الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت الرحيم على الطريقة الأمريكية

ثائر دوري

2005 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


هذا الأسبوع عاد موضوع الموت الرحيم ليطفو على السطح و ذلك بخبرين لا رابط بينهما سوى أن موضوعيهما أشخاص أمريكان . أحد الخبرين أخذ مساحة واسعة من التغطية الصحفية و التلفزيونية . فاستنفرت وسائل الإعلام لتغطيته كما انشغل به الساسة الأمريكان حتى أن الرئيس قطع إجازته كما اجتمع الكونغرس على عجل لمناقشة الأمر ........
وأما الخبر الثاني فقد مر مهملاً في زاوية صغيرة من زوايا الصحف . و طبعاً هذا لا يعني أن الخبر الأول كان أهم من الثاني . لكن التفاوت في حجم التغطية يشير إلى طريقة وسائل الإعلام الأمريكية بتغطية الأحداث فتضخم حدثا صغيرا و تتجاهل حدثا كبيراً و هذا ما سوف نذكره لاحقاً .
من المعلوم أن الموت الرحيم هو من المشاكل الأخلاقية التي طرحها التطور العاصف في تكنلوجيا الطب ، و الذي تمثل بإيجاد أجهزة مساعدة للمريض المصاب بأمراض قاتلة تسبب وفاة المريض بدون استعمال هذه الأجهزة ، فالمريض الذي لا يستطيع أن يتنفس يمكن مساعدته عبر جهاز الرئة الصناعية ، مثلاً . و هكذا يمكن إطالة حياته إلى ما لا نهاية ، و كذلك المريض المسبوت يمكن تغذيته عبر الأمصال و الحفاظ على حياته بوجود عناية تمريضية جيدة عشرات السنين . لذلك برز تساؤل :
- إلى متى ؟
أو ما هي المحددات التي نستطيع أن نقول كفى . دعوا المريض يموت بسلام .
و نشب في الدول الغربية نقاش طبي و أخلاقي كبير حول هذه المسألة ، و هو لم ينته بعد ..........
نعود إلى الخبر الأول الذي حاز بتغطية كبيرة في وسائل الإعلام حتى أنه سيطر على ساعات الذروة التلفزيونية ، و بثت تفاصيله مباشرة . وهو موضوع سيدة مسبوتة منذ خمسة عشر عاماً ، و منذ ذلك الوقت و هي موضوعة على التغذية الاصطناعية . و بناءا على طلب أقرباءها حكمت إحدى المحاكم بنزع الأجهزة المساعدة ، أي بموتها كنوع من الموت الرحيم . قامت قيامة الطبقة السياسية في أمريكا فاجتمع الكونغرس على عجل و أقر قانوناً يمنع موت هذه المرأة ، التي دخلت في الغيبوبة منذ خمسة عشر عاما ، و اضطر الرئيس بوش لقطع إجازته كي يصدق على هذا القانون . و حصلت الضجة التي ذكرناها ......
أما الخبر الثاني الذي مر بهدوء و دون أية تغطية ، فهو يتعلق بنقيب في الجيش الأمريكي قرر أن ينفذ بنفسه الموت الرحيم . يحاكم هذا النقيب في قضية قتل مواطن عراقي جريح غير مسلح و قد دافع عن نفسه أمام المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته قائلاً ، إن إطلاقه النار على الجريح العراقي كان بدافع الرحمة . و أردف :
- إنه كان الشيء الصواب الذي ينبغي فعله حينها
جرت هذه القصة أثناء انتفاضة النجف و الكوفة ، و النقيب المتهم هو النقيب روجر مي فولت (30 عاماً) . و يحاكم بتهمة الهجوم مع نية القتل في 21 مايو قرب الكوفة عندما أطلق رصاصتين على جريح عراقي أودتا بحياته (( ووصف روجر الذي أدلى بشهادته أمس لأول مرة مهمة فرقته والأحداث التي أدت به إلى قتل الجريح العراقي حيث قال إن فرقته كانت في دورية قرب الكوفة عندما تم إبلاغها عن سيارة اعتقد حينها أنها كانت تحمل سائقا لمقتدى الصدر فتمت مطاردة السيارة وإطلاق النار عليها مما أدى إلى جرح سائقها والراكب الذي كان معه والذي تم الإمساك به أثناء محاولته الهرب وقد تم تصوير حادثة قتل السائق عن طريق طائرة تجسس دون طيار. وأثناء إدلائه بشهادته قام المدعون بالتركيز على عدم قيام روجر بإسعاف السائق الجريح كما تقتضي التدريبات التي تلقاها لكن روجر قال إن ممرض الوحدة الرقيب توماس كاسدي أخبره أن السائق قد انتهى وأنه ليس بوسعهم فعل شيء لإنقاذه، ويظهر الشريط الذي صورته الطائرة أن السائق كان يحرك يده اليمنى قبل إطلاق الرصاصة الأولى عليه )) وكالة الأخبار العراقية 31/3/2005
http://iraq4allnews.dk/viewnews.php?id=82115
أي انه قتل الجريح العراقي تطبيقاً لمبدأ الموت الرحيم ، كما يدعي !!!
هكذا بكل بساطة عسكري لا يعرف شيئاً عن مهنة الطب ، و دون أن يقدم أية اسعافات أولية مما يعرفه عامة الناس كالضغط على مكان النزف و استدعاء سيارة إسعاف يقرر أن الحالة ميؤوس منها ثم يقرر أن يريح الجريح ......!!
بينما الأمر مختلف في حالة المرأة الأمريكية ، التي يوجد إجماع طبي على أنها حالة ميؤوس منها ، و مع احترامنا و تقديسنا للحياة البشرية إلا أنها منذ خمسة عشر عاما تشكل عبئا طبياً و نفسيا و مالياً على الأقرباء و على الجهاز الطبي . و مع ذلك تندلع ثورة سياسية و إعلامية في واشنطن و تتدخل المحاكم و الكونغرس و الرئيس و تعاد لها أنابيب التغذية كي لا تموت . أما الجريح العراقي فيقرر أمريكي عسكري لا علاقة له لا بالطب و لا بالقضاء و بشكل منفرد القضاء عليه بدعوى الموت الرحيم . ألا يحق لنا أن نسال:
- هل السيدة حصلت على كل الضمانات السابقة لأنها ذات بشرة بيضاء و عيون زرقاء ، و قبل كل ذلك هي أمريكية . في حين أن الشاب العراقي أسمر البشرة ، عسلي العينين ، و بعد كل ذلك عراقي . لذلك يحق لأي كان أن يتصرف بحياته كما يشاء . فإذا لم تكن هذه هي العنصرية فما هي إذاً ؟
أي عنصرية و أي احتقار و كراهية للآخر يحملها الأمريكي في ثناياه !!
و الأخطر من هذا إذا حدث و برأت المحكمة هذا النقيب ، أو كانت العقوبة مخففة . عند ذلك سيلتقط بعض الكتاب المارينز العرب هذا السبب ( الموت الرحيم ) و سيضعونه كسبب مقنع لغزو الدول و سيضعونه إلى جانب الديمقراطية و الإصلاح ..........
سيقولون يجب أن تغزو أمريكا البلد الفلاني كي تخلص أهله من عذاب الفقر و التخلف و المرض و ذلك بقتلهم بوسائل قتل حديثة ( سريعة ، ذكية ،......... ) . و لن تعدم من يحاجج أن هذه الشعوب لا أمل بإصلاحها أو دمقرطتها لتعيش حياة سعيدة و سوية . فلم إذاً نتركها تتعذب هذا العذاب ؟ يجب أن نجهز عليها رحمة بها ....!!
أغرب ما في الحياة الأمريكية المعاصرة هو ضياع الحدود الفاصلة بين كوابيس أفلام الرعب التي تنتجها هوليوود و بين كوابيس الحياة الواقعية التي ينتجها البنتاغون ، فلا تدري هل أنت في العالم الحقيقي أم في العالم الافتراضي .......
قبل سنوات قرأت نكتة أمريكية . تقول :
- إن رجلاً ريفياً كان يسير على طريق ضيق مع بقرته و كلبه و فجأة أتت سيارة مسرعة فصطدمت الثلاثة ، الرجل و الكلب و البقرة ، و أصابتهم إصابات بالغة . و على الفور حضر رجل الشرطة و بدأ باستجواب الرجل الجريح مكسور الساق ، الذي أخبره بما جرى :
- كنت أسير على جانب الطريق مع كلبي و بقرتي فصدمتنا هذه السيارة فجرحت الكلب و.............
قاطعه الشرطي و ذهب ليتفحص الكلب فوجده جريحاً . سحب الشرطي مسدسه على الفور ، و أجهز على الكلب بطلقة في الرأس وسط دهشة الرجل ، الذي تابع رواية قصته .
- و أما البقرة فقد كسرت ساقها ، و أنا .........
من جديد قاطعه الشرطي وذهب إلى البقرة ليتفحصها فوجد أن ساقها مكسورة لذلك لا تستطيع الحركة . و أيضاً أجهز عليها بطلقة واحدة في الرأس . و عاد إلى الرجل المصاب يطلب منه أن يتابع رواية القصة . لكن الرجل أصيب بالخرس . فاستحثه الشرطي سائلاً :
- و أنت هل أصابك شيء ؟
نهض الرجل ضاغطاً على جروحه . مكابراً على ألم ساقه المكسورة . صارخاً :
- لا لم أصب بأي أذى . أنا بأحسن حال . أرجوك أن تتركني ...........
ما زال بعض الناس لا يفهمون لم نصرخ بوجه الأمريكان :
- أرجوكم اتركونا نحن بأحسن حال
نقول هذا رغم كل جراحنا . كي لا يأتينا حل الموت الرحيم على الطريقة الأمريكية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-