الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوبى سلمان الجبوري.. شكرا محمد حسين آل ياسين

حسين رشيد

2013 / 2 / 18
الادب والفن


(1)

ربما هو قدر المثقف العراقي الحقيقي ان ينال هذا الجفاء من قبل المؤسسة الثقافية اولا ممثلة بوزارة الثقافة، ومن قبل السلطة الحكومية ثانيا. ها هم المثقفون العراقيوان يتساقطون موتى واحدا تلو الاخر، بعد صراع مرير ومؤلم مع المرض. من غير سائل ولا مجيب لنداءات الاستغاثة التي يطلقها او تطلق من قبل اتحاد الادباء والكتاب في العراق او من قبل اصدقائهم الادباء، عبر الصحف والفضائيات او عبر المواقع الالكتروني او مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. قد يكون شهر كانون الاول من العام 2012 قاسيا جدا وهو يودعنا، اذ خطف منا ثلاثة شعراء كبار، اولهم الشاعر سلمان الجبوري، من ثم الشاعر محمد الغبان، لتكون الخاتمة مع الشاعر محمد علي الخفاجي، الذي عانى الامرين من عبء المرض والتهجير وتوقف مرتبه التقاعدي، ورغم كل المناشدات والدعوات لعلاجه، لكن احدا لم يسأل او يتنبه لذلك على المستوى الحكومي او المؤسساتي، لكنهم تواجدوا بشكل كبير في جنازته التي شيعت من مقر اتحاد الادباء والكتاب في العراق.

ومن مؤلمات الثقافة العراقية، ان يمر موت الشاعر سلمان الجبوري، مرور الكرام. وحتى وسائل الاعلام لم تعط للخبر اهمية او اهتماما يستحقه الشاعر، الذي عانى من التهميش والمحاربة من قبل مدراء المحاصصة الثقافية، والذين لازالوا في طور المراهقة والصبينة في الحياة الثقافية. لكن رغم كل ذلك ظل الفقيد الشاعر ورئيس تحرير مجلة الاقلام سلمان الجبوري، نخلة عراقية ادبية باسقة، حتى في ايام مرضه الاخيرة، ورحيله المؤلم المفجع.

والشاعر سلمان الجبوري الذي يعد واحدا من شعراء الحقبة الضائعة ما بين الرواد والجيل الستيني، بدأ كتابة الشعر في محاولاته الأولى بعد الدراسة الابتدائية، من ثم بدأ النشر في الصحف بعد الدراسة المتوسطة، صدرت له مجموعة شعرية مشتركة في عام 1959، ومجموعة اولى طبعت في عام 1962 بعنوان "قصائد من القلب"، وثانية "ملامح من العصر المتكبر" عام 1971، ليتخذ الصمت موقفا له ضد سياسية النظام البعثي حتى سقوطه عام 2003. عام 2004، شهد عودة للجبوري، فنشر مجموعة شعرية بعنوان "حلم في مرآة مهشمة"، وأتبعها بمجموعتين شعريتين عام 2007 هما "الغابة العذراء، غيوم برتقالية". ومجموعته الاخيرة "للقصب ألف حنجرة".

(2)

في بداية عام 2012 عقد نادي الشعر جلسة احتفائية للشاعر الفقيد، تحدث فيها عن، تربيته، ونشأته، وبدايته الادبية والشعرية، وبعض محطات حياته المختلفة، الجلسة كانت حافلة بالمداخلات النقدية، التي اثنت بشكل كبير على منجز الشاعر الابداعي. كما كانت حافلة بالمداخلات الشخصية والتاريخية، ومنها مداخلة الشاعر محمد حسين آل ياسين عن معرفته وعلاقته بالشاعر سلمان الجبوري. كنت في وقتها قد استاذنته بنشر هذه الشهادة القيمة، وقد رحب كثيرا بالامر، اجد الان فرصة مناسبة لنشرها.

يقول الشاعر محمد حسين آل ياسين ومن على منصة اتحاد الادباء والكتاب في العراق: في احد ايام الصيف في اوائل السبعينيات، كنت واقفا في شارع السعدون على ما اذكر، انتظر سيارة توصلني الى بيتي، اوقفت سيارة تاكسي، وبعد التحية والسلام، اخذنا نتبادل اطراف الحديث، والذي فاجأني ان سائق التاكسي ملم بالبحور والاوازن الشعرية، ومطلع على المشهد الثقافي والشعري بشكل واسع، ويعرف كل الشعراء، الامر الذي افرحني وسرني كثيرا، حتى اني تحدثت عن الامر في البيت ومع بعض الاصدقاء. منذ ذاك الحين وصورة السائق والحدث لم يفارقاني ابدا، ومرت الايام والسنين تلو السنين، وبعد عام 2003، ونحن نعد للسفر الى مهرجان المربد الاول، وفي غرفة الامين العام لاتحاد الادباء الاستاذ الفريد سمعان، تقدم نحوي رجل، قريب لعمري، بشوش، وحياني مصافحا بقوة، بادلته التحية، وبعد قليل سالني، اين التقينا. سرحت بذاكراتي طويلا، لكني لم اذكر، طلبت منه ان يذكرني، ما ان ذكر اسم التاكسي وظهيرة الصيف، استعدت الحدث بكامله، حينها عرفت ان سائق التاكسي هو شاعر فضل الابتعاد عن كل الاضواء والبهرجة والمهرجانات والنشر، واكتفى ان يعمل سائق تاكسي، ليكون بعيدا عن التطبيل والتزمير والدخول في فك النظام. تحية للشاعرنا سلمان الجبوري، وشكرا لنادي الشعر ولاتحاد الادباء على الاحتفاء بهكذا شاعر.

(3)

كان حديث آل ياسين مختلطا بالحزن والشجاعة والمواجهة، وما ان نزل من المنصة حتى قوبل بالتصفيق الحار والتحايا، وبعد انتهاء الجلسة، قدم الحضور التحايا والتهاني لسلمان الجبوري على موقفه هذا، ولمحمد حسين آل ياسين لشجاعته وتفانيه في تقديم مثل هكذا شهادة شجاعة نفتقدها في وسطنا الادبي والثقافي.

مثل هكذا شاعر وهكذا موقف يحسد عليه، الا يستحق وقفة تقدير واجلال واحترام، وان تفرد له الصحف اليومية صفحات خاصة به، الا يستحق ان تقام لها احتفالية خاصة في اربعينيته المرتقبة، الا يستحق ان يكون شخصية المربد المقبل المحتفى به، او ان تسمى الدورة باسمه، كذلك الحال مع مهرجان الجواهراي. ربما هي فرصة مناسبة ليكون الشاعر الفقيد سلمان الجبوري نبراسا للاجيال الشعرية والادبية المقبل. حيث نأى بنفسه بعيدا عن حبال السلطة واغراءتها وبهرجتها وامتيازاتها التي سال لها لعاب الكثير من الشعراء والادباء ليدخلوا بين فكي شيطانه بارادتهم واصرارهم، الا البعض منهم من كان مجبرا بشكل قسري، ولاسباب عدة، نتمنى منهم ايضاحه وكشفه، لاجل التاريخ. ولاجل احقاق الحق وكشف بعض المستور الثقافي والادبي عن تلك الحقبة. طوبى للفقيد الشاعر سلمان الجبوري، وشكرا للشاعر محمد حسين آل ياسين. وشكرا لهما لانهما سمحا لي بكتابة وتوثيق ما حدث.
(1)

ربما هو قدر المثقف العراقي الحقيقي ان ينال هذا الجفاء من قبل المؤسسة الثقافية اولا ممثلة بوزارة الثقافة، ومن قبل السلطة الحكومية ثانيا. ها هم المثقفون العراقيوان يتساقطون موتى واحدا تلو الاخر، بعد صراع مرير ومؤلم مع المرض. من غير سائل ولا مجيب لنداءات الاستغاثة التي يطلقها او تطلق من قبل اتحاد الادباء والكتاب في العراق او من قبل اصدقائهم الادباء، عبر الصحف والفضائيات او عبر المواقع الالكتروني او مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. قد يكون شهر كانون الاول من العام 2012 قاسيا جدا وهو يودعنا، اذ خطف منا ثلاثة شعراء كبار، اولهم الشاعر سلمان الجبوري، من ثم الشاعر محمد الغبان، لتكون الخاتمة مع الشاعر محمد علي الخفاجي، الذي عانى الامرين من عبء المرض والتهجير وتوقف مرتبه التقاعدي، ورغم كل المناشدات والدعوات لعلاجه، لكن احدا لم يسأل او يتنبه لذلك على المستوى الحكومي او المؤسساتي، لكنهم تواجدوا بشكل كبير في جنازته التي شيعت من مقر اتحاد الادباء والكتاب في العراق.

ومن مؤلمات الثقافة العراقية، ان يمر موت الشاعر سلمان الجبوري، مرور الكرام. وحتى وسائل الاعلام لم تعط للخبر اهمية او اهتماما يستحقه الشاعر، الذي عانى من التهميش والمحاربة من قبل مدراء المحاصصة الثقافية، والذين لازالوا في طور المراهقة والصبينة في الحياة الثقافية. لكن رغم كل ذلك ظل الفقيد الشاعر ورئيس تحرير مجلة الاقلام سلمان الجبوري، نخلة عراقية ادبية باسقة، حتى في ايام مرضه الاخيرة، ورحيله المؤلم المفجع.

والشاعر سلمان الجبوري الذي يعد واحدا من شعراء الحقبة الضائعة ما بين الرواد والجيل الستيني، بدأ كتابة الشعر في محاولاته الأولى بعد الدراسة الابتدائية، من ثم بدأ النشر في الصحف بعد الدراسة المتوسطة، صدرت له مجموعة شعرية مشتركة في عام 1959، ومجموعة اولى طبعت في عام 1962 بعنوان "قصائد من القلب"، وثانية "ملامح من العصر المتكبر" عام 1971، ليتخذ الصمت موقفا له ضد سياسية النظام البعثي حتى سقوطه عام 2003. عام 2004، شهد عودة للجبوري، فنشر مجموعة شعرية بعنوان "حلم في مرآة مهشمة"، وأتبعها بمجموعتين شعريتين عام 2007 هما "الغابة العذراء، غيوم برتقالية". ومجموعته الاخيرة "للقصب ألف حنجرة".

(2)

في بداية عام 2012 عقد نادي الشعر جلسة احتفائية للشاعر الفقيد، تحدث فيها عن، تربيته، ونشأته، وبدايته الادبية والشعرية، وبعض محطات حياته المختلفة، الجلسة كانت حافلة بالمداخلات النقدية، التي اثنت بشكل كبير على منجز الشاعر الابداعي. كما كانت حافلة بالمداخلات الشخصية والتاريخية، ومنها مداخلة الشاعر محمد حسين آل ياسين عن معرفته وعلاقته بالشاعر سلمان الجبوري. كنت في وقتها قد استاذنته بنشر هذه الشهادة القيمة، وقد رحب كثيرا بالامر، اجد الان فرصة مناسبة لنشرها.

يقول الشاعر محمد حسين آل ياسين ومن على منصة اتحاد الادباء والكتاب في العراق: في احد ايام الصيف في اوائل السبعينيات، كنت واقفا في شارع السعدون على ما اذكر، انتظر سيارة توصلني الى بيتي، اوقفت سيارة تاكسي، وبعد التحية والسلام، اخذنا نتبادل اطراف الحديث، والذي فاجأني ان سائق التاكسي ملم بالبحور والاوازن الشعرية، ومطلع على المشهد الثقافي والشعري بشكل واسع، ويعرف كل الشعراء، الامر الذي افرحني وسرني كثيرا، حتى اني تحدثت عن الامر في البيت ومع بعض الاصدقاء. منذ ذاك الحين وصورة السائق والحدث لم يفارقاني ابدا، ومرت الايام والسنين تلو السنين، وبعد عام 2003، ونحن نعد للسفر الى مهرجان المربد الاول، وفي غرفة الامين العام لاتحاد الادباء الاستاذ الفريد سمعان، تقدم نحوي رجل، قريب لعمري، بشوش، وحياني مصافحا بقوة، بادلته التحية، وبعد قليل سالني، اين التقينا. سرحت بذاكراتي طويلا، لكني لم اذكر، طلبت منه ان يذكرني، ما ان ذكر اسم التاكسي وظهيرة الصيف، استعدت الحدث بكامله، حينها عرفت ان سائق التاكسي هو شاعر فضل الابتعاد عن كل الاضواء والبهرجة والمهرجانات والنشر، واكتفى ان يعمل سائق تاكسي، ليكون بعيدا عن التطبيل والتزمير والدخول في فك النظام. تحية للشاعرنا سلمان الجبوري، وشكرا لنادي الشعر ولاتحاد الادباء على الاحتفاء بهكذا شاعر.

(3)

كان حديث آل ياسين مختلطا بالحزن والشجاعة والمواجهة، وما ان نزل من المنصة حتى قوبل بالتصفيق الحار والتحايا، وبعد انتهاء الجلسة، قدم الحضور التحايا والتهاني لسلمان الجبوري على موقفه هذا، ولمحمد حسين آل ياسين لشجاعته وتفانيه في تقديم مثل هكذا شهادة شجاعة نفتقدها في وسطنا الادبي والثقافي.

مثل هكذا شاعر وهكذا موقف يحسد عليه، الا يستحق وقفة تقدير واجلال واحترام، وان تفرد له الصحف اليومية صفحات خاصة به، الا يستحق ان تقام لها احتفالية خاصة في اربعينيته المرتقبة، الا يستحق ان يكون شخصية المربد المقبل المحتفى به، او ان تسمى الدورة باسمه، كذلك الحال مع مهرجان الجواهراي. ربما هي فرصة مناسبة ليكون الشاعر الفقيد سلمان الجبوري نبراسا للاجيال الشعرية والادبية المقبل. حيث نأى بنفسه بعيدا عن حبال السلطة واغراءتها وبهرجتها وامتيازاتها التي سال لها لعاب الكثير من الشعراء والادباء ليدخلوا بين فكي شيطانه بارادتهم واصرارهم، الا البعض منهم من كان مجبرا بشكل قسري، ولاسباب عدة، نتمنى منهم ايضاحه وكشفه، لاجل التاريخ. ولاجل احقاق الحق وكشف بعض المستور الثقافي والادبي عن تلك الحقبة. طوبى للفقيد الشاعر سلمان الجبوري، وشكرا للشاعر محمد حسين آل ياسين. وشكرا لهما لانهما سمحا لي بكتابة وتوثيق ما حدث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي