الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اماكن لها في القلب اماكن!!

يوسف نبيل جزراوي

2013 / 2 / 18
الادب والفن


اماكن لها في القلب اماكن!!
الأب يوسف جزراوي/سيدني
ليواردن Leeuwarden مدينة هولندية، قد يعجز القلم عن وصف جمالها.هي عاصمة مقاطعة فريزلان Fryslan ، في هذه المدينة وغيرها من مدن المقاطعة تسود اللغة الفريزية علاوة إلى اللغة الهولندية. إنها مدينة الأمل، مناظرها ومسطحاتها المائية تُبهج القلب فتتفتح بصائرك وتثيرك لمشاهدة مفاتن هذه المدينة. تشدك طبيعتها، ومركزها التجاري (السنتر). تحلو لك الإقامة هناك، لاسيما حينما تتأمل المسطحات المائية، وتجذبك الفرق الموسيقية التي تطرب الناس الجالسين في المقاعد الخارجية للمطاعم، ومن دون سابق إشارة ترى مجموعة من الناس قد شكلوا دائرة واعتلت اياديهم اكتاف بعضهم البعض وراحو يرقصون رقصتهم الفلكلورية بزيهم الشعبي وهم يسعدون الحضور المجتمع في المطاعم او الجالسين على جسور المشاة المائية مستذوقين مشروباتهم الكحولية التي تتالف مع فرحتهم، وتشعر وكأنك في مظاهرة فرح! وقد تتلقى دعوة للرقص ليشاركوك بهجتهم. وأنت تتأمل هذه المناظر يتعمق لديك شعور حبّ الحياة، وتدرك كم الإنسان جميل، وكم الحياة رائعة حينما تحيا مع أناس يمتازون بسمو حسهم الإنساني.... وتستيقظ من تأملاتك حينما ينتهي العازفون من العزف لغرض الإستراحة. تتطلع إلى الساعة، ترى أن الوقت قد داهمك فتقودك قدميك إلى نافورة جميلة تنثر المياه بشكل لطيف ومريح للنظر، تجلس حولها للإسترحاء، فيبادر اليك الجالس بجوارك باسئلة تقليدية في محاولة لتبادل اطراف الحديث أو التعارف:" الطقس جميل، كيف حالك، كم الوقت الآن، أ أنت تسكن المدينة، هل تحتاج إلى المساعدة؟". هذه الأسئلة جزءً من الحياة اليومية. وقد ينصحك صديق لك يقيم في المدينة بأن تستأجر يختًا بـ (120) ايرو ثمنًا للمنام والطعام والشراب فتقضي الليل على سطح الماء وأنت تتمتع بضوء الشموع، وجمال الليل وضياء القمر وموسيقى المياه.... وتمر الساعات وكأنها دقائق، تتناول عشائك وتكتفي بقدح من البيرة التي تتألف مع تأملاتك وكتاباتك وأنت تدون هذه الخبرة الجديدة والغريبة وقد تصبح مدمنًا على تكرارها....لما تشاهده من مناظر جميلة واحاسيس غريبة تُعزز فيك القدرة على الهدوء والسلام والأسترخاء. تخرج من باب غرفتك الصغيرة فيطالعك النهر في ليل هادئ، مُضيء، وتلامسك انسام الهواء النقي، فتأخذ شهيقًا، وتفتح الذراعين بل الذات باكملها وتقول: ما أجمل الحياة ....وتهمس شكرًا يا ربّ على هذه النعمة العظيمة؛ نعمة الحياة.
ولا ابخل عليك عزيزي القارئ في اصطحابك إلى مدينة خرونيكن Groningen الهولندية، حيث الجامعة العريقة، والبناء الشاهق، والازقة القديمة، ومحلات الانتيكات، فتجد هناك كل ما يخطر ببالك من إنتيكات واشياء عتيقة. ثم يصادفك السوق الشعبي الذي يفتح كل يوم، ولكن يوم الخميس له مذاق ونكهة خاصة، فالأسعار رخيصة، والبضائع في غاية الجودة، وتجمهر الناس يطرب روحك، لاسيما حينما تجد رسامًا قد التف حوله الناس وهو يرسم رائعته الفنية، ويستقبلك رسام آخر بكلمة Hi وبإبتسامة صادقة عفوية يعرض عليك رسم صورتك او اية صورة تريدها بالقلم الأسود بمبلغ قدره 15 ايرو... ثم تسير قليلاً لتجد فتاة شقراء تعج بالجمال تعزف على آلتها العتيقة الكمان او الكيتار وقد وضعت امامها على الارض قبعتها لترمي فيها ما تجود به يداك. ثم تطالعك الكنائس وتقف مندهشًا امام عظمة العمران وتدخل للزيارة والصلاة وترى نفسك وكانك في عالم اخر..، عالم جعلك اخصب إنسانية وروحانية. وتسحرك الورود المغروسة في الحدائق المتنوعة الالوان والنباتات المفروشة على الطرقات ويثير انتباهك النظافة واحترام القانون!
جمال هذه المدينة بحيوية سكانها وبجمال الحدائق وسحر طبيعتها والأماكن الخلابة والمركز التجاري (السنتر) والجداول المائية، اما عن لطف السكان فيطول الحديث عنه، وكيف لا يطول وهي مدينة الشبان القادمين من مختلف مدن هولندا بل من مختلف دول العالم لغرض الدراسة؛ إنها مدينة إلتقاء الحضارات. وقد تستوقفك معزوفة موسيقية تأتيك من الازقة، ويدهشك منظر الشبان الذين تجمعوا امام المكتبة أو في داخلها لغرض شراء الكتب أو المطالعة. وتلتفت إلى اليمين لتلمح عيناك طوابير بشرية امام شباك تذاكر السينما، وتطالعك الإعلانات...وترى المطاعم مليئة بالناس والفرح والطمأنينة عنوانًا لحياتهم، وإذا جلست لتتناول وجبة الطعام فلابد أن يبادلك اطراف الحديث احد الجالسين لاسيما إذا كنت تتكلم الهولندية او الإنكليزية، حينها ستدرك الإنفتاح وحسن الإستقبال وعمق المساحات الفكرية والانسانية لدى هذا الشعب العظيم. تغادر المطعم وقد ملأت فكرك قبل بطنك. تواصل رحلتك الممتعة بحيوية، فتجد مجموعة من الأطفال قد تجمعوا ليستمعوا إلى اشهر المعزوفات الموسيقية، وقد تتعكر صفوتك وينقطع مسلسل تاملاتك حينما تقودك المقارنة للتساؤل: كيف اهالي الأطفال في الغرب يحثون صغارهم على الإستماع إلى الموسيقى وتعلم الفنون والعزف ورقص الباليه ومطالعة الكتب، لينمون ذائقتهم الفنية والثقافية، ونحن نشتري لأولادنا الالعاب (مسدس، سيف، دبابة، بندقية....) فننمي فيهم العنف!!
وتعود إلى صفوتك حينما تصادفك العمارات والبيوت الأثرية، وتمتع نظرك بالنظر إلى برج مارتيني الشهير. تستمر في التسكع وانت في حيرة من امرك إلى اين تنظر، فالجمال يحيط بك من كل أتجاه وزاوية، وتحدق يسارًا لتشاهد القوارب المائية. وقد تفاجئ باوركسترا تعزف موسيقى موزارد، موسيقى تعكس واجهة المدينة الحضارية.
ويظل اعظم ما في مدينة خرونيكن بل في هولندا باكملها هو إنسانية الإنسان وتنوع الفعاليات الثقافية، فالفن يطل عليك من كل الأزقة، والإبتسامات والغنى الإنساني تلمسه في العمل والشارع والمطعم والأسواق والجامعة ودور الأوبرا وفي كل مكان. إنهم شعب في غاية الإنسانية والرقي.
حدائق وطبيعة خلابة، وجامعة عريقة ومكتبات كبيرة، موسيقى وعازفين، مناظر ساحرة وعمران اثري....مناظر مُمتعة تحاصر انظارك اينما ما ذهبت.... هذه كلها تترك أثرها الإيجابي في نفسك لينعكس صدها على شخصيتك وتكوينك الثقافي والإنساني.
وقد تعجز عن الوصف حينما تتأمل قدم وعراقة محطة القطار التي بنيت سنة 1896، فتستوقفك جدرانها العتيقة ذات اللون الرماني.... تذهب إلى شباك التذاكر لتقطع تذكرة القطار، واذا لم يكن لديك بطاقة التخفيض فلا عجب أن رأيت أحدهم يعرض عليك بطاقته ويقدمها لقاطع التذاكر فتحصل بفضل هذه المساعدة على تخفيض 40/ بالمئة من ثمن التذكرة، لأن هذه البطاقة تخول صاحبها باصحطاب ثلاثة اشخاص معه وتشملهم بالتخفيض أيضًا. وتستقل القطار لتعود إلى محل اقامتك، فتجد معظم الهولنديين قد وضعوا الهيتفون في اذانهم، وهم منهمكون في مطالعة مجلة، كتاب، اوراق عمل.... وتلمع في ذاكرتك صورًا عن ابناء جلدتك وهم يقضون حياتهم في الثرثرة أو الطهي وقتل الوقت في امور لا تقدمهم خطوة واحدة للأمام.
وانا اروي لكم رحلتي في الركض وراء الفن والطبيعة والجمال والسياحة الأدبية، اختم هذه الذكريات فافشي لكم سرًا: كم تمنيت أن يعود بيّ الزمان إلى الوراء حينما تركت هولندا أمُّ الدنيا وعاصمة الجمال، وقدمت إلى هذه القارة التي تقع في كعب الدنيا في كل شيء.
حقًا هناك اماكن لها في القلب أماكن!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو