الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنعرّف ال(ثورة) أولا ً

ياسر محمد أسكيف

2013 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



كلّ من هو ضدّ ( الثورة ) السورية فهو بالتأكيد مع النظام السوري . وكلّ من هو ضدّ النظام فهو بالتأكيد مع الثورة . ولا يمكن لأحد أن يكون ضدّهما معا ً , أو معهما معا ً .!!!!
هذه المقولات الحديّة , وغيرها الكثير , تجعلني أرى أنه من الضروري الابتعاد عن القياس على ما اعتقدناه مسلمات ( تحديدا ً تلك التي ترتبط بجذر عاطفي شكّلته البيئة والمحيط ) إذ غالبا ً ما تكون هذه ال" مسلمات" نا هي الأحوج , من أية نظرية , إلى برهانها المؤكد . وهذا يعني بأنه ليس الابتعاد ضرورة فقط , بل إعادة النظر الشاملة فيما نظنه مسلماتنا ومعرفتنا المستقرّة .
والذي يدفعني اليوم إلى هذه المُقدمة المُختصرة هو ما تمّ الاتفاق على تسميته ( الثورة ) السورية . والتي أجد بأن الكثير من الأسباب والحيثيات , التي تتجاوز في عمقها الشكليات اللغوية , تدفع إلى إعادة تعريف , جديّ ومسؤول , لما استقرّ في أذهاننا من معان ٍ ل( الثورة ) كحاصل للمعارف النظرية التي أنتجها بحث ودراسة التجارب الثورية على مرّ التاريخ والأزمنة الحديثين .
إن ما يحدث في سورية اليوم لا يقترب من معنى الثورة , في الكثير من جوانبه , إلا إذا كانت الثورة لا تعني سوى ( إسقاط السلطة ) , إسقاطها فحسب . متخليّة بذلك عن أهم معانيها : ( التغيير العميق في بنية الدولة والمجتمع ) ومكتفية بما يجعل منها حركة انقلابيّة لا أكثر , تستبدل سلطة بسلطة أخرى . مع ما يترتب على هذا الاستبدال من تدمير للبنى الاقتصادية والاجتماعية , التي من المُفترض أن تكون عوامل داعمة لأي تغيير يكون التقدم أحد أهدافه , أو حتى مُفرداته . وهنا يقع فقدان شرط الكفاية الذي يجعل من الاسم دالا ً على مُسمّى . دون أن يعني ذلك بأن إسقاط السلطة أمر غير ذي قيمة , ولكن شرط أن يكون مرحلة من مراحل يتضمنها برنامج استراتيجي يجري العمل على إنجازه وتطبيقه كسلسلة لا تنفصم من الخطوات أو المراحل . وهذا ما يغيب تماما ً عن طروحات المعارضة السورية , ويجري استبداله بالوقوف عند المرحلة الأولى , على أن يتمّ التفكير بالمراحل التالية على ضوء الكيفية التي ستنجز بها هذه المرحلة , والمُلاحظ في سير عملية الاسقاط هو أن المرحلة الثانية ستكون محاولة فاشلة على الأرجح , كما هي المحاولة حتى الآن , لتكرار عملية الاسقاط . وعملية الإسقاط هذه تستحوذ تماما ً على تفكير المعارضة الديموقراطية , كما على خطواتها الإجرائية , على اعتبار انها فرصة تاريخية قد لا تتكرّر في المدى القريب , وهي في الوقت ذاته تتيح لهم فرصة التنصّل من عواقب المستقبل بدعوى أنهم ليسوا من أسقطها , أو أنهم , على الأقل , ليسوا من استخدم العنف في إسقاطها . وهذه العملية , التي مازالت في طور العمل عليها , هي ما يشكلّ القاسم المشترك ل ( الثوريين ) السوريين , وهي ما يجمعهم على أنهم متن الثورة .
ما تقدّم يدفع إلى السؤال عن المشروع الذي تحمله (الثورة ) السورية على عاتقها . وفي البحث عن الجواب نكتشف أنه ما من مشروع ينتمي إلى الفعل الثوري , الذي يحفظ للثورة خصيصة روح التاريخ , بل هنالك مشاريع لتحقيق أهداف ذاتيّة بامتياز , ولا تقترب أبدا ً من روح التاريخ , باستثناء المشروع الذي تتبناه قوى المُعارضة الديموقراطية , والمُرتهن هو الآخر , في كمه الأعظم , إلى إرادات ذاتية تتناقض معه في العمق . وهذه المشاريع يمكن إجمالها في فئتين رئيسيتين , تنطوي كلّ فئة منها على زمر وفصائل يعوزها التجانس والانسجام :
1 - التيار الديني : وهو , بكافة أطيافه , تكفيري جهادي متشدّد , ومعاد ٍ لكافة أشكال الدولة المدنيّة . والقبول المُعلن , للبعض من هذه الأطياف بالديموقراطية , لا يتعدى استخدامها كطريق إلى السلطة . ويمكن حص هذا التيار بين حدّيه الأكثر تداولا ً إعلاميا ً والمتمثلين ب ( الجيش الحرّ = الجناح العسكري للإخوان المسلمين ) و( جبهة النصرة = النسخة الشاميّة من تنظيم القاعدة ) وبينهما تنتشر عشرات المجموعات المُسلّحة .
- الجيش الحرّ ( الاخوان المسلمون ) ينحصر مشروعهم في إسقاط السلطة , وإقامة دولة إسلاميّة على أنقاضها . بمعزل عن الثمن , وبتعطيل كامل للسؤال عن الآليات . ( الاستعداد للتحالف مع الشيطان من أجل إنجاح مشروعها )
- جبهة النصرة : ينحصر مشروعها , هي الأخرى , في إسقاط السلطة , وإقامة إمارة , أو إمارات , إسلاميّة
والملاحظ أن العلاقة التي تربط هذا التيار بمعنى الثورة ينحصر في إسقاط السلطة , وبمعنى الثورة السورية حصرا ً فهي عملية استيلاء , لحساب الدولة الدينية , على مبادئ الثورة ومنطلقاتها التي مثلت مطالب الشعب في الحريّة والعدالة . أي هي هيمنة على المطالب الشعبية من أجل إنجاح مشروع ظلامي تكفيري . فما علاقة هذا بالثورة إذا وضعناها في إطارها المادي التاريخي ؟
2 – التيار الديموقراطي العلماني : وهو يشمل كلّ من يعمل على بناء الدولة السورية كدولة ديموقراطية تعددية عادلة واحدة سيّدة . وتمتد أطياف هذا التيار , هي الأخرى , على مساحة واسعة من إختلاف الرؤى , والتوجهات . ولا ينقصها التباين الكبير في الكيفيات التي ستؤدي إلى بناء مثل هذه الدولة . واللافت أن الكثير من طيف هذا التيار يلتقي تماما ً مع التيار الديني بضرورة إسقاط السلطة السورية وبأي ثمن . ويرفض الحوار إلا بشرط رحيل الرئيس الأسد , مُنحازا ً بهذا إلى التفسير الأمريكي لمسألة ( حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية واسعة ) من خطّة جنيف . والحدّية التي تتعاطى بها هذه الأطياف مع بعضها البعض تعكس روحا ً إقصائية مشينة , وفكرا ً واحديّا ً مستبدا ً , يدفع المتابع إلى السؤال , ليس عن معنى الديموقراطية فحسب , بل عن معنى ( الثورة ) الديموقراطية برمّتها .
وعند هذا السؤال ينبري الجميع للتذكير بالبدايات , وكأن البدايات وحدها كافية لتبرير الانحراف الذي أصاب الحراك السلمي , أو ( الثورة ) السلمية , هذا الانحراف الذي لم يحوّل مسار ( الثورة ) بصفتها ( ثورة ) من الحالة السلمية إلى الحالة القتالية ( العسكرية ) بل أعطى الثورة ذاتها معنى آخر تماما ً حينما مسخ الأهداف , التي قام من أجلها الشعب السوري , إلى هدف واحد ووحيد هو الاستيلاء على السلطة بالقوّة والعنف , وفرض واقع جديد يتنافى جذريّا ً مع الشعارات التي أطلقها الحراك كعناوين لآماله وتطلعاته . وعلى الديموقراطيين السوريين , الملتحمين بالحراك الشعبي , والمؤمنين , حقيقة , بحقه في الحريّة والعدالة , أن لا يقللوا من خطورة هذا الانحراف على اعتباره طارئا ً , ومؤقتا ً سيزول مع زوال السلطة , بل على أنه سيشكّل طبيعة الدولة القادمة , إن تشكلت دولة واحدة ! , ولن يفعل سوى إبدال ديكتاتورية عسكرية أمنية , بديكتاتورية تضيف إلى ما سبق زوال أي مظهر مدني عن الدولة . وعليهم أيضا , أقصد أولئك الديموقراطيين , أن لا يتنازلوا عن قراءتهم الموضوعيّة , بدعوى الأمانة ل(الثورة) , لمجريات الحراك وانعطافاته , حتى لو قادهم ذلك إلى التشكيك بعلاقة المستقبل بهذه ال( ثورة) والتعاطي معها على هذا الأساس . ربما , أقول ربما , لا نحتاج عندها إلى ملحق , أو ملاحق , للثورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن