الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النكات والتحرش
عائشة خليل
2013 / 2 / 18ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
تتعرض الفتيات المصريات للتحرش الفردي والجماعي بصورة باتت تشكل ظاهرة لا تنجو منها إلا القليلات. وأصبحت هذه الظاهرة المؤلمة جزءا من الحياة اليومية للفتيات في مختلف أنحاء القطر المصري وبالذات في المدن الكبرى. وزاد الحديث الجريء عنها في الآونة الأخيرة ابتداء من فيلم ٦٧٨ مرورًا بوقفات الناشطات والناشطين ضد التحرش، إلى التوثيق الذي تقوم به مؤسسة نظرة، وعروض "بصي" إلى نشاطات متطوعي مجموعة ضد التحرش، وغيرها الكثير والكثير من الحراك الاجتماعي الذي نشط في الآونة الأخيرة والذي يرى في التحرش آفة اجتماعية يجب اقتلاعها من جذورها.
وكل هذه جهود محمودة علينا أن نحتفي بها ونؤازرها ونعاضدها. ولكنني أرغب اليوم في التحدث عن التحرش في بنية التفكير الذكوري، وفي كونه حلقة متصلة علينا - إن كنا نبغي القضاء عليها - ملاحقتها في بنية المنظومة الفكرية لدينا. فلا معنى لأن نتجاهل الأوجه التي تبدو أكثر سلمية في أحاديثنا إن كنا نقف ضد التحرش. فمثلا يمكننا النظر إلى النكات الموجهة إلى جسد المرأة كالبذرة الأولى للتحرش. ولن نستطيع بناء مجتمع خالٍ من التحرش إذا تسامحنا مع تلك النكات التي تسفه المرأة وتشيئها. فتلك النكات بذور تروى في العقول المريضة وتتطور فتنمو إلى أن تصير نظرات متفحصة لجسد المرأة ومنها إلى أقوال جارحة، وتتطور إلى معاكسات لفظية بذيئة، وتشتد وتقوى إلى أن تصبح لمسا، فهتك عرض واغتصاب. فيتحول ما بدأ كمداعبة بريئة إلى تعدٍ وحشي يترك ندبة دائمًا في حياة الفتاة المنتهكة.
تشئي النكات الجنسية المرأة وتختزلها في جسد يصبح مثار رغبة. وأخطر ما في الأمر أننا نزرع تلك البذرة الخبيثة ونغلفها بغلاف من المرح، فيتقبلها العقل بدون تمحيص. وإن توقف عندها البعض، فقد يرد عليهم بالاستخفاف بدعوة أنها "مجرد دعابة" ولا يجب أن تأخذ على أكبر مما تحتمل. والسؤال عن علاقة الدعابة بالتحرش مشروع، والإجابة البسيطة عليه: بنية التفكير. يستخدم الأشخاص النكات والدعابة من أجل تشكيل وتطوير، ومن ثَمَّ تعليم الأدوار المرسومة اجتماعيًا عن الجنس. ومن خلال الدعابة يتعلم النشء أن الأنثى مجرد جسد، مفعول به وليس فاعلا، وبالتالي بلا إرادة، وبما أن الخيال الاجتماعي يرسم الأنثى على أنها ضعيفة (بل وعديمة) التفكير فإن الدعابة التي تشيئها تجد لها أرضا خصبة عند المتلقي. ومن خلال الدعابة يتنصر صوت الرجل ويصور جسد المرأة على أنه حاضر دائمًا لخدمة الرجل. والخطر الكامن في الدعابة هو كونها "مجرد دعابة" بمعنى أنه بإمكان قائلها أن يتراجع عنها إذا لم يجد استقبالا طيبًا لها، فيستطيع من خلال الدعابة تمرير أفكار لن يكون باستطاعته قولها بلغة جادة أو مباشرة. وبمعنى آخر يمكن لقائلها التنصل من أقواله (وحفظ ماء وجه) إذا جوبه بمعارضة تكشف المعنى العميق لتداعيات "دعابته". وبما أن الإناث يعشن في مجتمعات بطريركية يسيطر فيها الذكور على المؤسسات (مثل المجالس التشريعية، والجامعات) التي تفرز الخطاب المسيطر فإنهن يعشن ابتداء في ظل هيمنة ذكورية لا تحتجن فيها إلى المزيد من السيطرة التي تأتي عن طريق الدعابة تشيئ أجسادهن. ذلك أنهن قد يتقبلن ذهنيًا تلك الصور المهينة، بحيث تصبح جزءًا لا يتجزأ من صورتهن الذهنية عن ذواتهن. فالتعليقات التي تتلقاها الفتاة في الشارع ما هي إلا تأكيد لما تتلقاه من الخطاب المسيطر عن ضآلة شأنها مقارنة بالفتيان، وتعمل تلك التعليقات على إحراج الفتاة من خلال تذكيرها المستمر بذلك. وعندما تتعرض بعد ذلك لاعتداء بدني تكون أكثر تقبلا لفكرة أنها قد أخطأت بشكل ما لكونها في المجال العام. ولذا فقد تخفى ما تعرضت له عن أقرب الناس إليها، بل وتعمل على تناسي التجربة المؤلمة والأليمة ليقينها البالغ أن المجتمع يلوم الضحية ويبرئ الجاني.
وما دفعني ابتداء لكتابة هذه الأسطر هو تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نكات تشيئ المرأة وتطبع التعليقات على الفتيات في الشوارع. وتعجبت من ازدواجية المعايير لدى هؤلاء الذين يدافعون عن الناشطات السياسيات بكل عزم وقوة، ولكنهم لا يرون غضاضة في تداول نكات تشيئ المرأة. فرأيت أن بنى التفكير لدينا بحاجة إلى مراجعة كي نتمكن - على سبيل المثال - من رؤية الارتباط بين النكات وبين الانتهاكات التي تقع على أجساد النساء في الأماكن العامة. فالمبادئ لا تتجزأ.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تحرش الرجل عملي وتحرش المرأة نظري خيالي
ليندا كبرييل
(
2013 / 2 / 19 - 07:17
)
عزيزتي الأستاذة عائشة خليل المحترمة
أرجو ألا يفوتك عزيزتي أن المرأة كالرجل تماماً تتداول النكات البذيئة في مجالسها بين الصديقات
وكما افترضتِ أن النكات بذور تروى في العقول المريضة فتنمو إلى أن تصير نظرات متفحصة لجسد المرأة
فإن المرأة ذات العقل المريض أيضاً تنمو في عقلها تلك البذور إلى أن تصير نظرات شبقة من وراء النقاب
فإذا كان مسموحاً للرجل في مجتمعنا المريض( بأكمله) أن يتطور الأمر لديه إلى أقوال جارحة ومعاكسات بذيئة واغتصاب، فإن المرأة المحجور عليها يتطور الأمر لديها في خيالها المريض فتتصور كل ما ذكرتِه عن الرجل جارياً في مخيلتها أو في أحلام يقظتها
الرجل ذو العقل المريض تربيته ناقصة، في البيت ، في المدرسة، في المجتمع
لا نستطيع تربية الرجل أو المرأة قبل أن نصلح ثقافة هذا المجتمع الناقصة
أشعر باشمئزاز شديد من النكات الجنسية ، ولا أستطيع تقبلها نهائياً، فإن أجبِرتُ على سماعها في مجلس لا يمكنني الفكاك منه، صرفت تفكيري إلى شيء آخر
بنية التفكير: كما تفضلت
هذه هي النقطة الأساسية في الأمر
لكنها تشمل الجنسين معا
وكما المرأة ضحية الرجل الناقص فهو أيضاً ضحية مجتمع وثقافة أكثر نقصا
احترامي لك
.. أريزونا تصوت على تعديل في دستور الولاية بشأن الإجهاض
.. -سنقاوم مهما كان الثمن-
.. الرجال أم النساء، من سيلعب الدور الأكبر في تحديد نتائج الانت
.. إعادة هيكلة العصرانية الديمقراطية... محور ندوة حوارية في الر
.. الناشطة ومنسقة المشروع جميلة حسون