا الخارج إلا الغرب عدو الوطن عبر ستين عاماً سلفت؟.
لقد كانت السلطة الاستبدادية الوطنية عامل نبذ للملايين البشرية الوطنية، ولمليارات الدولارات الوطنية. ولقد عينت لهم وزيرة للمغتربين حتى تقنعهم بالعودة إلى الوطن، وعلى الأقل عودة أموالهم إلى جنة في ظل < الديمقراطية الشعبية >، في حضن الوطن المحكوم استثناءً بأن الاستبداد هو القاعدة وأن الحرية هي الشذوذ، ولكن أحداً لم يَعُد وكذالك لم يُعِد أحد ماله أو بعضه، أما اللذين أحبوا وطنهم ومواطنيهم، وبقوا فيه، وشبوا وشابوا ودافعوا عن حياضه، وقاتلوا من أجله، وسُجنوا ثمناً لحريته وحرية أبنائه، فلا يعوَّل عليهم، ويُتَّهموا في وطنهم!!.
هل يعلم أولئك الصبيان أن الستين مليار دولار تساوي ميزانية سوريا لمدة خمس وعشرين عاماً؟، هل يعلم أولئك الصبيان أن فوائد هذا المبلغ لو استثمرت في الوطن لبلغ دخل الفرد السوري مستوىًً لا يقل عن دخل الفرد الإماراتي؟.
هل من الوطنية أن يتقلص دخل الفرد السوري عشرين مرة بفضل اثنين وأربعين عاما من الطوارئ؟.
هل من الوطنية أن لا يجد الأطباء والمهندسون السوريون عملاً في هذا الوطن السعيد، إلا إذا تكرمت السلطة وألحقتهم بجهازها الوظيفي كبطالة مقنعة لا أكثر ولا أقل. ومع كل هذه الرداءة، تحلم كل أم سورية أن يكون ابنها طبيب أو مهندس. أهو الجنون؟، أم حب البقاء تحت خيمة الأساطير؟.
هل الوطنية أن يكون نصف الشباب السوري كسالى وحالمون. والنصف الآخر انتهازيون ومشاريع لصوص ومتعاطون وموزعون لحبوب الهلوسة والمخدرات.
هل من الوطنية أن يتفق المواطن السائق والمواطن الشرطي على أن يدوسوا بقدمهم ثلاث مائة وستون مخالفة لقانون السير والثمن خمس وعشرون ليرة أو خمسون ليرة؟، كم هو سهل أن تدوس قانون الوطن والثمن خمسون ليرة وأنت راض مبتسم!، هل الحل أن نرفع تعرفة الرشوة؟.
هل من الوطنية أن يسود شعار الدفع أو الرفع في الجامعات السورية؟.
هل من الوطنية أن يكون من صفات المحامي الناجح أن يملأ جيوبه بالمئات، يبعثرها في أروقة القصر العدلي حتى تسير الأمور؟. أما مئات الآلاف، فتمر من تحت الطاولة، وكان الله في عون من نفَّع وانتفع. أما المظلومون فقد هيأنا لهم صبيانا تخرس أفواههم وتسحقهم. وتتف في وجوههم لأنهم قالوا الحق، ولأنهم وقفوا أمام قصر العدل من أجل العدل والحرية.
هل من الوطنية أن يمتلأ قلبي رعباً عندما اضطر للحصول على ورقة رسمية من أي دائرة من دوائر الوطن، لأني لا أعرف كيف أشتري كرامتي برشوة الموظفين وأولي الأمر؟.
هل من الوطنية أن نعلم الأبناء كيف يضربون آباءهم بالعصي الخشبية لعلم الوطن؟، لأنهم قالوا لا للاستبداد.. قالوها سلما وبلا عنف.
الوطنية بلا ديمقراطيةٍ، فاشيةٌ، عنصريةٌ، عدوةٌ، تقليدية لكل القيم البشرية، ولكل القيم الإنسانية... هتلر، ستالين، شاوشيسكو وزوجته، صدام وابنيه، أدلةٌ حيةٌ على صدق ما نقول.
الوطن أرض لا تُحمل على الكتف، ولا توضع في حقيبة. وعلى ظهر هذه الأرض يقف المواطن، فإن كان حراً كان الوطن حرٌ. وإن كان عبداً، تحول الوطن إلى سجنٍ من العبيد. والعبيد لا يدافعون عن الأوطان.
عدة آلاف من الصبيان، يهاجمون عدة مئات من المسنين. عندما يتوفى الله هؤلاء المسنين، وعندما يأخذ المسنون الجدد درسا في الوطنية فلا يعتصمون من أجل الحرية، لن يجد الصبيان من سيهاجمونه. من المؤكد أنهم سيهاجمون أنفسهم. هنيئا للاستبداد بما فعل.
هل نغفر للصبيان فهم أبنائنا؟ مؤكد أننا نغفر لهم !. من يغفر لهم عندما يقتل بعضهم بعضا؟.
مرة ثانية هنيئا للاستبداد بما فعل.
أرجوكم ابحثوا معي عن الوطنية والوطن بين هذه الكلمات البائسة الحزينة. وتحت أقدام الصبيان، وفي قلوب وعقول المسنين المعتصمين من أجل الحرية.
يقول بول ايلوار < بقوة كلمة واحدة أبدأ حياتي من جديد فقد ولدت لكي أعرفَكِ. لقد ولدت لكي أسمَّيكِ أيتها الحرية >. هل نصدق الشاعر الفرنسي؟ أم نكذبه، فهو من الفرنجة، وتصديق الفرنجة خيانة للوطن والوطنية!!.
ما أبشع أن تزيف الحقائق. وما أدنئ أن نبيع الوطنية في السوق السوداء. ونحافظ على السلطة والثروة بسيف الاستبداد والقهر.
هل أفقد الخوف هذه الأمة عقلها؟ هل يحمي الخوف مملكة الخوف؟، هل يقاتل الخائفون؟، لا أعتقد، فالخوف كالموت والخوف قبر الوطنية والديمقراطية والخوف كفرٌ كما الفقرُ كفر.
*كاتب سوري - دمشق
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تداعيات دعم مصر لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل


.. طالبة بجامعة جنوب كاليفورنيا تحظى بترحيب في حفل لتوزيع جوائز




.. الاحتلال يهدم منازل قيد الإنشاء في النويعمة شمال أريحا بالضف


.. الجيش الإسرائيلي: قررنا العودة للعمل في جباليا وإجلاء السكان




.. حماس: موقف بايدن يؤكد الانحياز الأمريكي للسياسة الإجرامية ال