الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى متى يبقى البعير على التل؟

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2013 / 2 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في خضم النهضة التعليمية التي بدأت في العراق مع بداية تأسيسه كدولة في عام 1921, وفي محاولة ناجحة جدا في وضع منهج للتعليم الابتدائي, أقدم السيد ساطع الحصري (أبو خلدون) على تأليف كتاب تعليم الأبجدية العربية للصف الأول الأبتدائي أسماه (القراءة العربية) والذي اشتهر ب (القراءة الخلدونية). كانت القراءة الخلدونية ثورة في طرائق التعليم, اذ كانت تعتمد على التلقين المقطعي دون الألتزام بتسلسل الحروف الأبجدية او الهجائية، فيما جرى أقحام حرف في كل درس جرى ابرازه بلون أحمر لتمييزه في وقت لم تكن الكتابة ملونة, وكانت الصور ملونة أيضا ومشوقة للتلميذ حتى تربى على القراءة الخلدونية جيل عد بلا ريب جيل النهضة في العراق. وما ساعد في أن تكون القراءة الخلدونية كتابا للنهضة هو انتهاج الحصري للفكر العلماني الذي كان رائجا آنذاك وبمباركة الملك الأول في العراق (فيصل الأول) حيث لم يعر أبو خلدون أي اهتمام للتربية الدينية في قراءته فكان ذلك ماساعد على انتهاج شئ من الانفتاح الفكري في جيل مابعد الخلدونية، الا ماشاب ذلك من التعصب القومي بسبب التنظير الفكري للحصري في القومية العربية والصحوة القومية في اوربا والتي تأسست على أعتابها الدول القومية والتي آلت في النهاية الى بروز المانيا النازية وسقوط الفكر القومي التعصبي بضياع جثة هتلر. لقد احتوت القراءة الخلدونية فيما احتوت في مقاطعها ما ترسخ في أذهان الناس من كلمات وجمل كانت قد أتخذت للنبز, اذ كل من كان اسمه (نوري) لقب ب (زوزو) فيما تغنى الأطفال ببعضها حيث أضافوا عليها وقالوا (دار دور دخو وگع بالتنور)، ولكن الجملة الأهم والتي استحالت الى (مثل) يضرب عند العراقيين هو السؤال المحير (الى متى يبقى البعیر علی التل؟). كان هذا السؤال ضمن الدرس الذي يتعلق بتعليم الهمزة المقصورة (ى) فجاء الدرس كالآتي: "مرعى .. مرعى .. يرعى الراعي .. الى متى يبقى البعير على التل .. يبقى البعير على التل الى المساء .. سلمى طوت ردائي". ولعل ماأثار السؤال في اذهان الناس بأن الذي يسأل عنه هو البعير, ويعد البعير عند العراقيين كناية للأبله مثلما يعد الحمار (المطي) كناية للبليد. وهنالك بعدان مهمان في السؤال, المكاني وهو (التل) والزماني وهو (المساء), والتل عند العراقيين غالبا ما يطلق على التلال من بقايا آثار الأقدمين, وهو اسم مذكر, فيما أطلقوا على التل الصغير (تلة) وهو أسم مؤنث, ولذلك لايوجد في عرف البدو العراقيين تل تصعد عليه البعران لتبقى الى المساء, ولكنهم أسموا التلال الرملية ب (الطعوس) ومفردها (طعس), ولكن البعد الرمزي للتل هو القمة ومنها رأس السلطة أيضا. أما المساء فهو مقدمة للظلمة والتي شبه العراقيون فترات الظلم والقهر والجور بها وقالوا عنها (فترات مظلمة). لقد قيس السؤال عند العراقيين مثلا يضرب في مجالات مختلفة أهمها السياسة، الى أن طالت أعتى دكتاتور في العراق (صدام حسين) فألغى السؤال من القراءة الخلدونية في عام 1979 حيث كان قد ابتدأ رئاسته للجمهورية وكأنه يدري ما سوف يلاحقه من سؤال وهو الذي نوى أن يورث العراق وما عليه لأحفاد أحفاده في تطبيق منه لمبادئه في الحرية والاشتراكية التي تربى عليها! ان المهم في سؤال ابن خلدون الذي نطقت به الأجيال هو (نبوءته) في بقاء البعير الى المساء. لقد دخل العراقيون في المساء حين ابتدأت الحرب العراقية الايرانية في عام 1980, فيما بدأت ظلمة مغبرة عاتية بعد عام 1991 مع بدء الحصار الاقتصادي الذي آذى العراقيين بشكل يندى له جبين البشرية خجلا, وكان الكل ينتظر انبلاج فجر جديد ليس فيه بعير على التل تفاديا لمساء قادم, ولكن الليل طال, فقد ظهرت بعران جديدة اسمها (الدستور) و(الديمقراطية) و (البرلمان) وألف بعير من الرجال! وتقاذف المتقاذفون في سؤال بعضهم، الى متى يبقى التناحر الطائفي؟، الی متی تبقی القاعده‌ تفجر وتقتل؟، الی متی تبقی خشوف البعیر المغادر تصأل خبثا؟ الى متى تبقی آمال العراقيين تباع وتشترى تحت قبة البرلمان؟ الی متی تنوح أم العراقیین؟ الى متى يبقى التيار الكهربائي غائبا؟ الى متى يبقى ماءنا عكرا مالحا؟ عسی أن ینتهی المساء ویأتی فجر جدید لیس فیه بعیر علی التل. اللهم آمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ العزيز بهروز
جمشيد ابراهيم ( 2013 / 2 / 18 - 10:29 )
و في الالمانية يقال احيانا
alte kamellen
بمعنى مسائل او اخبار عاف عليها الزمن بالانجليزية
stale news
ليست لها علاقة بالبعير ما عدا اللفظ
لان كلمة
kamellen
التي تشبه كلمة الجمل في اللفظ تشير اما الى نوع السكريات او براعم ورد قديمة
فالبعير كما ترى يبقى على التل اينما تذهب لان الصورة المجازية لهذه المقولة قوية و غريبة من حيث المكان فالاوربي احيانا يعتبر كل شرقي حتى اذا ولد في جبال كردستان بـ
camel driver
يقال دبلوماسي سعودي في لندن وجد على سيارته حروف
CD corp diplomatique
و عندما استفسر عن المعنى قالوا له
camel driver
بدل السلك البلوماسي تحياتي الاخوية واعتذاري للخروج عن الموضوع


2 - أخي جمشيد المحترم
بهروز الجاف ( 2013 / 2 / 18 - 17:33 )
بل أنت في صلب الموضوع، فالكرد في خراسان، من قبيلة قهرمانلو، مازالوا يستخدمون البعير (الجمل camel) ذو السنامين، هو بعير جبلي وينطبق عليه السؤال، فهو بارع في تسلق الجبال وليس التلال فحسب، كان على ابو خلدون أن يضع صورة جمل بسنامين، ولكن السؤال يبقى محيرا أيضا.. الى متى يبقى على التل؟ مع امنياتي.


3 - عشب ~ ماء ~ ناقة
نور ساطع ( 2013 / 2 / 18 - 18:39 )


الى متى يبقى البعير فوق التل؟

إلى ان نجلب له العشب الأخضر والماء العذب ثم الناقة!

حتى ينزل من التل!!!



4 - الى نور ساطع
بهروز الجاف ( 2013 / 2 / 19 - 11:49 )
أولا أتمنى ان يكون نورك ساطعا، وثانيا أقول بأن البعير صعد الى التل لكي يأكل عشبا أخضر، ولكن لاماء فوق التل، فالتل ليس بالجنائن المعلقة، والبعير صابر جدا ويتحمل العطش والجوع، فهو ياكل الشوك والعاقول و الشفلح، وما أدراك مالشفلح (نبات القبار أو الكبار أو الكبر). والبعير ليس كصاحبه، فهو أبي النفس وشهم، فان رآه أحد اثناء التزاوج مع الناقة، غضب وثار وانتقم لشرفه من الناظر اليه. البعير ودود وخلوق وصبور وخدوم ومنتج ولكنه في نظرنا (بعير) فأنزلنا من منزلته حين شبهناه بالحاكم المستبد، وعلى البعير أن ينأى بنفسه عن التلال للحفاظ على سمعته. مع تحياتي.

اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-