الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجبالي يهدد بسقوط الخلافة السادسة

نزيه كوثراني

2013 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



خرج رجل في قومه وهو الأمين العام لحزب النهضة معتمرا عمامة ومرتديا رداء أشبه بلباس خلفاء المسلمين قائلا: «يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه»
في تلك اللحظة كانت مشاعرنا مختلفة وأفكارنا متناقضة ومتضاربة ونحن نتلقى هذا الكلام كأسياخ النار وهي تذكر باغتيال العقل وذبح الإنسان في صباح العيد تحت منبر الإمام . وكانت الأسئلة تنزلق في شرايين القلب كالحمم. كيف واتتك نفسك وبهدوء متعجرف وأنت تعتلي بعمامة وجبة الخليفة كبسولة الزمن والبحر أمامك مازال يتلمظ وقد أنهى التهام قوارب الموت لعشرات الشباب في حلم الاحتراق إلى الضفة الأخرى؟ وهل كان قدرنا أن نحترق ظلما وقهرا في يابسة الوطن التي استأثر الاستبداد بنبعها فقطع الأرزاق وقتل ما في الأرحام كما نحترق على شرفة البحر الملتهب؟ هل تذكر أن هذا حدث عشية الثورة أم أن ذاكرتك كانت مترعة بخمرة الخلافة السادسة؟ لماذا لم تفكر في آلاف الفقراء والفقيرات والمعذبين والأرامل والشباب والشهداء؟ لماذا كنت مأخوذا بنصوص حكايات أساطير الأولين وتركت الشعب نهبا لكل الماسي والكوارث في سوق تجارة الدم لوكلاء سموا أنفسهم دون ذرة حياء أخلاقي وإنساني " رابطة التشبيح الإسلامي" ؟ لم يخطئ البسطاء حين قالوا قبل نخبة البلد " تونس في هذه اللحظة في كف عفريت" مولع بالخوارق فتوسل اللحظة الربانية للتعزيم ببدء مرحلة حضارية جديدة حيث يقتل الإنسان الأعزل على عتبة منزله في واضحة النهار . أهكذا تكون حروب الردة التي نزلت آياتها في خطب الراشد وهو يهدد في المساجد بالجلد لكل من سولت له نفسه نشر الإشاعات ؟ كيف لم تفكر أنت وصاحبك الراشد في اللحظة التاريخية كمسؤولية جسيمة تتطلب الجرأة والوعي والبصيرة وبعد النظر وتقدير جسامة المسؤولية التي لا يزيغ عنها إلا عدو الشعب والوطن والأجيال القادمة؟ لماذا غابت تونس كلها بفئاتها البسيطة والمتوسطة وبكل جراحاتها وآلامها وآمالها في فجر جديد؟ لماذا انتصرت لنفسك وارتديت حلتك وأنت تفكر في قصر الخليفة حيث السمع والطاعة ولا تداول في الرأي والفكر والسلطة؟ هل كان ذلك سبيلك و محجتك البيضاء لقتل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية...في مهدها بعد أن خلق البوعزيزي الشعب في أحسن تقويم؟ فلماذا رددتموه إلى أسفل سافلين ؟
خطابك كان لغة سهلة وبسيطة في نص قصير من اللحظة التاريخية إلى اللحظة الربانية. أريد للبداهة في خطاب الخليفة أن تكون فاعلة وموجهة للواقع التاريخي من خلال الإحالة إلى المتخيل التاريخي الإسلامي للهوية والخصوصية وبطولات وأمجاد الماضي الخرافية والأسطورية . هنا تكمن قوة بداهة الخطاب في الانفجار بقوة واكتساح الساحة كبديهية تتنزل منزل المقدس وهي تحيل إلى تراث أسطورة حكم الخلافة الراشدة في الإسلام . كلام يخفي الواقع التاريخي التونسي الراهن الذي أفرز الثورة كواقع سياسي اقتصادي اجتماعي وجاءت الثورة للتغيير كبديل يؤسس الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة...
إعلان الخلافة السادسة يعني صراحة القفز ضد منطق حركة التاريخ وإلغاء للتاريخ بالعودة الإيديولوجية إلى اللاتاريخ. الشيء الذي يعني انه من الصعب والمستحيل الحديث عن القيم الإنسانية الكونية لان لحظة الخلافة الربانية كبداهة مطروحة تتناقض في خلفياتها وأطرها الفكرية والدينية كاستثناء إسلامي مع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من قيم إنسانية كونية. هكذا يلعب الرجل لعبة البساطة السحرية ممتطيا خطاب الهوية والخصوصية ضد أفق الثورة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري وهو أفق الحرية والتحرر ومشوها حقيقة الصراع السياسي والاجتماعي بجعله صراعا بين الإيمان والكفر بين الدولة المدنية الغربية الحديثة والخلافة الإسلامية السادسة. ينكشف الموقع الإيديولوجي السياسي لأهل الخلافة كموقع نقيض للثورة أي كقوى مضادة للثورة.
نص الخليفة تعمد البساطة في الطرح والتلقائية في المخاطبة لإنتاج الفعل المجتمعي بقوة المخيال الرمزي. ولبناء دلالات البديهية المطروحة استعان بالنسق الثقافي للمتخيل الديني المتمثل في لباس الخليفة مما جعل المتلقي في وضعية المستسلم لوهم البداهة كمسلمة مترسبة في اللاشعور الثقافي والمخيال الاجتماعي الديني. فتختفي الثورة بأساسها المادي الذي فجرها. تختفي كضرورة تاريخية أنتجها فعل الاجتماع الإنساني كصيرورة تاريخية للمجتمع التونسي الراهن فتصير لحظة ربانية لها ارتباطات خارج التاريخ وخارج منطق الواقع التاريخي التونسي بشروطه الراهنة. إننا إزاء خطاب إرهابي تجاه معتقد الناس الديني وهو يشل حق الناس في التفكير في القهر والاحتقار والبؤس الذي جعلهم ما دون البشر. خطاب إرهابي لاغتيال العقل وقبول الذل والفقر باسم لغة العاجلة التي هي لهو ومتاع للغرور. خطاب إرهابي لأنه حرف الثورة بمعناها الدنيوي السياسي الاجتماعي فجعلها فتنة وعنصرية وطائفية. خطاب إرهابي لم يأت ليحكم الشعب بل ليغتاله...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش