الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختفاء رباب ماردين 3

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2013 / 2 / 18
الادب والفن


الحلقة الثالثة

في صباح اليوم التالي، أفقت من النوم وخيوط الشمس الصباحية الناعمة قد تسلّلت الى الغرفة. قمت من فراشي، اقتربت من النافذة وفتحتها. كان اليوم صحوا، رائقا، وهواء لطيف، منعش انساب الى الغرفة حاملا معه عطر الورود وروائح النباتات العطرة. جهّزت نفسي وهبطت الى غرفة الطعام عند التاسعة، قبل ذهابي الى السيدة ماردين لإجراء فحصها الصباحي.
كنت جالسة في مقعدي أتناول الفطور حين دخل وسام ماردين.
"صباح الخير، آنسة مدنية." قال بلطف.
"صباح النور، سيد ماردين."
جلس في مقعده الى يساري.
سألني: "كيف كانت ليلتك الأولى عندنا؟ أرجو أنها كانت هانئة."
"كنت مرهقة جدا وقد نمت جيدا دون انزعاج." أجبت.
"هذا جيد."
إستلبت النظر نحوه وهو يسكب لنفسه الشاي ثم يضع في صحنه بيضتين مسلوقتين. كان وسام ماردين رجلا نادرا تمتزج فيه رجوليته الكامنة في بنيته القوية، المتناسقة الأعضاء، ورقة عجيبة تشعّ من ملامحه التي تكسوها ابتسامته الدافئة وتكسبها إشراقة بهيّة. ورغم أن قامته لم تكن طويلة، إلا أن جسمه كان جميل التكوين، وعينيه الرماديتين كانتا تلمعان دوما بفرحة نشيطة، تحت خصلات شعره الذهبيّ الأملس التي تتمايل على جبهته برقة ودلال. ظننت أنه على قدر كبير من الوسامة.
ترى كيف يبدو حسام ماردين، الرجل الذي أحبته رباب منذ صغرها؟ كان حسام الأخ الأصغر، وهو لا يكبرها بأكثر من ثلاث سنوات. وقد ابتدأ إعجاب رباب به حين كانت في عمر صغير جدا لا يتعدى الأربعة عشر عاما. وفي ذلك الوقت، لا بد أن حسام كان ما يزال يافعا. أما وسام فقد كان فتى في ريعان شبابه. فكيف أعجِبت بحسام الذي لم ينضج بعد، بوجود وسام، الشاب الوسيم، الجذاب، الذي يزخر برجولية ورقة في ذات الوقت؟ تعجّبت.
التفتّ اليه وسألته: "هل تبدأ عملك في مثل هذا الوقت؟"
"ليس دائما. عملي لا يلزمني أن أكون في الشركة في ساعة محددة. أنا مدير التسويق وأعمل كثيرا خارج الشركة... لدي مقابلة مع أحد الزبائن بعد ساعة من الآن. من حسن حظي أنني أملك متّسعا من الوقت للراحة والترفيه عن نفسي، فأنا لا أرى أن العمل هو كل الحياة، كما يفعل أخي. إنه يعمل لساعات طويلة وقد قضى معظم حياته في أعمال الشركة. ربما لأن منصبه كمدير عام يتطلب منه ذلك. ولكن الحياة قصيرة والعمل لا ينتهي."
"منذ متى يشغل هذا المنصب؟"
"منذ خمس سنوات تقريبا."
"غريب أن الأخ الأصغر هو الذي يشغل منصب المدير العام."
"ليس غريبا. كما قلت لك، إنه عمل لا يناسب طبيعتي، ويناسبه هو أكثر."
"وأين هو الآن؟"
"مسافر لشؤون العمل، كالعادة، فهذه هي طبيعة عمله. إنها تتطلّب منه الكثير من السفر والغياب الطويل."
"أهكذا كان دائما؟"
"منذ أن تولّى منصبه."
"حتى وهو متزوّج؟؟"
تقلصّت ملامح وجهه وكان من الواضح أن سؤالي قد أصابه بالارتباك، ولكن كان عليّ سماع التفاصيل عن زوج رباب. ولترطيب الجو، وكأنني كنت أبرّر فضولي، أضفت: "ليس من السهل على الزوجة أن يغيب عنها زوجها كثيرا."
فأجاب بهدوء: "إنه العمل. على كل حال، أظن أنها كانت على علم بذلك قبل زواجها. وبالرغم من ذلك، من الواضح أن حياتها لم تكن سهلة في هذا البيت."
ثم تشجعت لأسأله: "ألم تعرفوا شيئا عن مكانها الى الآن؟"
رفع اليّ عينيه الرماديتين بشيء من الارتياب وقال: "أرى أنهم قد أخبروك بكل شيء عنها في غضون ساعاتك المعدودة هنا. ألا يعرفون السكوت في هذا البيت؟ هذه السيدة نخايلة تحتاج مني لبعض التأنيب. إنها صموتة وخطيرة. رغم صمتها تبقى تبوح بما لا ينبغي."
"لا، لا. لا دخل لها في الموضوع على الإطلاق. وأعتذر إن كنت قد تدخّلت بشؤونكم الخاصة. أنت تعلم أن الخبر انتشر في الصحف. هذا كل ما في الأمر."
زفر أنفاسه وقال: "لا بأس."
لحظات صمت طويلة سادت بيننا، كنت أفكر فيها عن فضولي الذي يفضحني وسيكشف أمري بسرعة إن لم أكن حذرة. ثم فكّرت في كلامه عن السيدة نخايلة. صموتة وخطيرة... هل يدل صمتها على خطورة؟؟! استغربت ذلك. ثم تذكّرت أنني لا أعرف عنها شيئا.
"هل تحبين أن أعرّفك على المنطقة؟" سمعت صوت وسام ماردين يسألني. "إنها ستعجبك حتما."
"يسعدني ذلك." أجبت.
"إذن، لنلتقِ اليوم عند النافورة في الخامسة."

ذهبت الى غرفة السيدة ماردين لفحصها فوجدت السيدة نخايلة معها في الغرفة. وجدتها تقترب مني وتهمس لي: "إنها ضعيفة هذا الصباح. لم تنم في الليل جيدا. فأعطيتها حبة مهدّئة في آخر الليل."
اقتربت منها وبدأت بفحصها. كانت مغمضة العينين لا تحس بما حولها.
"لندعها ترتاح قليلا." قلت للسيدة نخايلة.
خرجنا من الغرفة.
قالت السيدة نخايلة بنبرة عطف: "منذ أن تعرّضت لنوبة قلبية وهي تعاني من حالات الضعف هذه. بالأمس كانت جيدة حتى نامت. وفجأة، انقلب حالها."
قلت لها: "إبقي قريبة منها وأخبريني بأي تغيير في حالها."

........................................

تحسّنت حالة السيدة ماردين قليلا في الساعات التالية، الا أنها بقيت ملازمة لفراشها طوال ذلك اليوم، وبقيت السيدة نخايلة قربها طوال ذلك الوقت. أما أنا، فقد تردّدت عليها لتفقّدها عدة مرات حتى نامت بعد الظهر.
تناولت طعام الغداء في وقت متأخّر مع حميدة وكلوديا أخشيد. وكان كل فرد من أفراد العائلة يتناول غداءه في أوقات متفاوتة لانشغال كل واحد بأعماله الخاصة. فاقترحت عليّ السيدة أخشيد أن أتناول الغداء معها ومع ابنتها، إن أردت، بعد عودة كلوديا من المدرسة.
"كيف أصبح حالها الآن؟" سألتني السيدة أخشيد عن السيدة ماردين خلال الغداء.
"إنها نائمة،" أجبت. "وقد استقرّ حالها الآن."
هزّت السيدة أخشيد رأسها بأسف. "المسكينة! هل ستبقى على هذا الحال بقية حياتها؟"
"جسمها ضعيف، وخاصة قلبها، ولكن حالتها لا تدعو الى الخطورة." أجبت.
"أنا متأكدة أنها ستتحسّن حتى الغد." حاولت كلوديا تهدئة أمها.
"لقد طلبت من احدى الخادمات أن تبقى معها في الغرفة. لا بد أن تكون السيدة نخايلة مرهقة، فقد سهرت عليها طوال الليل ولازمتها خلال النهار. إن إخلاصها للسيدة ماردين أمر رائع، ولكنها ترهق نفسها كثيرا." قالت السيدة أخشيد.
"فعلا، إنها تخشى عليها كثيرا،" قلت. "لا بد أنها تعمل هنا منذ وقت طويل."
"هذا صحيح. ورغم أنها تركت العمل في مرحلة ما، الا أنها عادت بعد فترة. سمعت أنها تزوجت، ولكنني لست متأكدة. إنها كتومة جدا ولا تتحدث عن نفسها على الإطلاق." قالت السيدة أخشيد.
"أحيانا،" قالت كلوديا فجأة. "أحسّ أن من وراء صمتها هذا سر باتع. لا أدري لماذا يبقى وجهها مقطّبا طوال الوقت. حتى أنني لا أذكر إن رأيتها تضحك مرة واحدة. أذكر فقط أنني كنت أخاف منها في صغري. المسكينة. لا شك أنها كانت تريد أن تكون زوجة وأما لأولاد تحبهم مثل كل النساء، بدل الاعتناء بسيدة عجوز والسهر عليها. أحيانا أفكر أن ذلك ما يضيق عليها."
تقلصت ملامح السيدة أخشيد بشيء من القلق والحيرة، وقالت لابنتها بلهجة معاتبة: "حبيبتي، السيدة نخايلة تعتني بالسيدة ماردين باختيارها. صحيح أنها مدبّرة هذا المنزل، ولكنها متعلّقة بالسيدة ماردين، وذلك، على الأقل، يدل على طيبة قلبها." ثم حوّلت نظرها نحوي ورمقتني بنظرة رجاء فيها ارتباك، وكأنها تعتذر عن أقوال ابنتها.

يتبع....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي