الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوى الاسلام السياسي ولعبة الامم!

طلال ابو شاويش

2013 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



شكلت قوى الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها ، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون ، إلى جانب قوى اليسار الثوري ، هلعاً وأرقاً مزمناً لأدوات الإمبريالية من أنظمة استبدادية رجعية ارتبطت مصالحها بذلك القطب ... وجاءت معالجات هذه الأنظمة لقوى الإسلام السياسي واليسار الثوري ، على صورة عمليات اجتثاث وإقصاء منظم بما يصاحب ذلك من انتهاكات صريحة لكافة الأعراف والقوانين الدولية الإنسانية. ولأننا هنا بصدد الحديث عن تطور قوى الإسلام السياسي ، التي تتسلح بالأيديولوجيا الدينية ، فلم يكن من السهل على قوى الإمبريالية وأدواتها اجتثاث هذه القوى من المجتمع رغم كل الممارسات القمعية والتعسفية التي اضطرتهم للنزول تحت الأرض لممارسة العمل السري ... ولأن الأفكار لها أجنحة ولا يستطيع أحد منعها من الانتشار والتأثير ، فقد فرخت الحالة القمعية لهذه القوى الإسلامية توجهات جديدة اتسمت بالعنف للدفاع عن وجودها وعن برامجها ، فتشعبت المشكلة وأضيفت تعقيدات جديدة أكثر خطورة أمام القوى الإمبريالية وأدواتها في الدول الإسلامية.
ومن هنا بدأ مفكري وفلاسفة الإمبريالية العالمية وأدواتها في البحث عن تكتيكات جديدة للتعامل مع هذه القوى.
واتخذت التوجهات الجديدة منحى البحث عن مواطن الالتقاء مع هذه القوى وتروظيها تكتيكياً لخدمة المشروع الإمبريالي ولم تتردد قوى الإسلام السياسي في التماشي مع هذا المنحى ... خصوصاً وأن هذا المنحى يخلق لها آفاقاً جديدة للعمل ضد القوى اليسارية التقدمية التي تمثل قوى الكفر أو " السرطان الأحمر " كما يحلو للبعض تسميتها ... وبالفعل فقد أصبحت قوى الإسلام السياسي أحد الأذرع الضاربة في وجه ذلك السرطان المزعوم!
وشوهد هذا النموذج في أكثر من دولة وفي مقدمتها أفغانستان حيث قامت الأنظمة في مصر والسعودية ودول الخليج بإشراف أمريكي أوروبي بتنظيم وتمويل وتسليح قوى الإسلام السياسي لتمثل الذراع الضارب للوجود السوفييتي حينئذٍ.
ومع تآكل عدد من هذه الأنظمة العربية والإسلامية المرتبطة بالمشروع الأمريكي ، وانفضاح أدوارها ، وعدم قدرتها على تحقيق التنمية والإصلاح في مؤسسات دولها ، فقد بدأ المشروع الإمبريالي يتطلع إلى تغيير هذه الأنظمة الباهتة وخلق البديل القادر على تنفيذ مخططاته ومشاريعه في المنطقة وخصوصاً وأن حالة الاحتقان والرفض لهذه الأنظمة يمكن أن يؤدي إلى مفاجآت وتخلق وقائع قد لا تساند المشروع الإمبريالي وربما تناهضه بقوة.
ورغم التوجس لدى القوى الكبرى من قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها " الإخوان المسلمون" إلا أن رسائل التطمينات التي دأبت هذه الجماعة على إرسالها لهذه اقطاب السياسة العالمية دفعها إلى التفكير باستخدام هذه القوى وذلك لهدفين:
الأول: الوقاية من مفاجآت التغيير وعدم انتظار وقائع ليست في حسابات الغرب ، قد تخلقها ثورات الشعوب التي باتت على الأبواب.
والثاني: وضع هذه القوى الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمون على عتبات الإفساد والفساد عبر استمراء مذاق السلطة والحكم ، وجرها بعيداً عن المبادئ النظرية العامة التي تطرحها من خلال إلزامها بمعايير وقوانين السياسة الدولية بما تحتويه من تفاصيل تضع هذه القوى في حالة من الانفصام الحاد بين النظري والعملي.
وفي فلسطين ( قطاع غزة ) انزلقت حركة حماس – أحد الفروع الرئيسية – للإخوان الملسمين ، إلى هذا المستنقع سريعاً ، وأتيحت الفرصة أمامها لحكم قطاع غزة ، ورغم أنها كانت قد فازت في انتخابات شرعية نزيهة إلا أنه أريد لها أن تقفز على السلطة في وجود حمام من الدماء ، فمن جهة تستطيع حكم القطاع عسكرياً وبقوة ، ومن جهة أخرى يخلق الأساس المادي للانفضاض عن مشروعها وتعريته واسقاطها لاحقاً .
والمتأمل لتفاصيل الوقائع قبل حدوث الانقلاب عام 2007 يمكنه تلمس وقراءة سلسلة طويلة من الإجراءات والترتيبات العملية التي ساهمت في دفع " حماس " للوقوع في هذا الشرك الخطير.
وعلى مدار سبعة أعوام من حكم قطاع غزة عاشت حماس حالة خطيرة من الانفصام الفكري والسياسي بين برامجها المعلنة وممارساتها على الأرض وعلى كافة الصعد فكانت النموذج المبكر والأسرع نحو الانهيار الجماهيري ولتعود – على الأقل – وتنكمش في إطارها الحزبي الصارم ولتفقد الكثير من الشرائح الجماهيرية التي التفت حولها ودعمتها في الانتخابات بعد تجربة حركة فتح الفاشلة ، ولتقدم دليلاً ملموساً على تعقيدات المزاوجة بين المقاومة والسلطة.
وتفتحت ورود ما سمي ب"الربيع العربي" وخرجت الجماهير العربية الثائرة بعد كسر حاجز الخوف التاريخي ، لتعبر عن سخطها على الأنظمة الهالكة التي لم تعد تملك سوى مؤسسات نخرها الفساد وغير قادرة على حمايتها ...
واستغلت قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون ( وهي القوى والحركات الأكثر تنظيماً ) هذه الفرصة التاريخية وأمام صمت الأطراف الدولية وتأييدها الخفي ، لتقفز على السلطة وتطرح نفسها كبديل ثوري عن الأنظمة المستبدة المترنحة.
واستمرت رسائل التنظيمات الإخوانية من مصر وتونس وقطاع غزة وسوريا وبحضانة تركيا ودعم قطري ، تصل إلى الأطراف الدولية التي اطمأنت إلى أن حساباتها تسير في الاتجاه الصحيح والمخطط له.
ويحدث هذا في ظل غياب البديل الثوري وضعفه ... فالقوى الثورية وخصوصاً اليسارية ظلت تراوح في دائرة العجز وغير قادرة على طرح نفسها كخيار ثالث وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية كثيرة ومتنوعة ..
ولم تحتاج الجماهير العربية إلى سنوات طويلة لتكتشف عمق الخديعة ولترى بأم عينها الانحرافات الخطيرة في سلوك هذه الجماعة التي توظف سلاح الدين وتستخدمه وفقاً للحاجة ... وليتسع التناقض بين هذه القوى وبين الجماهير وأبرز هذا التناقض طبيعة فكر ومرجعية هذه الجماعة في التعامل مع معارضيها ... القمع والإقصاء والاحتكار ومخالفة كل النصوص السماوية إذا اقتضت الحاجة لذلك ... وتجلى هذا واضحاً في النماذج المتحركة الماثلة أمامنا في فلسطين ومصر وتونس وسوريا ...
وبين الصعود العظيم لقوى الإسلام السياسي وبدء الانهيار والسقوط المدوي لها ، تطور وعي الجماهير في كل مكان واستقر في وجدانها أن هذه القوى لا يمكن أن تمثل البديل الثوري للأنظمة الاستبدادية البائدة وأنها غير قادرة على قيادة الجماهير لبناء أوطانها في إطار من العمل المؤسساتي الحضاري.
وبأن مشروع المستقبل للشعوب العربية لا يكمن في توظيف الدين الإسلامي على طريقة الإخوان المسلمون أو السلفيين أو غيرهم من هذه الجماعات ... فالدين لدى الشعوب العربية والإسلامية هو مكوّن روحاني نفسي تراثي ثقافي مستقر في وجدانها ، وأن توظيفه كسلاح في يد حركات الإسلام السياسي للسيطرة على هذه المجتمعات لن يقود إلا إلى كوارث اجتماعية قد تتوج بحروب أهلية طاحنة وانقسامات خطيرة ستمزق الأوطان وتحيلها إلى كانتونات صغيرة ضعيفة غير قادرة على مجابهة تحديات العصر واستحقاقات الانتماء والتأثير في الأسرة الكونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على